قد يكون بعض مسائل المصطلح = أصول الحديث, مشتركة مع أصول الفقه, لكن يبقى علم الثبوت مختلفاً عن علم الدلالة, فلا ينبغي أن يتقحمه الأصوليون لافتقارهم أدوات أهل الشأن الأوائل الذين قعدوا أسس هذا العلم ثم إنهم أدخلوا على أصول الحديث ما هو غريب عنه ولهذا لا تجد قضية مثل آحاد متواتر ونحوها وما تحمله من مضامين معينة وما نتج عنها من آثار , ضمن كلام المحدثين الأقحاح إلا عند بعض من تأثر منهم بالمتكلمين ,فابن الصلاح مثلا لم يتعرض لها..وهذا مجرد مثال..والحاصل أن الأصوليين لما كان كثير منهم منضوين تحت مدرسة الكلام ,واقتضت قواعدهم التي قعدوها لأنفسهم في العقيدة أن يردوا الأخبار الصحيحة جاءوا بمسألة الآحاد والمتواتر ,وأعني بها وفق اصطلاحاتهم لا مجرد التقسيم النظري,فالتقسيم قد يكون مقبولاً وقد يكون متضمنا لابتداع بحسب ما ينبني عليه من ثمرة..ثم إن الأصوليين بتقحمهم علم الحديث تصحيحا وتضعيفا وتقعيدا..نتج عن تقعيداتهم ومسالكهم ما يسمى بمنهج المتأخرين في الحديث ,ومن معالمه في منهجهم عدم اعتبار الشذوذ والعلة ,مع بالغ أهمية دراسة العلل ودقة شأنها في تمييز المنقول وقد تفطن ابن دقيق العيد لهذا الفرق بين المدرستين وأشار إليه في الاقتراح, وإن شئت الوقوف على أبرز فرق جوهري بين تعاطي أهل الحديث ومتكلمة الأصوليين ومن تأثر بهم من المحدثين فهو في نظري أن الأصوليين يتعاملون مع التصحيح والتضعيف كقواعد رياضية جاهزة من قبيل 1+1=2..ويظهر ذلك جليا في مسألة زيادة الثقة مثلا..وغيرها ومن أراد الوقوف على الفرق بين المسلكين وآثاره على الساحة العلمية فليقارن بين كلام الحافظ الجبل ابن عبدالهادي في الصارم المنكي وبين السبكي في دعواه صحة حديث ابن عمر في الزيارة..
أما المحدثون فليست قواعدهم قوالب جاهزة , بل كل حديث له وضعه الخاص ينظر في القرائن ويفتش في المرويات
فرب حديث ظاهره الصحة وهو في غاية الضعف..ولهذا وقع الخلط في كثير من كتابات المعاصرين من تجاسروا على التصحيح والتضعيف دون مراعاة قواعد المحدثين بل قصارى ما يفعلونه النظر في الرجال ضبطا وعدالة..ومن أتعب نفسه نظر في اتصال السند, أما شرط انتفاء العلة ويدخل فيه الشذوذ, فليس واردا أصلا عندهم
والله أعلم