العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الجِد في معرفة حكم فتوى المقلِد

إنضم
14 سبتمبر 2008
المشاركات
73
التخصص
تشغيل على ماكينات
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
الحديث والاثر
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول - صلى الله عليه وسلم - وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك وأشهد ان محمدا عبده ورسوله ، وبعد :
فلا شك ان أمر الفتوى في دين الله عز وجل خطير وأن المفتي على ثغر عظيم إذ أنه موقع عن رب العالمين فلذا ينبغي معرفة من يحق له الفتوى ومن لا يحق
وإن من هذه المسائل شائكة والتي يلتبس امرها على كثيرة من طلبة العلم إلا من وفقه الله منهم : مسألة " فتوى المقلد "
ولذا لابد من عدة مقدمات في هذه المسألة حتى تنضبط
وهذه المقدمات تتمحور في :
- تعريف المقلد والمحتهد
- الفرق بين التابع والمقلد
- تعريف الفتوى والمفتي والمستفي
- الفرق بين الفتوى والحكم
- الفرق بين انشاء الفتوى ونقلها

فإذا ما انضبطت هذه الأصول انضطبت المسألة بإذن الله
فأقول أولا في تعريف المقلد او التقليد
لغة هو : جعل الشيء في عنق الدابة وغيرها حال كونه محيطا بهذه العنق ويسمى قلادة ! فلفظ قلد كما قال ابن فارس : يدل على تعليق شيء على شيء
ولابد من كونه محيطا بالعنق ؛ لأن الشيء إذا لم يكن محيطا بالعنق لا يسمى قلادة في عرف اللغة
ثم بعد ذلك استعمل استعارة في تفويض الأمر إلى شخص واتباعه في كل ما يقول .
( القاموس المحيط ولسان العرب )

أما اصطلاحا :
" قبول مذهب الغير من غير حجة "
وقيل : " اتباع من ليس بحجة بدون حجة "
وقولنا قبول يشمل القبول مع العمل به او عدو العمل به فالمارد به اعتقاد ذلك
وقولنا مذهب عام يشمل ما كان قولا للمجتهد او فعلا له ونسب المذهب إلى الغير حتى يخرج ما كان معلوما من الدين بالضرورة
وقولنا من ليس بحجة خرج به رسول الله صلى الله عليه وسلم فان العمل باحاديثه ليست تقليدا
كما أن العمل بالاجماع ليس تقليدا لأن الاجماع حجة كما هو معلوم
وقولنا بدون حجة احترازا من لو اتبعه بحجة فإن ذلك ليس تقليدا لأنه بذلك يتبع الحجة التي معه وقد قلنا ان اتباع الحجة ليس تقليدا
كما انه يخرج بذلك المجتهد الذي وافق اجتهاده اجتهاد آخر فإن ذلك ليس تقليدا

أما الاجتهاد
فهو لغة : افتعال من الجهد - بالضم والفتح - وهو الطاقة والوسع
وقال ابن الأثير هو - بفتح الجيم - المشقة ، وقيل المبالغة والغاية وبالضم الوسع والطاقة
ويقال اجتهد في الامر أي بذل ما في وسعه وطاقته في طلبه ليبلغ مجهوده ويصل إلى نهايته
فالاجتهاد لغة استفراغ الوسع اي غاية ما يقدر على استفراغه لتحصيل أمر شاق
( لسان العرب والمصباح المنير )
أما اصطلاحا :
" بذل الفقيه ما في وسعه لتحصيل ظن بحكم شرعي عملي من دليل تفصيلي "
وقال الشوكاني - في الارشاد - : " بذل الوسع في نيل حكم شرعي عملي بطريق الاستنباط "
قولنا بذل الوسع يخرج ما يحصل مع التقصير فإن معنى بذل الوسع أن يشعر أن يحس من نفسه العجز عن طلب المزيد
واضافته للفقيه يخرج غير الفقيه والمراد بالفقيه هو المتهيء للفقه ومن عنده ملكة الاستنباط والقدرة على استخراج أحكام شريعة لحوادث متجددة
وقولنا لتحصيل ظن لبيان ان الاجتهاد لا يفيد حكما متيقنا فهو من باب الظنون
وقولنا بحكم شرعي لإخراج الحكم اللغوي والعقلي والحسي والعرفي
وقولنا عملي لبيان ان الاجتهاد يجري في الفروع فقط ولا يجري في الأصول وهي العقائد
وقولنا من دليل تفصيلي لبيان أن الفقيه يبذل جهده لاستنباط حككم شرعي فرعي من آية او حديث أو قياس أو أو ... إلخ
وهذا تعريف الفقيه باعتبار المعنى المصدري الذي هو فعل المجتهد
اما باعتبار المعنى الأسمي للاجتهاد الذي هو وصف قائم بالمجتهد فهو
ملكة تحصيل الحجج على الأحكام الشرعية
فأرواد لفظة ملكة لبيان أن صاحب الملكة يصدق عليه انه مجتهد سواء باشر عملية الاستنباط فعلا او لم يباشر
وتحصيل الحجج على الاحكام الشرعية أي تحصيل الدليل او الأمارة على الحكم

شروط المجتهد
أولا : ان يكون عالما بنصوص الكتاب والسنة من حيث التفسير الدلالة وأسباب النزول والثبوت والناسخ والمنسوخ
ثانيا : ان يكون عالما بالمجمع عليه والمختلف فيه
ثالثا : أن يكون عالما بأصول الفقه
رابعا : أن يكون عالما باللغة العربية وقواعدها من النحو والبلاغة وبديع وما يتوقف عليه فهم الألفاظ
خامسا : أن يكون عالما بمقاصد الشرعية العامة من تشريع الأحكام وأن يكون خبيرا بأحوال الناس ومصالحهم وأعرافهم وعاداتهم
سادسا : ان يكون عدلا مجتنبا للمعاصي القادحة في العدالة

الفرق بين الاتباع والتقليد
الاتباع هو اتباع الدليل والعمل بالوحي فقد سمى الله عز وجل العمل بالوحي اتباعا في مواضع كثيرة منها قوله تعالى : " اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ "
وقوله : " اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ " فحمل الاتباع اذن هو كل حكم ظهر دليله من الكتاب او السنة او الإجماع
فيكون الاتباع مبني على الحجة أما التقليد فيكون بلا حجة فلا يشترط في الاتباع والعمل بالوحي سوى العلم بما عمل ولا يتوقف ذلك على تحصيل شروط الاجتهاد

تعريف الفتوى والمفتى والمستفتي
الفتوى لغة :اسم مصدربمعنى الإفتاء.والجمع : الفتاوى . والفتاوي ,يقال :افتيته فتوى وفتيا , إذا اجبته عن مسألته والفتيا :تبين المشكل من الأحكام , وفاتو إلى فلان : تحاكموا اليه وأرتفعوا إليه في الفتيا (لسان العرب ,والقاموس المحيط).
وفي قوله تعالى ((ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن )) .
قال ابن عطيه :اي يبين لكم حكم ما سألتم .قوله (فيهن) اي يفتيكم فيما يتلى عليكم .
أما الفتوى في الإصطلاح فقد عرفها العلماء بتعريفات عديدة فقيل : " تبيين الحكم الشرعي عن دليل لمن سأله عنه "
وأما المفتي فهو المجتهد وقد تقدم بيانه وشرطه :
قال الجويني - الورقات - في شروط المفتي : ومن شرط المفتي : أن يكون عالما بالفقه فأصولا وفروعا خلافا ومذهبا وأن يكون كامل الآلة في الاجتهاد عارفا بما يحتاج إليه في استنباط الأحكام من النحو واللغة ومعرفة الرجال وتفسير الآيات الواردة في الأحكام والأخبار الواردة فيها
والمستفتي من ليس بفقيه أو مجتهد فيما يستفتي فيه

الفرق بين الحكم الشرعي والفتوى
ولابد ان يعلم هنا ان ثمة فرق بين الفتوى والحكم الشرعي
فالحكم الشرعي ثابت بينما الفتوى تتغير بتغير الحال والزمان والمكان
فمثلا حكم الخمر ثابت وهو التحريم فمن سألني عن حكم الخمر أقول له حكم الله فيها التحريم والدليل قول الله عز وجل : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ "
ولكن قد تختلف الفتوى باختلاف الزمان او المكان او الحال كهذا الذي بالصحراء بلا ماء يكاد يموت عطشا فإن هاهنا نفتيه بوجوب شرب الخمر إذا غلب على ظنه انه يموت إن لم يشربها وذلك ان مفسدة موت الانسان أعلى من مفسدة شرب الخمر والمتقرر أصوليا أنه عند تعارض المفاسد ترتكب المفسدة الأدنى دفعا للمفسدة الأعلى
ومن هنا نعلم ان الحكم الشرعي ما قضاه الشرع وحكم به في المسألة وأما الفتوى فإنها ترجع إلى اجتهاد المجتهد وماأداه إليه ولذا نص كثير من أهل العلم على مسألة تغير الفتوى بتغير الحال

الفرق بين إنشاء الفتوى وبين نقلها
ولابد أن يعلم ان ثمة فرق بين إنشاء الفتوى وبين نقلها فأما إنشاء الفتوى فهو حق خالص للمجتهد لا يجوز لغيره
أما نقل الفتوى فهو موضع النزاع والبحث وفيه خلاف ما بين أهل العلم فمن قائل لا يجوز مطلقا
ومن قائل يجوز إذا كان عالما بمأخذ كلامه
ومن قائل يجوز إذا كان ذلك اعتمادا على نص صريح من الكتاب او السنة أما إذا كان استنباطا فلا يجوز

الخلاصة :
والذي يترجح لدي بعد ما سبق أنه يجوز لغير المجتهد نقل كلام المجتهد إن كان في الأحكام - على التفريق أعلاه بين الحكم والفتوى - وما ورد فيها النص الصريح من الكتاب او السنة
أما الفتوى وما يكون في باب الاستنباط فإن ذلك لا يجوز إذ ان هذا كما سبق يرجع إلى اختلاف الحالات والوقائع والأشخاص والأزمانة والذي يستطيع تحديد ذلك هو المجتهد وحده وغيره لا يستطيع لنه قد تكون هناك دلالة تعارضها أقوى منها وقد يختلف حال هذا عن هذا
والله تعالى أعلى وأعلم وبالله التوفيق
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد

وكتب أبو زياد محمد آل يعقوب النوبي
 
أعلى