رد: هل يصح التطوع ركعة في غير الوتر؟
بسم الله الرحمن الرحيم
مسألة : هل يصح التطوع بركعة واحدة أما لا ؟ ( واعتذر من صاحب السؤال لتغيري صياغة سؤاله لأني وجدت من يخلط بين الوتر وغيره )
الجواب :هذا السؤال يتعلق به مسألتان
الأولى : الوتر بركعة واحدة في الليل
الثانية : التطوع في سائر الأوقات بركعة واحدة
أما الوتر بركعة واحدة فاختلف العلماء في مشروعيتها على قولين :
القول الأول : قال بمشروعية الوتر بركعة واحدة أكثر أهل العلم
القول الثاني : قال أبو حنيفة لا يجوز الوتر إلا ثلاث ركعات موصولة بتسليمة واحدة كهيئة المغرب قال : لو أوتر بواحدة أو بثلاث بتسليمتين لم يصح ووافقه سفيان الثوري قال النووي : قال أصحابنا لم يقل أحد من العلماء إن الركعة الواحدة لا يصح الإيتار بها غيرهما ومن تابعهما . المجموع م3ص358
يدل لقول الجمهور وهو مشروعية الوتر بالركعة الواحدة أدلة كثيرة منها :
1. عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ صَلاَةِ اللَّيْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِىَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى ». متفق عليه
2. عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ ». رواه مسلم
3. عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ قَالَ : الْوِتْرُ حَقٌّ ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيُوتِرْ بِخَمْسٍ ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُوتِرْ بِثَلاَثٍ ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُوتِرْ بِوَاحِدَةٍ. رواه أبو داود و النسائي و ابن ماجة قال الحاكم صحيح على شرطهما ووافقه الذهبي وقال شعيب على شرط البخاري وصححه الألباني ولفظ أبي داود (الْوِتْرُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ)
استدل أبو حنيفة ومن معه على وجوب الإيتار بثلاث بما يلي :
1. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود الْوِتْرُ : ثَلاَثٌ كَوِتْرِ النَّهَارِ الْمَغْرِبِ. رواه البيهقي في الكبرى وقال هَذَا صَحِيحٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مِنْ قَوْلِهِ غَيْرَ مَرْفُوعٍ إِلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم-وَقَدْ رَفَعَهُ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِى الْحَوَاجِبِ الْكُوفِىُّ عَنِ الأَعْمَشِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَرِوَايَتُهُ تُخَالِفُ رِوَايَةَ الْجَمَاعَةِ عَنِ الأَعْمَشِ. اهـ
2. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْبُتَيْرَاءِ : أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ رَكْعَةً وَاحِدَةً يُوتِرُ بِهَا . أسنده في التمهيد و سنده ضعيف
المسالة الثانية : حكم التطوع بركعة واحدة في سائر الأوقات فيها قولان :
الأول : عدم مشروعية التطوع بركعة وبه قال أبو حنيفة والمالكية ورواية عن أحمد و هو أحد قولي الشافعي - على ما ذكر ابن قدامة الحنبلي - .
الثاني : جواز ذلك وقال بعضهم مع الكراهة :وهم الشافعية ورواية عن أحمد
وإليك بعض نصوصهم من كتبهم :
الأحناف :
قال في البحر الرائق : وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَةً لَزِمَهُ رَكْعَتَانِ أَوْ ثَلَاثًا فَأَرْبَعٌ لِأَنَّ ذِكْرَ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ كُلِّهِ كَمَا عُرِفَ وَلَوْ نَذَرَ نِصْفَ رَكْعَةٍ لَزِمَهُ رَكْعَتَانِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وفي حاشية ابن عابدين وغيره : أو نذر أن يصلي ركعة واحدة ألزمناه ركعتين أو ثلاثة ألزمناه بأربع
المالكية :
قال في شرح مختصر خليل : فِيمَنْ نَذَرَ صَلَاةَ رَكْعَةٍ أَوْ صَوْمَ بَعْضِ يَوْمٍ ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَلْزَمُهُ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ وَصَوْمُ يَوْمٍ .وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ
نصوص القول الثاني :
الشافعية :
قال في المهذب : وان تطوع بركعة واحدة جاز .
قال النووي : ومعنى كلامه أن التطوع يسن كونه ركعتين ولا يشترط ذلك بل من شاء استوفى المسنون ومن شاء زاد عليه فزاد على ركعتين بتسليمة ومن شاء نقص منه فاقتصر على ركعة ثم قال النووي : قال أصحابنا التطوع الذي لا سبب له ولا حصر له ولا لعدد ركعات الواحدة منه وله أن ينوى عددا وله أن لا ينويه بل يقتصر على نية الصلاة فإذا شرع في تطوع ولم ينو عددا فله أن يسلم من ركعة وله أن يزيد فيجعلها ركعتين أو ثلاثا أو عشرا أو مائة أو ألفا أو غير ذلك ولو صلى عددا لا يعلمه ثم سلم صح بلا خلاف اتفق عليه أصحابنا ونص عليه الشافعي رحمه الله المجموع م3ص373
الحنابلة :
قال في المغني : إذا نذر صياما ولم يذكر عددا ولم ينوه فأقل ذلك صيام يوم وأقل الصلاة ركعتان أما إذا نذر صياما مطلقا فأقل ذلك يقوم صيام يوم لا خلاف فيه لأنه ليس في الشرع صوم مفردا أقل من يوم فيلزمه لأنه اليقين وأما الصلاة ففيها روايتان :
إحداهما : يجزئه ركعة نقلها إسماعيل بن سعيد لأن أقل الصلاة ركعة فإن الوتر صلاة مشروعة وهي ركعة واحدة وروي عن عمر رضي الله عنه أنه تطوع بركعة واحدة
والثانية : لا يجزئه إلا ركعتان و به قال أبو حنيفة لأن أقل صلاة وجبت بالشرع ركعتان فوجب حمل النذر عليه وأما الوتر فهو نفل والنذر فرض فحمله على المفروض أولى ولأن الركعة لا تجزىء في الفرض فلا تجزىء في النفل كالسجدة ولـ لشافعي قولان كالروايتين فأما إن عين بنذره عددا لزمه قل أو كثر لأن النذر ثابت يقوله وكذلك عدده فإن نوى عددا فهو كما لو سماه لأنه نوى بلفظه ما يحتمله فلزمه حكمه كاليمين . م13ص634 دار عالم الكتب
و قال في شرح منهتى الإرادات : ( وَيَصِحُّ تَطَوُّعٌ بِرَكْعَةٍ وَنَحْوِهَا ) كَثَلَاثٍ وَخَمْسٍ ، قِيَاسًا عَلَى الْوِتْرِ وَفِي الْإِقْنَاعِ : مَعَ الْكَرَاهَةِ .
دليل من قال لا يتطوع بركعة :
1. عدم وروده والعبادات مبنية على التوقيف
2. عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ صَلاَةِ اللَّيْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِىَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى ». متفق عليه وعند غيرهما ( صلاة الليل والنهار ) وفي زيادة ( و النهار ) خلاف في ثبوتها وهو معروف ومشبع بالبحث .
دليل من أجاز التطوع بركعة واحدة :
1. عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ ، قَالَ : دَخَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْمَسْجِدَ فَرَكَعَ رَكْعَةً، فَقِيلَ لَهُ : فَقَالَ : " إِنَّمَا هُوَ تَطَوُّعٌ فَمَنْ شَاءَ زَادَ ، وَمَنْ شَاءَ نَقَصَ، كَرِهْتُ أَنْ أَتَّخِذَهُ طَرِيقًا " رواه عبد الرزاق قال النووي : رواه الشافعي ثم البيهقي بإسنادين ضعيفين .
2. عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ ، قَالَ : دَخَلْتُ مَسْجِدَ دِمَشْقَ ، فَإِذَا رَجُلٌ يُكْثِرُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ قُلْتُ : لَا أَخْرُجُ حَتَّى أَنْظُرَ أَيَدْرِي هَذَا عَلَى شَفْعٍ انْصَرِفْتُ أَمْ عَلَى وِتْرٍ فَلَمَّا فَرَغَ، قُلْتُ : يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَتَدْرِي عَلَى شَفْعٍ انْصَرَفْتَ أَمْ عَلَى وِتْرٍ؟ فَقَالَ : إِنْ أَكُن لَا أَدْرِي، فَإِنَّ اللَّهَ يَدْرِي .ثُمَّ قَالَ : إِنِّي سَمِعْتُ خَلِيلِي أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً " .قُلْتُ : مَنْ أَنْتَ رَحِمَكَ اللَّهُ؟ قَالَ : أَنَا أَبُو ذَرٍّ .قَالَ : فَتَقَاصَرَتْ إِلَيَّ نَفْسِي أخرجه عبد الرزاق ومن طريقه أحمد في المسند و كذا أخرجه الدارمي وابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة والبيهقي وابن عساكر في تاريخ دمشق كلهم من طريق الأوزعي عن هارون بن رئاب عن الأحنف بن قيس و قال النووي : رواه الدارمي في مسنده بإسناد صحيح إلا رجلاً اختلفوا في عدالته : قلت : لعله يعني محمدا بن كثير فقد اختلفوا فيه بين موثق ومضعف و قال عنه في التقريب : صدوق كثير الغلط إلا أنه توبع من جمع من الرواة الثقات فتابعه عبد الرزاق في مصنفه ومحمد بن يوسف عند المروزي في تعظيم قدر الصلاة و تاريخ دمشق لابن عساكر و أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج فهو صحيح إن شاء الله إن سمع هارون بن رئاب من الأحنف . ثم وجدت شعيب الأرنؤوط يقول عن سند أحمد : إسناده صحيح على شرط مسلم رجاله ثقات رجال الشيخين غير هارون بن رئاب فمن رجال مسلم . اهـ
قال ابن عساكر : هذا حديث محفوظ من حديث هارون بن رئاب الأسدي وهو منقطع لأنه لم يدرك الأحنف اهـ وقد بحثت كثيراً في الكتب لمعرفة سماع هارون من الأحنف من عدمه فلم أجد شيئاً يشفي ولكن وجدت ما يلي :
1. أن الأحنف توفي سنة 67هـ
2. وهارون قيل أنه عاش 83 سنة
3. وقد توفي هارون قبل محمد بن واسع
4. وابن واسع قيل توفي سنة 123ه
فالنتيجة : سماع هارون من الأحنف ممكن لا سيما أن كليهما دخل البصرة .
3. في حديث أَبِي ذَرٍّ قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة : " خَيْرٌ مَوْضُوعٌ ، مَنْ شَاءَ أَقَلَّ، وَمَنْ شَاءَ أَكْثَرَ " رواه أحمد وغيره وصححه ابن حبان وضعف سنده شعيب في مسند أحمد . و دلالته ضعيفه على المقصود
ملاحظات :
إذا قلنا بمشروعية التطوع بركعة واحدة ينبغي التنبه لأمرين :
الأول : أن التطوع بركعة واحدة لا يغني عن تحية المسجد لقوله صلى الله عليه وسلم لسلك الغطفاني رضي الله عنه ( قم فاركع ركعتين ) وغيرها من الأحاديث
الثاني : لا يجمع في الليلة الواحدة وترين لحديث ( لا وتران في ليلة )
ما كان من صواب فمن الله وحدة و ما سوى ذلك فمن نفسي والشيطان و استغفر الله من الزلل والعصيان والله أعلم