العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

سلسلة الشبيلي: بحث في هل للقاتل عمداً توبة؟

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
سبق أن كتبت موضوعاً بعنوان "الفوائد المقتطفة من المذكرة المطولة في فقه الجنايات للشبيلي "
على هذا الرابط
http://www.mmf-4.com/vb/showthread.php?t=217
وبما أن الموضوع مطول، واشتمل على مباحث مستقلة، وبما أن بعض الإخوة لا يرغب في قراءة ذلك الموضوع المطول لأسباب كثيرة منها الطول أو تقدم أو تأخر محله في المدارج العلمية، فبدا لي أن أفرد المباحث المستقلة من هذا الموضوع المطول في موضوعات مستقلة ولعله يكون داعيا إليه، وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضى.



المسألة الرابعة :



هل للقاتل عمدًا توبة :

لاخلاف بين أهل العلم على أن القاتل عمدًا إذا تاب فإن توبته لا تعفيه من عقوبة القصاص ، لأن القصاص حق الآدمي ، وهذا بخلاف
الحدود التي يغلب فيها حق الله كالزنى وشرب الخمر فإن الزاني وشارب الخمر تصح توبته فيما بينه وبين الله وإن لم يقم عليه الحد ،
ولايلزم أن يذهب إلى الحاكم ليقيم عليه الحد .
أما القاتل عمدًا فلا تصح توبته حتى يسلم نفسه إلى الحاكم ليقتص منه أو يدفع الدية فيما لو عفى أولياء الدم ، ومع ذلك فإذا سلم نفسه
فاقتص منه أو طولب بالدية فهل يبرأ فيما بينه وبين الله ؟
اختلف أهل العلم في ذلك على قولين :
القول الأول :
أن القاتل عمدًا لا توبة له .
وهذا القول هو المشهور عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وإحدى الروايتين عن أحمد .
وأدلة هذا القول :
-1 الدليل الأول : قوله تعالى : ( ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابًا
عظيما )
ووجه الدلالة من الآية : أن هذا الوعيد خرج مخرج الخبر ، والأخبار لا يدخلها نسخ ولا تغيير .
وقد ناظر ابن عباس في ذلك أصحابه فقالوا:
أليس قد قال الله تعالى في سورة الفرقان : ( ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق " إلى أن قال : ("إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاﺗﻬم حسنات وكان الله غفورا رحيما ) ،
فقال :كانت هذه الآية في الجاهلية ، وذلك أن ناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا وزنوا ، فأتوا رسو ل الله فقالوا :إن الذي تدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملناه كفارة فترل "والذين لا يدعون مع الله إلها آخر الآية " فهذه في أولئك وأما التي في سورة النساء ، وهي قوله تعالى : ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاب عظيما )
فالرجل إذا عرف الإسلام وشرائعه ثم قتل فجزاؤه جهنم. رواه البخاري .
وقال زيد بن ثابت لما نزلت التي في الفرقان: ( والذين لا يدعون مع الله إلها...)
عجبنا من لينها فلبثنا سبعة أشهر ثم نزلت الغليظة بعد اللينة فنسخت اللينة وأراد بالغليظة هذه الآية التي في سورة النساء وباللينة آية الفرقان .
قال ابن عباس: آية الفرقان مكية وآية النساء مدنية نزلت ولم ينسخها شيء.
ويناقش هذا الاستدلال من ثلاثة أوجه :
الأول : أن الآية فيمن قتل ولم يتب ، أما من تاب فقد جاءت نصوص أخرى سيأتي بياﻧﻬا في أدلة القول الثاني تدل على أن القاتل تقبل توبته .
الثاني : أن المقصود بالوعيد هنا - كما تقدم - أن هذا هو جزاؤه وهو مستحق له إن جازاه الله وتحققت شروط هذه العقوبة وانتفت موانعها ، ومن الموانع لتلك العقوبة : التوحيد فإن الله منّ على عباده الموحدين بعدم الخلود في النار ، ومن الموانع كذلك التوبة ، فقد جاءت نصوص كثيرة تدل على أن الله يقبل التوبة من سائر الذنوب .
الثالث : أن دعوى النسخ لا دليل عليها ، وإذا أمكن الجمع بين النصوص فهو أولى من القول بالنسخ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدليل الثاني: ( وهو دليل من النظر ) قالوا : ولأن التوبة من قتل المؤمن عمدا متعذرة إذ لا سبيل إليها إ لا باستحلاله أو إعادة نفسه التي فوﺗﻬا عليه إلى جسده إذ التوبة من حق الآدمي لا تصح إلا بأحدهما وكلاهما متعذر على القاتل فكيف تصح توبته من حق آدمي لم يصل إليه ولم يستحله منه .
نوقش هذا الاستدلال :بأن الله يوفي القتيل حقه ويعوضه في الآخرة كما سيأتي .

القول الثاني :
أن توبته مقبولة .
وهذا هو قول جماهير أهل العلم .
واستدلوا بما يلي :
الدليل الأول : عموم الآيات والأحاديث التي تدل على أن الله يقبل توبة التائبين: مثل قوله تعالى : ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميع ًا إنه هو الغفور الرحيم)
الدليل الثاني : قوله سبحانه في وصف عباد الرحمن " والذين لايدعون مع الله إلهًا آخر ولايقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولايزنون ومن يفعل ذلك يلق أثامًا ، يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانًا ، إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحًا فأولئك يبدل الله سيئاﺗﻬم حسنات وكان الله غفورًا رحيما "
فهذه الآيات نص صريح وواضح في قبول توبة القاتل .
الدليل الثالث : ما ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين إنسانا ثم خرج يسأل فأتى راهبا فسأله فقال له هل من تو بة قال لا فقتله فجعل يسأل فقال له رجل: ائت قرية كذا وكذا فأدركه الموت فناء بصدره نحوها فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فأوحى الله إلى هذه: أن تقربي وأوحى الله إلى هذه: أن تباعدي وقال قيسوا ما بينهما فوجد إلى هذه أقرب بشبر فغفر له .
الدليل الرا بع : أن التوبة تصح من الكفر ، فمن القتل من باب أولى . فحتى الكافر المعاند المحارب لله ولرسوله يقبل الله توبته كما قال تعالى " وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود ، وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ..إلى أن قال سبحانه : ( إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق )
ولما حكى الله مقولة الكافرين الذين قالوا : ( إن الله ثالث ثلاثة ) ، قال بعدها : ( أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم )، فإذا كان الإسلام ماحيًا للذنوب التي قبله مهما عظمت فكذا التوبة.
يقول ابن القيم رحمه الله : ( فإن هدم التوبة لما قبلها كهدم الإسلام لما قبله)

وهذا القول هو الصحيح ، ولكن يبقى النظر في القتيل ، كيف يستوفي حقه ، ويوجه ذلك ابن القيم رحمه الله بقوله : "التحقيق أن القتل تتعلق به ثلاثة حقوق :
- حق الله
- وحق للمقتول ( الموروث )
- وحق للولي
فإذا تاب القاتل من حق الله وسلم نفسه طوعا إلى الوارث ليستوفى منه حق موروثه سقط عنه الحقان وبقي حق الموروث لا يضيعه الله ويجعل من تمام مغفرته للقاتل تعويض المقتول لأن مصيبته لم تنجبر بقتل قاتله والتوبة النصوح ﺗﻬدم ما قبلها فيعوض هذا عن مظلمته ولا يعاقب هذا لكمال توبته وصار هذا كالكافر المحارب لله ولرسوله إذا قتل مسلما في الصف ثم أسلم وحسن إسلامه فإن الله سبحانه يعوض هذا الشهيد المقتول ويغفر للكافر بإسلامه ولا يؤاخذه بقتل المسلم ظلما فإن هدم التوبة لما قبلها كهدم الإسلام لما قبله ، وعلى هذا إذا سلم نفسه وانقاد فعفا عنه الولي وتاب القاتل توبة نصوحا فالله تعالى يقبل توبته ويعوض المقتول "

فإن قيل : مالدليل على أن الله يعوض المقتول ؟
فالجواب : هو عموم النصوص الواردة في الكتاب والسنة في القصاص يوم القيامة ، ويفهم من هذه النصوص أن المظلوم يوم القيامة له حالان :
الحال الأولى : إما أن يقتص من ظالمه .
والحال الثانية : أو يعفو فيعوضه الله جزاء عفوه .
أو ًلا : الأدلة على الحال الأولى :
- عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء .متفق عليه
ثانيًا : الأدلة على الحال الثانية :
- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه فقال له عمر : ما أضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأمي قال : رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة فقال أحدهما : يا رب خذ لي مظلمتي من أخي فقال الله :كيف تصنع بأخيك ولم يبق من حسناته شيء قال يا رب فليحمل من أوزاري وفاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء ثم قال: إن ذلك ليوم عظيم يحتاج الناس أن يحمل من أوزارهم ، فقال الله للطالب : ارفع بصرك فانظر فرفع فقال : يا رب أرى مدائن من ذهب وقصورا من ذهب مكللة باللؤلؤ أي نبي
هذا أو لأي صديق هذا أو لأي شهيد هذا قال :لمن أعطى الثمن ،
قال: يا رب ومن يملك ذلك ؟قال أنت تملكه ، قال :بماذا ؟ قال : بعفوك عن أخيك ؟ قال : يا رب إني قد عفوت عنه ، قال الله :فخذ بيد أخيك وأدخله الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك : ا تقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإن الله يصلح بين المسلمين " رواه الحاكم
والبيهقي في البعث من طريق عباد بن شيبة الحبطي عن سعيد بن أنس عنه ، وقال الحاكم : صحيح الإسناد "
قال المنذري : كذا قال " أي الحاكم.

- وعن أبي هريرة مرفوعًا : ( من أخذ أموال الناس يريد أد اءها أدى الله عنه يوم القيامة ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله . ) رواه البخاري ،
ويقاس على الأموال الدماء أيضًا ، فإن القاتل إذا سلم نفسه تائبًا فقد قصد تأدية الحق لمستحقه حسب استطاعته .
تنبيه :
نقل ابن حجر عن ابن التين قوله : ( وحكي عن القاضي إسماعيل وغير ه أن قتل القاتل إنما هو رادع لغيره ، وأما في الآخرة فالطلب للمقتول قائم لأنه لم يصل إليه حق ،
قلت - القائل ابن حجر - : بل وصل إليه حق ، وأي حق ، فإن المقتول ظلمًا تكفر عنه ذنوبه بالقتل ، ثم استدل بما جاء في مسند أحمد وصحيح ابن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( السيف محاء للخطايا)
وعن ابن مسعود: ( إذا جاء القتل محا كل شيء ) رواه الطبراني "ا.هـ
والاستدلال بالحديث الذي أ شار إليه ابن حجر على هذه الحالة غير صحيح ، لأن الحديث إنما هو في الشهيد ، فإن أوله : ( الشهداء عند الله ثلاثة.).والله أعلم.
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
للمدارسة
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.



أخرج عبد بن حميد والنحاس عن سعد بن عبيد:


أن ابن عباس كان يقول: لمن قتل مؤمنا توبة. فجاءه رجل فسأله: ألمن قتل مؤمنا توبة؟ قال: لا، إلا النار. فلما قام الرجل قال له جلساؤه: ما كنتَ هكذا تفتينا، كنتَ تفتينا أن لمن قتل مؤمنا توبة مقبولة، فما شأن هذا اليوم؟ قال: إني أظنه رجلا يغضب يريد أن يقتل مؤمنا. فبعثوا في أثره فوجدوه كذلك.


الناسخ والمنسوخ للنحاس ص392، نواسخ القرآن لابن الجوزي ص292، الدر المنثور 4/605


قال سفيان: كان أهل العلم إذا سئلوا قالوا: لا توبة له. فإذا ابتلي رجل قالوا له: تب. الدر المنثور 4/605


وقال: فإذا جاءك من لم يقتل فشدد عليه ولا ترخص له لكي يَفرْق، وإن كان ممن قتل فسألك فأخبره لعله يتوب ولا تؤيسه. الدر المنثور 4/606

نقلاً من كتاب: فقه الرد على المخالف للشيخ خالد السبت ص11
 
أعلى