تفنيد ابن النحاس الدمياطي لحجج القاعدين عن الجهاد

[منيب العباسي]

أبو زكريا أحمد بن إبراهيم بن محمد الدمشقي ، ثم الدمياطي ، المشهور بابن النحاس..من أئمة السيف والقلم
استشهد رحمه الله في سنة 814هـ حينما هجم الفرنج على قرية "الطينة" في مصر وخرج أهل دمياط لنجدتهم وكان على رأسهم ابن النحاس الشهيد
قال ابن العماد في شذراته عنه : (الشيخ الإمام ، العلامة ، القدوة)
وقال الحافظ ابن حجر في "إنباء الغُمر" : ( وكان ملازماً للجهاد بثغر دمياط ، وفيه فضيلة تامة ، وجمع كتاباً حافلاً في أحوال الجهاد ، فقتل في المعركة مقبلاً غير مدبراً)
وسأنقل من كتابه الحافل هذا الذي وسمه بـ"مشارع الأشواق إلى مصارع العشاق ومثير الغرام إلى دار السلام" جزءاً لطيفاً خصصه في الرد على القاعدين عن الجهاد بأسلوبه الأدبي الرقيق, وكتابه هذا من اللطائف التي تدل على صدق نيته ومواطأة لسانه عمله فقد كتب عن الجهاد ورد على أهل التثبيط والتخذيل ثم صدّق قوله بعمله وصدق الله فصدقه, وممن يذكرنا بهذه "النماذج " العطرة من المعاصرين الشيخ نزار ريان رحمه الله تعالى عالم الحديث وشهيد حرب غزة
رزقنا الله وإياكم الشهادة في سبيله
والله المستعان​

 

[منيب العباسي]

وبمناسبة ذكر الشيخ الشهيد نزار فإنه هو الآخر صاحب كتاب "تخريج أحاديث الشهادة والشهيد" الذي كان رسالته في الماجستير من الجامعة الأردنية..رحمه الله وغفر له..وإلى جولة مع ابن النحاس وإن شئت فسمها صولة! في تفنيد حجج القاعدين وسأسوقها باختصار بحول الله سبحانه
الشبهة بالأحمر, والرد تحته خط,والأدلة بالأخضر
-----
تفنيد الحجة الأولى:​

أما سكونك إلى طول الأمل وخوفك من هجوم الأجل واحترازك من الموت الذي لا بدّ من نزوله وإشفاقك من الطريق الذي لا بدّ من سلوك سبيله فهذا باطل وحجتك فيه واهية مردودة.
والله إنّ الإقدام لا ينقص عمر المتقدمين ووالله إنّ الإحجام لا يزيد عمر المستأخرين.
والله تعالى يقول : (ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون )
ويقول: ( ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها والله خبيرٌ بما تعملون )
و يقول: (كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون )
إنَّ للموت لسكرات أيها المفتون،وإن هَوْلَ المَطْلع شديد ..والله عزَّ وجل يقول: (يثبت الله الذين ءامنوا بالقول الثابت في الحيوة الدنيا وفي الآخرة ويضلُّ الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء )
وفي الآخرة الخطر العظيم والإنسان إمّا أن يكون سعيداً إلى جنات النعيم،وإمّا أن يكون شقيّاً إلى عذاب الجحيم.
والشهيد آمنٌ من جميع ذلك،لا يخشى شيئاً من هذه المهالك!
والقتل غير مؤلم للشهيد،فلا يجد إلّا ألم القرصة.
روى الترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة-رضي الله عنه-عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-قال : (ما يَجِدُ الشهيدُ من أَلِم القتل إلا كما يجدُ أحدكم من مسِّ القرصة..).​

 

[منيب العباسي]

تفنيد الحجة الثانية:​

وإن قلت يعوقني عن الجهاد:أهلي ومالي،وأطفالي وعيالي، فأنت مخطئ،وحجَّتك هذه باطلة مردودة.
لقد قال الله تعالى قولاً مبيناً لا يخفى: (وما أمولكم ولا أولادكم بالتى تقرّبكم عندنا زُلفى)
وقال تعالى: (زيّن للناس حبُّ الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذّهب والفضّة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث ذلك متاع الحيوة الدنيا والله عنده حسن المئاب).
وقال تعالى: (اعلموا أنما الحيوة الدُّنيا لعبٌ ولهوُ وزينةٌ وتفاخرٌ خُر بينكم وتكاثرٌ في الأموال والأولد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرّاً ثم يكون حطاماً وفي الآخرة عذابٌ شديد ومغفرة من الله ورشوان وما الحيوة الدنا إلا متاع الغرور)
والآيات في مثل هذه كثيرة،والحجج واضحةٌ منيرة.
وروى البخاري عن سهل بن سعد الساعدي-رضي الله عنه-عن رسول الله(صلى الله عليه وسلم)قال: (موضعُ سوطَ أحدكم من الجنة خيرٌ من الدنيا وما فيها،وغدوةٌ في سبيل الله أو روحةٌ خيرٌ من الدنيا وما فيها ،وخمارٌ جاريةٍ من أهل الجنة خيرٌ من الدنيا وما فيها..).
فكيف يصدُّك عن هذا الملك العظيم في الجنه أهلٌ ،عن قريبٍ يكونون في الأموات،وتمزقهم أيدي الشتات،وتفرقهم نوازل الآفات؟
أم كيف يصدُّك المال عن الجهاد وهو في معرض الذهاب والزوال..ثم يوم القيامة تُسأل عن المال:من أين اكتسبته؟وفيم أنفقته؟وياله من سؤال،في يوم تشيبُ فيه الأطفال،وتعظم فيه الأهوال!
وإن تذكرت ولدك الكريم وحنوت عليه حنوَّ الأب الشفيق الرحيم ، فتذكّر قول الله تعالى: (إنما أمولكم وأولدكم فتنة والله عنده أجرٌ عظيم)
ووالله إن الله أرحم بالولد من أبيه وأمِّه،وأخيه وعمِّه،وكيف لا وهو قد ربّاه قبلهم برحمته في ظلمات الأحشاء،وقلّبه بيد لطفه ورأفته في أرحام الأمهات وأصلابِ الآباء!.​

 

[منيب العباسي]

تفنيد الحجة الثالثة:​

وإن قلت:أقعد عن الجهاد لأنه يشقُّ عليَّ فراقُ الأخ والقريب ،والصديق والحبيب، فكلامك باطل،وحجتك مردودة.
تذكَّر القيامة وقد قامت على الخلق أجمعين،والأخلاءُ يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين، فإن كانت الصداقة لله فستجمع بينكما علِّيّون،في نعيم أنتم فيه خالدون،وإن كانت الصحبة لغير الله فالفراق الفراق،قبل أن يحشر الرفاق مع الرفاق.
روى البيهقي والحاكم عن سهل بن سعد الساعدي-رضي الله عنه-قال: (جاء جبريل إلى النبي(صلى الله عليه وسلم)فقال:يا محمد:إن الله يقول لك:عِشْ ما شئت فإنكَ مَجْزِيٌّ به..واعلمْ أن شرفَ المؤمن قيامه بالليل،وعزُّه اسغناؤه عن الناس).

 

[منيب العباسي]

تفنيد الحجة الرابعة:​

وإن قلت:يقعدني عن الجهاد منصبي وجاهي الرفيع، وعزّي وحجابي المنيع. فكلامك خطأ،وحجتك باطلة مردودة.
ليت شعري كم فارق منصبك محبٌّ له إلى أن وصلَ إليك.
وآخِرُ من يخرجُ من النار من الموحِّدين، ويدخُل بعد الداخلين،يعطيه الله في الجنة عشرة أمثال ملوك الدنيا أجمعين!فما ظنُّك بمن يكون مع السابقين الأولين، من النبيين والصديقيين والشهداء والصالحين؟!
مع ما يخفى عليك مما في المنصب من النَّصَب والتعب،وشَرِّ العاقبة وسوءِ المنقلب،وما تكسبُ به من كثرة الأعداء والحساد.
اطلب الجنة ونعيمها ،واسمع قولَ العزيزالغفار: (جنَّت عدنٍ يدخلونها ومن صلح من ءَابائهم وأزواجهم وذريّاتهم والملئكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار)
والله إنِّ هذا هو الذي تقرُّ به العيون،ولمثل هذا يجب أن يعمل العاملون!

 

[منيب العباسي]

تفنيد الحجة الخامسة*​

وإن قلت:يشقُّ عليَّ فراق قصري وظلَّه،وبنائه المشيَّد وعلوَّ محلِّه،وحشمي فيه وخدمي،وسُروري فيه ونعمي، فكلامك باطل وحجتك مردودة داحضة.
ما قصرك ؟!
ما هو إلَّا بيتٌ من طين وحجرٍ وتراب، ومدرٍ وحديدٍ وخشب،إنْ لم يكنس كثرت فيه القمامة،وإن لم يسرج فما أشدَّ ظلامه، استبدل أيها المغرور قصرك مع سرعة فنائه،بدارٍ باقية،قصورها عالية، ...​

وإن سألتَ عن خدمِها ، فالولدان المخلدون الذين قال الله عنهم : (ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذ رأيتهم حسبتهم لؤلؤاً منثورا..)
وعليك أن تقيس بعقلك ما بين هذا الملكِ العظيم الخطير، وبين قصرِك ذي العُمُرِ القصير
---
*كلام ابن النحاس رحمه الله في وصف الجنة طويل​

 

[منيب العباسي]

تفنيد الحجة السادسة:​

وإن قلت:أقعدُ عن الجهاد لأني راغب في طول العمر لإصلاح العمل، كلامك هذا باطل،وحجتك مردودة.
إنّ هذا الكلام عندك ناتجٌ من الغرور،ووالله لا يتم تأجيل في الأجل المقدور
والله يقول : (بأيّها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحيوة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور إن الشيطان لكم عدوٌّ فاتخذوه عدواًّ إنما يدحو الله حزبه ليكونوا من أصحاب السعير )
.أليس الصحابة وأخيار التابعين،أولى منك بهذا القصد إن كنت من الصادقين؟!
ولول ركن الصحابة والتابعون إلى تأخير الآجال،لما ارتكبوا في الله عظيم الأهوال
ألا تصغي بأذنك يا هذا المفتون إلى قوله تعالى: (انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأمولكم وانفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون)
ألا تلقي بالك إن كنت فطيناً فهيماً ،وتفكر في قوله تعالى: (وفضَّل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً)
وروى الترمذي والبيهقي والحاكم عن أبي هريرة(رضي الله عنه)عن رسول الله(صلى الله عليه وسلم)قال: ( إنَّ قيامَ الرجلِ في الصَفِّ في سبيل الله،أفضلُ من عبادته في أهله سبعين عاماً).

 

[منيب العباسي]

----------مكرر------------

 

[منيب العباسي]

تفنيد الحجة السابعة:​

وإن قلت:إنني أقعد عن الجهاد لأن نفسي لا تطيق فراق زوجتي، فأنا مُغرمٌ بجمالها، وأُنسي بقربها،وسروري بوصالها.فكلامك خطأ،وحجتك باطلة مردودة.
يا للعَجب،كيف يُقْعِدُك حبُ هذه عن وصال من خلُقت من النور، ونشأت في ظلال القصور، ..والله لا يجفُّ دَمُ الشهيد حتى تَلْقاه،وتستمتع بشهودِ نورها عيناه.
إنها حوراءُ عيناءُ،جميلةٌ حسناءُ،بكرٌ عذراءُ،كأنها الياقوت،لم يطمثْها إنسٌ قبلك ولا جان.
واعلم أن فراقك لزوجتك تلك أمر لا بدَّ منه،وكأن قد وقع،والجنةُ إن شاء الله تجمعُ بينكما،ونِعْمَ المجتمع،وما بينك وبَين وَصْلها إن كانت من الصالحات،إلّا وقتٌ لا بدَّ مِن فراقَك لها فيه،وهو الممات،فتجدُها في الآخرة أجمل من الحورِ العين بما لا يعلمُه إلَّا رب العالمين.
ومن أخلد إلى الكسل، وغرّه الأمل،زلّت منه القدم،وندِمَ حيثُ لا ينفعه الندم،وَقَرَعَ السنَّ على ما فرِّط وفات،إذا شاهد الشهداء في أعلى الغرفات!
واللهُ يقولُ الحقَّ وهو يهدي السبيل،وهو حسبنا ونعم الوكيل

 

[منيب العباسي]

تصويب : غير مدبرٍ..وليس غير مدبراً !
نقلت من نسخة وورد ,الأخطاء فيها كثيرة