العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

في رحاب المقاصد والمصالح .. خواطر أصولية !

إنضم
17 نوفمبر 2009
المشاركات
439
التخصص
باحث إسلامي
المدينة
الجيزة
المذهب الفقهي
مستقل

بسم الله الرحمن الرحيم

1- المقاصد هي «الأهداف التي شرعت الأحكام لتحقيقها، وهي المصالح التي تعود على العباد في دنياهم وأخراهم، سواء أكان تحصيلها عن طريق جلب المنافع أم عن طريق دفع المضار» (1) .. و(دفع المضار) من جملة (جلب المنافع) كما لا يخفى .. ومن ثم، فالتشريع كله قائم على (جلب المنافع) في التحليل الأخير.


2- ومصطلح (المقاصد) يتضمن ثلاث دلالات أساسية يفيدها فعل "قصد" في معناه المعجمي؛ إذ يتضمن معنى (الفائدة والمعقولية)؛ لأنه ضد (اللغو) .. كما يفيد معنى (العمد) الذي يضاده (السهو) .. ويحمل معنى (الحكمة) التي تنافي (اللهو والعبث).

وقد اجتهد العلامة الفيلسوف الدكتور طه عبد الرحمن اجتهاداً موفقاً للغاية في كشف هذه المعاني الثلاثة من مفهوم المقاصد، فانتهى إلى ما حاصله :

أ- المعنى الأول يَستَعْمِل الفعل قصد بمعنى ضد الفعل "لغا" "يلغو". ولما كان اللغو هو الخلو من الفائدة أو صدق الدلالة فإن المقصد يكون على عكس ذلك "هو معقول الفائدة أو معقول الدلالة"، وهذا المضمون الدلالي يعود إلى الفصل الذي وضعه الشاطبي تحت عنوان "مقاصد وضع الشريعة للإفهام"، وقد ناقش فيه قضيتين أساسيتين حاول فيهما إثبات صفة العربية والأمية للشريعة الإسلامية.

ب- والمعنى الثاني يستعمل الفعل "قصد" أيضا بمعنى ضد فعل "سها" "يسهو". ولما كان السهو هو فقدان التوجه أو الوقوع في النسيان، فان المقصد يكون على خلاف ذلك، وهو حصول التوجه والخروج من النسيان. وهو ما تعكسه - عند الشاطبي في موافقاته- "مقاصد وضع الشريعة للامتثال" و"مقاصد المكلف".

ج- وفي المعنى الثالث يستعمل فعل "قصد" ضد الفعل "لها " "يلهو"، ولما كان اللهو هو خلو من الغرض الصحيح و فقدان الباعث المشروع، فإن المقصد يكون على العكس من ذلك، وهو حصول الغرض الصحيح وقيام الباعث المشروع .. وهو ما تناوله الشاطبي في فصل "مقاصد وضع الشريعة ابتداء. (2)



3- ولأستطرد قليلاً بعيداً عن رحاب مصطلح المقاصد -
جمعاً لشتات بعض خواطري الأصولية- وإن كنتُ سأدور في فلك المقاصد أيضاً .. فأقول :

أ- للمقاصد أهمية كبرى في الاجتهاد؛ في فهم نصوص الشارع ودلالاتها .. وفي الترجيح بين الأدلة عند تعارض ظواهرها .. وفي الكشف عن العلة / المصلحة / الحكمة المتغياة من النصوص .. وفي الدوران مع المصلحة الشرعية في الوقائع المستحدثة التي لم يرد فيها نص .. وفي تأمل الحِكَم الخاصة بالأحكام التعبدية الصرفة. (3)

والمصلحة - في تعريف جامع مانع لها- هي : " المحافظة على مقصود الشارع؛ ومقصود الشارع من الخلق أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم وعرضهم وأمنهم وحقوقاهم وحرياتهم، وإقامة العدل والتكافل في أمة نموذجية، وكل ما ييسر عليهم حياتهم، ويرفع الحرج عنهم، ويتمم لهم مكارم الأخلاق، ويهديهم إلى التي هي أقوم في الآداب والأعراف والنظم والمعاملات ".

فالمصلحة إذاً هي المحافظة على مقاصد الشارع ولو خالفت مقاصد الناس، فإن الأخيرة عند مخالفتها للأولى ليست في الواقع مصالح، بل هي أهواء وشهوات زينتها النفس، وألبستها العادات والتقاليد ثوب المصالح.
(4)

ب- المقصد العام من التشريع - بل المقصد الأعلى للشريعة فيما أرى- هو «إنشاء أمة ممثلة لمقتضيات الإيمان، قادرة على الحضور الذي يمكن من الشهادة ويقيم الحجة ويبعث على الاحترام ويغري بالإقتداء، أمة قادرة على عمارة الأرض وتسخير الكون لتكون الحياة على الأرض طيبة لا عسر فيها ولا ضنك، تحكمها الرحمة والتخفيف والسماحة، وتتوجه إلى البناء والعمران والتواصل والتعارف» (5)

ج- إذن : المقاصد أمر مركزي في التشريع الإسلامي .. ولذلك فمراعاتها واجبة في الفتوى والقضاء والتعليم بل وفي كل شأن من شئون الأمة عاماً كان أو خاصاً .. ولذلك قال الإمام العز بن عبد السلام : "قاعدة: كل تصرف تقاعد عن تحصيل مقصوده فهو باطل" (6) .. ولذلك أيضاً قال الشاطبي: "إن عمل المكلف إذا خالف قصد الشارع من التشريع يعتبر عمله باطلاً فلا يقبل ولا يثاب عليه" (7) .

د- للشاطبي إشارة موفقة - تابعه عليها (لصحتها ومعقوليتها) كل من أتى بعده- في موضوع التقسيم الثلاثي (الضروري-الحاجي-التحسيني) إذ يقول :

القاعدة الأولى: أن الضروري أصل لما سواه من الحاجي والتكميلي.
القاعدة الثانية: أن اختلال الضروري يلزم منه اختلال الباقين بإطلاق.
القاعدة الثالثة: أنه لا يلزم من اختلال الباقين اختلال الضروري.
القاعدة الرابعة: أنه قد يلزم لاختلال التحسيني بإطلاق أو الحاجي اختلال الضروري بوجه ما.
القاعدة الخامسة: أنه ينبغي المحافظة على الحاجي والتحسيني للضروري (8)

والله أعلم

******************************

المصادر والمراجع:

1- المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، الدكتور يوسف حامد العالم (رحمه الله)، ص 79، ط 2، 1994م، الرياض، الدار العالمية للكتاب الإسلامي والمعهد العالمي للفكر الإسلامي

2- انظر: تجديد المنهج في تقويم التراث، طه عبد الرحمن، ص 98، ط1، 1991م، دار الكتب العلمية - بيروت

3- مقاصد الشريعة الإسلامية، ابن عاشور، ص 15، 1978م، الشركة التونسية للتوزيع.

4- انظر: المستصفى، أبو حامد الغزالي، 2/478-485، تحقيق د. حمزة زهير حافظ . السياسة الشرعية في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها، د/ يوسف القرضاوي، ص92، ط 1، 1998م، مكتبة وهبة.

5- حوار في المقاصد - تعريفات، رياض أدهمي، مجلة الرشاد، العدد (3)، صيف 1996م.
وانظر : مقاصد الشريعة الإسلامية، ابن عاشور، ص 15، 1978م، الشركة التونسية للتوزيع.

6- قواعد الأحكام في مصالح الأنام، العز بن عبد السلام، 2/ 143، 1986م، ط الكليات الأزهرية

7- الموافقات، الشاطبي، 2 / 333 وما بعدها، دار الكتب العلمية - بيروت

8- الموافقات، الشاطبي، 2/ 4، دار الكتب العلمية - بيروت

 

طارق موسى محمد

:: متفاعل ::
إنضم
5 أغسطس 2009
المشاركات
411
الإقامة
الاردن
الجنس
ذكر
التخصص
محاسبة
الدولة
الاردن
المدينة
الزرقاء
المذهب الفقهي
الحنفي
جزاكم الله خيرا على المعلومات المفيدة وجعلها الله في ميزان حسناتكم
 

أحمد محمد عروبي

:: متخصص ::
إنضم
29 ديسمبر 2009
المشاركات
133
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
وزان
المذهب الفقهي
المالكي
إلى الأخت هدى

إلى الأخت هدى

تلخيص مفيد وجيد
بارك الله فيك
غير أني أسالك إن كان من الممكن الحصول على هذا البحث ؟
ولك جزيل الشكر

 

هدى إبراهيم

:: متابع ::
إنضم
17 أكتوبر 2009
المشاركات
31
التخصص
فقه وأصول
المدينة
المدينة المنورة
المذهب الفقهي
إن صح الحديث فهو مذهبي..درست على المذهب الحنبلي
بعد إنتهاء مناقشة البحث سيتم رفعه _إن شاء الله_
 

د. أريج الجابري

:: فريق طالبات العلم ::
إنضم
13 مارس 2008
المشاركات
1,145
الكنية
أم فهد
التخصص
أصول الفقه
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
المذهب الحنبلي
بارك الله فيكم
وهناك تعريف للمقاصد قد رجحه أستاذنا في المقاصد أيام دراستي في السنة المنهجية للماجستير؛ فهو تعريف دقيق وشامل؛ إذ يقول في تعريف المقاصد:" هي المصالح العاجلة والآجلة للعباد التي أرادها الله عز وجل من دخولهم في الإسلام، وأخذهم بشريعته".
قوله: "المصالح العاجلة والآجلة"؛ لأن الله سبحانه وتعالى جعل للعباد مصالح في الدارين؛ ولذلك ذكر في التعريف لئلا يتطرق في الذهن قصر المصالح على واحدِ منها.
وقوله:" للعباد"؛ لبيان من تعود عليهم المصالح.
وقوله:" التي أرادها الله عز وجل" ولم يقل لفظ "الشارع"؛ حتى لا يقع في الاعتراض على هذا اللفظ،، ولم يقل "وضع"؛ لأن الله تعالى أورد لفظ الإرادة في قوله تعالى : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)؛ فهو موافق لتعبير المقاصد؛ فرفع الحرج من مقاصد الشريعة.
وقال تعالى: ( يريد الله أن يخف عنكم...)؛ فرفع المشقة والتخفيف من مقاصد الشريعة.
س/فما فائدة هذا القيد؟
ج/ فائدته لبيان مصدر المقاصد، والذي له حق التشريع هو الله تعالى؛ لأن البعض استغل المقاصد في تحليل ماحرم الله.
وقوله:" من دخولهم في الإسلام"؛ فهذا القيد يُذكر؛ لبيان أن الذي يستفيد من المقاصد هم المسلمون، أما غيرهم فلا يستفيد منها إلا في المصالح الظاهرة فقط، وأما المصالح الحقيقية النفسية والعقدية لا تعود عليهم؛ لذلك نجد أنه يكثر فيهم الانتحار والكبت والهم.
وقوله:"وأخذهم بشريعته"؛ وذكر هذا القيد؛ لأن بعض المسلمين لم يلتزموا بشريعة الإسلام؛ فلم تتحقق لهم المصالح كاملة.
لذلك أجد- في نظري- كما ذكر أستاذنا أن هذا التعريف دقيق وشامل.
 
إنضم
17 نوفمبر 2009
المشاركات
439
التخصص
باحث إسلامي
المدينة
الجيزة
المذهب الفقهي
مستقل
لقد أخبرتُ - منذ مدة- الأختيْن الكريمتين صاحبي التعليقات السابقة أني سأعلق على بعض ما جاء في كلامهما حين ينفرج لي بعضُ وقت .. ولكن الأمر ما يزال على ما كان .. فأعتذر لهما آسفاً
 
إنضم
17 نوفمبر 2009
المشاركات
439
التخصص
باحث إسلامي
المدينة
الجيزة
المذهب الفقهي
مستقل
وشكرٌ موصول للأستاذ/ مصطفى والأستاذة/ تمارا
 
إنضم
15 أكتوبر 2010
المشاركات
11
التخصص
الشريعة
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
اتباع الدليل
رد: في رحاب المقاصد والمصالح .. خواطر أصولية !

القاعدة الأولى: أن الضروري أصل لما سواه من الحاجي والتكميلي.
القاعدة الثانية: أن اختلال الضروري يلزم منه اختلال الباقين بإطلاق.
القاعدة الثالثة: أنه لا يلزم من اختلال الباقين اختلال الضروري.
القاعدة الرابعة: أنه قد يلزم لاختلال التحسيني بإطلاق أو الحاجي اختلال الضروري بوجه ما.
القاعدة الخامسة: أنه ينبغي المحافظة على الحاجي والتحسيني للضروري

عفوا هل من تمثيل لهذه القواعد كي يتضح معناها
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,143
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
رد: في رحاب المقاصد والمصالح .. خواطر أصولية !


عفوا هل من تمثيل لهذه القواعد كي يتضح معناها
حياك الله أختنا الكريمة:
أنا بصدد الولوج لهذا التمثيل في الدرس القادم من سلسلة:
تلخيص كتاب: (علم مقاصد الشارع) للدكتور الربيعة
القاعدة الثانية: أن اختلال الضروري يلزم منه اختلال الباقين بإطلاق.
مثاله:
1- ارتفاع أصل البيع من الشريعة لا يمكن معه اعتبار عدم الجهالة والغرر.
2- ارتفاع أصل القصاص لا يمكن معه اعتبار المماثلة فيه؛ لأنها من أوصاف القصاص، ويستحيل ثبوت الوصف مع انتفاء الموصوف.
3- سقوط أصل الصلاة عن المغمي عليه أو الحائض لا يمكن معه بقاء حكم القراءة فيها، أو التكبير، أو الجماعة، أو الطهارة الحدثية أو الخبثية.
القاعدة الثالثة: أنه لا يلزم من اختلال الباقين اختلال الضروري.
مثاله:
1- إذا سقط من أجزاء الصلاة كالذكر أو القراءة أو غيرهما مما هو من أوصافها وليس بركن فيها، لا يبطل أصل الصلاة.
2- ارتفاع اعتبار الجهالة والغرر لا يبطل أصل البيع؛ كما في الخشب، والثوب المحشو، والجوز، والأصول المغيبة في الأرض، كالجزر، واللفت، وأسس الحيطان.
3- ارتفاع اعتبار المماثلة في القصاص لا يبطل أصل القصاص.

القاعدة الرابعة: أنه قد يلزم لاختلال التحسيني بإطلاق أو الحاجي اختلال الضروري بوجه ما.
مثاله:
الصلاة: تقدُّمها بالطهارة قبل دخول الوقت مثلاً، كمن ينتظر الصلاة، ثم يتوضأ فيحسن الوضوء ويسبغه مستحضراً الذكر الوارد وفضله، ثم يجيب المؤذن حال الأذان، ويمشي إلى الصلاة بسكينة ووقار، ثم يدخل المسجد مقدماً رجله اليمنى على اليسرى ذاكراً الدعاء الوارد مستحضراً إياه، داخلاً للمسجد قاصداً الصف الأول مستشعراً أجر أهل الصف الأُوَل، ولا يجلس حتى يصلي تحية المسجد خاشعاً داعياً، ثم يسلم ينتظر الصلاة بالذكر والدعاء؛ حتى إذا أقيمت الصلاة أقبل على ربه يناجيه.
فلو اقتصر المصلي على الفرض تاركاً مكملاتها مخلاً بها بإطلاق، بحيث لا يأتي بشيء منها، أو إن أتى بشيء منها كان يسيراً؛ فما أسهل نفوذ الخلل إلى الصلاة، وحديث المسيء صلاته شاهدٌ في هذا الباب.

القاعدة الأولى: أن الضروري أصل لما سواه من الحاجي والتكميلي.
القاعدة الخامسة: أنه ينبغي المحافظة على الحاجي والتحسيني للضروري
مثاله:
ما سبق ذكره في مقدمات الصلاة التي ينبغي المحافظة عليها؛ كي تقع صلاته كاملة، مقامة على ما أراد الله، ولذا ورد في الحديث أَطْبَاق الناس في قبول الصلاة حتى إن منهم من تلف وتلقى عليه كالثوب الخرق! مع أنه صلى أمام الناظرين!
 
أعلى