العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

هل التزم بعض اهل التاصيل والتقعيد بشروطهم؟

إنضم
4 فبراير 2010
المشاركات
785
التخصص
شريعة
المدينة
------
المذهب الفقهي
اهل الحديث
هل التزم بعض اهل التاصيل والتقعيد بشروطهم؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى اله وصحبه اجمعين.
وبعدُ:
فان للتأصيل والتقعيد طرقاً تسلك، ومسالك تطرق، ومن ذلك الشروط التي يجب على القائم بذلك التقيد بها، عالماً مجتهداً كان الشخص أم طالباً باحثاً.
ومن هذا الشروط التي لها الصدارة في الكلام والاحتكام : أن لا يخالف الأصل نصا شرعيا من الكتاب والسنة.
فهل التزم بعض المصنفين بهذا الشرط؟
للإجابة عن هذا السؤال لابد من المنهج الوصفي الواقعي، أما المنهج الجدلي فيبدو عقيما هنا.
فلتكن المسالة – اذن- على صورة خطوات.
1- يصدر المؤلف في بداية كلامه اهمية الكتاب والسنة وضرورة الرجوع اليهما علما وعملا وفهما وتطبيقا وتحكيما... ولايقدم قول احد عليهما، وكل قول يعرض على الكتاب والسنة فما وافقهما اخذناه وما لا فلا. الخ المقدمات الصحيحة.
ثم يشرع في ذكر ان أي قاعدة او ضابط او اصل خالف الكتاب والسنة فهو فاسد.
2- بعد هذه المقدمة يبدا بالتاصيل والتقعيد.
3- يتوصل الى قواعد او اصول او ضوابط معينة بعد ان يسوق الادلة النقلية والعقلية عليها.
4- ثم ينتقل بالتدريج الى خطو اخرى وهي: هل هذه الاصول عامة ام خاصة؟ وهكذا بعد الاخذ والرد يتول الى انها اصول عامة.
5- ثم لايكتفي بذلك ويبدا يخوض في درجة جديدة: هل هي قطعية ام لا؟ وهكذا بعد اللتي واللتيا يتوصل الى انها قطعية.
6- بعد ان توصل الى انها اصول قطعية عامة يبدا بمناقشة كيفية تطبيقها.
7- في اثناء ذلك لابد ان يحدد مجالات تطبيق هذه الاصول.
8- واذا به امام هذا الموقف: تعارض الاصل الذي تعب من اجله مع النص الشرعي.
فالموقف يملي عليه ان يلتزم بما اشترطه على نفسه (المسلمون عند شروطهم) ولكن الراي يدعوه الى التريث اذ ربما يجد في الامر سعة، وهنا يبدا بطرق الاحتمالات الى النص بدل الاصل، ويتجه وجه الباحث صوب النص ليجد مجالا له بدلا من ان يتجه صوب الاصل ليجد مجالا للنص ان ياخذ مجراه، والطريق لاتسع لكليهما اما ان يسير النص ويتوقف الاصل او يسير الاصل ويتوقف النص (حالة التعارض).
وهذه هي نقطة الاختبار الحقيقية للكلام المذكور في تلك المقدمات هل هو على حقيقته او هو مجاز ؟!!
فمن العلماء المنصفين من يلتزم بتلك الشروط والمواثيق ويترك الاصل لانه ما اصلت الاصول ولا وضعت القواعد الا تيسيرا لفهم الكتاب والسنة وتيسيرا لمعرفة مراد الله ورسوله وكل فرع عاد على اصله بالالغاء فهو باطل.
ومن هؤلاء العلماء ابن القيم رحمه الله اذ قال:
(( أما ان نقعّد قاعدة، ونقول: هذا هو الأصل، ثم ترد السنة لأجل مخالفة تلك القاعدة، فلعمر الله، لهدم ألف قاعدة لم يؤصلها الله ورسوله أفرض علينا من ردّ حديث واحد )).
ينظر: اعلام الموقعين (2/368).
ون لم يلتزم بذلك تراه يقدم اصوله على النصول تحت ذرائع شتى:
- القاعدة قطعية، اما النص فهو ظني، فيقدم القطعي على الظني.
- القاعدة من الكليات، اما النص فهو من الجزئيات، والمحافظة على الكليات مقدم على المحافظة على الجزئيات.
- المصالح المتعلقة بالاصل اعظم من المصالح المتعلقة بالنص.
- العمل بالنص هو الاصل لكن نحن نقدم القاعدة هنا لاننا في حالة استثنائية وطارئة أي العمل بالنص هو من الثوابت لكن المتغيرات والطوارئ لها احكامها ونحن في منطقة الاستثناءات والمتغيرات لا الثوابت.
- تقديم النص يؤول الى مفاسد والعمل بالقاعدة يؤول الى مصالح، ومراعاة فقه المآلات معتبر في الشريعة لذلك نقدم القاعدة على النص، فيقول: صحيح ان العمل بالنص هو الاصل لكننا ننظر الى زاوية ابعد، ومن يقدم النص فهو ضيق الافق !! لاينظر الى عواقب الامور !
- النص من باب الوسائل، والقاعدة من باب المقاصد، والمقاصد اشرف من الوسائل فيتقدم القاعدة على النص.
- النص جاء لتحصيل مقصود، المقصود من النص غير موجود الان، فناخذ بالقاعدة لتحصيل المقصود.
- الوقوف مع النص ظاهرية وجمود، اما تقديم القاعدة فهو فهم الراسخين في العلم!
- المهم بعد كل هذه المعاذير يصل هذا الباحث الى ترك النص وتقديم اصوله على النصوص ويترك الشرط الذي نادى به في بداية الكلام.
- والظريف الغريب العجيب ان هذا النوع من الاستدلال لو كان النص يؤيد قوله وفكرته فاراد شخص اخر ينتقده فيقدم القاعدة على النص ستراه يستحضر تلك المقدمات اعلاه وسيل جارف من المنقولات التي تدل على ان العقل لايحسن ولايقبح وان والعقل ينظر من وراء النص ويرمي مقابله بان منهجه يشبه منهج الباطنية الذين يصرفون الالفاظ عن ظواهرها بلا قرينة وان الاصل هو الوقوف مع الظاهر وان العباد لايدركون مصالحهم الشخصية فهم عاجزون عن ادراك ذلك فكيف بمصالح غيرهم ... ولا يقول هذا الكلام لنفسه عندما يؤول النصوص بل يبطل العمل بها ويقدم اصوله عليها، ولاشك ان هذا داخل تحت (الذين اذا اكتالوا على الناس يستوفون واذا كالوهم او وزنوهم يخسرون).
- ولهذا فند ابن تيمية رحمه الله عقائد الفرق الكلامية بان مايقولونه هم للفلاسفة الكفار يقال لهم مثله. فما يقوله اهل الكلام لزنادقة الباطنية عندما يؤولون النصوص يرحع عليهم فيقال لهم وانتم ايضا اولتم فلم كان تاويل الفلاسفة باطلا وتاويلكم صحيحا
(أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءةٌ فِي الزُّبُرِ) ؟
وهذه الازدواجية في منهج الاستدلال تجعل الباحث المنصف يبدي استغرابه.
والمقصود:
ان لاننظر الى بداية كلام المؤصل والمقعد حتى نعرف الى ما ينتهي اليه.
هل سينتهي به المطاف الى تقويه نصوص الكتاب والسنة والحث على التمسك بهما وتعظيم نصوصهما في نفوس الباحثين والقراء وزرع الهيبة من القران العظيم والسنة المطهرة، ام ينتهي به المطاف الى توهين الاستدلال بالنص وتقليل الهيبة في نفوس الباحثين وتشجيع الهروب من التقيد بالنصوص واعطاء الجراة على الخروج عن النص تحت ذرائع شتى من القطعية والظنية ومراعاة المالات والمصالح والمفاسد والكليات والجزئيات والمعنى والمقصود والمغزى والكليات والعموم ... الخ
مع ان هذه القضايا صحيحة في نفسها لكن طرحها بهذا الاسلوب الجمعي لها لاشك ولاريب انه يقلل من هيبة الكتاب والسنة في نفوس القراء ويشجع الانفلات من الاحكام بسهولة تحت شعار رفع الحرج !
لذا فان منهج العلماء المنصفين هو:
التاكيد على اتباع الكتاب والسنة علما وعملا وتطبيقا وتحاكما وقراءة ودعوة وتدريسا وتاليفا وجعل نصوص القران والسنة محور العلم.
ومسائل القواعد والمقاصد تاتي خادمة لها وتطرح على نطاق اقل مساحة من طرح النصوص سواء في التاليف ام في الدعوة.
وهذا منهج ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله
فقد جمعوا بين الحسنتين
فلا هم انكروا التعليل والمصالح والمفاسد فقه المالات والكليات والجزئيات ووقفوا مع النص فقط كالمدرسة الظاهرية.
ولا هم مزجوا بين النصوص وتلك القواعد والاصول بحيث اختلط الحابل بالنابل فعاد الاصل فرعا والفرع اصلا واختلطت الامور وامتزجت المفاهيم واستغلت مصطلحات الشريعة من قبل العلمانيين والافكار الضالة.
بل جعلوا النصوص (الكتاب والسنة) هي الاصول.
مع الاخذ بمقاصد الشريعة ومعانيها وفق الضوابط الشرعية.
فهو منهج اخذ بالوسط.
والحمد لله رب العالمين.
(الكلام اكثره موجه للمعاصرين)
 
أعلى