العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

افــتــراس الأســود الــثــلاثــة

أبو عبيدة الغامدي

:: مخالف لميثاق التسجيل ::
إنضم
6 فبراير 2009
المشاركات
46
التخصص
إسلامية
المدينة
بيشة
المذهب الفقهي
حنبلي
إفتراس الأسود الثلاثة
الحمد لله معز الإسلام بنصره، ومذل الشرك بقهره،ومصرف الأمور بأمره، ومديم النعم بشكره، ومستدرج الكافرين بمكره، قدَّر الأيامدولاً بعدله، وجعل العاقبة للمتقين بفضله، وأظهر دينه على الدين كله، لم يكن لهكفواً أحد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله دافع الشرك وداحض الإثم، الذي أسري بهليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وعرج به إلى السماوات العلا إلى سدرةالمنتهى، أما بعد قال تعالى : ( وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَبَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُيُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُإِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)40 الحج
لغة البطولة من خصائص أمتي *** عنا رواها الآخرونوترجموا
من ذلك الوقت الذي انتفضت به *** بطحاء مكة والحطيموزمزم
منذ التقى جبريل فوق ربوعها *** بمحمــد يتلو لهويعلـم
فلا تستشر غير العزيمة في العلا *** فليس سواها ناصحومعلم
ذهب الرقاد فحدثي يا همتي *** إن العقيدة قوة لاتهزم
إهداء إلى حماة الأمة أسود الأقصى ومرابطى فلسطين
أخوكم الفقير إلى الله أبو مسلم وليدبرجاس
إن أرض المسلمين تنبع لبناً وعسلاً
هكذا قامبطرس الناسك يحرض النصارى على غزو بلاد المسلمين، وأعلن (الحرب المقدسة) حتى اجتمعمن جيوش الكفر من النصارى خلق عظيم غزوا سواحل بلاد الشام، وأمعنوا في المسلمينقتلاً ونهباً وسلباً يروى ابن كثير في البداية والنهاية:
وفي ضحى يوم الجمعة لسبع بقين من شعبان سنةاثنين وتسعين وأربعمائة للهجرة؛ دخل ألف ألف مقاتل بيت المقدس وصنعوا فيه ما لاتصنعهوحوش الغابوارتكبوا ما لا ترتكب الشياطين،لبثوا فيه أسبوعا يقتلون المسلمين حتى بلغ عدد القتلى أكثر من ستين ألفا منهمالأئمة والعلماء والمتعبدون والمجاورون ، وكانوا يجبرون المسلمين على إلقاء أنفسهممن أعالي البيوت لأنهم يشعلون النار عليهم وهم فيها ، فلا يجدون مخرجا إلا بإلقاءأنفسهم من السطوح ، جاسوا فيها خلال الديار وتبروا ما علوا تتبيرا، وأخذوا أطنانالذهب والفضة والدنانير ثم وضعت الصلبان على بيت المقدس وأدخلت فيه الخنازير ونوديمن على مآذن لطالما أذن من عليها بالتوحيد: أن الله ثالث ثلاثة- جل الله وتبارك- فذهب الناس على وجوههممستغيثين إلى العراق وتباكى المسلمون في كل مكان لهذا الحدث وظن اليائسون ألا عودةلبيت المقدس أبداً إلى حظيرة المسلمين
كم طوى اليأس نفوسا لو رأت *** منبتا خصبا لكانتجوهرا
وقام المسلمون منكل مكان من بلاد الشام يذهبون إلى إخوانهم يستنصرونهم فلا ناصر ولا معين .
فيكل يوم تستباح ديارنا *** ونساق نحو الذبح كالقطعان.
شعب يباد وأمة مقهورة *** والناس بين مذبذب وجبان .
يستنكرون و يشذبون ولا أرى *** طحنا فهل قدأخطأوا عنواني.
والكل يزعم أنهم أعواني *** الكل يعلم ما يدوربساحتي.
خطب وتهديد وما من ناصر *** ومهازل تغني عنالتبيان .
من لي بفاروق يرد كرامتي *** ويعيد لي حرّيتيوأماني .
من لي بمعتصم يهم لنجدتي *** بعزيمة ويذود عنأوطاني .
السامعين لصرختي و كأنهم *** خشب مسندة بلاآذان .
لكنني رغم الكآبة والأسى*** سأظل أرقب ثورة البركان .
يوم انتصارالمسلمين لحقهم *** و نهوضهم في قوة وتفان .
تعود به الحياة لرشدها ***وتسود فيه شريعة الرحمن يوما .
الدور المشبوه للدولةالفاطمية الشيعية
كان يحكم مصر في ذلك الوقت الدولة الفاطمية الباطنية الرافضية،حمير اليهودوالصليبيين يصفهم ابن كثير : بأنهم من أنجس الملوك سيرة وأخبثهم سريرة وقد ظهرت فىدولتهم البدع والمنكرات وقل الصالحون" قاموا بقتل علماء السنة وعطلوا الحج وقتلواالحجاج ، وتعاونوا مع الصليبيين وأعطوهم مقاليد البلاد .
لا يلام الذئب فى عدوانه *** إن يك الراعى عدو الغنم.
وسبوا الصحابة ونشروا الفواحش والبدع وإقامةالموالد لإلهاء الناس ،وهكذا الشيعة في كل عصر ومصر لا يزيدون الأمة إلا خبالاووبالا يكيدون للسنة وأهلها، حرب على الإسلام والمسلمين.
لو كان سهما واحداً لاتقيته*** لكنه سهم وثانٍ وثالثٌ.
شمس الأُسود تسطعُ
وقيَّض الله سبحانهوتعالى لأمة الإسلام في هذه الفترة ثلاثة من ملوك المسلمين العظام بحق كانوا أسودا، تتابعوا واحداً بعد واحد
هم الرجال وعيب أن يقال *** لمن لم يكن مثلهمرجل.
الأسدالأول: محمود بن زنكي - نور الدين الشهيد
الأسد الثانى : أسد الدين شيركوه الأسد الثالث: صلاح الدين الأيوبي.
جمع بينهم همّ هذا الدين الذى حملوه وأحبوه وفدوه بكل غالى ونفيس ،نقلواالأمة من حضيض الغثائية والجهل والهزيمة ، إلى سماء العزة والعلم والنصر بهذهالأسباب:
1- بالعلم واحترامالعلماء الربانيين ووضعهم فى مكانهم اللائق؛ قادة يوجهون سفينةالأمة.
فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح أولها وإنماصلح أولها بقوله تعالى (اقرأ).
2- تربية الناس تربية إيمانية شاملة متكاملة عقيدة وسلوكا وجهادا، وتطبيق شرعه وعدلهومحاربة البدع والمنكرات
3- استشراف الخطر و إعداد العدة .
4- توحيد الأمة ، وجعلها لحمة واحدة.
الله آخى بيننا *** بعقيدةربطت وحب.
فرباطنا دين الإله *** فمن يفل رباط ربي.
فلا مكان لعصبية أو مذهبيةأو راية جاهلية .
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا *** وإذا افترقن تكسرتآحادا.
فإذا اجتمعت هذه الأسباب انتصر المسلمون بإذن الله (وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ )35محمد
الأسد الأول- نور الدين محمود
هو القائل :" كيف أبتسموالمسجد الأقصى المبارك في بيت المقدس راسف في قيود الذل والهوان تحت سنابك خيلالأعداء؟"
أحيا الله به السنة وقمع به البدعة ، كان ذا همةعالية، هدفه وهاجسه فتح بيت المقدس وتطهيره من الصليبيين ،
جمع الشجاعة والخشوع لربه *** ما أحسن المحراب فى المحراب.
وهو القائل:" لو كان معى ألففارس لا أبالى بأعدائى قلوا أو كثروا، والله لا أستظل بجدار حتى آخذ بثأر الإسلاموثأرى" الكامل لابن الأثير 11/294 -295قام بعملمنبر عظيمفي حلب لينصبه في بيت المقدس حينما يفتحهوكان الناس يسخرون منه يوم يمرون عليه وهو يفعل ذلك فلم يلتفت إليهم وحاله كحال نبيالله نوح يوم يصنع الفلك (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَامَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا منه (هود:38)، كان يريد بذلكالمنبر بث الروح، وبعث الهمم، وتبديد اليأس المخيم على القلوب، وكان بين عمل المنبروحمله ما يزيد علىعشرين سنةوالسيف يبلغ ما لا يبلغ الكلم.
على المرء أن يسعى إلى الخير جاهدا *** وليس عليه أن تتمالمقاصد
يذكرالذهبيفي سيره: أن نور الدين الشهيد لما نزل دمياطبقي عشرين يوما صائما لا يفطر إلا على الماء، فضعف وكاد يتلف، ولما التقى العدووخاف على الإسلام، انفرد في ناحية من الجيش ومرغ وجهه في التراب وقال يا رب، من نورالدين؟ الدين دينك والجند جندك ، افعل يا رب ما يليق بكرمك، فنصره الله نصرامؤزرا.
أيها المؤمنون لا تتوانوا *** فالتواني وسيلةللتباب
فإذا المصلحون في القوم ناموا *** نهضت بينهم جيوشالخراب
الأسد الثانى: أستاذ الجهاد أسد الدينشيركوه
هو البطل الفذ والفارس الأسد فاتح الديار المصرية أسد الدين شيركوه الكردي، المولود ببلدة 'دوين' على أطراف أذربيجان مع جورجيا سنة 500 هجرية تقريباً، كان كالشهاب الحارق لا يصبرعلى إساءة أو عدوان أو انتهاك حرمات.
ظل في خدمة عماد الدين زنكي، وخاض معه كل حروبهضد الصليبيين وكان معه يوم فتح الرها وكان عماد الدين يحبه ويقدره لأنه كان مثلهبطلاً شجاعاً لا يهاب الموت، وظل هكذا حتى كان معه في معسكره ليلة أن قتل عمادالدين سنة 541 هجرية، وعندها قام أسد الدين شيركوه بدور في غاية الأهمية، ذلك أنهحفظ معسكر المسلمين من الهرج والمرج الذي يحدث عادة عند مقتل القائد ثم قام بإعطاءخاتم الملك الخاص بعماد الدين لولده نور الدين محمود كناية عن خلافته لأبيه الشهيد،ثم قام بحراسة نور الدين محمود حتى وصل سالماً أمناً إلى مدينة 'حلب'، فعرف نورالدين هذا الجميل لأسد الدين، وصار من أقرب الناس إليه .
ومن ذلك اليومأصبح أسد الدين شيركوهقائد جيوش نورالدينمحمودأمير الشام الجديدوأصبح أخلص وأقوى أمراء الجيوش الشامية، ورجل المهام الصعبة الذي يعتمد عليه نورالدين محمود في النوازل وصعاب الأمور.
الأسدالمعلم
كانأسد الدين شيركوه بحق الأستاذ الأول والمعلم الحقيقي والمكتشف البارع لقدرات ومواهبابن أخيهصلاح الدين يوسف بن أيوب،منذ كان صلاحالدين فتى يافعاًحيث رأى فيه شيركوه بعين الخبير الفاحص أنالفتى الصغير يجمع بين عقل وحكمة أبيه نجم الدين أيوب، وشجاعة وفروسية عمه أسدالدين شيركوه، وزهد وورع أميره نور الدين، وهى خصال ثلاث كفيلة بأن ترشح هذا الفتىلقيادة الأمة فيما بعد.
فتعهده بالرعاية وضمه إليه وتولى تدريبه علىفنون القتال وقيادة الجيوش وأساليب إدارة المعارك دفاعاً وهجوماً، كما تولى تعليمهفنون السياسة والمناورة والمفاوضة، حتى نضج وأصبح الذراع اليمنى له ومن لا يعرفهمايظن أن صلاح الدين هو الابن الوحيد والمقرب لأسد الدين، ولعل تعليم وتدريب صلاحالدين من أهم وأفضل أعمال أسد الدين شيركوه .
الأسد فاتح الديارالمصرية
كانأسد الدين شيركوه بحكم خبرته العسكرية الطويلة وبصيرته السياسية لأوضاع العالمالإسلامي وقتها يرى أهمية الديار المصرية وضرورة فتحها وإزالة الدولة الفاطميةالخبيثة بها والتي تسببت في ضياعبيت المقدسسنة 492هجرية، ، وكان يرى أن النصر على الصليبيين لن يتم إلا بتوحيد مصروالشام لذلك كاندائم الإلحاح على نور الدين لكي يفتح مصر ونور الدين يرى أن الوقت غير مناسبوالإمكانيات غير متاحة، فالجيوش مشغولة في قتال البؤر الصليبية في جميع أنحاءالشام، ولكن نور الدين لم يترك فكرة فتح مصر بالكلية، بل انتظر الفرصة المناسبة .
كانت الأوضاع فيمصر شديدة الاضطراب، فالخلاف على أشده بينشاوروضرغامعلى منصب الوزارة والخليفة العاضد الفاطمي ليسله من الأمر شيء، ولقد انتصر ضرغام على شاور وأخرجه من مصر فذهب مستنجداً بالملكالعادل نور الدين محمود وضمن له ثلث إيراد مصر وأموراً أخرى إن هو أعانه علىاستعادة وزارته المفقودة، فوجد في ذلك نور الدين الفرصة المناسبة لفتحمصروضمها للشام، فكلف قائد جيوشه أسدالدين شيركوه على أن يتوجه إلى مصر لذلك الغرض، ففرح الأسد بهذه المهمة
خرج فيصحبته تلميذه وابن أخيه صلاح الدين الأيوبي ومعهألف رجلفقط وذلك سنة 559 هجرية .
الأسد المرعب
وصل أسد الدين شيركوه إلى مدينة بلبيس حيث اشتبكمع جيش ضرغام وانتصر عليه، ثم واصل تقدمه إلى القاهرة حتى قضى على ضرغام وأعاد شاورلمنصب الوزارة وأقام هو بظاهر القاهرة انتظارا للوفاء بالعهود والمواثيق مع شاورولكنشاورغدر به وأمره بالرجوع إلى الشام وهدده،فما كان من الأسد شيركوه إلا أنه دخل مدينة 'بلبيس' وامتنع بها وأرسل إلى شاور بأنه لن يتحرك من مكانه إلا بأمر قائده الملك العادل نورالدين محمود، وهكذا يكون الجندي الممتثل لأوامر قائده، حتى ولو كان هذا الجندي هوأعظم فرسان زمانه ولما كانشاوررجل لا يهمه إلا مصالحه الخاصةومنصبه، فلقد أسرع وأرسل للصليبيين في الشام يستنجد بهم على أسد الدين، وكانالصليبيون منذ أن توجه أسد الدين إلى مصر قد أيقنوا الهلاك إذا فتح الشاميون مصر،فلما جاءتهم استغاثة شاور فرحوا بها وأرسلوا جيوشهم وقد بذل لهم شاور أموالاً طائلةمن أجل الانتصار على بني دينهوهكذا نرى أهل الدنيا لا يبالونبشيء إلا بدنياهم ولا أي شيء يردعهم عن تحصيل دنياهم .
اجتمعتالجيوش الصليبية مع عساكرشاورالخائن وحاصروا أسدالدين شيركوه في بلبيسثلاثة أشهروهو ممتنع بها معأن سورها قصير جداً يقفزه الفارس بفرسه وليس لها خندق ولا أي تحصينات، ومع ذلك لميجسروا على اقتحام المدينة من شدة خوفهم منأسد الدينشيركوهالذي ظل يقاتلهم ليلاً ونهاراً بألف رجل لا غير وهم عشرات الألوف،وفي هذه الفترة أغار نور الدين على أملاك الصليبيين في الشام وفتح تل 'حارم'، فخافالصليبيون على باقي أملاكهم وراسلوا أسد الدين في الصلح على أن يخرج كل منهم ومنالشاميين إلى بلادهم فوافق أسد الدين .
شهادة الأعداء
قديماً قالوا 'الفضل ما شهد به الأعداء' فاسمع لهذه الشهادة من أحدالصليبيين الذين شاهدواأسد الدين شيركوهيوم حصاربلبيس ثم يوم الصلح قال [أخرج أصحابه بين يديه وبقى في آخرهم وبيده عود من حديديحمى ساقتهم والمصريون والفرنج ينظرون إليه، فتقدمت منه وقلت له 'أما تخاف أن يغدر بك هؤلاء المصريون والفرنج، وقد أحاطوا بك وبأصحابكولا يبقى لكم بقية ؟' فقال شيركوه : ياليتهم فعلوه حتى كنت ترى ما أفعله،كنت والله أضع السيف فلا يقتل منا رجل حتى يقتل منهم رجال، والله لو أطاعني هؤلاء 'يعنى جنوده' لخرجت إليكم من أول يوم 'يعنى الحصار' ولكنهم امتنعوا' فقام هذاالصليبي بالتصليب على صدره وقال : كنا نعجب من فرنج هذه البلاد ومبالغتهم في صفتكوخوفهم منك والآن فقد عذرناهم .
وَوَقـَفـْتَ كالجَـبَـل ِالأشـَـــمِّمُعَانِـدَا *** قـدْ كـنـتَ صقـراً والقضاةُطرائـِدَا.
قدْ كنتَ حَـشْــدَاً رغـمَ أنـَّـكَ واحــد*** ٌ وهُمُ الحُشودُ ، غدوا أمامَكَ واحِدَا.
العزيمةالفولاذية
رجع أسد الدين شيركوه إلى الشام وهو يتلمظ غيظاً على الوزير الخائن 'شاور' والأوضاع المتردية في الديار المصرية، ويتحرق شوقاًلمعاودة الكرة مع الصليبيين وخونة المصريين، وهو مازال يلح على الملك العادل نورالدين محمود في العودة إلى مصر، حتى وافق نور الدين على ذلك سنة 562 هجرية، وانطلقأسد الدين في جيش يقدر بألفين من المقاتلين أسرع 'شاور' كعادته وأرسل للصليبيين بالشاميستنجد بهم، فجاؤوه بألوف مؤلفة من أجل إدراك ثأرهم مع أسد الدين وتحقيق مبتغاهمباحتلال مصر، وكان أسد الدين يتحرك بسرعة لخفة جيشه، فوصل إلى الصعيد وفتحه ثم عسكرفي منطقةالبابين 'قريب من محافظة المنيا الآن' وقدرفعت له الجواسيس الأخبار عن ضخامة الجيش الصليبي ومن معه من عساكر شاور، فعقداجتماعا مع قادة جيشه فأشاروا جميعاً بالرجوع إلى الشام لقلة عددهم وتسليحهم وبعدهمعن أوطانهم، فوقفأسد الدينكالطود العظيم وأصر علىالقتال واستعان بالله ووافقه ابن أخيه صلاح الدين، ثم قام أسد الدين شيركوه بوضعخطة عسكرية في غاية الذكاء بحيث أن استدرج معظم الجيش الصليبي لقلب الجيش المسلم ثمهجم هو فيكتيبة منتقاةمنخلاصة الأبطال على مؤخرة الجيش الصليبي، فوضعه في شبه دائرة، وانتصر انتصارا عظيماًلم يسمع بمثله في التاريخ كما يقول المؤرخ ابن الأثير .
الله أكبر جلجلت يا أمتى*** وتكبكب الطغيان والصلبان.
لن ننحني فجباهنا لا تنحني *** إلا لرب الخلقوالأكوان.
بعدمعركة البابين توجه أسد الدين وجنده الشامي إلى الإسكندرية بعد أن استدعاه أهلهاالذين أرادوا نصرة إخوانهم المجاهدين الشاميين، ثم ترك بها حامية يقودها صلاح الدينثم توجه إلى الصعيد لمواصلة الفتح، فانتهز الصليبيون الفرصة وحاصروا الإسكندريةحصاراً عنيفاً طيلة تسعة أشهر، فعاد الأسد لنصرة أهل الإسكندرية وابن أخيه، فرعبالصليبيون وطلبوا الصلح، فاشترط عليهم مغادرة مصر ولا يتملكوا منها قرية واحدةفوافقوا، فلله دره من أسد!
الخيانة العمياء
قالعمر رضى اللهعنه: "ما خان أمين قط ، ولكن ائتمن غير أمين فخان"
لم يعلم أسد الدين شيركوه عندما اتفق معالصليبيين على الخروج من مصر، أن الخيانة والعمالة التي تسرى في دم الوزير الخائن 'شاور' سوف تدفعه لأن يعقد اتفاقاً سرياً معالصليبيينيتعهد فيه بدفع مائة دينار سنوياً من إيرادالبلاد للصليبيين كي يتقووا بها على حربنور الدينفي الشام، ثم لم يكتف الخائن بهذه الفعلة القذرة، بل اتفق معهم على أن يكونللصليبيين حامية من كبار فرسانهم تحرس أبواب القاهرة وذلك سنة 562هجرية
لم يكن بقاءهذه الحامية من أجل الحرص على سلامة مصر والمصريين أو السهر على راحتهم ! بل كانتترصد الأخبار والأحوال
تمهيداً لعودة الصليبيين مرة أخرى في الفرصة المناسبة وهو ماحدث بالفعل في أوائل 564 هجرية، عندما أرسلت الحامية الصليبية إلى ملك بيت المقدسالصليبي 'أملريك' تعرفه أن الأوضاع مهيئة في مصر لدخولالصليبيين.
حشد 'أملريك' جيوشه وانطلق إلى مصر بأقصى سرعة وكانت مدينة 'بلبيس' أولى محطاته فأقاموامجزرة مرعبةلأهلها ، ثم نزلوا إلىالقاهرةوضربوا عليها حصاراً شديداً، فأقدم الخائنشاورعلى فعلة في غاية الحمق و الحقارة حيث أقدم على حرقالقاهرة ليرجع عنها الصليبيون، وظلت النار تأكل القاهرة 54 يوماً فأرسل الناس وعلىرأسهم العاضد الفاطمي إلى نور الدين يستغيثون به من
الصليبيين وشاور .
الأسد يحطم الأرقام القياسية
وكان أسد الدين مقيماً في 'حمص' عندما جاءته رسالة نور الدين محمود بالقدوم إلى حلباستعداداً لإنقاذ مصر فركب البطل
العجوز الذي جاوزالستينفرسه بعد صلاة الفجر وانطلق بأقصى سرعة حتىوصل 'حلب' قبيل الغروب وهذا الأمر لم يتسن لأحد من الناس سوى الصحابة رضوان اللهعليهم ، فسر نور الدين بذلك جداً وجهزه بجيش مكون منألفيفارسوقام أسد الدين بجمع ستة آلاف فارس آخر من متطوعة الشام لفتح مصروانطلق الأسد يزأر ويرعد ويبرق ويتوعد الصليبيين والخونة المنافقين فيمصر.
فلما جاءتهمالأخبار بقدوم الأسد وجنوده أجمعوا أمرهم على الرحيل من مصر مذعورين هاربين ، ودخلالأسد المظفرالقاهرةفاتحاً منتصراً من غير أن يشهرسيفاً واحداً هذه المرة، فلقد نصره الله عز وجل بالرعب!
حاولشاورالخائنأن يستدرج الأسد لدعوة طعام مسموم ليهلك فيها هو وأصحابه ولكنالكاملبن شاور الابن الأكبر لشاور وكان رجلاً صالحاًمجاهداً نهى أباه عن هذه الفعلة وهدده بأن سيخبر شيركوه فقال شاور: والله لئن لمنفعل هذا لنقتلن جميعاً،
قال الكامل : صدقت، ولأن نقتل ونحن مسلمون والبلاد إسلامية، خير من أن نقتلوقد ملكها الفرنج، فإنه ليس بينك وبين عود الفرنج إلا أن يسمعوا بالقبض علىشيركوه!
ولقي شاورجزاء خيانته وعمالته للصليبيين حيث أمرالعضدالفاطميبإعدامه، وتولى أسد الدين شيركوه الوزارة في مصر وأخذ في التدبيروالعمل من أجلإسقاط الدولة الفاطميةالخبيثة وتوحيدمصر والشام تحت حكم نور الدين محمود .
ولكن القدر المحتوم والأجل المكتوب جاء للأسد فيميعاده المعلوم فأصيب بذبحة صدرية قتلته رحمه الله في 22 جمادى الأخر 564 هجرية بعدأن حقق مراده وكلل سعيه وجهاده الطويلبفتحمصر.
وسبحان الله لقد خاض هذا البطل أكثر منمائةوخمسينموقعة وتعرض للشهادة في كل موطن وسعى لها سعياً حثيثاً ولكنه مات علىفراشه فرحمه الله ورضى عنه وصدق الصديق عندما قال: احرص على الموت توهب لكالحياة.
الأسد الثالث : صلاح الدينالأيوبى محرر الأقصى
الأسد الثالث : صلاح الدين
اسمه: يوسفبن أيوب بن شاذي ولد في قلعة تكريت عام [532هـ] ولقبه: صلاح الدين وهو كردي وما ضرهألا يكون عربيا . أبى الإسلام لا أبى لى سواه*** إن افتخروا بقيس أوتميم درس صلاحالدين رحمه الله أنواعاً شتى من العلوم، وتعلم الصيد والفروسية، ثم لحق بعمهأسد الدين ابن شيركوهفي حلب ، وأبدى صلاح الدين مهارةوقدرة كبيرة، واهتم به نور الدين لملامح الفطنة التي رآها عليه،ومنه شرب صلاح الدينحب الخير وإفشاء المعروف .
والذى اصطحبه معه إلىمصربأوامر من نور الدين الذى كان يسعى إلى تحقيق الوحدة الإسلامية بين الشام و مصرلجعل الصليبيين
بين شقي الرحى.
صلاح الدين في وزارةمصر
شاء اللهأن يموت أسد الدين شيركوه في عام (564هـ) ليتولى بعده صلاح الدين الوزارة، وظنالخليفة الفاطمي أن صغر سن صلاح الدين [32] سنة سيجعله غير خليق بمهام الوزارة ،ولكن صلاح الدين خيب ظن ذلك الخليفة الفاطمي الباطني،
وقام بإصلاحات كثيرة جداً،منها:
إلغاء ضرائب الفاطميين، وبذل الأموال للناسفي أوقات الشدة حتى أحبوه، وصدَّ غارات شنها الصليبيون على دمياط عام (555هـ] وأسسالمدارس، وحصن المدن والموانئ والثغور المصرية، وبنى قلعة المقطم المشهورة، واكتشفخيانة من الفاطميين فتخلص منها،وبدأ بمشروعمهمجداً وهو عزل قضاة مصر الباطنيين الفاطميين وتولية قضاة أهل السنة والجماعة بدلاًمنهم من ، وألغى (حي على خير العمل) من الأذان التي اخترعها أولئك الباطنيون فيمصر.
وحولمسجد الأزهرالذي بناه الباطنيون الكفرة الذي يعتقدكثير من المسلمين أنجوهر الصقليبطل إسلامي، مع أنهزنديق ملحد، ورد الله كيدهم في نحورهم، فكان ذلك المسجد منارة لـأهل السنة فيمصر.
وتمكن رحمه الله بحنكة ومداراة من إلغاء الخلافة الباطنية الفاطمية فيمصر فلله دره.
لذا قام الباطنيون بتدبيرعدة محاولات لاغتيالهذا القائد المسلمصلاح الدين رحمه الله ، أخطرها عندما وصل أحدهم إلى خيمة صلاح الدين أثناء قتالهالصليبيين فى حطين وفي يده سكينٌ مشفرة، ولكن الله قيض من الحراس من قتله، كذا وهويحاصر قلعة أعزاز بـحلب.
صلاح الدين على درب نور الدينمحمود
وبعدأن وافت المنية نور الدين محمود رحمه الله في عام (568هـ) تمهدت الأمور لـصلاحالدين لدخول دمشق وتوحيد بلاد الشام مع مصر و إقليم الجزيرة وأخضع الموصل ليصبحأقوى ملوك الشرق قاطبة ويكمل خطته؛ ، بمحاصرة الصليبيين، كل ذلك فى تسع سنوات منعام (570 - 579هـ)
اهتمام صلاح الدين بالأطفال والعلماءوالجيش
كانصلاح الدين يؤجج الحماسة وحب الجهاد فى نفوس الأطفال وعندما طال القتال جداً بين النصارى والمسلمينفي بعض المواقع، وسئموا القتال، فقال بعضهم لبعض: إلى كم يتقاتل الكبار وليس للصغارحظ، نريد أنيتصارع الصبيان؛صبيٌ منا
وصبيٌ منكم، يقولالنصارى للمسلمين، فأخرج صبيان من المسلمين إلى صبيان من الإفرنج، واشتد الحرب بينالصبيان فوثب أحد صبيان المسلمين إلى أحد صبيان الكافرين فاختطفه وضرب به الأرضوقبضه أسيراً، واشتد به ليأخذه حتى سار وراءه أحد الفرنجة، وقال: هو أسيرك.. هوأسيرك، أريد أن أشتريه منك، فباعه منهبدينارين.
* قالالذهبيرحمه الله تعالى: لعله وجبت له الجنة في رباطه في هذين العامين؛ لأنه حصل لهمرض،صار فيه دمامل في جسده يتدمل إذا جلس على الفرس، ومعذلك جلس عليه وتحمل ، يصابر الألم طيلة ليلتين، وكان يقول: إذاركبت الفرس زال عني ألم الدمامل!
* وكان مع ذلك لا يخوض معارك مع بعض الطامعين في الإمارة منالمسلمينلاستبقاء الدم الإسلامي - يبقى دم المسلم لحربالنصارى- وكان من طرق صلاح الدين في مواجهة بعض الأمراء من المسلمين الطامعين فيالسلطة أن يقول: من جاءني راضياً سلمت له بلاده على أن يكون من جنودي في جهادالصليبيين.
ومع الأسف! فإن بعض الطامعين في الدنيا من المسلمين قاموا بعقد المعاهدات مع النصارى، وبعضهمدفع عشرة آلاف دينار سنوياً للنصارى وسلمهم بعض ثغور المسلمين، وأطلق بعض أسرىالنصارى مقابل الاستعانة بالنصارى في حرب صلاح الدين ، وهكذا يفعل حب الدنياالأفاعيل.
صلاح الدين وإقطاع الأراضي الزراعية لخدمةالجهاد
كانيعطي أرضاً زراعية لكل قائد عسكري ممن معه ، لا يتملكها ولا يورثها لأولاده، بليستفيد منها بشروط مقابل الخدمات الحربية’ أن يقدم العساكر في وقت الحرب، وأن ينفقعلى عساكره ، وأن يرسل العتاد والسلاح والجند إذا طلب منه ذلك ، وأن يراقب تحركاتالأعداء، ويقر الأمن الداخلي في الإقطاع الذي أقطعه إياه.
وكان ثم مسئولون يحاسبون أمراء الإقطاعات علىتقصيرهم، فإذا تكرر صودر منه الإقطاع.
حاجة القائد إلى أمة تقفبجانبه
يظنبعض الناس أن وضع المسلمين الآن لا يحله إلا ظهور قائد رباني، بل ويرى أن نجلسوننتظر ظهور قائد رباني ليرفع الراية لنسير وراءه لأن معه مفاتيح النصر زعموا !
هؤلاء يعيشون علىالأوهام ولم يقرأوا التاريخ.
قائد بدون أمة أو جيش تربى علىالإسلام لا يستطيع فعل شىء ، و إذا تمعنا في سيرة صلاح الدين سنجد لأفراد جيش صلاح
الدين دور كبير في إنجاح هذا الجهاد .
ذات مرة بنى النصارى في صار عكاثلاثة أبراج عظيمةجداً يقذفون منها عكا فلحقبالمسلمين خسائر شديدة جداً، فندب صلاح الدين الناس إلى إتلاف هذه الأبراج، فمااستطاعوا، وضاعت محاولاتهم سدى، حتى جاء شابٌ ذكى من أهل دمشق ؛ يجيد صناعة (الأخلاط الملتهبة والمشتعلة) فعمل خلطة وركزها وركبها ثلاثخلطات، وقذف بها الأبراج واحداً واحداً، فكلما أتت على برجٍ أحرقته ومات من في هذاالبرج من جند الصليبيين،حتى استراح المسلمون .
فأراد صلاح الدين أن يكافئ هذا الشاب، فعرض عليه الأموالالنفيسة؛ فما كان منه إلا أن رفض وقال: أنا فعلت هذا لله تعالى.
ينسىصنائعه والله يظهرها *** إن الكريم إذا أخفيته ظهرا.
فلما كان مع صلاح الدين مثل هؤلاء الأذكياءانتصر المسلمون
أرناط و الحقد الصليبى الأعمى
لا يوجد بين ملوك النصارى من هو أشد منه نقضاًللعهود والمواثيق، هذا الدنيىء أسر في زمن نور الدين محمود وبيع في حلب، وذهب مرةًأخرى إلى النصارى ليكون قائداً من قوادهم.
حدثته نفسه بالمسير إلىمدينة الرسول صلى الله عليه وسلمليستولي عليها،ويضرب المسلمين في أعز ما يملكون، وأقدس المناطق التي يكنون لها في أنفسهم قدراًعظيماً، ولكن أمير دمشق من قبل صلاح الدين الأيوبي أغار علىحصن الكركوكبَّد النصارى خسائر كبيرة .
وفي عام (578هـ) شرعأرناط في بناء سفن نقلها مفككة على ظهور الجمال إلى ساحل البحر الأحمر ، وركبهاوباغت المسلمين في ديارهم فقتل، ونهب، وسلب، وأسر، ثم توجه إلىأرض الحجازوسار باتجاه المدينة المنورة مرة أخرىحتى وصل إلىرابغ،حتى لم يكنبينه وبين المدينة إلا مسيرة ليلة واحدة، فقام الأمير حسام الدين لؤلؤ بأمر من صلاحالدين بتتبع الصليبيين في البحر الأحمر ، وضرب أول الميناء أيلة التي احتلوها، ثمجعل يتتبع سفن الصليبيين واحدة تلو الأخرى حتى بلغ رابغ، وقد قتل معظمهم وأغرقسفنهم، وكان موسم الحج قريباً، فأرسل حسام الدين لؤلؤ القائد المسلم أسيرين منالصليبيين إلى منى حتى نحرهما هناك في يوم العاشر من ذي الحجة كما تنحر البدن؛ وهذاانتقاماً لإرهاب الكفرة، وأما الباقي فطيف بهم باستعراض في شوارع القاهرة والإسكندرية ، وأمر صلاح الدين بقتلهم في مصر أمام الناس حتى لا تسول لأحد نفسه بغزوالحجاز مرة أخرى.
واستطاعأرناطمن الهربوالعودة إلى حصن الكرك ، وبعد عدة هجمات على حصنه هادن صلاح الدين ، إلا أنه عادمرة أخرى، وغدر، وخان، ونقض العهد، وهجم على قافلة من المسلمين؛ فغدر بهم، وأخذأموالهم، وقتل من قتل، وأسر من أسر، فذكَّره بعض المسلمين بالمعاهدة التي بينه وبينصلاح الدين ، فقال أرناط الصليبي الحاقد: قولوا لمحمدكم يخلصكم!
حطين مقبرة الصليبيين 583هجريا
لم تكنسياسة أرناط الرعناء سوى سبب ظاهري لإشعال حماس صلاح الدين، وإعلان حرب لا تبقى ولاتذر على الصليبيين.
وتأتي صلاح الدين رسالة على لسانالأقصىالأسير
يا أيها الملك الذي*** لمعالم الصلباننكس.
جاءت إليك ظُلامة *** تسعى من البيتالمقدس.
كل المساجد طهرت *** وأنا على شرفيأنجس.
فينتفضصلاح الدين ويقودها حملة لا تبقي ولا تذر، ويشحذ الهمم ، فيمنع المزاح في جيشه ،ويهيئ الأمة لاسترداد المسجد الأقصى
من ذا يغير على الأسود بغبها *** أو من يعومبمسبح التمساح.
ويخوض معركة الجهاد المنتظرة منذ عشر سنوات .
هوالفجر أذن يا بلال وكبري *** معي يا ربا الأقصى لقد أذنالفجر.
وعندهاتقابل الجيشان وأسفر وجه الإيمان وأغبر وجه الظلم والطغيان
تبارز الشجعان ، ثم أمر السلطان بالتكبير والحملالصادقة فحملوا وكان النصر من عند الله عز وجلودارت دائرة السوء علىعبدة الصلبانعشية الجمعة واستمرت إلىالسبتالذي كان عسيرا على أهلالأحدإذ طلعت عليهم الشمس واشتد الحر وقوي العطش وأضرمت النار من قبل صلاح الدين فيالحشيش الذي كانت تحت سنابك خيل الكفار
فاجتمع عليهم حر الشمس وحر العطش وحرالنار وحر السلاح وحر رشق النبال وحر مقابلة أهلالإيمان.
وقام الخطباء يستثيرون أهل الإيمان ثم صاح المسلمون وكبرواتكبيرة اهتز لها السهل والجبل ثم هجموا كالسيل الدفاع وعملت سيوف جنوده فيالصليبيين،
ودارت رحى الحرب التي لم تكن * * * سوى ثواني رعب بل أقلوأقصرُ.
وكــان مع النصـر الـمحقق موعـدٌ * * * فـلم يتقـدم.. لا، ولـميـتـأخـرُ.
وطارت رؤوس الكفر في كل وجهة * * * وأشــلاؤهـا مـن حولهــاتتبعثر.
فاختلت صفوفالصليبيين،وحاولتالبقية الباقية أن تحتميبجبل حطين،فأحاط بهمالمسلمون، وكلما تراجعوا إلى قمة الجبل، شدد المسلمون عليهم فمنحهم اللهأكتافهم لينهزم الكفارويؤسر ملوكهم ويقتل منهمثلاثون ألفاًحتى قيل لميبق أحد ويؤسر منهمثلاثون ألفاحتى قيل لم يقتلأحد، فلم سمع بمثل هذا اليوم في عز الإسلام وأهله إلا في عهدالصحابة، حتى ذكر أن بعضالفلاحينكان يقود نيفاوثلاثين أسيرا يربطهم في طنب خيمته، وباع بعضهم أسيرا بنعل يلبسها، وباع بعضهمأسيرابكلبيحرس غنمه.
وكان في جملة من أسرجميعملوكهمسوى قومس طرابلس فإنه انهزم في أول المعركة ، واستلبهم السلطانصليبهم الأعظم ، وهو الذي يزعمون أنه صلب عليه المصلوب ، وقد غلفوه بالذهب واللآلئوالجواهر النفيسة ، ولم يسمع بمثل هذا اليوم في عز الإسلام وأهله ، ودمغ الباطلوأهله.
وسيق ملوك الصليبيين إلى خيمة صلاح الدين ومعهمأرناطصاحب حصن الكرك ، فاستقبلهم صلاح الدين أحسن استقبال،وأمر لهم بالماء المثلّج، ولم يعط أرناط، فلما شرب ملك بيت المقدس أعطى ما تبقّىمنه إلى أرناط، فغضب صلاح الدين وقال: إنما ناولتك ولم آذن لك أن تسقيه! هذا لا عهدله عندي!!
ثم إنالسلطان صلاح الدين تحول إلى خيمة داخل الخيمة واستدعىأرناط!
اقترب الوعد وحان الهلاك ** وكل ما تحذره قد أتاك فلما أوقِفَ بين يديه قام إليه بالسيف، ودعاه للإسلام فامتنع،ثم قال له: أنت الذي غدرت وخنت وفعلت وفعلت، فكان يقول: هذه عادة الملوك، ثم قال لهصلاح الدين رحمه الله: نعم أنا أنيب عنرسولالله صلى الله عليه وسلم،أنت قلت للمسلمين: هاتوا محمداً يخلصكم،أنا أنوب عن رسول الله صلى الله عليهوسلم اليوم فأخلص المسلمين من شرك!
ثم ضربه بسيفه على عاتقه وتتابع من حضر من المسلمين على أرناط، فقتل هذا الطاغية ذليلاً بين المسلمين، وكانت تلك فرحة
عظيمةللمسلمين.
بحد السيف تجتث الرقاب *** ولا يجدي مع البغيالعتاب.
نتائج حطين
لم تكن هزيمة الصليبين في حطين هزيمة عادية ، وإنما كانتكارثة حلت بهم؛ حيث - فقدوا زهرة فرسانهم، وقُتلت منهم أعداد هائلة، ووقع في الأسرمثلها !
- واستغنى عسكرالإسلام من الأسرى والأموال والغنائم بحيث لا يقدر أحد يصف ذلك ، وما سلم من عسكرالفرنج سوى قمّص طرابلس مع أربعة نفر ، وهو مجروح ثلاث جراحات – مات بعدها بقليل
- وأخذجميع أمراء الفرنجيباع الرجل وزوجتهوأولاده ثلاث بين وابنتان بثمانين ديناراً .. وأخذ من البقر والغنم والخيل والبغالمالم يجيء من يشتريها من كثرة السبي والغنائم .
- كان منأعظم الدروس المستفادة من حطين أنالتغيير المنشودليس منوطا بشخص خارق للعادة إنما هو ثمرة عمل جماعى وإخلاص وتربية بعيدة المدىأثمرت فى النهاية (صلاح الدين).
فتح بيت المقدس27 منرجب 583هـ = 12 من أكتوبر 1187م
ثم أمر السلطان صلاح الدين جيوشه أن تستريح لتتقدم إلى فتحبيت المقدس، ولكن النفوس المؤمنة لا تتعب ولا تمل من عبادة الله ‘ الرؤوس من سجودهالم ترفع والدموع من خدودها لم تمسح ، يوم عادت البيع مساجداً ، والمكان الذي قالفيه : إن الله ثالث ثلاثة صار يشهد فيه : أن لا إله إلا الله وحده لا شريكله.
ثم سار نحو بيتالمقدس ليفتحه من الجهة الشرقيةواجتمع في بيت المقدس منالنصارىخلق عظيم من الذين هربوا من معركة حطين ومن غيرها؛ وفيهم النساء والأطفال والجنودوالأسلحة واستغل النصارى الفرصة، فعززوا الأسوار والحمايات .
فجاءملك النصارىإلى صلاح الدين ليقول له: أيها السلطان! اعلمأننا في هذه المدينة خلق كثير؛ وهم يكرهون الموت ويرغبون في الحياة، فإذا رأينا أنهلا بد منه؛ فوالله لنقتلن أبناءنا ونساءنا ولنحرقن أموالنا وأمتعتنا ولا نترككمتغنمون منها شيئاً، ولنخرب الصخرة والمسجد الأقصى، ثم نقتل من عندنا من أسارىالمسلمين في مدينة القدس ، فاستشار صلاح الدين أصحابه، فأشاروا عليه بالصلح الذييكون من نتيجته تسليم المدينة،وبذل كل رجل منهم – ليخرج ذليلا- عن نفسهعشرة دنانير وعن المرأة خمسة وعن الطفل دينارين ومن عجز كان أسيرا للمؤمنين، فعجزمنهم ستة عشر ألفاً كانوا أسراء للمسلمين..
ودخل المسلمون بيت المقدس، وطهروه منالصليبوطهروه منالخنزير،ونادىالمسلمون بالآذان ووحدوا الرحمن وجاء الحق وبطلت الأباطيل وكثرت السجدات وتنوعتالعبادات وارتفعت الدعوات وتنزلت البركات وتجلت الكربات وأقيمت الصلوات وأذنالمؤذنون وخرس القسيسيون وأحضرمنبر نورالدينالشهيدعليه رحمة الله الجليل ، الذي كان يأمل أن يكون الفتح علىيديه فكان على يدي تلميذه وثمرة تربيته صلاح الدين .
أول خطبة جمعة في بيتالمقدس
ولماكان يوم الجمعة التالية لجمعة الفتح- لأنه دخلها يوم جمعة، فصلوا ظهراً ولم يتمكنوامن صلاة الجمعة- حضر المسلمون الحرم الشريف فغص بالزحام ، وتسامع الناس من سائرالأطراف بفتح بيت المقدس ، وتوافدوا من كل صقع وفج ليحظوا بمشاهدة هذا الفتحالعظيم،فاجتمع من أهل الإسلامعدد لا يقع لهم إحصاء،وامتلأت ساحات المسجد بالخلائق، واستعبرت العيون من شدة الفرح، وخشعت الأصوات،ووجلت القلوب، وأخذ الناس من ذلك الموقف أُهبته، وعرض أناس يخطبوا والسلطان ساكت لميعين خطيباً، حتى إذا حان وقت الخطبة قدممحيي الدين بن زكيالدين القاضي،فقام فخطب على المنبر في هذا الحشد العظيم خطبة بديعة جداً،استهلها بقوله تعالى: فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:45] ثم قال: أيها الناس! أبشروا برضوان الله الذي هو الغاية القصوى، والدرجة العليا؛ لما يسرهالله على أيديكم من استرداد هذه الضالة من الأمة الضالة، وردها إلى مقرها منالإسلام بعد ابتذالها في أيدي المشركين قريباً من مائة عام، وتطهير هذا البيت الذيأذن الله فيه أن يرفع اسمه... إلى أن قال: وهو أولى القبلتين وثالث الحرمين، ولاتشد الرحال بعد المسجدين إلا إليه، ولا تعقد الخناصر بعد الموت إلا عليه، ولولاأنكم ممن اختاركم الله من عباده واصطفاهم من سكان بلاده لما خصكم بهذه الفضيلة التيلا يجاريكم فيها مجارٍ، فجزاكم الله عن محمدٍ نبيه أفضل الجزاء، وشكر لكم مابذلتموه من مهجكم في مقارعة الأعداء، وتقبل منا ومنكم ما تقربتم به إليه من إهراقالدماء، وأثابكم الجنة فهي دار السعداء. ثم قال لهم: فاقدروارحمكم الله هذه النعمة حق قدرها، وقوموا لله بواجبشكرها.
فبكى الناس، وضج المسجد على كبره بالبكاء، وشكر الناس اللهعز وجل على هذا الفتح العظيم، وأرسل صلاح الدين الرسل والكتب والبشائر إلى أنحاءالعالم الإسلامي، وصدر كتابه إلى الخليفة العباسي بقوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِلَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْوَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْمِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً [النور:55].
روعة أخلاقه و زهده حتىوفاته
اضطرالمستشرقون إلى الاعتراف بمنة صلاح الدين ونبل أخلاقه في الكتب التي ألفت حديثاً،والمقارنة بين معاملة صلاح الدين للصليبيين ومعاملة الصليبيين للمسلمين!.
بعض المسلمين لما دخلواخيام العدو أخذواطفلاً رضيعاًلهثلاثة أشهر ثم ذهبوا به وباعوه، ولما فقدته أمه وهي في معسكر النصارى باتت مستغيثةبالويل والثبور طيلة تلك الليلة حتى وصل خبرها إلىملوكالنصارى؛فأشفقوا عليها، وقالوا: اذهبي إلى صلاح الدين إنه رحيم القلب،قد أذنا لكِ بالخروج فاطلبيه منه فإنه يردهعليك،
كيفعرفوا إلا من خلال معايشتهم لهذا القائد المظفر رحمه الله تعالى! وذهبت المرأة إلىصلاح الدينوأتى بترجمان يترجم بينها وبينه، فلما عرف وبكتأمامه بكاءً شديداً، وعرف قصتها رق لها ودمعت عينه، وأمر بإحضار الرضيع فوجدوه قدبيع، فاشتراه صلاح الدين من ماله ودفعه إليها، فبكت بكاءً وضمته إلى صدرها والناسينظرون ويبكون، ثم حملت على فرس وألحقت بعسكرها هي وطفلها.
كان صلاح الدين رحمه الله زاهداً، مات ولا يوجدفيخزانتهأربعون درهماً، فكان يصرف الأموال للجهادفي سبيل الله، وكان يربي أتباعه على هذه القضية، وكان أي إنسان فيهم يجد عنده ميلاًإلى الدنيا كما حدث عندما رجع إلى دمشق بعد غزوة حصن كوكب عام (594هـ) وجدوكيل الخزانة في دمشققد بنى له داراً ضخماً بقلعة دمشق، فغضب عليه وعزله، وقال: إنا لم نخلق للمقام بـدمشق ولا لغيرها من البلاد، وإنماخلقنا لعبادة الله عز وجل والجهاد في سبيله.
ومات رحمه الله وله من العمر 57سنة
من يحمل هم جراحات أمتنا والأقصى أسير بيداليهود
أسير بمن أذلهم الله ، فكيف بمن أذله الله للأذل؟!
لست يا صهيوني أقوى *** أنت من كسرى وقيصر.
أنت أدنى ، أنت أصغر *** أنت من أشلاء خيبر .
فامتلك ما شئت *** أرضاً وتغطرس وتجبر .
كلما استملكت شبراً *** فوقهيوماً ستنحر .
واستعر ما شئت *** ظلماً وتعالى وتكبر .
يا بني صهيون صبراَ *** إننا قسماً سنثأر .
طالما حاولت عبثاً *** فأسود الدين تزأر .
وإذا الأُسْدُ تداعت *** أي وغد سوفيظهر.
في لظى الحرب سننظر *** هل ستبقى أمستدبر.
فلسطين الجريحة والأقصى على شفاالهدم
أنا لا أريد طعامكم وشرابكم *** فدمي هنا يا مسلمونيراق
قدسي تهود أين شيمتكم *** أما فيكم أبيّ قلبهخفاق
بعضنا أكبرهمه ومبلغ علمه لقمةٌ ولباسٌ ومركبٌ، مطعمٌ شهي، وملبسٌ دفي، ومركبٌ مطي، قد رفعراية
إنما العيش سماع ومدام وندام *** فإذا فاتك هذا فعلى الدنياالسلام.
هوان لايعرف حزما ، وذلة لا تعرف عزا ،عار ينكره الحر والأسد ، ويألفه الحماروالوتد.
فثب وثبة فيها المنايا أو المنى *** فكل محب للحياة ذليل
قاطع ، جاهد بسلاحك فإنلم تستطع فبمالك فإن لم يكن فلا تخذِّل وليسعد النطق بدعوة إن لم يسعدالحال.
إن لم تقم بالعبء أنت*** فمن يقوم بهإذن؟ فمتى تغضب؟متى تغضب؟! أعدها الفقير إلى الله / أبو مسلم وليد برجاس
صباح الأحد 17 من شعبان 1427- 10 منسبتمبر2006
نقلاً من شبكة أنا المسلم للحوار الإسلامي ( ببعض التصرف اليسير) .
 
أعلى