العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

للإثراء والنقاش : التأليف في أحاديث الأحكام : أسبابه-أصنافه-الشروحات...

إنضم
25 يونيو 2008
المشاركات
1,762
الإقامة
ألمانيا
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
ألمانيا
المدينة
مونستر
المذهب الفقهي
لا مذهب بعينه
الحمد لله بما أنعم على الإسلام وأهله والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين : جاءنا بالحق المبين ، فمن امتثل الأوامر فالجنة مثواه ، ومن أعرض ونافق فالنار الحامية ملقاه ، فاللهم إنا نسألك هداية للحق تثلج الصدور وثباتا عليه يضمن حسن العاقبة.
لقد كان التأليف في أحاديث الأحكام طفرة علمية في السجل العلمي للمسلمين , فبعد أن كُسبت المعركة ضد الوضع والوضَّاعين بجمع الأحاديث في مصنفات ودواوين ضخام , بدأت حركة التمحيص وبدأ اتجاه إفراد الصحيح بالتصنيف يقوى يوما بعد يوم فظهرت مصنفات عظام : عُدَّ بعدها أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى..
وشاء الله تعالى أن تظهر جفوة بين المحدثين والفقهاء , فبعد أن كان المحدث فقيها والفقيه محدثا : انتظم كل واحد في سلكه , وانفرد بصناعته , وجهل أمور الصناعة الأخرى , راميا أهلها بمثل ما قد رُمي به من طرفهم : وبين هؤلاء وأولئك قوم لم يجدوا أسهل من الدعاوى ، ممزوجة بكثير من الألفاظ الجارحة...
وقد كان ضعف الفقهاء في أساس صنعتهم "الحديث" واضحا جدا([1]) , لدرجة أن اتفق أهل الحديث على عدم قبول رواية فقيه , إذ كان الغالب على الأخير التصحيف والعناية بمحل الإستشهاد فربما ضيع الإسناد , وفي هذا الصَّدد يقول الإمام ابن حبان :
"الفقيه إذا حدَّث من حفظه، وهو ثقةٌ في روايته لا يجوز عندي الاحتجاج بخبره؛ لأنه إذا حدث من حفظه فالغالب عليه حفظ المتون، دون الأسانيد، وهكذا رأينا أكثر من جالسناه من أهل الفقه، كانوا إذا حفظوا الخبر لا يحفظُون إلا متنه، ... فإذا حدَّث الفقيه من حفظه ربما صحّف الأسماء، وأقلب الأسانيد، ورفع الموقوف، وأوقف المرسل، وهو لا يعلم لقلة عنايته به، وأتى بالمتن على وجهه، فلا يجوز الاحتجاج بروايته إلا من كتاب أو يوافق الثقات في الأسانيد"([2]).
ويعقب الإمام ابن رجب الحنبلي على كلام ابن حبان بما يجلي حقيقة صنائع الفقهاء , فيقول وهو الخبير بالصناعتين –رحمه الله- :
"والأغلب أن الفقيه يروي الحديث بما يفهمه من المعنى، وأفهامُ الناس تختلف ولهذا نرى كثيراً من الفقهاء يتأولون الأحاديث بتأويلات مستبعدة جداً"([3]) .
وفي سبيل قطع مادة هذا الخلل العلمي , قام جمع من الأئمة المخلصين بعمل يقرب الهوة([4]) , ويربط كافة أهل الإسلام بالسنة , فألفوا كتبا اصطلح على تسميتها ب "كتب أحاديث الأحكام" تحروا فيها الصحة ما وسعهم ذلك , مع تجريد الأحاديث من أسانيدها , والإقتصار –غالبا- على محل الشاهد , ومن الشواهد على ذكرته : ماقاله الإمام العراقي في مقدمة كتابه "تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد" :
" فقد أردت أن أجمع لإبني أبي زرعة مختصرا في أحاديث الأحكام، يكون متصل الأسانيد بالأئمة الأعلام فإنه يقبح بطالب الحديث بل بطالب العلم أن لا يحفظ بإسناده عدة من الأخبار، ويستغني بها عن حمل الأسفار في الأسفار"([5]).
ويقول الإمام ابن عبد الهادي في كتابه "المحرر في الحديث" :
"وذكرت بعض من صحح الحديث أو ضعفه ، والكلام على بعض رواته من جرح أو تعديل ، واجتهدت في اختصاره وتحرير ألفاظه ، ورتبته على ترتيب بعض فقهاء زماننا ليسهل الكشف عنه"([6])
إلا أن هذه الكتب –أعني أحاديث الأحكام- لم تسلم من حديث ضعيف أورد على أنه صحيح , وآخر أورد معزوا إلى مصنف وهو في غيره , إلى غير ذلك مما تؤدي إليه عوارض السهو والغفلة التي جبل عليها خلق الله جميعا , فشمر عن ساعد الجد بعض من اصطفاهم الله لخدمة الدين : فمحص أسانيد أحاديث الأحكام وحقق الكلام عليها = حتى لا يغتر منتسب إلى الفقه بما هو مسطور فيأخذه بمطلق التسليم !
وكان من هؤلاء النفر الكرام : أبو الحسن ابن القطان –رحمه الله- فإنه قد خصَّ كتاب الأحكام الوسطى بعناية تتبع فيها ما رأى أن الإمام أبا محمد الإشبيلي قد زل فيه ووهم , وما قام أبا الحسن بالذي قام به إلا لما رأى انصراف متفقهة المالكية إلى "الأحكام الوسطى" بل قد نص بعض أهل العلم على أن "الأحكام الوسطى" كافية لمن تصدر للإجتهاد كابن عرفة المالكي([7]) , يقول ابن القطان رحمه الله :
"فلذلك لا تجد أحداً ينتمي إلى نوع من أنواع العلوم الشرعية ، إلا والكتاب المذكور عنده ، أو نفسه متعلقة به. قد حداهم حسن تأليفه إلى الإكباب عليه وإيثاره وخاصة من لا يشارك في طلبه بشيء من النظر في علم الحديث ، من فقهاء ، ومتكلمين ، وأصوليين ، فإنهم الذين قد قنعوا به ، ولم يبتغوا سواه ، حتى لربما جر عليهم جهالات"([8]).
لكل ذلك صار كتاب بيان الوهم والإيهام "كالذيل على الأحكام ؛ وإن شئت قلتَ : لا تمكن الإستفادة من الأحكام الوسطى استفادة تامة بعيدة عن التحريف والغلط بدون الإعتماد على بيان الوهم والإيهام"([9]).
والسبب في ذلك أن كتاب ابن القطان رحمه الله , كتاب كشف عن العلل وتجويد للأسانيد , وإنه لمن المعروف أن التعبدَّ الموجب للفوز بالجنة متوقفٌ على العمل بمقتضيات أحاديث الأحكام و الأخلاق والعقائد, ولا نستطيع العمل إلا بأحاديث قَد ثبتت صحة نسبتِها إلى رسول الله r , ولا تثبت هذه الصحة إلا بالفزع إلى أدوات النقد والتعليل –كما صنع ابن القطان- يقولُ الإمام مسلم رحمه الله :
"فإذا كان الراوي لها ليس بمعدن للصّدق والأمانة , ثُم أقدم على الرواية عنه من قد عرفه ولم يبين ما فيه لغيره , ممن جَهَل معرفته , كان آثما بفعله ذلك , غاشا لعوام المسلمين."([10]) .
فصار الإطلاع على كتاب "بيان الوهم والإيهام" – ومن نحا نحوه-واختصاصه بالعناية : واجبا , حتى يُتجنب الكذب على رسول الله r .


[1] - يزيد العجب إذا علمنا أن بعض كبار الفقهاء المذهبيين جعلوا عمدة كتبهم الفقهية أحاديث أكثرها معل ! كالجويني مثلا فإن كتابه (نهاية المطلب في دراية المذهب) جليل القدر لكن أكثر مادته الحديثية من سنن الدارقطني , كما قال ابن تيمية ! ورحم الله الجميع.

[2] - ابن رجب الحنبلي , شرح علل الترمذي , قاعدة :الفقهاء المعتنون بالرأي حتى يغلب عليهم الإشتغال به".

[3] - السابق.

[4] - إن هذا السبب ليس هو السبب الوحيد لظهور المصنفات في أحاديث الأحكام , بل هناك أسباب أخرى : كانتهاء عصر الرواية , ومواكبة منهج التأليف الذي بدأ يسود والمعتمد على "الإختصار"...

[5] - عبدالرحيم العراقي , مقدمة كتاب "تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد".

[6] - محمد بن عبد الهادي , المحرر في الحديث 1/ 80.

[7] - السنوسي , إرشاد الوسنان إلى العمل بالسنة والقرآن ,

[8] - ابن القطان الفاسي , بيان الوهم والإيهام 2/ 8.

[9] - الحسين أيت سعيد : مقدمة تحقيق بيان الوهم والإيهام 1/ 205.

[10] - مسلم بن الحجاج , مقدمة الصحيح 1/12.
 
أعلى