العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

مشروعية القسامة

إنضم
5 أبريل 2010
المشاركات
17
التخصص
أصول الفقه
المدينة
الدمام
المذهب الفقهي
حنبلي
مشروعية القسامة
إعداد : محمد بن إبراهيم الكلثم
الأقوال والأدلة :
القول الأول : يشرع الحكم بالقسامة ، وهو قول جماهير العلماء من الصحابة التابعين ومن بعدهم[1] ، ومنهم : الحنفية[2] ، والمالكية[3] ، والشافعية[4] ، والحنابلة[5] .
واستدلوا بما يلي :
الدليل الأول : عن سهل بن أبي حثمة ـ رضي الله عنه ـ قال : انطلق عبدالله بن سهل ومحيصة بن مسعود إلى خيبر وهي يومئذ صلح ، فتفرقا ، فأتا محيصة إلى عبدالله بن سهل وهو يتشحط في دمه قتيلا فدفنه ، ثم قدم المدينة ، فانطلق عبدالرحمن بن سهل ومحيصة وحويصة ابنا مسعود إلى النبي ـ صلى الله علي وسلم ـ فذهب عبدالرحمن يتكلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : كبِّر كبِّر ، وهو أحدث القوم ، فسكت ، فتكلم فقال : أتحلفون وتستحقون قاتِلكم أو صاحبكم ، قالوا : وكيف نحلف ولم نشهد ولم نرى ؟ قال : فتبرئكم يهود بخمسين يمينا ، قالوا : كيف بأيمان قوم كفر ؟! فعقله النبي صلى اله عليه وسلم من عنده[6] .
وجه الدلالة : أن رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ بين أنهم إن حلفوا استحقوا قاتلهم ، وهذه هي القسامة .
المناقشة :
أولا : أن الأنصار قالوا : كيف نحلف لوم نشهد ولم نر ؟! فلو كانت السنة أن يحلفوا وإن لم يشهدوا لقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : هي السنة[7] .
جواب : أن هذا منهم كان من قبيل التورع عن ذلك ، وإلا لو لم يكن ذلك مشروعا لما بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم سيستحقون دم قاتلهم بهذه الأيمان .
ثانيا : أن هذا النص يتطرق إليه التأويل ، فصرفه بالتأويل إلى الأصول أولى[8] .
جواب : أن تطرق التأويل المجرد ـ من غير دليل يقترن به ـ لا ينهض إلى صرف اللفظ عن ظاهره[9] .
الدليل الثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية[10] .
مناقشة : أن الحديث يتطرق إليه احتمالات ، منها : أن يكون الصحابي قد فهم هذا من قصة سهل بن عبداله المتقدم ، وتقدم الكلام ما على الاستدلال به ، ويحتمل أن يظن الصحابي ما ليس بإقرار إقرارا ، والدليل إذل تطرق إليه الاحتمال بطل الاستدلال به .
الجواب :
أولا : أن هذا الاحتمال لا يعضده دليل ، "ولا عبرة بالاحتمال غير الناشئ عن دليل" .
ثانيا : أما ظن ما ليس بإقرار فبعيد ، وأما على فرض أنه فهمه من قصة سهل فلا إشكال من جهتين :
الأولى : أنه لا إشكال في الاستدلال بها على القسامة .
الثانية : أن فهم الصحابي لهذا الإقرار من القصة أولى من فهم عدمه ممن لم يرى المشروعية .
الدليل الرابع : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( البينة على المدعي ، واليمين على من أنكر ، إلا في القسامة )[11] .
المناقشة : أن الحديث ضعيف[12] .
الدليل الخامس : الاستصلاح ، وبيان ذلك : أنه لما كان القتل مما يكثر ، مع قلة قيام الشهادة عليه لكون القاتل يتحرى موضع الخلوات ، فيكون في الحكم بالقسامة حفظا للدماء[13] .
المناقشة : أن هذا ينتقض بالسرقة وقطع الطريق ، فإن القسامة لا تجب فيهما[14] ، مع أن ما يثبت للسرقة أهون مما يثبت للقتل .

القول الثاني : لا يشرع الحكم بالقسامة ، وهو قول ، الحكم بن عتيبة[15] ، وسالم بن عبدالله[16] ، وسليمان بن يسار[17] ، وقتادة[18] ، وأبي قلابة[19] ، ومسلم بن خالد[20] ، وإبراهيم بن علية[21] ، ويروى عن معاوية[22] ، ابن عباس[23] ، وإبراهيم النخعي[24]، وعمر بن عبدالعزيز[25] ، والبخاري[26].
واستدلوا بما يلي :
الدليل الأول : حديث ابن عباس مرفوعا : ( لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماؤهم ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر )[27] .
وجه الدلالة[28] :
الوجه الأول : دل الحديث على أن الحقوق لا تثبت إلا ببينة ، وحيث حكم بلا بينة فهو إعطاء للمدعي بمجرد دعواه .
المناقشة :
أولا : ليس في القسامة إعطاء للمدعي بمجرد دعواه ، وذلك من لأمور :
الأول : أن القسامة دليل معتبر من الشرع[29] .
الثاني : أنه حكم بما اجتمع من اللوث وأيمان الأولياء[30] .
الثالث : أن ما جاء في إيجاب البينة عام في كل مدعي ، وما جاء في القسامة خاص ، فيخص العام بما ورد في القسامة[31] .
ثانيا : أن البينة اسم لكل ما يبين الحق ، فتطلق على القرائن وشواهد الأحوال وغير ذلك[32] .
الوجه الثاني : دل الحديث على أن البينة على المدعى عليه ، وهي في القسامة على المدعي .
المناقشة : أن اليمين تشرع من جهة أقوى المتداعيين ، فقد تكون في جانب المدعي كما في القضاء بالشاهد واليمين ، ورجم المرأة بلعان الزوج مع نكولها ، فكذا هنا ، حيث جعل اللوث جانب المدعي أرجح[33] .
الدليل الثاني : عن معمر قال : قلت لعبيدالله بن عمر : أعلمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقاد بالقسامة ؟ قال : لا ، قلت : فأبو بكر ؟ قال : لا ، قلت : فعمر ، قال : لا ، قلت : فكيف تجترئون عليها ؟ فسكت[34] .
مناقشة : أن الحجة ثبتت من قول النبي صلى الله عليه وسلم ، وعدم قضائهم بها إنما هو لعدم وقوع حادثة تستوجب القسامة في زمنهم[35] .
الدليل الثالث : أن الحكم بالقسامة مخالف لأصول الشرع المتفق على صحتها[36] ، وبيان ذلك من أوجه :
الأول : أن الأصل في الشرع أن لا يحلف أحد إلا على ما علمه قطعا ، فكيف يُقسم أولياء الدم وهم لم يشاهدوا القتل[37] ؟
الثاني : أن الأيمان ليس لها تأثير في إراقة الدماء[38] .
الثالث : أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر[39] .
المناقشة :
أولا عدم التسليم بأن ما ذكر ، وبيان ذلك :
1 ـ ما ذكروه من الحلف على القطع غير مسلم ، بل الحلف على غلبة الظن جائزة كما في إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لقول الأعرابي : .
2 ـ قولهم " الأيمان ليس لها أثر في إراقة الدماء " هذا غير مسلم ، فالمرأة ترجم بلعان الزوج إذا نكلت[40] .
3 ـ قولهم " البينة على المدعي " تقدم الجواب عنه عند مناقشة الدليل الأول .
ثانيا : مع التسليم بأن القسامة مخالفة للأصول ، فهي سنة منفردة بنفسها مخصصة للأصول كسائر السنن المخصصة[41] .
الترجيح :
عند تأمل ما استدل به كل من الفريقين نجد أن عمدة ما يستدل به القائلون بالمشروعية حديث سهل بن سعد في قصة الأنصار مع اليهود ، وحديث إقرار القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية ، وهي أحاديث صحيحة صريحة .
وعمدة ما يستدل به المانعون من القسامة أنها مخالفة للأصول المتقررة في الشرع .
والذي يظهر ـ والله أعلم ـ والقول بمشروعية القسامة ؛ لأن خبر الواحد مقدم على الأصول كما قرره أكثر الأصوليين[42] .



[1] ـ ينظر : مصنف عبدالرزاق 10/28 - 41 ، مصنف ابن أبي شيبة 9/213 - 218 ، سنن البيهقي 8/122 ، بداية المجتهد 4/359 ، سبل السلام 7/68 .

[2] ـ بدائع الصنائع 10/374 ، فتح القدير 9/304 .

[3] ـ بداية المجتهد 4/359 ، الذخيرة 12/287 .

[4] ـ روضة الطالبين 7/235 وما بعدها ، مغني المحتاج 4/144 .

[5] ـ كشاف القناع 4/2972 ، الروض المربع مع حاشيته لابن قاسم 7/292 .

http://www.mmf-4.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=21#_ftnref6 [6] ـ أخرجه البخاري ، كتاب الديات ، باب القسامة ، رقم 6898 ، ص 575 ، ومسلم ، كتاب القسامة والمحاربين ، باب القسامة ، رقم : 1669 ، ص 971 .

[7] ـ ينظر : بداية المجتهد 4/361 .

[8] ـ ينظر : المرجع السابق 4/361 .

[9] ـ ينظر : روضة الناظر 2/564 .

[10] ـ أخرجه مسلم ، كتاب القسامة والمحاربين ، باب القسامة ، رقم : 1670 ، ص : 972 .

[11] ـ أخرجه الدارقطني كتاب في الأقضية ، رقم 4461 ، 4462 ، 4/139 من طرق عن مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج مرةً عن عطاء أبي هريرة به مرفوعا ، ومرة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده به مرفوعا .

[12] ـ حيث أن مدار الحديث على مسلم بن خالد الزنجي ، وهو مسلم بن خالد بن قرقرة بن المخزومي مولاهم ، أبو خالد الزنجي المكي الفقيه ، وثقه ابن معين ، والدارقطني ، وذكره ابن حبان في الثقات ، وقال : " كان يخطئ أحيانا " ، قال ابن عدي : " حسن الحديث أرجو أن لا بأس به " ، قال الساجي : " صدوق كان كثير الغلط " ، وضعفه البرقي ، وعلي بن المديني ، وضعفه أبو داود لكثرة غلطه ، قال أبو حاتم : " ليس بشيء " ، قال البخاري : " منكر الحديث يكتب حديثه ولا يحتج به يعرف وينكر " ، قال ابن حجر : " صدوق كثير الأوهام " ، مات سنة تسع وسبعين ومائة ، وقيل : سنة ثمانين ومائة . ينظر : تاريخ ابن معين 3/6 ، سؤلات ابن أبي شيبة لابن المديني 114 ، الثقات 7/448 ، الجرح والتعديل 8/183 ، الكامل 6/311 ، الكاشف 2/258 ، تهذيب التهذيب 10/115 ، تقريب التهذيب 938 .

[13] ـ ينظر : بداية المجتهد 4/361 ، مجموع الفتاوى 34/238 .

[14] ـ ينظر بداية المجتهد 4/361 .

[15] ـ فتح الباري 12/293 .

[16] ـ بداية المجتهد 4/359 ، فتح الباري 12/289 ، 293 .

[17] ـ فتح الباري 12/293 ، وينظر ما ورد عنه في مصنف ابن أبي شيبة 9/210 فإنه مخالف لهذا .

[18] ـ فتح الباري 12/293 .

[19] ـ بداية المجتهد 4/359 ، فتح الباري 12/293 .

[20] ـ فتح الباري 12/293 .

[21] ـ بداية المجتهد 4/359 ، فتح الباري 12/293 .

[22] ـ قال البخاري : وقال ابن أبي مليكة : لم يُقِد بها معاوية . صحيح البخاري ص 1188 ، ووصله ابن حجر في الفتح وقال : وهذا سند صحيح ، نقل ابن حجر عن ابن بطال قوله : قد صح عن معاوية أنه أقاد بها ، ثم قال ابن حجر بعدما ساق ما أثر عنه : ويمكن الجمع بأن معاوية لم يقد بها لما وقعت له ، وكان الحكم في ذلك ، ولما وقعت لغيره وكل الأمر في ذلك إليه ، ونسب إليه أنه أقاد بها لكونه أذن في ذلك ، ويحتمل أن يكون معاوية كان يرى القود بها ثم رجع عن ذلك أو بالعكس اهـ . فتح الباري 12/288 .

[23] ـ ينظر : فتح الباري 12/289 ، وما ورد عنه في مصنف ابن أبي شيبة 9/216 مخالف لهذا ، وأخرج عبدالرزاق عن إبراهيم بن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال : لا قسامة إلا أن تقوم بينة ، يعني يقول : لا يقتل بالقسامة ، ولا يبطل دم مسلم . مصنف عبدالرزاق 10/41 ـ 42 رقم : 18289 .

[24] ـ ينظر : فتح الباري 12/289 ، وما ورد عنه في مصنف عبدالرزاق 10/40 ، ابن أبي شيبة 9/214 فإنه مخالف لهذا .

[25] ـ صحيح البخاري معلقا مجزوما به عنه ص 1188 ، وقال ابن حجر : وهذا أثر صحيح ... وقد اختلف على عمر بن عبدالعزيز في القسامة ... ويجمع بأنه كان يرى ذلك لما كان أميرا على المدينة ، ثم رجع لما ولي الخلافة اهـ . فتح الباري 12/288 ، وينظر : بداية المجتهد 4/359 ، وينظر ما ورد عنه في مصنف ابن أبي شيبة 9/211 فإنه مؤيد لهذا الجمع .

[26] ـ ينظر : فتح الباري 12/293 ، 297 حيث اختلف في فهم صنيع البخاري من إيراد المعلقات التي في أول باب القسامة .

[27] ـ أخرجه البخاري ، كتاب التفسير ، سورة آل عمران ، باب ( إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ) ، رقم : 4552 ، ص 373 ، ومسلم ، كتاب الأقضية ، باب اليمين على المدعى عليه ، رقم : 1711 ، ص 981 .

[28] ـ ينظر : طرائق الحكم 218 .

[29] ـ ينظر : القسامة للبسيط 37 .

[30] ـ ينظر : أحكام الجناية على النفس 360 ـ 362 ، طرائق الحكم 219 .

[31] ـ ينظر : القسامة للبسيط 37 .

[32] ينظر : أحكام الجناية على النفس 366 ـ 368 ، وفي هذه المسألة نزاع ، وحول هذه القضية ألف عدد من الكتب في القضاء بالقرائن .

[33] ـ ينظر : أحكام الجناية على النفس 262 ـ 264 .

[34] ـ أخرجه عبدالرزاق ، باب القسامة ، رقم 18276 ، 10/37 ، من طريق عبدالرزاق عن معمر به .

[35] ـ وحديث حيصة ومحيصة وقع في بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن لهم القسامة وهم الذين لم يريدوا الحكم بها .

[36] ـ بداية المجتهد 4/359 بتصرف يسير .

[37] ـ ينظر : بداية المجتهد 4/359 .

[38] ـ بداية المجتهد 4/360 ، (( ينظر المبسوط 26/108 )) .

[39] ـ بداية المجتهد 4/360 .

[40] ـ ينظر : أحكام الجناية على النفس 364 .

[41] ـ ينظر : بداية المجتهد 4/361 .

[42] ـ ينظر : روضة الناظر 2/435 ـ 438 ، البحر المحيط 4/349 ـ 350 .
 
أعلى