العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

للمناقشة: مس الفرج هل ينقض الوضوء

إنضم
18 يونيو 2008
المشاركات
166
التخصص
فقه وتشريع
المدينة
الضفة الغربية
المذهب الفقهي
مذهب الائمة الاربعة (اذا صح الحديث فهو مذهبي)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مسألة:
هل ينتقض الوضوء بمس الفرج ؟
الفرج بتسكين الراء يشمل القبل والدبر للذكر والأنثى، أما الإليتين فلا تعتبران من الفرج على الاصح.
لقد اختلف العلماء في ذلك على مذاهب،فمنهم من يقول:ينتقض الوضوء بمس الفرج ومن هؤلاء عمر وابنه عبد الله وأبو هريرة وابن عباس وعائشة وسعد بن أبي وقاص وعطاء والزهري وابن المسيب ومجاهد وابان بن عثمان وسليمان بن يسار والشافعي واحمد وإسحاق ومالك في المشهور رضي الله عنهم
و ذهب آخرون إلى عدم انتقاض الوضوء بمس الفرج منهم: علي بن ابي طالب رضي الله عنه وابن مسعود وعمار والحسن البصري وربيعة والعترة والثوري وأبو حنيفة واصحابه رضي الله عنهم اجمعين.

واستدل القائلون بالنقض بالمس بحديث بسرة بنت صفوان رضي الله عنها،أن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال:" من مس ذكره فلا يصلي حتى يتوضأ"، أخرجه الخمسة.


واستدل القائلون بعدم النقض بأدلة على رأسها حديث طلق بن علي رضي الله عنه قال:
قال رجل: مسست ذكري أو قال الرجل يمس ذكره في الصلاة أعليه الوضوء؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :" لا،إنما هو بضعة منك"،أخرجه الخمسة،وقد صححه الألباني في تمام المنة.

ما هو الراجح؟
بما ان الطرفين قد استدلوا بأحاديث كل على قوله، ينبغي ان يصار الى اول طرق الترجيح بين الأدلة وهي صحة الدليل المُستدل به.

نأتي أولا الى دليل اصحاب القول الاول وهو حديث بسرة بنت رضوان رضي الله عنها، ماذا قال عنه العلماء؟

قال الترمذي(1/129):"حسن صحيح"،ثم قال:" قال محمد – أي البخاري - : و أصح شيء في هذا الباب حديث بسرة"،وقد صحح الحديث الألباني كما في صحيح أبي داود برقم(166).
قال ابو داود: قلت لاحمد:حديث بسرة ليس بصحيح، قال:بل هو صحيح، وصححه الدارقطني ويحيى بن معين ، قال البيهقي: هذا الحديث وان لم يخرجه الشيخان لاختلاف وقع في سماع عروة منها او من مروان فقد احتجا بجميع رواته، وقال الاسماعيلي: يلزم البخاري اخراجه فقد اخرج نظيره...
قال الامام الشوكاني في نيل الاوطار:" ونقل البعض بأن ابن معين قال ثلاثة احاديث لا تصح حديث مس الذكر ، ولا نكاح الا بولي، وكل مسكر حرام،قال الحافظ:ولا يعرف هذا عن ابن معين. قال ابن الجوزي: ان هذا لا يثبت عن ابن معين وقد كان مذهبه انتقاض الوضوء بمسه. ". انتهى

اما دليل اصحاب القول الثاني وهو حديث طلق بن قيس، ماذا قالوا عنه؟

قال الامام الشوكاني في نيل الاوطار:" صححه عمر بن علي القلاس وقال: هو عندنا أثبت من حديث بسرة، قال الطحاوي: اسناده مستقيم غير مضطرب بخلاف حديث بسرة، وصححه ايضا ابن حبان والطبراني وابن حزم، وأجيب بأنه قد ضعفه الشافعي وأبو حاتم وابو زرعة والدارقطني والبيهقي وابن الجوزي، وادعى فيه النسخ ابن حبان والطبراني وابن العربي والحازمي واخرون،واوضح ابن حبان وغيره ذلك، وقال البيهقي: يكفي في ترجيح حديث بسرة على حديث طلق ان حديث طلق لم يحتج الشيخان بأحد من رواته، وحديث بسرة قد قد احتجا بجميع رواته، وقد ايدت دعوى النسخ بتأخر اسلام بسرة وتقدم اسلام طلق، ولكن هذا ليس دليلا على النسخ عند المحققين من ائمة الاصول، وايد حديث بسرة ايضا بان حديث طلق موافق لما كان عليه الامر من قبل وحديثث بسرة ناقل عنه فيصار اليه وبانه أرجح لكثرة طرقه وصحتها، وكثرة من صححه من الأئمة ولكثرة شواهده، ولان بسرة حدثت به في دار المهاجرين والأنصار وهم متوافرون، وأيضا قد روي عن طلق بن علي نفسه انه روى: " من مس فرجه فليتوضأ" أخرجه الطبراني وصححه، قال: فيشبه ان يكون سمع الحديث الاول من النبي صلى الله عليه وسلم قبل هذا ثم سمع هذا بعد فوافق حديث بسرة، وايضا حديث طلق بن علي من رواية قيس ابنه، قال الشافعي: قد سألنا عن قيس بن طلق فلم تجد من يعرفه، وقال ابو حاتم وابو زرعة: قيس بن طلق ممن لا تقوم به حجة، فالظاهر ما ذهب إليه الأولون.".

وهذا ما اقول به ان قول الجمهور هو الراجح، اضافة لكون الاحوط، وخاصة اننا في باب العبادات التي تتطلب من المسلم الاحتياط فيها لضمان براءة الذمة من التكليف وقبول المولى عز وجل للعمل.
هذا مع العلم بأن القائلين بنقض الوضوء بمس الفرج ذهب بعضهم الى ان الناقض في المس هو باطن الكف وليس ظاهرها، وهذا التخصيص لا دليل عليه؛ اذ ان التخصيص من اللفظ المطلق يحتاج لدليل ولا دليل هنا، فمس اليد او الافضاء بها الى الفرج يشمل أي طريق تصل بها اليد او أي جزء منها الى الفرج ليحصل الفرج، وتخصيص جهة منها يحتاج لدليل ولا دليل هنا.

وروي عن بعضهم القول بان مس الفرج يندب بعده الوضوء، أي ان الوضوء مستحب بعد المس وليس واجبا للصلاة أي انه لا ينتقض على هذا الرأي، وهو قول مرجوح لان ظاهر النص ومفهومه يقتضي بطلان الوضوء بمعنى انه لا يجزيء للصلاة. اذ ان حمل القول هنا على الاستحباب يحتاج لدليل، ولا دليل.
ولا بد من التنبيه الى ان مس الفرج بحائل أي بصورة غير مباشرة لوجود عازل بين اليد والفرج لا ينقض الوضوء لقوله صلى الله عليه وسلم:" من أفضى بيده الى ذكره لبس دونه ستر فقد وجب عليه الوضوء" رواه احمد وابن حبان والطبراني في الصغير والبيهقي، وقال ابن السكن: هو أجود ما روي في هذا الباب.

قول والرد عليه:

يقول الدكتور عدنان جمعان الزهراني:" غير أنني لم أر ما ينفي جهالة الحال عن قيس بن طلق؛حيث إن مدار الحديث عليه،وقد قال عنه الشافعي:"قد سألنا عن قيس بن طلق فلم نجد بما يكون لنا قبول خبره"- تهذيب التهذيب،ولست بصدد تحقيق القول في هذا الحديث،إذ الصحيح أن الوضوء لا ينتقض بمس الفرج؛ليس أخذا بهذا النص،وليس طرحا لتلك النصوص التي تدل على نقض الوضوء بمس الفرج؛بل لأن البلوى تعم به،وهو لو كان ناقضا للوضوء لنقل نقلا مستفيضا؛ولكان هذا الحكم مشهورا لحاجة الناس الشديدة إليه،ولكننا رأينا بعض كبار الصحابة رضي الله عنهم لا يقول بنقض الوضوء من مس الفرج.."
وهذا حكم عام لا يدخله التخصيص دون دليل،ولذا يستحب وضوء من مس فرجه أو فرج صغير ونحو ذلك.
الرد: ما سبق ونقلته يدل على ان المس ينقض الوضوء وبالتالي يحتاج من يصلى الى الوضوء من جديد وهذا هو الاصل والادعاء بالندب او الاستحباب انما يجب ان يكون عليه دليل وليس العكس، لان من يدعي تخصيص لفظ عام او تقييد مطلق عليه بالدليل. ثم طرح الدليل الصحيح وضربه بعرض الحائط لمجرد انه خبر احاد مع انه صحيح ولمخالفته عموم البلوى عمل غير مقبول عند أي عاقل او متفقه في الدين؛ فعموم البلوى هذا لا يكفي لنرد به دليل صحيح، ثم من قال بان البلوى كانت تعم بخلاف مقتضى الحديث حينذاك؟ هل كان الشيخ من المعاصرين لتلك الحقبة من الزمن؟ ثم ان الربا منتشر في بلادنا وهو مما تعم به البلوى بل نضطر اليه احيانا بغير رضانا، هل نقول بجوازه ؟ ثم ان القول من بعض الصحابة لما يخالف الحديث لا يدل على عدم صحته او الاستدلال به، لانه قد يكون هؤلاء لم يصلهم الحديث بعد وقد حدث هذا كثيرا بين الصحابة والتابعين. وبالمقابل قد قال كثير من الصحابة بنقض الوضوء من المس، وهم ايضا صحابة!

قال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله :
" مس الفرج ينقض الوضوء إذا كان بغير حائل، مس اللحم باللحم ولو بدون شهوة، هذا هو الصواب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بين ـــــــ فقال: (أي رجل أفضى بيده إلى فرجه إلى فرجه ليس دونهما ستر فقد وجب عليه الوضوء، وأيما امرأة أفضت بيدها إلى فرجها ليس دونها ستر فقد وجب عليها الوضوء)، ولم يشترط الشهوة، فدل ذلك على أن مس الفرج ينقض الوضوء مطلقاً بشهوة، أو بغير شهوة، سواء كان الرجل، أو المرأة إذا مس الرجل فرجه، أو فرج امرأته، أو فرج الطفل انتقض وضوؤه، وهكذا المرأة إذا مست فرجها، أو فرج زوجها، أو فرج أطفالها انتقض الوضوء. هذا مهم؛ لأن إذا كان مس الفرج للإنسان ينقض الوضوء ــ من باب أولى. إذن على الأم إذا طهرت أولادها وهي متوضئة عليها أن تعيد الوضوء؟ إذا مست فروجهم، ذكوراً كانوا، أو إناثاً. ومس الفرج دون الثياب لا يضر، فالنبي –عليه الصلاة والسلام-يقول: (وليس دونهما حائل)، فإذا مس فرجه, أو مست المرأة فرجها من دون حائل فإن هذا لا ينقض الوضوء، كما لو كان المس من وراء حائل كالسراويل, أو الإزار, أو القميص فإن هذا لا ينقض الوضوء، والحمد لله.".

قال النووي في مجموعه:
" وإن مس حلقة الدبر انتقض وضوءه وحكى ابن القاص قولا أنه لا ينقض وهو غير مشهور ووجهه أنه لا يلتذ بمسه والدليل على أنه ينقض أنه أحد السبيلين فأشبه القبل وإن انسد المخرج المعتاد وانفتح دون المعدة مخرج فمسه ففيه وجهان أحدهما لا ينقض لأنه ليس بفرج والثاني ينقض لأنه سبيل للحدث فأشبه الفرج" .

وقال ابن قدامة في المغني :
" فصل فأما مس حلقة الدبر :فعنه [الإمام أحمد] روايتان أيضا إحداهما لا ينقض الوضوء وهو مذهب مالك قال الخلال العمل والأشيع في قوله وحجته أنه لا يتوضأ من مس الدبر لأن المشهور من الحديث من مس ذكره فليتوضأ وهذا ليس في معناه لأنه لا يقصد مسه ولا يفضي إلى خروج خارج والثانية ينقض نقلها أبو داود وهو مذهب عطاء والزهري والشافعي لعموم قوله من مس فرجه فليتوضأ ولأنه أحد الفرجين أشبه الذكر ".

والله تعالى اعلم منتظرا منكم المشاركة.
 
أعلى