العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

دلالة السياق...والفهم السليم.

إنضم
25 يونيو 2008
المشاركات
1,762
الإقامة
ألمانيا
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
ألمانيا
المدينة
مونستر
المذهب الفقهي
لا مذهب بعينه
بسم الله الرحمن الرحيم
يعتبر السياق بابا مهما يؤدي إلى الفهم السليم عن الله ورسوله بما يحقق حسن التطبيق لأوامر الشريعة ولا نكون كمن قال فيهم تعالى : [FONT=خط مسعد المغربي]([FONT=خط مسعد المغربي]قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا[/FONT][FONT=خط مسعد المغربي])[/FONT] [الكهف : 104].[/FONT]
وكفى بهذه الآية محرضا على الإيغال في تقرير مبادئ الدلالة المعينة على الفهم –ودلالة السياق واحدة منها- [FONT=خط لوتس الجديد]![/FONT]
ويقول الإمام ابن القيم مقررا لهذه الحقيقة الجليلة : "السياق يرشد إلى تبيين المجمل، وتعيين المحتمل، والقطع بعدم احتمال غير المراد، وتخصيص العام، وتقييد المطلق، وتنوع الدلالة، وهذا من أعظم القرائن الدالة على مراد المتكلم، فمن أهمله غلط في نظره، وغالط في مناظرته، فانظر إلى قوله تعالى: (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) كيف تجد سياقه يدل على أنه الذليل الحقير"([FONT=خط لوتس الجديد][1][/FONT]) .

وقال الإمام الشاطبي –في معرض الحديث على أهمية معرفة أسباب النزول –وهي جزء من علم السياق- : " وإذا فات نقل بعض القرائن الدالة، فات فهم الكلام جملة أو فهم شيء منه، ومعرفة الأسباب رافعة لكل مشكل من هذا النمط، فهي من المهمات في فهم الكتاب بلا بد، ومعنى معرفة السبب هو معنى معرفة مقتضى الحال،.."([2]).
وإذا كان مرتكز هذه القاعدة من جهة العقل قويا جدا –بل هو في دلالته العقلية أقوى من القياس!- فإن في الشرع ما يؤيده ويشهد باعتباره ، قال تعالى : [FONT=خط مسعد المغربي]([FONT=خط مسعد المغربي]وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا)[/FONT] [طه : 114].[/FONT]
ولعل الشاطبي رحمه الله قد استنتج من هذه الآية وأخواتها معنى راقيا يقول فيه :"فلا محيص للمتفهم عن رد آخر الكلام على أوله، وأوله على آخره، فإن فرَّق النظر في أجزائه، فلا يتوصل إلى مراده"([FONT=خط لوتس الجديد][3]http://www.mmf-4.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=39#_ftn3).[/FONT]

وفي المقابل فإن من تطلب فهم كتاب الله بمعزل عن أسباب النزول وملابسات الوقائع ، وتتابع نظم الآية بدلالة السابق على اللاحق : فإن تفسيره سيأتي مجانبا للحق واقعا في الخلل ، وهو حينئذ مسئ من حيث قصد أن يحسن ، ومن يدري لعله ياثم بما أوقعه في معاني كتاب الله من الفهم السقيم وبما أذاعه على الناس من هذه "الباطيل"! ، إلا أننا ننأى عن التأثيم هذا وقد ابتلي له عامة أهل الأصول والفقه ، وانظر إلى قول جمال الدين القاسمي تحس بامتعاضه من هذا الفعل إذ يقول : "التعليل بالتاثيم اجتهادا تهجم على الغيب وقد ولع معظم الفرق بذلك وهو من الغرابة بمكان"([4]).

ومن الأمثلة القوية الدالة على أهمية دلالة السياق ، ما وقع من خلاف في تفسير قوله تعالى : [FONT=خط مسعد المغربي]([FONT=خط مسعد المغربي]يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ)[/FONT] [الحج : 73].[/FONT]
يقول شيخ المفسرين وإمامهم ابن جرير الطبري –رحمه الله- :
" واختلف في معنى قوله:[FONT=خط مسعد المغربي]( ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ) فقال بعضهم: عني بالطالب: الآلهة، وبالمطلوب: الذباب.[/FONT]
*ذكر من قال ذلك:حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حجاج، عن ابن جُرَيج، قال ابن عباس، في قوله[FONT=خط مسعد المغربي]:( ضَعُفَ الطَّالِبُ ) قال: آلهتهم[FONT=خط مسعد المغربي](والمَطْلُوبُ)[/FONT] : الذباب.[/FONT]
وكان بعضهم يقول: معنى ذلك[FONT=خط مسعد المغربي]:( ضَعُفَ الطَّالِبُ ) من بني آدم إلى الصنم حاجته[FONT=خط مسعد المغربي]،(والمَطْلُوبُ)[/FONT] إليه الصنم أن يعطي سائله من بني آدم ما سأله، يقول: ضعف عن ذلك وعجز.[/FONT]
والصواب من القول في ذلك عندنا ما ذكرته عن ابن عباس من أن معناه:
وعجز الطالب وهو الآلهة أن تستنقذ من الذباب ما سلبها إياه، وهو الطيب وما أشبهه; والمطلوب: الذباب.
وإنما قلت هذا القول أولى بتأويل ذلك، لأن ذلك في سياق الخبر عن الآلهة والذباب، فأن يكون ذلك خبرا عما هو به متصل أشبه من أن يكون خبرا، عما هو عنه منقطع".
فابن جرير رحمه الله رجح أن يكون الطالب هو الآلهة والمطلوب الذباب ، من دلالة السياق وتتابع نظم الآيتين معا وهذا هو الأقرب بحكم العادة ، ولذلك يقول الإمام ابن دقيق العيد : "أما السياق والقرائن فإنها الدالة على مراد المتكلم من كلامه ، وهي المرشدة إلى بيان المجملات وتعيين المحتملات"([5]).
وقولي : بحكم العادة ، بيانه أن القرآن نزل بلغة العرب ، وفي تنبيه الرب جل جلاله على هذه المسألة –مع وضوحها- إشارة إلى أن فهم ما تضمنه من معجزات سيكون بهذه اللغة فلا سبيل للتمنع ممن شكَّ في مصدره ، وقد قال الشاطبي في هذا المعنى-أقصد مراعاة لغة العرب وطريقة تخاطبها- : "..كلام العرب على الإطلاق لا بد فيه من اعتبار معنى السياق في دلالة الصيغ ، وإلا صار ضحكة وهزءة ، ألا ترى إلى قولهم : فلان أسد أو حمار ، أو عظيم الرماد ، أو جبان الكلب ، وفلانة بعيدة مهوى القطر ، ومالا ينحصر من الأمثلة لو اعتبر اللفظ بمجرده ، لم يكن له معنى معقول فما ظنك بكلام الله وكلام رسوله"([6]).

ومن فوائد علم السياق : فهم النص بما يحدث الإنسجام في المعتقدات ، وخير مثال على ذلك معنى الهم في قصة يوسف عليه السلام ، فقد أكثر أهل التفسير من الكلام حوله ، وذهب بعضهم بعيدا مما لا يجوز أن يعتقد في حق نبي وإلا جاءنا من يسقط تلك الواقعة –بما تحمله من معنى- على نبي الإسلام ثم يقدح في أصل الدين!
يقول تعالى : [FONT=خط مسعد المغربي]([FONT=خط مسعد المغربي]وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ)[/FONT] [يوسف : 24] .[/FONT]
قال الإمام أبو حيان الظاهري : " طول المفسرون في تفسير هذين الهمين ، ونسب بعضهم ليوسف ما لا يجوز نسبته لآحاد الفساق . والذي أختاره أن يوسف عليه السلام لم يقع منه همّ بها البتة ، بل هو منفي لوجود رؤية البرهان كما تقول : لقد قارفت لولا أن عصمك الله ، ولا تقول : إنّ جواب لولا متقدم عليها وإنْ كان لا يقوم دليل على امتناع ذلك ، بل صريح أدوات الشرط العاملة مختلف في جواز تقديم أجوبتها عليها ، وقد ذهب إلى ذلك الكوفيون ، ومن أعلام البصريين أبو زيد الأنصاري ، وأبو العباس المبرد . بل نقول : إن جواب لولا محذوف لدلالة ما قبله عليه ، كما تقول جمهور البصريين في قول العرب : أنت ظالم إن فعلت ، فيقدرونه إن فعلت فأنت ظالم ، ولا يدل قوله : أنت ظالم على ثبوت الظلم ، ... . وأما أقوال السلف فنعتقد أنه لا يصح عن أحد منهم شيء من ذلك ، لأنها أقوال متكاذبة يناقض بعضها بعضاً ، مع كونها قادحة في بعض فساق المسلمين ، فضلاً عن المقطوع لهم بالعصمة . والذي روي عن السلف لا يساعد عليه كلام العرب"([7]).
أما في الأحكام الفقهية فأثره فيها واضح للغاية ، وإن كانت هناك شوائب تحول دون اعتماده كقاعدة قوية : وهو أنه لا دليل قوي يسند قول القائل أن هذا هو سياق الآية ! بل في كثير من الحالات يعسر الإستدلال ، كما قال ابن دقيق العيد : "[دلالة السياق] لا يقام عليها دليل"([8]).
وهنا نعود من جديد للخصومة مع أهل الظاهر وأهل الحديث-ونحن لم نحسم بعد في أمر القياس والإستحسان..- حول قضية الدليل واليقين واتباع ظاهر النص وحمل الألفاظ على كل ما تدل عليه عند الإشكال...
لكنها تضيق من دائرة الخلاف على الأقل بين من احتج به من جمهور أهل المذاهب ، ومن الأمثلة على ذلك : مسألة حكم قول الشعر أمباح أم محظور؟
قال تعالى : [FONT=خط مسعد المغربي]([FONT=خط مسعد المغربي]وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ)[/FONT] [الشعراء : 224].[/FONT]
استدل به البعض على تحريم الشعر ، ومن ذا الذي يتبع أهل الغواية ؟
قال أبو حيان : " والشعراء عام يدخل فيه كل شاعر"([9]) ، فالظاهر عموم التحريم ، لكن سياق الآيات يوحي بغير ذلك ، قال الألوسي رحمه الله : "الظاهر من السياق أنها نزلت للرد على الكفرة الذين قالوا في القرآن ما قالوا"([10]).
ومن النماذج كذلك : ماذكره بعض المفسرين في المراد بالإحصان في قوله تعالى: [FONT=خط مسعد المغربي](فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) [النساء 25].[/FONT]
فقد رجح ابن كثير والشنقيطي أن المراد بالإحصان في الآية التزويج لدلالة السياق.
قال ابن كثير: "والأظهر - والله أعلم - أن المراد بالإحصان ها هنا التزوج؛ لأن سياق الآية يدل عليه، حيث يقول الله تعالى [FONT=خط مسعد المغربي](وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ) [النساء25] والآية الكريمة سياقها في الفتيات المؤمنات، فتعين أن المراد بقوله تعالى: [FONT=خط مسعد المغربي](إِذَا أُحْصِنَّ)[/FONT] أي تزوجن كما فسره ابن عباس ومن تبعه"([11]).[/FONT]
وقال الشنقيطي: "قوله تعالى: "فَإِذَا أُحْصِنَّ" أي: فإذا تزوجن، وقول من قال من العلماء: إن المراد بالإحصان في قوله تعالى: [FONT=خط مسعد المغربي](فَإِذَا أُحْصِنَّ) الإسلام خلاف الظاهر من سياق الآية؛ لأن سياق الآية في الفتيات المؤمنات حيث قال [FONT=خط مسعد المغربي](وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلا)[/FONT] الآية"([12]).[/FONT]

[FONT=خط لوتس الجديد][FONT=خط لوتس الجديد][1][/FONT][/FONT] - ابن قيم الجوزية ، بدائع الفوائد 4[FONT=خط لوتس الجديد]/ 415.[/FONT]

[2] - الموافقات في أصول التشريع لأبي إسحاق الشاطبي –رحمه الله- : 3/ 225.

[FONT=خط لوتس الجديد][3][/FONT]- أبو إسحاق الشاطبي ، الموافقات : 3/413.

[4] - من تعليقات جمال الدين القاسمي رحمه الله على لباب المحصول في علم الأصول لابن رشيق المالكي : 1/

[5] - إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام 2/ 19.

[6] - الموافقات 3/ 153.

[7] - البحر المحيط لأبي حيان المفسر الظاهري 5/ 295.

[8] - السياق عند الأصوليين : المصطلح والمفهوم لفاطمة بوسلامة : 38 (بحث منشور في مجلة الإحياء العدد 25).

[9] - البحر المحيط : 7/ 45.

[10] - روح المعاني : 19/ 147.

[11] - تفسير ابن كثير : 1/ 631.

[12] - أضواء البيان 1/ 280. وهذا المثال مستفاد من مقالات للدكتور الربيعة عن علم السياق القرآني.
 
أعلى