محمد بن فائد السعيدي
:: متخصص ::
- انضم
- 23 مارس 2008
- المشاركات
- 618
- التخصص
- الحديث وعلومه
- المدينة
- برمنجهام
- المذهب الفقهي
- شافعي
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له أما بعد:
فإن من فضل الله تعالى أن يسر بطبع رسالة الاضطجاع بعد ركعتي الفجر وذلك من نحو أكثر من سنة ونصف فلله الحمد والمنة ، ونظراً لنفادها من المكتبات بأرض الحرمين ، بل نظراً لعدم وصولها إلى اليمن لدى أي مكتبة من المكتبات ، ولإلحاح الإخوة عليّ وسؤال كثير من الناس عنها ، فقد أذنت للأخ الفاضل / أحمد المسعدي صاحب مكتبة دار الهجرة بصنعاء بطباعة هذه الرسالة وأسأل الله تعالى أن يوفقني وإياه لخدمة العلم ونشره بين الناس إنه سميع مجيب.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه / أبو عبد الرحمن عقيل بن محمد بن زيد المقطري
20 من شهر محرم 1410هـ.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد: فإن الاضطجاع بعد ركعتي الفجر من المسائل التي اختلف فيها العلماء على أقوال كثيرة ستراها في صفحات هذا البحث. فمنهم من قال ببدعيتها ، ومنهم من قال بأنها سنة.... إلى آخر تلك الأقوال.
فعزمت متوكلاً على الله أن أبحث في هذه المسألة ، لاسيما وهي من المسائل الخلافية بين أهل السنة ، خصوصاً المعاصرين متوخياً الأدلة الشرعية في ذلك , والنظر في ذلك الخلاف الذي حصل بين أهل العلم , ولقد جمعت بين الأدلة على حسب ما تقتضيه قواعد مصطلح الحديث ، وتحريت الحق في ذلك.
ثم إن هذا البحث جمع ما تشتت من الأدلة الشرعية ، وأقوال أهل العلم في كتبهم في هذه المسألة , وأصبحت هذه المسألة سهلة المتناول بين المسلمين ، وسميت هذه الرسالة ((تنبيه أهل العصر بما جاء في الاضطجاع بعد ركعتي الفجر)) .
وجعلتها من مقدمة وعشرة أبواب وفصل وخاتمة ثم قائمة للمراجع وفهرس.
والأبواب هي:
1- باب حكم الاضطجاع بعد ركعتي الفجر.
2- فصل في أقوال العلماء في حكم الاضطجاع بعد ركعتي الفجر.
3- باب بيان شذوذ رواية مالك عن الزهري.
4- باب الاضطجاع سنة وليس بواجب , وفيه بيان ثبوت صلاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للركعتين بعد الوتر ، والاضطجاع بعد الوتر وبعد الركعتين.
5- باب الأمر بالاضطجاع بعد ركعتي الفجر ، وبيان شذوذ حديث أبي هريرة بالأمر به.
6- باب المصححون لحديث أبي هريرة.
7- باب في أدلة المانعين للاضطجاع والقائلين ببدعيته.
8- باب هل الاضطجاع في المسجد بدعة.
9- باب الحديث بعد ركعتي الفجر.
10- باب على أي جنب يضطجع.
11- باب في الحكمة من جعل الاضطجاع على الشق الأيمن.
هذا ولقد كتب العلامة شمس الحق العظيم آبادي رحمه الله تعالى في كتابه ((إعلام أهل العصر في أحكام ركعتي الفجر)) حول هذا ، ولكنه لم يستكمل البحث ، ولم يعطِ الموضوع حقه.
فأسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا جميعاً بهذا البحث وأن يجعله سبباً لتبصير المسلمين بهذه السنة وبحكمها ، وأن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم. وأسأله عز وجل أن يزيدنا علماً وفهماً ، وأن يسدد خطانا ، وأن يجعلنا من العاملين بكتابه وبسنة نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، على نهج سلفنا الصالح رضي الله عنهم آمين اللهم آمين.
كتبه / أبو عبد الرحمن عقيل بن محمد بن زيد اليمني والحُجَري المقطري
14 رجب 1407هـ
باب حكم الاضطجاع بعد ركعتي الفجر.
قال الإمام البخاري (1) رحمه الله تعالى باب من انتظر الإقامة: حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا سكت المؤذن بالأولى من صلاة الفجر ، قام فركع ركعتين خفيفتين قبل صلاة الفجر ، بعد أن يستبين الفجر ، ثم اضطجع على شقه الأيمن ، حتى يأتيه المؤذن للإقامة.
قلت: والمراد بالأولى الأذان الذي يؤذن به عند دخول الوقت ، وهو أول باعتبار الإقامة ، وثانٍ باعتبار الأذان الذي قبل الفجر. اهـ قاله الحافظ في ((الفتح)) .
وأخرجه في كتاب الوتر(2)، باب ما جاء في الوتر , وفي كتاب التهجد باب طول السجود(3). وفي قيام الليل(4)، باب الضجعة على الشق الأيمن بعد ركعتي الفجر ، من طريق أبي الأسود عن عروة عن عائشة , وفي كتاب الدعوات(5)، باب الضجع على الشق الأيمن ، من طريق معمر عن الزهري , وأخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين (6)، من طريق عمرو بن الحارث عن الزهري به.
وأخرجه الترمذي في ((جامعه)) (ج2 ص 282) ، باب ما جاء في الاضطجاع بعد ركعتي الفجر.
وأخرجه النسائي في ((سننه)) (ج2 ص30) ، كتاب الأذان ، باب إيذان المؤذنين الأئمة بالصلاة ، من طريق ابن أبي ذئب ويونس وعمرو بن الحارث عن الزهري به.
وأخرجه ابن ماجة في كتاب الإقامة (ج1 ص 378) ، باب ما جاء في الضجعة بعد الوتر وبعد ركعتي الفجر ، من طريق عبد الرحمن ابن اسحاق عن الزهري به.
وأخرجه أحمد في ((مسنده)) (ج6 ص 74 ، 83، 85، 248) ، من طريق ابن أبي ذئب والأوزاعي ويونس عن الزهري به.
وأخرجه البيهقي في ((سننه الكبرى)) (ج3 ص44) ، من طريق معمر عن الزهري به.
وأخرجه عبد الرزاق في ((مصنفه)) (ج3ص43) ، من طريق معمر عن الزهري به , وأخرجه الدارمي (ج1 ص 373) ، من طريق ابن أبي ذئب عن الزهري به.
وأخرجه أبو داود الطيالسي في ((مسنده)) (منحة المعبود) (ج1 ص114-115) ، من طريق عبد الرحمن ابن إسحاق عن الزهري به.
قلت: فمن هذا الحديث يتبين لنا أن الاضطجاع بعد ركعتي الفجر سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
فصل في أقوال العلماء في حكم الاضطجاع بعد ركعتي الفجر
1- قال الإمام الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (ج3 ص25) : اختلف في حكم هذا الاضطجاع على ستة أقوال:
الأول: أنه مشروع على سبيل الاستحباب.
الثاني: أن الاضطجاع بعدهما واجب مفترض.
الثالث: أن ذلك مكروه وبدعة.
الرابع: أنه خلاف الأولى.
الخامس: التفرقة بين من يقوم بالليل ، فيستحب له ذلك للاستراحة ، وبين غيره فلا يشرع له.
السادس: أن الاضطجاع ليس مقصوداً لذاته ، وإنما المقصود الفصل بين ركعتي الفجر وبين الفريضة.
قلت: والأول هو الصواب إن شاء الله وذكر غير هذه الستة صاحب ((إعلام أهل العصر)) فراجعه إن شئت.
2- رجح الصنعاني في ((سبل السلام)) أنها سنة وكذا ابن حجر في ((فتح الباري)) والشوكاني في ((النيل)) .
3- قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في ((المجموع)) (ج3 ص482) : السنة أن يضطجع على شقه الأيمن بعد صلاة سنة الفجر ، ولا يترك الاضطجاع ما أمكنه.
قال: وقد نقل القاضي عياض في (شرح مسلم) استحباب الاضطجاع بعد سنة الفجر عن الشافعي وأصحابه ، ثم أنكر عليهم ، وقال: قال مالك وجمهور العلماء وجماعة من الصحابة: ليس هو سنة ، بل سموه بدعة ، واستدل بأن أحاديث عائشة في بعضها الاضطجاع قبل ركعتي الفجر ، بعد صلاة الليل ، وفي بعضها بعد ركعتي الفجر ، وفي حديث ابن عباس قبل ركعتي الفجر. فدل على أنها لم تكن مقصودة وهذا الذي قاله مردود بحديث أبي هريرة الصريح في الأمر بها. وكونه صلى الله عليه وعلى آله وسلم اضطجع في بعض الأوقات ، أو أكثرها ، أو كلها بعد صلاة الليل ، لا يمنع أن يضطجع أيضاً بعد ركعتي الفجر ، وقد صح اضطجاعه بعدهما ، وأمر به ، فتعين المصير إليه ، ويكون سنة وتركه يجوز جمعاً بين الأدلة.
قلت: أما حديث أبي هريرة في الأمر بالاضطجاع , فسيأتي الكلام عليه إن شاء الله.
رد الشوكاني على القاضي عياض: ولقد رد الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (ج3 ص26) على القاضي عياض عند أن قال: رواية الاضطجاع مرجوحة ــ يعني بعد ركعتي الفجر ــ فتقدم رواية الاضطجاع قبلهما: ويجاب عن ذلك بأنا لا نسلم أرجحية رواية الاضطجاع بعد صلاة الليل وقبل ركعتي الفجر على رواية الاضطجاع بعدهما بل رواية الاضطجاع بعدهما أرجح , إلى أن ذكر كلام البيهقي بأن مالكاً شذ عن أصحاب الزهرى في ذكر الضجعة بعد صلاة الليل اهـ مختصراً.
4-وقال ابن قدامة رحمه الله تعالى في كتابه ((المغني)) (ج2 ص127) ويستحب أن يضطجع بعد ركعتي الفجر على جنبه الأيمن ، إلى أن قال: واتباع النبي في قوله وفعله أولى من إتباع من خالفه كائناً من كان ا. هـ.
5ــ قال ابن القيم في كتابه القيم ((زاد المعاد)) (ج1ص82) : وكان صلى الله عليه وعلى آله وسلم يضطجع بعد سنة الفجر على شقه الأيمن. هذا الذي ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها.
6 ــ قال العلامة أبو الطيب شمس الحق العظيم آبادي في كتابه ((إعلام أهل العصر بأحكام ركعتي الفجر)) (ص53) ويسن الاضطجاع بعد ركعتي الفجر على جنبه الأيمن سواء كان له تهجد بالليل أم لا. وهذا هو الحق ا. هـ.
قلت: وبه نقول.
باب بيان شذوذ رواية مالك عن الزهرى
قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى في باب صلاة المسافرين من ((صحيحه)): حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة ، يوتر منها بواحدة ، فإذا فرغ منها ، اضطجع على شقه الأيمن ، حتى يأتيه المؤذن ، فيصلي ركعتين خفيفتين.
وأخرجه مالك في ((الموطأ)) (ج1 ص 364) مع (شرح الزرقاني) وأبو داود (ج2 ص 84) والترمذي (ج2 ص 303) والبيهقي في ((سننه الكبرى)) (ج3 ص44) وقال: رواه مسلم عن يحيى بن يحيى ، كذا قاله مالك والعدد أولى بالحفظ من الواحد وقد يحتمل أن يكونا محفوظين ، فنقل مالك أحدهما ، ونقل الباقون الآخر.
قلت: بل شذ مالك كما قال البيهقي أولاً ، كيف ومالك لا يرى الاضطجاع بعد ركعتي الفجر ؟ وكذلك إذا شك حذف. وأما الاحتمال الآخر ففيه أحاديث أخرى ، وستأتي إن شاء الله.
ومالك قد خالف أصحاب الزهري في ذكر الاضطجاع ، فهم يذكرون الاضطجاع بعد ركعتي الفجر ، وهو يذكره بعد الوتر.
وقد قال الحافظ ابن القيم في ((زاد المعاد)) (ج1 ص 82) : وأما حديث عائشة فاختلف على ابن شهاب فيه فقال مالك عنه: فإذا فرغ يعني من قيام الليل ، اضطجع على شقه الأيمن ، حتى يأتيه المؤذن ، فيصلي ركعتين خفيفتين. وهذا صريح أن الضجعة قبل سنة الفجر , وقال غيره عن ابن شهاب: فإذا سكت المؤذن من أذان الفجر ، وتبين له الفجر ، وجاءه المؤذن ، قام فركع ركعتين خفيفتين ، ثم اضطجع على شقه الأيمن ، قالوا: وإذا اختلف أصحاب ابن شهاب فالقول ما قاله مالك ، لأنه أثبتهم فيه وأحفظهم. وقال الآخرون: بل الصواب في هذا مع من خالف مالكاً. وقال أبو بكر الخطيب: روى عن الزهري عن عروة عن عائشة ، كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة ، يوتر منها بواحدة ، فإذا فرغ منها اضطجع على شقه الأيمن ، حتى تأتيه المؤذن ، فيصلي ركعتين خفيفتين ، وخالف مالكاً عقيل ويونس وشعيب وابن أبي ذئب والأوزاعي وغيرهم ، فرووا عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يركع الركعتين للفجر ، ثم يضطجع على شقه الأيمن ، حتى تأتيه المؤذن ، فيخرج معه. فذكر مالك أن اضطجاعه كان قبل ركعتي الفجر , ومن حديث الجماعة أنه اضطجع بعدهما ، فحكم العلماء أن مالكاً أخطأ وأصحاب غيره. انتهى كلامه.
وقال الحافظ في ((فتح الباري)) (ج3 ص44) وأما ما رواه مسلم من طريق مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة: أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم اضطجع بعد ركعتي الفجر وهو المحفوظ ولم يصب من احتج به على ترك استحباب الاضطجاع.ا. هـ.
وقال أبو الطيب شمس الحق العظيم آبادي في رسالته ((إعلام أهل العصر)) (ص59): وما قاله يحيى بن معين ، فليس مراده أنه لو كان الاختلاف بحيث أن يكون الإمام مالك في طرف وجمهور أصحاب الزهري في طرف فيقدم رواية مالك على سائر أصحابه ، بل مراده أنه إن كان الاختلاف في أصحاب الزهري بحيث إن جماعة من أصحابه في طرف ، وجماعة ومالكاً في طرف ، فيقدم رواية مالك لأنه إمام ثقة ثبت حافظ جليل فيرجح مالك هذا الطريق على الآخــر.اهـ.
وقال الزرقاني رحمه الله تعالى في ((شرحه على موطأ مالك)) (ج1ص 364) : هكذا اتفق عليه رواة الموطأ ، وأما أصحاب ابن شهاب فرووا هذا الحديث عنه بإسناده ، فجعلوا الاضطجاع بعد ركعتي الفجر لا بعد الوتر.... إلى أن قال: وزعم محمد بن يحيى الذهلي وغيره أنه الصواب دون رواية مالك. ورده ابن عبد البر بأنه لا يدفع ما قاله مالك لموضعه من الحفظ والإتقان ولثبوته في ابن شهاب وعلمه بحديثه ، وقد قال يحيى بن معين: إذا اختلف أصحاب ابن شهاب فالقول ما قال مالك ، فهو أثبتهم فيه وأحفظهم لحديثه.ا. هـ.
قلت: مراد ابن معين هو ما ذكره العلامة شمس الحق العظيم آبادي كما تقدم وإليك أحاديث أصحاب الزهري.
1- رواية الأوزاعي عن الزهري: قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى (ج6 ص85): ثنا محمد بن مصعب قال: ثنا الأوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا ثوب المؤذن صلى ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة. وقال رحمه الله تعالى (ج6 ص83): ثنا أبو المغيرة ثنا الأوزاعي حدثني الزهري عن عروة عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي فيما بين عشاء الآخرة إلى أن يتصدع الفجر إحدى عشرة ركعة ، يسلم في كل ركعتين ويوتر بواحدة , ويمكث في سجوده بقدر ما يقرأ أحدكم بخمسين آية فإذا سكت المؤذن قام فركع ركعتين خفيفتين ، ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن. وأخرجه أبو داود (ج2ص85) .
2- رواية ابن أبي ذئب عن الزهري: وقال رحمه الله تعالى (ج6 ص 74) : ثنا حسين بن محمد قال: أنا ابن أبي ذئب وأبو النضر عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي ما بين صلاة العشاء الآخرة إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم في كل اثنتين ويوتر بواحدة ، ويسجد في سبحته بقدر ما يقرآ أحدكم بخمسين آية قبل أن يرفع رأسه فإذا سكت المؤذن بالأولى من أذانه قام فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن فيخرج معه. وأخرجه أبو داود (ج2 ص85) .
3- رواية يونس عن الزهري: وقال رحمه الله تعالى (ج6 ص 248) : حدثنا عثمان بن عمر قال: أنا يونس عن الزهري عن عروة عن عائشة أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة ، فكانت تلك صلاته يسجد في السجدة من ذلك قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه ، ويركع ركعتين قبل الفجر ، ثم يضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن.
4- رواية عمرو بن الحارث عن ابن شهاب: قال الإمام مسلم رحمه الله (ج1 ص 508) : حدثنا حرملة بن يحيى حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء (وهي التي يدعو الناس العتمة) إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة، فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر وتبين له الفجر وجاءه المؤذن ، قام فركع ركعتين خفيفتين ، ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة ، ورواه أبو داود (ج2ص85)
5- رواية شعيب عن الزهري: قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى (ج2 ص109) : حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني عروة ابن الزبير أن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا سكت المؤذن بالأولى من صلاة الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين قبل صلاة الفجر بعد أن يستبين الفجر ، ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة)) . وتقدم تخريجه.
6- رواية معمر عن الزهري: قال البخاري رحمه الله تعالى (ج11 ص 108) : حدثنا ابن محمد حدثنا هشام بن يوسف أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي من الليل إحدى عشر ركعة فإذا طلع الفجر صلى ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يجئ المؤذن فيؤذنه ، وأخرج رواية معمر عن الزهري أيضاً البيهقي في ((سننه الكبرى)) (ج3 ص 44) وقال عقبة: أخرجه البخاري في الصحيح من حديث هشام بن يوسف عن معمر وكذلك رواه الأوزاعي وعمرو بن الحارث ويونس بن يزيد وابن أبي ذئب وشعيب بن أبي حمزة عن الزهري ، وكذلك قاله أبو الأسود عن عروة عن عائشة ، وخالفهم مالك فذكر الاضطجاع بعد الوتر.
قلت: رواية أبي الأسود تقدم أن أشرت إليها أول البحث ولا مانع أن نذكرها إن شاء الله في آخر هذه الروايات.
7- رواية أبي الموال عن ابن شهاب: قال أبو داود الطيالسي رحمه الله تعالى في ((مسنده)) (منحة المعبود) (ج1 ص 114-115) : حدثنا شعبة عن أبي الموال عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يضطجع بعد ركعتي الفجر.
وأما رواية أبي الأسود عن عروة: فقد قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى (ج3 ص 43) : حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا سعيد بن أبي أيوب قال: حدثني أبو الأسود عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن.
قلت: قد وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى (ج6 ص 132-133) : حدثني يحيى بن غيلان قال: ثنا المفضل يعني ابن فضالة قال: حدثني يزيد بن الهاد أن عروة بن الزبير كان يحدث عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنها كانت تقول: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا طلع الفجر ركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على جنبه الأيمن , سنده صحيح.
وقال أيضاً رحمه الله (ج1 ص 220) : حدثنا سفيان عن عمرو قال: أخبرني كريب عن ابن عباس أنه قال: لما صلى ركعتي الفجر اضطجع حتى نفخ فكنا نقول لعمرو: إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((تنام عيناي ولا ينام قلبي) . سنده صحيح.
قلت: وهذا مما يقوي أن رواية مالك شاذة.
--------------------------------------
1 - (ج2ص109) ((فتح ))
2 - ( ج2 ص 478)
3 - (ج3)
4 - ( ج3 ص7 ، ص 43 )
5 - ( ج11 ص 108 )
6 - (ج 1 ص508 ) ((متن ))
فإن من فضل الله تعالى أن يسر بطبع رسالة الاضطجاع بعد ركعتي الفجر وذلك من نحو أكثر من سنة ونصف فلله الحمد والمنة ، ونظراً لنفادها من المكتبات بأرض الحرمين ، بل نظراً لعدم وصولها إلى اليمن لدى أي مكتبة من المكتبات ، ولإلحاح الإخوة عليّ وسؤال كثير من الناس عنها ، فقد أذنت للأخ الفاضل / أحمد المسعدي صاحب مكتبة دار الهجرة بصنعاء بطباعة هذه الرسالة وأسأل الله تعالى أن يوفقني وإياه لخدمة العلم ونشره بين الناس إنه سميع مجيب.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه / أبو عبد الرحمن عقيل بن محمد بن زيد المقطري
20 من شهر محرم 1410هـ.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد: فإن الاضطجاع بعد ركعتي الفجر من المسائل التي اختلف فيها العلماء على أقوال كثيرة ستراها في صفحات هذا البحث. فمنهم من قال ببدعيتها ، ومنهم من قال بأنها سنة.... إلى آخر تلك الأقوال.
فعزمت متوكلاً على الله أن أبحث في هذه المسألة ، لاسيما وهي من المسائل الخلافية بين أهل السنة ، خصوصاً المعاصرين متوخياً الأدلة الشرعية في ذلك , والنظر في ذلك الخلاف الذي حصل بين أهل العلم , ولقد جمعت بين الأدلة على حسب ما تقتضيه قواعد مصطلح الحديث ، وتحريت الحق في ذلك.
ثم إن هذا البحث جمع ما تشتت من الأدلة الشرعية ، وأقوال أهل العلم في كتبهم في هذه المسألة , وأصبحت هذه المسألة سهلة المتناول بين المسلمين ، وسميت هذه الرسالة ((تنبيه أهل العصر بما جاء في الاضطجاع بعد ركعتي الفجر)) .
وجعلتها من مقدمة وعشرة أبواب وفصل وخاتمة ثم قائمة للمراجع وفهرس.
والأبواب هي:
1- باب حكم الاضطجاع بعد ركعتي الفجر.
2- فصل في أقوال العلماء في حكم الاضطجاع بعد ركعتي الفجر.
3- باب بيان شذوذ رواية مالك عن الزهري.
4- باب الاضطجاع سنة وليس بواجب , وفيه بيان ثبوت صلاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للركعتين بعد الوتر ، والاضطجاع بعد الوتر وبعد الركعتين.
5- باب الأمر بالاضطجاع بعد ركعتي الفجر ، وبيان شذوذ حديث أبي هريرة بالأمر به.
6- باب المصححون لحديث أبي هريرة.
7- باب في أدلة المانعين للاضطجاع والقائلين ببدعيته.
8- باب هل الاضطجاع في المسجد بدعة.
9- باب الحديث بعد ركعتي الفجر.
10- باب على أي جنب يضطجع.
11- باب في الحكمة من جعل الاضطجاع على الشق الأيمن.
هذا ولقد كتب العلامة شمس الحق العظيم آبادي رحمه الله تعالى في كتابه ((إعلام أهل العصر في أحكام ركعتي الفجر)) حول هذا ، ولكنه لم يستكمل البحث ، ولم يعطِ الموضوع حقه.
فأسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا جميعاً بهذا البحث وأن يجعله سبباً لتبصير المسلمين بهذه السنة وبحكمها ، وأن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم. وأسأله عز وجل أن يزيدنا علماً وفهماً ، وأن يسدد خطانا ، وأن يجعلنا من العاملين بكتابه وبسنة نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، على نهج سلفنا الصالح رضي الله عنهم آمين اللهم آمين.
كتبه / أبو عبد الرحمن عقيل بن محمد بن زيد اليمني والحُجَري المقطري
14 رجب 1407هـ
باب حكم الاضطجاع بعد ركعتي الفجر.
قال الإمام البخاري (1) رحمه الله تعالى باب من انتظر الإقامة: حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا سكت المؤذن بالأولى من صلاة الفجر ، قام فركع ركعتين خفيفتين قبل صلاة الفجر ، بعد أن يستبين الفجر ، ثم اضطجع على شقه الأيمن ، حتى يأتيه المؤذن للإقامة.
قلت: والمراد بالأولى الأذان الذي يؤذن به عند دخول الوقت ، وهو أول باعتبار الإقامة ، وثانٍ باعتبار الأذان الذي قبل الفجر. اهـ قاله الحافظ في ((الفتح)) .
وأخرجه في كتاب الوتر(2)، باب ما جاء في الوتر , وفي كتاب التهجد باب طول السجود(3). وفي قيام الليل(4)، باب الضجعة على الشق الأيمن بعد ركعتي الفجر ، من طريق أبي الأسود عن عروة عن عائشة , وفي كتاب الدعوات(5)، باب الضجع على الشق الأيمن ، من طريق معمر عن الزهري , وأخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين (6)، من طريق عمرو بن الحارث عن الزهري به.
وأخرجه الترمذي في ((جامعه)) (ج2 ص 282) ، باب ما جاء في الاضطجاع بعد ركعتي الفجر.
وأخرجه النسائي في ((سننه)) (ج2 ص30) ، كتاب الأذان ، باب إيذان المؤذنين الأئمة بالصلاة ، من طريق ابن أبي ذئب ويونس وعمرو بن الحارث عن الزهري به.
وأخرجه ابن ماجة في كتاب الإقامة (ج1 ص 378) ، باب ما جاء في الضجعة بعد الوتر وبعد ركعتي الفجر ، من طريق عبد الرحمن ابن اسحاق عن الزهري به.
وأخرجه أحمد في ((مسنده)) (ج6 ص 74 ، 83، 85، 248) ، من طريق ابن أبي ذئب والأوزاعي ويونس عن الزهري به.
وأخرجه البيهقي في ((سننه الكبرى)) (ج3 ص44) ، من طريق معمر عن الزهري به.
وأخرجه عبد الرزاق في ((مصنفه)) (ج3ص43) ، من طريق معمر عن الزهري به , وأخرجه الدارمي (ج1 ص 373) ، من طريق ابن أبي ذئب عن الزهري به.
وأخرجه أبو داود الطيالسي في ((مسنده)) (منحة المعبود) (ج1 ص114-115) ، من طريق عبد الرحمن ابن إسحاق عن الزهري به.
قلت: فمن هذا الحديث يتبين لنا أن الاضطجاع بعد ركعتي الفجر سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
فصل في أقوال العلماء في حكم الاضطجاع بعد ركعتي الفجر
1- قال الإمام الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (ج3 ص25) : اختلف في حكم هذا الاضطجاع على ستة أقوال:
الأول: أنه مشروع على سبيل الاستحباب.
الثاني: أن الاضطجاع بعدهما واجب مفترض.
الثالث: أن ذلك مكروه وبدعة.
الرابع: أنه خلاف الأولى.
الخامس: التفرقة بين من يقوم بالليل ، فيستحب له ذلك للاستراحة ، وبين غيره فلا يشرع له.
السادس: أن الاضطجاع ليس مقصوداً لذاته ، وإنما المقصود الفصل بين ركعتي الفجر وبين الفريضة.
قلت: والأول هو الصواب إن شاء الله وذكر غير هذه الستة صاحب ((إعلام أهل العصر)) فراجعه إن شئت.
2- رجح الصنعاني في ((سبل السلام)) أنها سنة وكذا ابن حجر في ((فتح الباري)) والشوكاني في ((النيل)) .
3- قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في ((المجموع)) (ج3 ص482) : السنة أن يضطجع على شقه الأيمن بعد صلاة سنة الفجر ، ولا يترك الاضطجاع ما أمكنه.
قال: وقد نقل القاضي عياض في (شرح مسلم) استحباب الاضطجاع بعد سنة الفجر عن الشافعي وأصحابه ، ثم أنكر عليهم ، وقال: قال مالك وجمهور العلماء وجماعة من الصحابة: ليس هو سنة ، بل سموه بدعة ، واستدل بأن أحاديث عائشة في بعضها الاضطجاع قبل ركعتي الفجر ، بعد صلاة الليل ، وفي بعضها بعد ركعتي الفجر ، وفي حديث ابن عباس قبل ركعتي الفجر. فدل على أنها لم تكن مقصودة وهذا الذي قاله مردود بحديث أبي هريرة الصريح في الأمر بها. وكونه صلى الله عليه وعلى آله وسلم اضطجع في بعض الأوقات ، أو أكثرها ، أو كلها بعد صلاة الليل ، لا يمنع أن يضطجع أيضاً بعد ركعتي الفجر ، وقد صح اضطجاعه بعدهما ، وأمر به ، فتعين المصير إليه ، ويكون سنة وتركه يجوز جمعاً بين الأدلة.
قلت: أما حديث أبي هريرة في الأمر بالاضطجاع , فسيأتي الكلام عليه إن شاء الله.
رد الشوكاني على القاضي عياض: ولقد رد الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (ج3 ص26) على القاضي عياض عند أن قال: رواية الاضطجاع مرجوحة ــ يعني بعد ركعتي الفجر ــ فتقدم رواية الاضطجاع قبلهما: ويجاب عن ذلك بأنا لا نسلم أرجحية رواية الاضطجاع بعد صلاة الليل وقبل ركعتي الفجر على رواية الاضطجاع بعدهما بل رواية الاضطجاع بعدهما أرجح , إلى أن ذكر كلام البيهقي بأن مالكاً شذ عن أصحاب الزهرى في ذكر الضجعة بعد صلاة الليل اهـ مختصراً.
4-وقال ابن قدامة رحمه الله تعالى في كتابه ((المغني)) (ج2 ص127) ويستحب أن يضطجع بعد ركعتي الفجر على جنبه الأيمن ، إلى أن قال: واتباع النبي في قوله وفعله أولى من إتباع من خالفه كائناً من كان ا. هـ.
5ــ قال ابن القيم في كتابه القيم ((زاد المعاد)) (ج1ص82) : وكان صلى الله عليه وعلى آله وسلم يضطجع بعد سنة الفجر على شقه الأيمن. هذا الذي ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها.
6 ــ قال العلامة أبو الطيب شمس الحق العظيم آبادي في كتابه ((إعلام أهل العصر بأحكام ركعتي الفجر)) (ص53) ويسن الاضطجاع بعد ركعتي الفجر على جنبه الأيمن سواء كان له تهجد بالليل أم لا. وهذا هو الحق ا. هـ.
قلت: وبه نقول.
باب بيان شذوذ رواية مالك عن الزهرى
قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى في باب صلاة المسافرين من ((صحيحه)): حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة ، يوتر منها بواحدة ، فإذا فرغ منها ، اضطجع على شقه الأيمن ، حتى يأتيه المؤذن ، فيصلي ركعتين خفيفتين.
وأخرجه مالك في ((الموطأ)) (ج1 ص 364) مع (شرح الزرقاني) وأبو داود (ج2 ص 84) والترمذي (ج2 ص 303) والبيهقي في ((سننه الكبرى)) (ج3 ص44) وقال: رواه مسلم عن يحيى بن يحيى ، كذا قاله مالك والعدد أولى بالحفظ من الواحد وقد يحتمل أن يكونا محفوظين ، فنقل مالك أحدهما ، ونقل الباقون الآخر.
قلت: بل شذ مالك كما قال البيهقي أولاً ، كيف ومالك لا يرى الاضطجاع بعد ركعتي الفجر ؟ وكذلك إذا شك حذف. وأما الاحتمال الآخر ففيه أحاديث أخرى ، وستأتي إن شاء الله.
ومالك قد خالف أصحاب الزهري في ذكر الاضطجاع ، فهم يذكرون الاضطجاع بعد ركعتي الفجر ، وهو يذكره بعد الوتر.
وقد قال الحافظ ابن القيم في ((زاد المعاد)) (ج1 ص 82) : وأما حديث عائشة فاختلف على ابن شهاب فيه فقال مالك عنه: فإذا فرغ يعني من قيام الليل ، اضطجع على شقه الأيمن ، حتى يأتيه المؤذن ، فيصلي ركعتين خفيفتين. وهذا صريح أن الضجعة قبل سنة الفجر , وقال غيره عن ابن شهاب: فإذا سكت المؤذن من أذان الفجر ، وتبين له الفجر ، وجاءه المؤذن ، قام فركع ركعتين خفيفتين ، ثم اضطجع على شقه الأيمن ، قالوا: وإذا اختلف أصحاب ابن شهاب فالقول ما قاله مالك ، لأنه أثبتهم فيه وأحفظهم. وقال الآخرون: بل الصواب في هذا مع من خالف مالكاً. وقال أبو بكر الخطيب: روى عن الزهري عن عروة عن عائشة ، كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة ، يوتر منها بواحدة ، فإذا فرغ منها اضطجع على شقه الأيمن ، حتى تأتيه المؤذن ، فيصلي ركعتين خفيفتين ، وخالف مالكاً عقيل ويونس وشعيب وابن أبي ذئب والأوزاعي وغيرهم ، فرووا عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يركع الركعتين للفجر ، ثم يضطجع على شقه الأيمن ، حتى تأتيه المؤذن ، فيخرج معه. فذكر مالك أن اضطجاعه كان قبل ركعتي الفجر , ومن حديث الجماعة أنه اضطجع بعدهما ، فحكم العلماء أن مالكاً أخطأ وأصحاب غيره. انتهى كلامه.
وقال الحافظ في ((فتح الباري)) (ج3 ص44) وأما ما رواه مسلم من طريق مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة: أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم اضطجع بعد ركعتي الفجر وهو المحفوظ ولم يصب من احتج به على ترك استحباب الاضطجاع.ا. هـ.
وقال أبو الطيب شمس الحق العظيم آبادي في رسالته ((إعلام أهل العصر)) (ص59): وما قاله يحيى بن معين ، فليس مراده أنه لو كان الاختلاف بحيث أن يكون الإمام مالك في طرف وجمهور أصحاب الزهري في طرف فيقدم رواية مالك على سائر أصحابه ، بل مراده أنه إن كان الاختلاف في أصحاب الزهري بحيث إن جماعة من أصحابه في طرف ، وجماعة ومالكاً في طرف ، فيقدم رواية مالك لأنه إمام ثقة ثبت حافظ جليل فيرجح مالك هذا الطريق على الآخــر.اهـ.
وقال الزرقاني رحمه الله تعالى في ((شرحه على موطأ مالك)) (ج1ص 364) : هكذا اتفق عليه رواة الموطأ ، وأما أصحاب ابن شهاب فرووا هذا الحديث عنه بإسناده ، فجعلوا الاضطجاع بعد ركعتي الفجر لا بعد الوتر.... إلى أن قال: وزعم محمد بن يحيى الذهلي وغيره أنه الصواب دون رواية مالك. ورده ابن عبد البر بأنه لا يدفع ما قاله مالك لموضعه من الحفظ والإتقان ولثبوته في ابن شهاب وعلمه بحديثه ، وقد قال يحيى بن معين: إذا اختلف أصحاب ابن شهاب فالقول ما قال مالك ، فهو أثبتهم فيه وأحفظهم لحديثه.ا. هـ.
قلت: مراد ابن معين هو ما ذكره العلامة شمس الحق العظيم آبادي كما تقدم وإليك أحاديث أصحاب الزهري.
1- رواية الأوزاعي عن الزهري: قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى (ج6 ص85): ثنا محمد بن مصعب قال: ثنا الأوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا ثوب المؤذن صلى ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة. وقال رحمه الله تعالى (ج6 ص83): ثنا أبو المغيرة ثنا الأوزاعي حدثني الزهري عن عروة عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي فيما بين عشاء الآخرة إلى أن يتصدع الفجر إحدى عشرة ركعة ، يسلم في كل ركعتين ويوتر بواحدة , ويمكث في سجوده بقدر ما يقرأ أحدكم بخمسين آية فإذا سكت المؤذن قام فركع ركعتين خفيفتين ، ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن. وأخرجه أبو داود (ج2ص85) .
2- رواية ابن أبي ذئب عن الزهري: وقال رحمه الله تعالى (ج6 ص 74) : ثنا حسين بن محمد قال: أنا ابن أبي ذئب وأبو النضر عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي ما بين صلاة العشاء الآخرة إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم في كل اثنتين ويوتر بواحدة ، ويسجد في سبحته بقدر ما يقرآ أحدكم بخمسين آية قبل أن يرفع رأسه فإذا سكت المؤذن بالأولى من أذانه قام فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن فيخرج معه. وأخرجه أبو داود (ج2 ص85) .
3- رواية يونس عن الزهري: وقال رحمه الله تعالى (ج6 ص 248) : حدثنا عثمان بن عمر قال: أنا يونس عن الزهري عن عروة عن عائشة أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة ، فكانت تلك صلاته يسجد في السجدة من ذلك قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه ، ويركع ركعتين قبل الفجر ، ثم يضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن.
4- رواية عمرو بن الحارث عن ابن شهاب: قال الإمام مسلم رحمه الله (ج1 ص 508) : حدثنا حرملة بن يحيى حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء (وهي التي يدعو الناس العتمة) إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة، فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر وتبين له الفجر وجاءه المؤذن ، قام فركع ركعتين خفيفتين ، ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة ، ورواه أبو داود (ج2ص85)
5- رواية شعيب عن الزهري: قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى (ج2 ص109) : حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني عروة ابن الزبير أن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا سكت المؤذن بالأولى من صلاة الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين قبل صلاة الفجر بعد أن يستبين الفجر ، ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة)) . وتقدم تخريجه.
6- رواية معمر عن الزهري: قال البخاري رحمه الله تعالى (ج11 ص 108) : حدثنا ابن محمد حدثنا هشام بن يوسف أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي من الليل إحدى عشر ركعة فإذا طلع الفجر صلى ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يجئ المؤذن فيؤذنه ، وأخرج رواية معمر عن الزهري أيضاً البيهقي في ((سننه الكبرى)) (ج3 ص 44) وقال عقبة: أخرجه البخاري في الصحيح من حديث هشام بن يوسف عن معمر وكذلك رواه الأوزاعي وعمرو بن الحارث ويونس بن يزيد وابن أبي ذئب وشعيب بن أبي حمزة عن الزهري ، وكذلك قاله أبو الأسود عن عروة عن عائشة ، وخالفهم مالك فذكر الاضطجاع بعد الوتر.
قلت: رواية أبي الأسود تقدم أن أشرت إليها أول البحث ولا مانع أن نذكرها إن شاء الله في آخر هذه الروايات.
7- رواية أبي الموال عن ابن شهاب: قال أبو داود الطيالسي رحمه الله تعالى في ((مسنده)) (منحة المعبود) (ج1 ص 114-115) : حدثنا شعبة عن أبي الموال عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يضطجع بعد ركعتي الفجر.
وأما رواية أبي الأسود عن عروة: فقد قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى (ج3 ص 43) : حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا سعيد بن أبي أيوب قال: حدثني أبو الأسود عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن.
قلت: قد وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى (ج6 ص 132-133) : حدثني يحيى بن غيلان قال: ثنا المفضل يعني ابن فضالة قال: حدثني يزيد بن الهاد أن عروة بن الزبير كان يحدث عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنها كانت تقول: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا طلع الفجر ركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على جنبه الأيمن , سنده صحيح.
وقال أيضاً رحمه الله (ج1 ص 220) : حدثنا سفيان عن عمرو قال: أخبرني كريب عن ابن عباس أنه قال: لما صلى ركعتي الفجر اضطجع حتى نفخ فكنا نقول لعمرو: إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((تنام عيناي ولا ينام قلبي) . سنده صحيح.
قلت: وهذا مما يقوي أن رواية مالك شاذة.
--------------------------------------
1 - (ج2ص109) ((فتح ))
2 - ( ج2 ص 478)
3 - (ج3)
4 - ( ج3 ص7 ، ص 43 )
5 - ( ج11 ص 108 )
6 - (ج 1 ص508 ) ((متن ))
التعديل الأخير: