العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

إعلام الساسة بمبادئ السياسة (3)

إنضم
18 ديسمبر 2009
المشاركات
45
التخصص
السياسة الشرعية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة حنبلية ... و التطبيق نبوي
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله و أزكى صلاة و سلاما على سيدنا رسول الله و على آله و صحبه و من والاه وبعد :​

عند حديثي عن السياسات التي اتخذت الدين غطاء خارجيا لها و هي في الحقيقة بعيدة كل البعد عنه سوف أقوم بتقسيم كلامي تقسيما جغرافيا وسيكون حديثي سردا تاريخيا مشيرا إلى بعض السياسات التي كانت متمتسحة به فأقول و بالله التوفيق :

القسم الأول : الجانب الغربي من العالم :

كانت أوروبا غارقة في أوحال الوثنية ففي اليونان كانوا يعبدون مجموعة من الآلهة يسمونهم آلهة جبل أوليمبوس و كانوا يعتقدون أن هؤلاء الآلهة لهم مجلس يتشاورون فيه في كيفية إدارة الكون و كان كل عضو من أعضاء المجلس له مهمات معينة في الادارة ف(بوزايدن) كان له إدارة البحار و (هيدز) العالم السفلي و غيرهم و كان يرأس هذا المجلس (زيوس) المكلف بالأمطار .. طبعا كان هذا الأمر فيه نوع من الديموقراطية فطبق اليونان هذا الأمر عندهم على الأرض و من هنا جاءت كتابات الفلاسفة كسقراط و أفلاطون و أرسطو في تصوراتهم عن الحكم و قيادة الدولة .. اما الرومان فكان حكمهم ملكيا إمبراطوريا لا يعرف معروفا و لاينكر منكرا إلا ماوافق عقل الامبراطور.

ثم لما جاءت الدعوة التوحيدية على يد المسيح عليه السلام قوبلت بالاطهاد و الطرد من قبل أباطرة اليونان و الرومان وظل هذا الأمر زمنا حتى أنشأت جماعة تسمى (القوة الخفية) و التي ترأسها اثنان من مستشاري الملك هيرودس وهما احيام أبيود و شاول الطرطوسي و كان هدفها القضاء على التوحيد من الداخل فادعى شاول انه رأى المسيح في المنام فادعى التوحيد و تسمى ب (بولس) و أدخل فكرة اللاهوت و الناسوت و فكرة الأقانيم .. و ظلت هذه الأفكار حبيسة العامة حتى اتخذها قسطنطين الامبراطور الروماني دينا له في عام 325م وقد كان قبل ذلك وثنيا فخلط وثنيته بوثنية بولس و أخرج منها دينا جديدا هو الدين النصراني الحالي .

و منذ ذلك الوقت تعاظم أمر النصارى و أنشئت لهم الكنائس على وفق الديانة البولسية و أصبحت الكنيسة هي المرجع في كل شيء حتى في العلوم التطبيقية لا لما تملكه من العلم بل لأنها تظن أنها قد تفقد مكانتها المقدسة .. وفي القرن التاسع سقطت الامبراطورية الرومانية و تحولت أوروبا إلى مرحلة تسمى مرحلة الاقطاع فأصبح هناك ملوكا لا سلطة فعلية لهم و انقسمت الدول إلى مجموعة إقطاعيات على كل إقطاعية حاكم مختص بها .. و كان الحكام على ثلاثة أنواع : الملوك وهم أضعفهم ثم السادة (الطبقة البرجوازية) وهم أصحاب الأموال و الأراضي و العبيد ثم الكنيسة و هي الأغنى لامتلاكها السلطة الدينية و السلطة الفعلية فقد كان البابا في ذلك الوقت هو الحاكم الفعلي لأوروبا كلها فكان يسير الحملات الصليبية و يعزل الملوك متى شاء و كيف شاء .. و من الطريف و المحزن أن أحد ملوك بريطانيا غضب عليه البابا فقرر الملك تحويل أرضه إلى الاسلام قهرا للبابا فأرسل إلى ملوك الطوائف في الاندلس و لم يجيبوه فعاد و طلب الغفران فلم يغفر له الباب إلا بأن يبقى عاريا أمام الناس يخدم الحيوانات فترة حتى يرضى عنه و هذا يدل على قوة الاستبداد السياسي بالاضافة إلى الوقوف ضد الحرية الفكرية وجباية الضرائب من الناس و العمل المجاني لصالح ممتلكات الكنيسة كل هذا كان بعدا عن الدين و تسخير الدين للصالح الشخصي للبابا و أتباعه .

القسم الثاني : الجانب الشرقي من العالم :

كانت سياسة النبي صلى الله عليه وسلم سياسة دينية نبوية عادلة لا غبار عليها و هكذا ظلت سياسة خلفاؤه من بعده حتى وصلت الأمة إلى مرحلة يمكن اعتبارها مفترق طريق في نظام الحكم الاسلامي وهو انتقال الحكم من الشورى بين أهل الحل و العقد إلى الملك العضوض و أول من بدأ هذا الامر هو معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه و أرضاه فيما رواه البخاري عنه عندما أراد تولية ابنه يزيد فقال (من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع لنا قرنه فلنحن أحق به و من أبيه) و كانت هذه بداية انتزاع حق الأمة في اختيار الأصلح لإمامتها و أنكر عليه كثير من فقهاء الصحابة منهم الحسين بن علي و عبد الله بن الزبير و عبد الله بن عمر و عبد الرحمن بن أبي بكر و عبد الله بن عباس و ما كان إنكارهم هذا إلا لعلمهم اليقيني بآثار الاستبداد الخطيرة على الأمة (مع ملاحظة عدم جواز الطعن في فضل معاوية رضي الله عنه فإنه كان من فضلاء الصحابة و كان من كتاب الوحي لكنه اجتهد فأخطأ وهو ليس بمعصوم لذا فالخطأ وارد ولا ينبغي التعدي عليه ولا شتمه و لاطعنه رضي الله عنه و أرضاه) .

ثم ظهر في الدولة الأموية نزعة غريبة عن الدين هي نزعة الإرجاء و التي من آثاراها كما ذكر شيخ الاسلام في منهاج السنة أن كثيرا من أتباع بني أمية كانوا يعتقدون أن الإمام لا حساب عليه و لا عقاب ومن تطبيقات هذا المعتقد الفاسد أن يزيد بن عبد الملك أراد أن يسير بسير عمر بن عبد العزيز فأقسم له جماعة من شيوخهم أن الله إذا ولى إماما للناس تقبل منه الحسنات و تجاوز عن السيئات و أن من أطاع الامام في كل ما يطلب فكطاعة الله تعالى حتى لو أمر الإمام بمعصية و هذا الأمر لا خلاف عليه أنه ليس من الدين في شيء فإنما الطاعة في المعروف .

وظل الوضع هكذا ملكا عضوضا مستبدا في الدولة الأموية و العباسية إلى نهاية الدولة العثمانية و سقوط الخلافة – نسأل الله أن يعيدها – إلا أنه قد حدثت هناك بعض المواقف التي قام بها المسلمون باختيار إمامهم عن طاعة منهم كما حصل مع نور الدين محمود زنكي و مع صلاح الدين الايوبي و مع يوسف بن تاشفين إلاان الحالة العامة للنظام الاسلامي كانت ملكا عائليا .

إن هذه المواقف من الصحابة و غيرهم من العلماء تدل على بطلان نسبة هذه الاستبداد إلى الدين فإن الدين لم يأمر بالتغلب و الظلم و إنما كان إجماع الصحابة على أن الأمر شورى بين أعيان الأمة من أهل الحل و العقد كما كان الأمر مع الخلفاء الاربعة رضي الله عنهم وهي السنة .. و الخير كل الخير في اتباع من سلف و الشر كل الشر في اتباع من خلف ….

مقالي القادم بمشيئة الله عن السياسة الوضعية .. أصولها و تطبيقاتها .. و أعتذر عن الاطالة ..
 
أعلى