العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

ضوابط رفع الحرج

إنضم
29 مايو 2010
المشاركات
159
التخصص
مقاصد الشريعة
المدينة
حلب
المذهب الفقهي
شافعي
ضوابط رفع الحرج:

إن رفع الحرج عند التحقيق في حقيقته راجع إلى الوسطية فلا إفراط لا تفريط فكلاهما حرج .

هذه الوسطية هي سمة بارزة من سمات هذه الأمة قال تعالى : ) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً([البقرة آية: (143)] وإذا كان رفع الحرج قد أصّل له في الكتاب والسنة وهو موجود في التفريعات الفقهية أخذاً بالتيسير والتخفيف ، فإن ذلك لا يعني ألا تكون هناك مشقة في بعض التكليفات ، ولا يعني أن يكون رفع الحرج سلاحاً وحجة بيد الذين يريدون التفلت من التكاليف والتخلص منها ، فسيستحلون لأقل المشقات ما حرمه الله ويترخصون فيما لا رخصة فيه بدعوى رفع الحرج ويسر الدين وسهولته يستعان به على فهم الأحكام الشرعية وتناولها بمحبة وإقبال . كما يستعان به على إعطاء أحكام جديدة لما يستجد من حوادث فيراعى هذا الأصل عند دراسته أية حادثة جديدة لتوصيفها وإعطاء حكم شرعي محدد فيها ومن هنا لابد لهذا الأصل أن يكون له شروط وأن تحيط به ضوابط حتى لا يساء استخدامه أو تطبيقه ، هذه الضوابط يمكن حصرها من خلال ملاحظة أقسام الحرج والمشقة التي سبق الحديث عنها ، وهذه الضوابط هي :

1- أن يكون الحرج حقيقياً :
ويكون الحرج حقيقياً حين يكون له سبب محدد معين ، وذلك كالسفر والمرض فإن كلاً من السفر والمرض سبب واضح محدد ومعين ، فيكون السفر أو المرض سبباً للترخيص والتخفيف ، فالسفر أو المرض ليس حالة عادية بل حالة استثنائية تتطلب الترخيص, فإن كان الحرج توهمياً فلا أثر له في التخفيف لأن التوهم لا يبنى عليه أحكام بل في ذلك فوات لمصالح العبادات[1] فإن تحقق وجود الحرج أو المشقة فيما تنفك عنه العبادة كان له الأثر في التخفيف سواءً كان أثر الحرج والمشقة موجهاً إلى البدن أو إلى النفس ، فهو في حالة كونه مادياً أو معنوياً يكون له الأثر ذاته ، وليس ألم الجسد بأقل من ألم النفس ، وقد قال تعالى يصف الحرج النفسي عند نبيه:) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ([الحجر آية: (97)] وقال : ) فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ ([الأعراف آية: (2)] .

2- أن يكون الحرج حالياً : وهو ما كانت المشقة فيه حاصلة في الحال عند مباشرة العبادات وفي حال التلبس بها وذلك كمشقة القيام في الصلاة لغير القادر عليه حين يدخل في الصلاة فإن كان الحرج مآلياً وهو المتوقع والمظنون بسبب الاستمرارية والمداومة على خصلة من النوافل من صيام وصلاة أو غير ذلك ، فهذا الحرج المآلي ليس له أي تأثير في الأحكام الشرعية حتى يصبح حرجاً حالياً متحققاً ، لأن الأحكام الشرعية لا تبنى على التوقعات و التخريصات ولا تسقط به . ولا بد من الإشارة إلى اختلاف الأشخاص بعضهم عن بعض في قوة التحمل والتصبر والاستمرارية في الأعمال ، ولهذا فلا قيمة للحرج المآلي المتوقع أو المتوهم[2] .فإذا رقى إلى درجة اليقين أو الظن الغالب كان له أثر.


3- أن يؤدي الحرج إلى حصول خلل في البدن أو النفس .
لابد أن يتخلل العمل أو العبادة مشقة ما ، كمخالفة الهوى التي هي مقصد للشارع وغيرها من المشقات التي تكتنف العبادات ، إلا أنه لابد من توفر مقدار معين من الحرج والمشقة ليكون له تأثير في الأحكام ، وحيث لا يوجد ضابط محدد يقاس به الحرج لأن طبيعة العبادات والأعمال هي التي تحدد مقدار الحرج والمشقة ، فمشقة الجهاد تختلف عن مشقة الوضوء والصلاة ، وتختلف مشقة الوضوء ذاتها صيفاً عنها شتاءً فالمشقة مألوفة حيناً مشوشة على النفس حيناً آخر كما يختلف الأشخاص بعضهم عن بعض فربما تكون المشقة بالنسبة لشخص قد بلغت حداً عالياً وخرجت عن المعتاد ، وتكون المشقة ذاتها معتادة لدى شخص آخر فحيث لا يوجد هذا الضابط المحدد لقياس درجة الحرج فالأولى أن يقال : إن أدى الحرج إلى حصول خلل أو مرض أو فساد في البدن أو النفس أو المال كان هذا الحرج مؤثراً في الأحكام ترخيصاً وتخفيفاً ، وهذه هي علة رفع الحرج[3] .

4- أن لا يصادم رفع الحرج نصاً شرعياً :
والنص الشرعي إما أن يكون قطعياً أو ظنياً ، فإن كان النص قطعياً فلا خلاف في الأخذ بالنص ، لأن منزل النص هو أدرى بمصلحة العباد وبمقدار الحرج الواقع عليهم ، فإذا كلف الشارع بالنص القطعي بشيء فهو عالم بمقدرة المكلف على القيام بما كلف به .وأمــا إن كان النص ظنياً فقد ذهب بعض المالكية إلى رد النص " فقد رد الإمام مالك[4] حديث إكفاء القدر التي طبخت من الإبل والغنم قبل القسم تعويلاً على أصل رفع الحرج ونسب الشاطبي هذا الرأي إلى الشافعي[5] "[6] .
وذهب الحنفية إلى الأخذ بالنص وعدم التعويل على رفع الحرج قال ابن نجيم[7] " المشقة والحرج إنما يعتبران في موضع لا نص فيه ، وأما مع النص بخلافه فلا "[8].

ولعل المقصود بالنص في كلام ابن نجم هو النص القطعي ، لأن الحنفية يردون خبر الواحد في عموم البلوى وخبر الواحد هو نص ظني وليس قطعي[9] ولعل التعارض بين رفع الحرج والنص هو تعارض بين الأدلة النصية في حقيقته ، لأن رفع الحرج راجع إلى الأدلة النصية القطعية .

[1] - الموافقات 1/231

[2] - الاعتصام 1/306.

[3] - الموافقات 2/91.

[4] - مالك : تقدمت ترجمته.

[5] - الشافعي : تقدمت ترجمته.

[6] - الموافقات 3/22.

[7] - ابن نجيم :

[8] - الأشباه والنظائر ( ابن نجيم ) 72.

[9] - أصول السرخسي 1/368 – أصول الشاشي 1/284
 

حفيظة مبارك

:: متخصص ::
إنضم
25 أبريل 2010
المشاركات
5
التخصص
شريعة وقانون
المدينة
وهران
المذهب الفقهي
مالكي
يطرح موضوع رفع الحرج أسئلة عدة يمثل الجواب عنها ضابطا لهذا المقصد الذي تفلت به الكثير ممن يستحلون محارم الله تعالى! فبين مقصد الاحتياط ورفع الحرج اختلف المثبتون والنافون لحجية القياس، إذ تعميم المنصوص على غير المنصوص، تعدية مخالفة لمقصود الشرع وشرع لم يأذن به الله...؛ فالمعمم يحرم ما أصله الإباحة (المسكوت عنه)، في حين أن المتوقف يترك الأمر على الأصل ولا يلحقه بتحريم ولا تحليل...هذا لسان حال مرجح مقصد التيسير ورفع الحرج والتخفيف، ومرجح مقصد الاحتياط في الدين، لمزيد من الفائدة انظر، الفتوحات المكية لابن عربي، في أسرار أدلة الشرع.
 
أعلى