يحيى رضا جاد
موقوف
- إنضم
- 17 نوفمبر 2009
- المشاركات
- 439
- التخصص
- باحث إسلامي
- المدينة
- الجيزة
- المذهب الفقهي
- مستقل
بسم الله الرحمن الرحيم
1- المقاصد هي «الأهداف التي شرعت الأحكام لتحقيقها، وهي المصالح التي تعود على العباد في دنياهم وأخراهم، سواء أكان تحصيلها عن طريق جلب المنافع أم عن طريق دفع المضار» (1) .. و(دفع المضار) من جملة (جلب المنافع) كما لا يخفى .. ومن ثم، فالتشريع كله قائم على (جلب المنافع) في التحليل الأخير.
2- ومصطلح (المقاصد) يتضمن ثلاث دلالات أساسية يفيدها فعل "قصد" في معناه المعجمي؛ إذ يتضمن معنى (الفائدة والمعقولية)؛ لأنه ضد (اللغو) .. كما يفيد معنى (العمد) الذي يضاده (السهو) .. ويحمل معنى (الحكمة) التي تنافي (اللهو والعبث).
وقد اجتهد العلامة الفيلسوف الدكتور طه عبد الرحمن اجتهاداً موفقاً للغاية في كشف هذه المعاني الثلاثة من مفهوم المقاصد، فانتهى إلى ما حاصله :
أ- المعنى الأول يَستَعْمِل الفعل قصد بمعنى ضد الفعل "لغا" "يلغو". ولما كان اللغو هو الخلو من الفائدة أو صدق الدلالة فإن المقصد يكون على عكس ذلك "هو معقول الفائدة أو معقول الدلالة"، وهذا المضمون الدلالي يعود إلى الفصل الذي وضعه الشاطبي تحت عنوان "مقاصد وضع الشريعة للإفهام"، وقد ناقش فيه قضيتين أساسيتين حاول فيهما إثبات صفة العربية والأمية للشريعة الإسلامية.
ب- والمعنى الثاني يستعمل الفعل "قصد" أيضا بمعنى ضد فعل "سها" "يسهو". ولما كان السهو هو فقدان التوجه أو الوقوع في النسيان، فان المقصد يكون على خلاف ذلك، وهو حصول التوجه والخروج من النسيان. وهو ما تعكسه - عند الشاطبي في موافقاته- "مقاصد وضع الشريعة للامتثال" و"مقاصد المكلف".
ج- وفي المعنى الثالث يستعمل فعل "قصد" ضد الفعل "لها " "يلهو"، ولما كان اللهو هو خلو من الغرض الصحيح و فقدان الباعث المشروع، فإن المقصد يكون على العكس من ذلك، وهو حصول الغرض الصحيح وقيام الباعث المشروع .. وهو ما تناوله الشاطبي في فصل "مقاصد وضع الشريعة ابتداء. (2)
3- ولأستطرد قليلاً بعيداً عن رحاب مصطلح المقاصد - جمعاً لشتات بعض خواطري الأصولية- وإن كنتُ سأدور في فلك المقاصد أيضاً .. فأقول :
أ- للمقاصد أهمية كبرى في الاجتهاد؛ في فهم نصوص الشارع ودلالاتها .. وفي الترجيح بين الأدلة عند تعارض ظواهرها .. وفي الكشف عن العلة / المصلحة / الحكمة المتغياة من النصوص .. وفي الدوران مع المصلحة الشرعية في الوقائع المستحدثة التي لم يرد فيها نص .. وفي تأمل الحِكَم الخاصة بالأحكام التعبدية الصرفة. (3)
والمصلحة - في تعريف جامع مانع لها- هي : " المحافظة على مقصود الشارع؛ ومقصود الشارع من الخلق أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم وعرضهم وأمنهم وحقوقاهم وحرياتهم، وإقامة العدل والتكافل في أمة نموذجية، وكل ما ييسر عليهم حياتهم، ويرفع الحرج عنهم، ويتمم لهم مكارم الأخلاق، ويهديهم إلى التي هي أقوم في الآداب والأعراف والنظم والمعاملات ".
فالمصلحة إذاً هي المحافظة على مقاصد الشارع ولو خالفت مقاصد الناس، فإن الأخيرة عند مخالفتها للأولى ليست في الواقع مصالح، بل هي أهواء وشهوات زينتها النفس، وألبستها العادات والتقاليد ثوب المصالح. (4)
ب- المقصد العام من التشريع - بل المقصد الأعلى للشريعة فيما أرى- هو «إنشاء أمة ممثلة لمقتضيات الإيمان، قادرة على الحضور الذي يمكن من الشهادة ويقيم الحجة ويبعث على الاحترام ويغري بالإقتداء، أمة قادرة على عمارة الأرض وتسخير الكون لتكون الحياة على الأرض طيبة لا عسر فيها ولا ضنك، تحكمها الرحمة والتخفيف والسماحة، وتتوجه إلى البناء والعمران والتواصل والتعارف» (5)
ج- إذن : المقاصد أمر مركزي في التشريع الإسلامي .. ولذلك فمراعاتها واجبة في الفتوى والقضاء والتعليم بل وفي كل شأن من شئون الأمة عاماً كان أو خاصاً .. ولذلك قال الإمام العز بن عبد السلام : "قاعدة: كل تصرف تقاعد عن تحصيل مقصوده فهو باطل" (6) .. ولذلك أيضاً قال الشاطبي: "إن عمل المكلف إذا خالف قصد الشارع من التشريع يعتبر عمله باطلاً فلا يقبل ولا يثاب عليه" (7) .
د- للشاطبي إشارة موفقة - تابعه عليها (لصحتها ومعقوليتها) كل من أتى بعده- في موضوع التقسيم الثلاثي (الضروري-الحاجي-التحسيني) إذ يقول :
القاعدة الأولى: أن الضروري أصل لما سواه من الحاجي والتكميلي.
القاعدة الثانية: أن اختلال الضروري يلزم منه اختلال الباقين بإطلاق.
القاعدة الثالثة: أنه لا يلزم من اختلال الباقين اختلال الضروري.
القاعدة الرابعة: أنه قد يلزم لاختلال التحسيني بإطلاق أو الحاجي اختلال الضروري بوجه ما.
القاعدة الخامسة: أنه ينبغي المحافظة على الحاجي والتحسيني للضروري (8)
والله أعلم
******************************
المصادر والمراجع:
1- المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، الدكتور يوسف حامد العالم (رحمه الله)، ص 79، ط 2، 1994م، الرياض، الدار العالمية للكتاب الإسلامي والمعهد العالمي للفكر الإسلامي
2- انظر: تجديد المنهج في تقويم التراث، طه عبد الرحمن، ص 98، ط1، 1991م، دار الكتب العلمية - بيروت
3- مقاصد الشريعة الإسلامية، ابن عاشور، ص 15، 1978م، الشركة التونسية للتوزيع.
4- انظر: المستصفى، أبو حامد الغزالي، 2/478-485، تحقيق د. حمزة زهير حافظ . السياسة الشرعية في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها، د/ يوسف القرضاوي، ص92، ط 1، 1998م، مكتبة وهبة.
5- حوار في المقاصد - تعريفات، رياض أدهمي، مجلة الرشاد، العدد (3)، صيف 1996م.
وانظر : مقاصد الشريعة الإسلامية، ابن عاشور، ص 15، 1978م، الشركة التونسية للتوزيع.
6- قواعد الأحكام في مصالح الأنام، العز بن عبد السلام، 2/ 143، 1986م، ط الكليات الأزهرية
7- الموافقات، الشاطبي، 2 / 333 وما بعدها، دار الكتب العلمية - بيروت
8- الموافقات، الشاطبي، 2/ 4، دار الكتب العلمية - بيروت