العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

كيفية التحرير للصحيح من أقوال أهل الظاهر.

إنضم
9 فبراير 2010
المشاركات
166
التخصص
الهندسة المدنية-منهج الظاهرية في كافة العلوم
المدينة
طنطا
المذهب الفقهي
أهل الحديث (ظاهري)
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فهذا تعليق على مسألة ذكرها الدكتور الفاضل عبد الباقي السيد الظاهري في قسم أصول الفقه تتعلق بأصول أهل الظاهر، فأحببت التعليق عليها وبيان وجهها، فأقول وبالله تعالى التوفيق:

المسألة الأولى: أصل التحرير في المذهب أو المنهج.

يرى جمهور الفقهاء من أهل الرأي وغيرهم من غير أهل الظاهر: أن التحرير في مذاهبهم يكون بالنظر إلى الدليل الصحيح المنضبط، سواء قاله المتقدم، أم قاله المتأخر.

أما أهل الظاهر وفق أصولهم المتيقنة: أن أصل التحرير فيما يعتبر قولاً ينسب لأهل الظاهر مدى موافقته لأصلهم في العمل باليقينيات وترك الظنون ثم العمل باليقين الجامع المتأخر ثبوتاً.

فالقرآن أمر باليقين وترك الظنون، فهذا أصل الظاهرية الأول، فمن عمل به كان منهم، ومن خالفهم فليس منهم.

ولو كان المخالف لهذا الأصل منهم لما ميز العلماء الظاهري من غيره، ولكانوا كلهم ظاهرية أو من أهل الرأي، ولكنهم ميزوا من أجل قاعدة العمل باليقين.

المسألة الثانية: الاختلاف بين داود وابن حزم في حكم ما والمعتبر في التقديم.

يقع الاختلاف بين أهل الظاهر وهذا غير محصور في هذين الإمامين، والتقديم لموافق القاعدة المذكورة أعلاه في المسألة الأولى.

وليس كل ما تظنه دليلاً يكون في حقيقته دليل صحيح، فالعبرة بصحة الدليل ولا أعني فقط صحة الحديث، ولكن صحة كون المستدل به مما يسمى دليلاً وفق قاعدة اليقين.

فهناك ما يسمى أدلة عند غير أهل الظاهر، وهي ليست أدلة عند الظاهرية بل متخيل ووهمي لا يرقى إلى اسم الدليل.


المسألة الثالثة: مخالفة المتأخر والمعاصر لابن حزم أو غيره من المتقدمين والمعتبر في التقديم.

وهذا أيضاً كما مر أعلاه، لكن بزيادة: فإن كانت المخالفة في الأصل الذي سموا به بهذا الاسم وأعني كونهم من الظاهرية فهناك من يحاول هدم هذا الأصل أو بعضه بغير يقين، وهذا لا عبرة بقوله.

والتحقيق عندي: أنه لا يوجد يقين يبطل أصلهم الذي كانوا به ( ظاهرية ) لا عند المتأخر ولا عند المعاصرين ولا عند أهل الرأي ؛ لأن أصوله مأخوذة من نصوص يقينية ودلالة متيقنة لا يمكن معارضتها بالرأي والظن.

المسألة الرابعة: كيفية حصر أقوال من يحرر المذهب على قوله.

ليس عند أهل الظاهر أقوال يحرر المذهب أو المنهج عليها ووفقها كما عند أهل الرأي والتقليد، فهذا عند غير أهل الظاهر.

وليس لأهل الظاهر فائدة من جمع أقوال بعضهم البعض إلا معرفة القول فقط، إذا لا يتغير أصلهم المتيقن الثابت من القرآن والسنة ودلالتهما المتيقنة لقول قائل منهم خرج عن هذا الأصل.

المسألة الخامسة: القاعدة في الحكم بأن داود أفقه من ابن حزم أو أقوى نظراً.

قد صرحت مراراً بأن داود أفقه من ابن حزم وأكثر علماً بالروايات من داود، وقد قلت مرة: لو كان لداود ما لابن حزم من علم بالروايات والتوسع فيها لما كان لابن حزم تأثير من هذا الباب، ولكان دوره دور المهذب والمنظم فقط، ولم يكن له دور الزيادة والتعقب بسبب سعة الإطلاع على الروايات التي لم يطلع عليها داود.

فقولنا: فلان فقيه، وفلان أفقه منه، هو اعتراف بأن الجميع من أهل الفقه، ولكن يتفاضل بعضهم على بعض في هذا الفقه.

وقد قرر أبو محمد هذا في رسالته الباهرة من كون هذا مختلف بين الأئمة وراجع إلى سعة اطلاع العالم وغير ذلك، فهذا لا ينكر.

وقد سألني أكثر من حبيب من أهل الظاهر عن معنى قولي، فبينت له الإجمال في كلامي والمراد منه:

أن داود رحمه الله كتب في الفقه والأصول وفق أصل الظاهر المتيقن، ورتب المسائل في الأصول والفروع كاملة من غير اعتماد على أحد قبله كتب بهذا التفصيل.

أما ابن حزم فإنه استفاد ممن سبقه من أهل الظاهر وهم كثرة، فكان المهذب والمرتب ثم الحاكم على أيها الصواب بحكم خبرته الواسعة بالروايات.

فابن حزم رحمه الله جاء مشرفاً على مذاهب من سبقه، وبهذا تميز عن داود، فكان له التأثير البالغ، فكتبت عنه الدراسات الكثيرة.

ومن اطلع على منهج الإمام ابن حزم في التصنيف علم ما أقوله، فابن حزم اختصر فقه داود وابنه من خلال ما وقع عنده من رسائل، ولا ندري إن كان قد وقف على كتب داود أم لا، لكن المتيقن أنه مطلع على بعض كتب محمد بن داود، وكتب ابن المغلس وغيره ممن تأخر عن زمان داود.

وقد اختصر كتاب الموضح لابن المغلس الذي فيه أقوال من سبقه كداود وابنه محمد، فابن حزم أشرف على هذه الأقوال واطلع عليها واستفاد منها في تحرير اختياراته الفقهية والتعقب على من سبقه.

ولا بد أنه اطلع على كتب الظاهرية في الأندلس، كقاضي الجماعة منذر البلوطي وشيخه ابن مفلت وغيرهما.

وقد استفاد ابن حزم أيضاً من الإمام ابن المنذر النيسابوري الإمام المجتهد المطلق من خلال كتبه التي كتبها في الاختلاف كالأوسط والإشراف ولعله اطلع على السنن أيضاً.

فمن وقف على هذه الكتب أو بعضها ونظر إلى مذهب ابن حزم سيعلم أنه استفاد وأشرف على ما كتبه غيره ممن سبقه، فكان تميزه في التعقب والتحرير بناء على شيء مكتوب موجود قبل أن يوجد ابن حزم.

وهذه الكتب موافقة ومعبرة عن منهجية أهل الظاهر، وإن كانت كتب ابن المنذر محل نظر وبحث الآن، لكن في الجملة فإن كتب ابن المنذر ومنهجيته تتوافق في كثير من أصولها وفروعها مع منهجية الإمام ابن حزم، ولعل هذا يتضح بعد إكتمال كتابي ( المزهر في بيان مذهب ابن المنذر ) الذي أجمع وأهذب فيه كتب ابن المنذر رحمه ليتضح مذهبه الفقهي والأصولي.

أما داود وإن كان له اطلاع على كتب من سبقه من الأئمة الأربعة إلا أن منهجهم مخالف لمنهجه، وتحريرهم مخالف لتحريره، وأصولهم مخالفة لأصوله، وهذا لم يكن لابن حزم أصلاً.

فمن هذا الوجه كان داود عقلية أصولية فقهية لا ينافسه فيها ابن حزم ولا من جاء بعده.

والذي يعين على معرفة هذا: جمع فقه داود والاطلاع على فقهه، فيتضح هذا للناظر.

ولو ضربنا المثال الآن بداود وابن عقيل بدلاً من ابن حزم لاتضح لنا المقصود، فابن عقيل جاء لشيء موجود وفق أصول الظاهرية المتيقنة، ولم يفصل هو في هذه الأصول، فاستفاد الإجمال والتفصيل ممن سبقه وإن كانت له إضافات وتحريرات وتقييدات.

فوضع الشيء على منهج علمي بلا سبق بهذا التفصيل يدل على متانة وعقلية فقهية جبارة بخلاف من جاء إلى الشيء ووجده جاهزاً فكان دوره التهذيب والتنظيم والتحقيق لبعض ما فيه.

ولهذا المعنى أطلق على داود في كتب التراجم أنه مؤسس رغم تحفظي على هذه الكلمة، وأن ابن حزم مهذب ومنافح وناشر لما استقر.

وقد يقول قائل: لو كان ابن حزم في زمان داود، وداود في زمان ابن حزم لكان قادراً على الإتيان بمثل ما جاء به داود أو بأحسن منه.

وهذه أمنية ليست واقعية، ولا ندري أصلاً إن كان سيكون مثله أو أفضل منه أو غير ذلك، فنحن في الدراسة نحكم على ما نرى من خلال الواقع الموجود، ولا نحكم على شيء إن وجد، وكيف يكون بعد وجوده، فلا يتعنى الباحث هذا المنهج إذ فائدته ليست بالفائدة العلمية.

فكلنا يعترف بإمامة الإمام ابن حزم وتقدمه وعلمه وفضله وموسوعيته، ولكننا حكمنا بذلك حين رأيناه مشرفاً على أقوال غيره مدافعاً ومحرراً ومحققاً فقط، فإن أعيد الزمان وعكست التواريخ فحينها يكون لنا موقف.

فكل من داود وابن حزم أئمة، وكل واحد منهما له دور في زمانه، وكل منهما كان لبنة في بناء هذا المنهج، وفقد أي لبنة يسبب غموض هذا البناء في بعض جوانبه.

فيستفاد من جميع أئمة أهل الظاهر، ويحترم دور كل واحد منهما، وكما اعترف ابن حزم بأن داود شيخ من شيوخه ومعلم من معلميه وأنه متبع للحق وإن خالف شيخه.

نعترف نحن أيضاً: بأن داود وابن حزم ونفطويه والحميدي وغيرهم شيوخ من شيوخنا ومعلمين من معلمينا، وأننا نتبع الحق وإن خالف شيوخنا.

المسألة السادسة: تقديم فقه ابن حزم على المتأخر والمعاصر من الظاهرية لسعة علمه وقوة أدلته.

ليست العبرة بقول ابن حزم ولا بقول داود، وإنما المعتبر والمحاكمة تكون بالنظر إلى الأصول التي من أجلها أطلق عليهم أهل الظاهر أو أهل النص أو الذين يعملون باليقين.

فالتقديم للقول يكون بموافقة القول بأصل الظاهرية المتيقن، والتأخير والإبطال يكون بمخالفة هذه الأصول، ولا عبرة بزمان القائل.

فلا أحد ينكر سعة اطلاع ابن حزم وقوة حجته، ولكن لا معصوم في الدنيا إلا نبي أو رسول، لذلك يقع العالم بالخطأ والوهم، ويغفل عن دليل بغير قصد، أو يغيب عنه دليل لعدم علمه به.

فالعبرة تكون دائماً بمن جاء بيقين يوافق أصول أهل الظاهر المتيقنة التي من أجلها سموا بهذا الاسم.

ولاحظ أني كررت قولي ( أصول أهل الظاهر التي من أجلها سموا بهذا الاسم ) وذلك لأبين للقارئ أن هناك من يدعي العمل بالظاهر ثم يخالف أصولهم التي لولاها لما أطلق عليهم هذا الاسم، ويريد جبراً أن يكون منهم وهو مخالف لأصولهم بحجة أنه بلغ رتبة الاجتهاد وله حق الاختيار.

فيخلط بين كونه استحق الاجتهاد فله أن يجتهد باتفاق، وبين العمل والأصول التي لم يقف عندها جميع العلماء عدا من وصفوا بأنهم من أهل الظاهر، وأصلها العمل باليقين بحسب ما أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأن هذه الأصول ليست محلاً للاجتهاد، إذ لا اجتهاد في قبول متيقن أو رده أو تقييده أو الزيادة عليه بعد ثبوته، هذا من جهة كونها أصول ولا أعني الفروع المبنية على تلك الأصول والتي قد يتصورها الباحث أو العالم أنها يقينية.

فهذا خلط وإيهام يقع من بعض من يتسمى باسم الظاهري.

والتقديم والتأخير مقبول في المذاهب والمناهج والتوجهات التي تقبل اليقين والظن والتقليد وغيرها من طرق في إثبات معلوم، فلذلك يأتي من يجتهد في تحرير هذه الأصول عندهم، ويهدم بعض ما قد أسسه غيره.

وهذا التأسيس عند أهل الظاهر لم يضعه ظاهري لا داود ولا غيره، إنما هو تأسيس شرعي من يقين النص المانع من العمل بالظنون وبغير برهان متيقن.

وهذا الهدم لن تجده في أصول أهل الظاهر التي هي متيقنة لا مجال لإبطالها أصلاً، ولا الاجتهاد فيها، وإنما يقع الاجتهاد في فروع مبنية على هذه الأصول، ومدى موافقة هذه الفروع لهذه الأصول المتيقنة أو مخالفتها، فمن هذا الوجه يقع التعقب عند أهل الظاهر أو عليهم فقط لا على أصولهم المتيقنة.

فكل من حاول إبطال أحد أصول أهل الظاهر المتيقنة فهو في حقيقته يبطل متيقن من القرآن والسنة بغير يقين مثله، وهذا باطل.

فكل أقوال الظاهرية توزن بميزان هذه الأصول، وكل ظاهري فيوزن عمله وينظر في أصوله فإن كان عاملاً بالمتيقن من هذه الأصول التي من عمل بها اتصف بكونه من الظاهرية فهو ظاهري وإن اختلفوا في الفروع لزيادة يقين لم يتحصل عليه الأول، فيخالف ابن عقيل ابن حزم في فرع فقهي وهما يعملان بأصول قطعية لا شك فيها، لكن ابن عقيل وقف على يقين من حديث أو لغة لم يقف عليه ابن حزم مثلاً.

أو يخالفه في توثيق رجل ضعفه ابن حزم، أو تضعيف رجل وثقه ابن حزم، فهذه فروع تحاكم بتلك الأصول، فإن كان التضعيف أو التوثيق مبني على اليقين دون تقليد وظن فقول المضعف أو الموثق مقدم على قول من سبقه، وهكذا في كل المسائل الفرعية الناتجة عن تلك الأصول اليقينية.

وإن كان مخالفاً لتلك الأصول المتيقنة فهو ليس من أهل الظاهر، وإنما قد يطلق عليه محب ومائل إليهم في بعض أصولهم فقط وليس منهم تحقيقاً.

ولهذا صرحت مراراً مخالفاً لما يذهب إليه بعض الأحباب من كون ابن عربي الصوفي ليس من الظاهرية ؛ لأنه يخالف أصولهم ويجوز ما لا يجوزونه، فليست العبرة بمجرد الوصف أو الموافقة في بعض الأصول أو الفروع ليستحق أن يكون منهم.

ولعله كان ظاهرياً أيام الاعتدال والسلامة العقلية، لكن بعد الزندقة والضلال فلا يكون منهم بحال، ومثله ابن تومرت وغيره ممن وصف بأنه من الظاهرية وهو ليس كذلك من خلال إبطالهم لأصول أهل الظاهر أو بعضها بحجة أنهم بلغوا رتبة الاجتهاد ولهم الحق في إبطال أو تقرير أصل من الأصول، وهذا باطل كما ذكرت.

المسألة السابعة: استحقاق الظاهري لمخالفة غيره من المتقدمين.

لا شك أن لكل ظاهري بلغ الحد الذي يجوز له فيه أن يختار ويجتهد في مسائل الديانة أن يختار ويوافق ويخالف غيره من أهل الظاهر، ولكن بشرط:

أن لا يخالف أصلهم الذي من أجله أطلق عليهم أنهم من أهل الظاهر، وهو العمل باليقين وترك الظنون، سواء في العقيدة، أو الأصول، أو الفقه، أو الحديث، أو الأخلاق، أو السيرة، أو اللغة، أو غير ذلك.

وليس في منهج أهل الظاهر تقييد للفتوى والاجتهاد - كما يقول أهل التقليد من الاجتهاد - في المذهب مخصوص بأناس دون أناس.

فلكل ظاهري الحق في اختيار ما يراه الصواب وإن خالف داود وابن حزم وكل الظاهرية ممن قبله، ولن يخرجه هذا الاختيار المخالف لهم من ظاهريته، لأنه كما مر: أن الإخراج يكون بمدى موافقة أصلهم في العمل باليقين وترك الظنون.

وقد يتصور بعض من لا علم عنده: أن من وافق ابن حزم في مسائل فإنه يقلده، وهذا يتصوره أكثر أهل الرأي، وبعض من ينتسب للظاهر، وهذا باطل.

وقد رأيت من يظن بي تقليد ابن حزم في العقائد والفقه والأصول، بحجة أني وافقته في مسائل مخصوصة، أو لم أتكلم على كل مسألة تكلم عليها ابن حزم، فظن أني أقلده في كل ما قاله ! وهذا مذهب عجيب في الاستقراء والحكم على الناس !

فالموافقة تقع لصحة الدليل، ولا يعني السكوت عن كل ما قاله عالم أن الساكت موافق، فليس كل عالم أو طالب علم كتب في الشبكة مطلوب منه أن يذكر كل مسألة شرعية، وإنما يكون هذا في الكتب المؤلفة في علم من هذه العلوم.

لكن هناك من الظاهرية المعاصرين أو المتأخرين ممن قال بمسألة وكان اعتماده فيها على الظن، فهذا لا عبرة بقوله ما دام يقر بأن العمل باليقين هو الصواب والحق الذي كان به ظاهرياً.

لكن قد يقع العالم وطالب العلم في الخطأ وهذا وارد لا إشكال فيه، ولا يخرجه هذا عن كونه من أهل الظاهر ؛ لأنه متى ما نبه على أن هذا ثابت بالظن فإنه لا يكابر فيه ويرجع عنه.

وقد يشتبه على بعضهم أيضاً مسائل مما يظن أن الشرع جاء بالأمر بالعمل بالظن في مواطن دون مواطن، كما مر في العمل بحكم القاضي، وشهادة الشهود، وقد ذكرت في مقالات بطلان هذا الظن، وأن الشرع لم يأمرنا بحال بالعمل بالظن، وإن من ظن هذا فإنه خلط بين ما أمرنا به وبين ما لم نؤمر به.

وذلك أنهم جعلوا ما أمرنا به من الظاهر من عدالة الشهود، والظاهر من البينات، مثل الباطن الذي لم نؤمر به، وهو صدق الشاهد وكذبه في باطنه، وهذا لم نؤمر به لأنه لا يمكن الكشف عنه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث لتشقيق القلوب والتفتيش عما فيها.

فالذي أمرنا به: العمل بظاهرهم، وهذا هو القطع من الحكم، أما الباطن فلا يتعلق به حكم شرعي يعم الناس، وإنما هذا بين العبد وبين ربه تعالى، فهو المطلع على خفايا وأسرار القلوب.

لذلك وضع لنا قاعدة منضبطة، فأمر بالحكم بشهادة الشهود الذي شهد لهم المزكون بأنهم عدول، وكذلك بقبول رواية الثقة الذي شهد له الثقات العدول بأنه ثقة عدل.

فمن خلط وجعل المأمور به الباطن يقع في الخطأ فيتصور أن الشرع أمرنا بالظن، ولو حرر هذا لما وقع في هذا الإشكال.

المصدر مقال د/محمد الريحان الظاهري
كيفية التحرير للصحيح من أقوال أهل الظاهر. - دارة أهل الظاهر
 
إنضم
25 يونيو 2008
المشاركات
1,762
الإقامة
ألمانيا
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
ألمانيا
المدينة
مونستر
المذهب الفقهي
لا مذهب بعينه
أرجو من الفاضل أن يراسلني إذا تفضل على إيميلي!

وأدام الله في الخير مهجتك!​
 
أعلى