العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

المفتون الجهلة !!

ناصر علي العلي

:: متخصص ::
إنضم
1 ديسمبر 2008
المشاركات
34
الجنس
ذكر
التخصص
أصول
الدولة
البلاد
المدينة
بلد الله
المذهب الفقهي
متبع
المفتون الجهلة (1)


إن مقام الإفتاء مقام خطير جداً. ولذلك كان السلف يتدافعون الفتوى، قال ابن أبي ليلى رحمه الله: "أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول اللهr فما كان منهم مفتٍ إلا ودّ أن أخاه كفاه الفتيا".
لقد كانت لفظة "لا أدري" جاريةً على ألسنة العلماء، لا يستحيون من قولها، قال الشعبي رحمه الله: "إن أحدكم ليفتي في المسألة لو وردت على عمر بن الخطابt لجمع لها أهل بدر. وَقَالَ ابن عباس t: مَن أَفْتَى فِي كُلِّ مَا سُئِلَ عَنهُ فَهُوَ مَجْنُونٌ. وكان الإمام الشافعي رحمه الله كثيرا ما يقول: "لا أدري". وقال الأثرم: سمعت أحمد بن حنبل يكثر أن يقول: "لا أدري".
ولما سئل الإمام مالك رحمه الله: عن مسألة قال: "لا أدري"، فقيل: هي مسألةٌ خفيفةٌ سهلة، فغضب وقال: ليس في العلم شيءٌ خفيف، أما سمعت قول الله تعالى ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً. وَأَتَاهُ سَائِلٌ وَأَقَامَ عِنْدَهُ زَمَنًا طَوِيلًا والإمام مالك يَقُولُ لَهُ: لَا أَدْرِي, فَقَالَ السائل: إنِّي آتِيك مِنْ مَسَافَةِ شَهْرٍ ضَارِبًا كَبِدَ بَعِيرِي لِأَسْأَلَك عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا عُدْت إلَى قَوْمِي فَقَالُوا: مَاذَا قَالَ لَك مَالِكٌ فَأَيُّ شَيْءٍ أَقُولُ لَهُمْ؟ فَقَالَ لَهُ: قُلْ لَهُمْ قَالَ لي: لَا أَدْرِي.
إن هذه المواقف في الحقيقة تكشف عن تهيب العلماء لمنصب الإفتاء رهبةً من القول على الله بغير علم:﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ وقال سبحانه: ﴿وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ*مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ هذه عقوبات أليمة خطيرة.
نسأل الله السلامة والعافية.
 

ناصر علي العلي

:: متخصص ::
إنضم
1 ديسمبر 2008
المشاركات
34
الجنس
ذكر
التخصص
أصول
الدولة
البلاد
المدينة
بلد الله
المذهب الفقهي
متبع
المفتون الجهلة (2)

إن الفتوى في الإسلام لها قدسيتها، ولا يتقحمها إلا أهلها الذين توافرت فيهم شروطها.
واليوم بكل أسف وبالذات بعد رحيل ثلةٍ من العلماء الربانيين ممن لهم قدم راسخة في الفتوى، أضحينا نعيش عبثَ الفتوى، وتمييعَ الفتوى، ومؤامرةً على الفتوى.
فضائياتٌ ومنتديات وصحف ومجلات تُروِّج للفتاوى الباطلة، وتستفتي جهلةً مغفلين، يأتون إلى أنصاف المتعلمين كي يفتوا بفتاوى جاهلة، وقديما قيل: يُفسد الأديانَ نصفُ فقيه، ويفسد اللسانَ نصفُ نحْوي، ويفسد الأبدانَ نصفُ طبيب.
هؤلاء الأنصاف صاروا بكل أسف موئلاً لأهل الضلال والأهواء. والناس تسأل من هب ودب، وطار وسار، لمجرد أنه إمام مسجد أو قارئ قرآن وقد أخبر النبيr بقوله: «إنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا»متفق عليه.
هؤلاء الرؤوس الجهال من شهد لهم بالفتوى؟ هل علماؤنا المعروفون شهدوا لهم؟ كيف يشهدون لهم، وهم يتهمون علماءنا بأنهم مصابون بجرثومة التحريم والتشدد والانغلاق.
ولما سئل أحدُ المفتين الجهلة: هل تعتقد أنك من أهل الفتوى؟ قال بكل اعتداد بالنفس: نعم، وإلا ما أفتيت.
رحم الله الإمامَ مالكا قال:"ما أفتيت حتى شهد لي سبعون من أهل العلم أني أهل لذلك".
فلو عَقَل هذه الكلمةَ المجترئون على الفتوى لأراحوا واستراحوا.
ولا حول ولا قوة إلا بالله
 

ناصر علي العلي

:: متخصص ::
إنضم
1 ديسمبر 2008
المشاركات
34
الجنس
ذكر
التخصص
أصول
الدولة
البلاد
المدينة
بلد الله
المذهب الفقهي
متبع
المفتون الجهلة (3)

لقد عمد المنافقون إلى إبراز وجوهٍ غريبة يستضيفونهم ويستفتونهم، ما هم بأهل الفتيا، إنما هم من المتساهلين المميعين لأحكام الدين.
قال ابن مفلح :: يحرم التساهل في الفتيا، واستفتاءُ من عرف بذلك.
هناك عدد من المشايخ تغيروا وتحولوا وانكسروا بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، يمكن أن يقال عنهم سبتمبريون, أو الليبروإسلاميون، اقتربوا من الليبراليين والصوفيين والرافضيين، وابتعدوا عن المنهج السلفي الثابت الأصيل.
لقد أصبحت قضية الفتاوى قضية إثارة إعلامية، وليست خدمة للدين.
إن الهدف واضحٌ من هذه الخطة الإعلامية القذرة:
- إنه تلويث سمعة بلد الإسلام بلد الحرمين الشريفين
- وتفتيت الوحدة الوطنية، وتكريس الفرقة والانقسام
- وتزهيد الناس في علمائه الثقات الربانيين
- وتكريه الناس في الفقه الإسلامي
- وتشويه سمعة الأحكام الشرعية
- وجعل الناس متحيرين لا يعرفون أين الصواب.
وعمت البلوى بذلك في أنحاء العالم العربي والإسلامي، والانتقادات من كل جانب، وتجرأ الناس على نقد الأحكام الشرعية والسخرية منها والتندر بها والكلام في الدين باسم حرية الرأي والتعبير في عصر الانفتاح والحرية؟! وصار الدين كلأ يرتع فيه كلُّ أحدٍ بعقله الخاص ووجهة نظره، قال تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾، وقال y﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً﴾.
فحسبنا الله ونعم الوكيل.
 

ناصر علي العلي

:: متخصص ::
إنضم
1 ديسمبر 2008
المشاركات
34
الجنس
ذكر
التخصص
أصول
الدولة
البلاد
المدينة
بلد الله
المذهب الفقهي
متبع
المفتون الجهلة (4)

لما فقد الناس مصداقية كثير من كُتّاب الزوايا المحاربين لثوابت الأمة، بحث الإعلاميون عن سندٍ شرعيٍّ وغطاءٍ ديني لأطروحاتهم المنحرفة.
فوجدوا أناسا سذجا من أهل الدين في أشكالهم، وربما شهاداتهم شرعية، فاستغفلوهم وضحكوا عليهم وانتزعوا منهم هذه الفتاوى الموافقة للأهواء والشهوات، ولمعوهم، وصنعوا لهم شهرة ونجومية، ونعتوهم بــ:
المفكر الإسلامي
والداعية الإسلامي
والكاتب الإسلامي
والباحث الشرعي
والمستشار الشرعي
والقارئ فلان الفلاني.
هذه طريقة خطط أعداء الإسلام التي نصوا عليها في دراساتهم ومراكز أبحاثهم.
لقد وُجد اليوم في عصر فوضى الفتاوى من يفتي بـــ:
جواز بعض أنواع الخمر،
وجوازِ الاقتراض بالربا لبناء بيت فالربا ضرورة عصرية،
والموسيقى الكلاسيكية الهادئة تحل العقد النفسية،
وأغاني المغنيات حلال،
ونقابُ المرأة عادة اجتماعية سيئة وليس عبادة،
ويجوز نكاحُ الكافرِ من المسلمة،
وإمامةُ المرأة للرجال في صلاة الجمعة مشروعة،
ويجزئ ذبحُ الدجاج في عيد الأضحى عن الخرفان حَلاًّ لغلاء الأسعار.
{بدأ الإسلام غريبا ، وسيعود غريبا كما بدأ}
 

ناصر علي العلي

:: متخصص ::
إنضم
1 ديسمبر 2008
المشاركات
34
الجنس
ذكر
التخصص
أصول
الدولة
البلاد
المدينة
بلد الله
المذهب الفقهي
متبع
المفتون الجهلة (5)
"إرضاع الكبير"

يأتون بشخص في الإعلام، ما رأيك يا شيخ في إرضاع الكبير هل ينشر المحرمية؟
والشيخ بسذاجة مفرطة يجيب: بالجواز
دون أن يحسب حسابا لمغبات الفتوى وآثارها الوخيمة.
الأحاديث المحكمة الصحيحة تفيد أنما الرضاعة من المجاعة، ولاَ رَضَاعَ إِلاَّ مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ ومَا أَنْشَزَ الْعَظْمَ وَأَنْبَتَ اللَّحْمَ.
وجماهير العلماء سلفا وخلفا والأئمة الأربعة أن إرضاع الكبير لا يؤثر ألبتة.
وحتى لو جاز الإرضاع في حالات خاصة جدًّا ونادرة جدًّا عند من يقول به من العلماء،
لكن :
أولاً: ليس هذا الرأيَ الراجحَ بل رأيا ضعيفا، والحديث الوارد فيه خاصٌّ بسالمٍ مولى أبي حذيفةt، وهي واقعة عين لا عموم لها.
وثانياً: لا يجوز إعلان هذه المسألة الجزئية لعموم الناس، إنهم لا يفهمون حيثياتِها.
هنالك قضايا دقيقة في الفقه، لا يصح إثارتها على العوام، لذلك أئمة الدين والخلفاء الراشدون ومنهم علي بن أبي طالبt يقول:"حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ"، وقال ابن مسعودt:"مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لاَ تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إِلاَّ كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً".
إن بعض الناس صار يفهم من فتوى الإرضاع أن الموظفات إذا أرضعن زملاءهم الموظفين فإن قضية الاختلاط في العمل تنحل، نعم تنحل، لكن من انحلال الدين والخلق، تصوروا هذه المسخرة والمهزأة عندما يتقاطر كل موظفٍ أو سائقٍ على ثدي الموظفة أو المعلمة لاستحلال الخلوة أو الاختلاط.
أي هزءٍ وتلاعب بدين الله.
 

ناصر علي العلي

:: متخصص ::
إنضم
1 ديسمبر 2008
المشاركات
34
الجنس
ذكر
التخصص
أصول
الدولة
البلاد
المدينة
بلد الله
المذهب الفقهي
متبع
المفتون الجهلة (6)
"غناء المعازف"

وما كدنا نخرج من دوامة مفتي الاختلاط وفلي الرأس والإرداف، حتى أثار مفتي حلِّ السحر بالسحر دوامة رضاع الكبير.
وما أن هدأت فتواه حتى خرج لنا قارئ القرآن بتحليل الغناء صوت الشيطان!
وصدق رسول الله r: «... وسيصيب آخر هذه الأمة بلاء وفتن يرقق بعضها بعضا » أخرجه الإمام أحمد وهو صحيح.
إن الله U يقول:﴿وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾.
والمراد بلهو الحديث: هو الغناء وهو تفسير الصحابة كابن عباس وابن مسعود وابن عمر t، وأقسم ابن مسعودt بالله الذي لا إله إلا هو ثلاث مرات بأن لهو الحديث هو الغناء.
وعن أبي مالكٍ الأشعريt قال r: « لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ» رواه البخاري تعليقا بصيغة الجزم، وصححه علماء الحديث.
أكثر من خمسين عالما لم ينصوا على التحريم فحسب بل حكوا الإجماع على تحريم الغناء.
قال ابن حجر الهيتمي:"ومن حكى خلافاً في الغناء فإنه قد وهم وغلط، وغلب عليه هواه، وأصمه الله وأعماه".
ويقول الإمام ابن رجب: "وأما استماع آلات الملاهي المطربة، فمحرم مجمع على تحريمه، ولا يُعلم عن أحد منه الرخصة في شيء من ذَلِكَ، ومن نقل الرخصة فيه عن إمام يعتد به فقد كذب وافترى".
سبحان الله العظيم! في الوقت الذي نشهد توبة عدد من المغنيين والمغنيات إلى الله تنطلق فتوى إباحة الغناء كله.
[بالأمس كنت إمام أطهر بقعة *** شهرا أمام البيت ذي الأركان]
[واليوم أنت مع المعازف مفتيا *** بجوازها يا خيبة الإخوان]
[هل ضقت ذرعا من إمامة مالك *** وإمامة الفذ الفتى النعماني]
[والشافعي الألمعي محمد *** أو رأس أهل السنة الشيباني]
[أو من يسير على طريقة أحمد *** فانقاد وفق مراده بأمان]
[هل ضقت ذرعا بالأئمة كلهم *** ورحمت كل مزمر فنان]
[حب الكتاب وحب الحان الغنا *** في قلب عبد ليس يجتمعان]
 

ناصر علي العلي

:: متخصص ::
إنضم
1 ديسمبر 2008
المشاركات
34
الجنس
ذكر
التخصص
أصول
الدولة
البلاد
المدينة
بلد الله
المذهب الفقهي
متبع
المفتون الجهلة (7)

أين تكمن مشكلة المفتين الجهلة؟
تكمن
أولاً : في جهلهم ونقص تأصيلهم الشرعي
وثانياً : في قصر نظرهم واستغفالهم
وثالثاً : في حظوظ نفوسهم
وصدق الله تعالى ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ * رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾.
يا ناس! يا قوم!
تكمن خطورة العبث في الفتاوى من تصادم جيلين، جيلٌ ينشأ على هذه الفتاوى الشاذة، والانحرافات في الأحكام المستجدة،
وجيلٌ كان من يفتيه علماء ربانيون منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.
سيقول الابن: يا أبي أنت شيخك فلان الذي مات، وأنا عندي الشيخ فلان الذي أراه على الشاشة، ويظهر في الساحة ويكتب في الصحافة، فجيلكم له علماء وجيلنا له علماء، وبالتالي لا تنكروا علينا أننا لا نتبع علماءكم!
لا إله إلا الله! أين الغيرة على دين الله؟
لمَّا دخل الإمام مالك: على شيخه ربيعة : وجده يبكي، قال: ما يبكيك؟ أمصيبة نزلت بك؟ قال: لا، ولكن استُفتي من لا علم له، ووقع في الإسلام أمرٌ عظيم.
إن هذه الفتاوى الجاهلة الجريئة من أناس لم ترسخ أقدامهم في علوم الشريعة، هي التي تورد الأمة الموارد، وتوقعها في المهالك.
ولقد قال بعض الفقهاء في العصور الماضية حين رأى فتاوى بعض المنتسبين للعلم :"لبعض من يفتي هاهنا أحق بالسجن من السرّاق!" وذلك لأن السراق يفسدون دنيا الناس، وهؤلاء يفسدون عليهم دينهم. فكيف لو رأى أولئك الفقهاء عجائب فتاوى زماننا؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله. قال الإمام الكاساني:"وقد رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ : أَنَّهُ كَانَ لا يُجْرِي الْحَجْرَ إلا عَلَى ثَلاثَةٍ: الْمُفْتِي الْمَاجِنِ وَالطَّبِيبِ الْجَاهِلِ، وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسِ؛ لِأَنَّ الْمُفْتِيَ الْمَاجِنَ يُفْسِدُ الأَدْيَانَ، وَالطَّبِيبَ الْجَاهِلَ يُفْسِدُ الأَبْدَان، وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسَ يُفْسِدُ أَمْوَالَ النَّاسِ في المفازة، فَكَانَ مَنْعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ ، وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَر".
وقال ابن القيم : وَكَانَ شَيْخُنَا t- ابن تيمية-شَدِيدَ الْإِنْكَارِ عَلَى هَؤُلَاءِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَالَ لِي بَعْضُ هَؤُلَاءِ: أَجَعَلْتَ مُحْتَسِبًا عَلَى الْفَتْوَى؟ فَقُلْتُ لَهُ: يَكُونُ عَلَى الْخَبَّازِينَ وَالطَّبَّاخِينَ مُحْتَسِبٌ، وَلَا يَكُونُ عَلَى الْفَتْوَى مُحْتَسِبٌ".
وقال الخطيب البغداديّ : "ينبغي للإمام أن يتصفّح أحوال المفتين، فمن صلح للفتيا أقرّه، ومن لا يصلح منعه ونهاه وتواعده بالعقوبة إن عاد. وطريق الإمام إلى معرفة من يصلح للفتيا أن يسألَ عنه علماء وقته، ويعتمدَ إخبارَ الموثوق بهم".
وقال ابن القيّم:"مَنْ أَفْتَى النَّاسَ وَلَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْفَتْوَى فَهُوَ آثِمٌ عَاصٍ، وَمَنْ أَقَرَّهُ مَنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ آثِمٌ أَيْضًا".
إن الواجب على عموم المسلمين الالتفاف حول العلماء الراسخين المشهود لهم بالعلم والصلاح، والصدور عن فتاويهم، وعدم الاغترار بهذه الأطروحات الشاذة، والآراء المنحرفة.
أننا نناشد من بسط الله يده ولسانه وقلمه من أهل العلم والسلطان التصدي لأدعياء العلم من غير المتأهلين للفتوى، ومن يروج لباطلهم من وسائل الإعلام، وعرضهم على القضاء الشرعي، وبيان زيغهم وضلالهم؛ لكيلا يفسدوا على الناس أمر دينهم ودنياهم.
يجب الحذر من ترسيخ المآثم والمعاصي وتطبيعها في مجتمعنا الإسلامي كالاختلاط والغناء وفتح المحلات وقت الصلاة ونحو ذلك سواء كان ذلك بصورة عملية أو علمية بتسويغها عن طريق الفتاوى الشاذة المخالفة لاتفاق وإجماع المذاهب المعتبرة.
نسأل الله تعالى أن يهدي ضال المسلمين،وأن يرزقنا الثبات على دينه حتى الممات.
رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ
 
أعلى