العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

دفع القيمة في زكاة الفطر

إنضم
21 مايو 2009
المشاركات
116
الجنس
ذكر
الكنية
أبو البراء
التخصص
الفقه وأصوله
الدولة
الأردن
المدينة
عمّان
المذهب الفقهي
الشافعي
دفع القيمة في صدقة الفطر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فإن من أبرز المسائل التي يكثر الجدل والكلام فيها في عصرنا الحاضر هي إخراج زكاة الفطر من النقود، والخلاف فيها مشهور لا يخفى على أحد، غير أنه من الأمانة وتعميم النفع للمسلمين لا بد من أن أبيّن أبرز ما اسُتدل به في هذه المسألة لكلا القولين، دون تعصب لقول دون قول بل بالترجيح .
القول الأول، وهو وجوب إخراجها طعاما: وهو مذهب الأئمة الثلاثة: مالك، والشافعي، وأحمد وقال به الظاهرية .
ومن أدلتهم .
عَنِ اِبْنِ عُمَرَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: ( فَرَضَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ اَلْفِطْرِ, صَاعًا مِنْ تَمْرٍ, أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى اَلْعَبْدِ وَالْحُرِّ, وَالذَّكَرِ, وَالْأُنْثَى, وَالصَّغِيرِ, وَالْكَبِيرِ, مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ, وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ اَلنَّاسِ إِلَى اَلصَّلَاةِ ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: (كُنَّا نُعْطِيهَا فِي زَمَانِ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صَاعًا مِنْ طَعَامٍ, أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ, أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ, أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ). مُتَّفَقٌ عَلَيْه. وَفِي رِوَايَةٍ: (أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ) قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَمَّا أَنَا فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اَللَّهِ .
وَعَنِ اِبنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: " فَرَضَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ اَلْفِطْرِ; طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اَللَّغْوِ, وَالرَّفَثِ, وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ, فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ اَلصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ, وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ اَلصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ اَلصَّدَقَاتِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ, وَابْنُ مَاجَهْ, وَصَحَّحَهُ اَلْحَاكِم.
ومن أدلتهم: أن إخراج زكاة الفطر من الطعام من جنس العبادة التي تلبس بها المسلم في رمضان، فقد كان تاركا للطعام بالصوم طيلة الشهر، فكان من المناسبة أن يشكر نعمة الله تعالى أن أحل له الفطر بأن يخرج شكر هذه النعمة طعاما، فكأن إخراجها طعاما فيه نوع تنسك وتعبّد، وليس مجرد نفع المسلم الفقير بإعطائه الصدقة.
قال الإمام أحمد لما سئل عن إخراجها من غير الطعام؟ قال: " أخاف ألا يجزئه، خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وهذا مذهب مالك والشافعي.
وقال ابن حزم رحمه الله: " لا تجزئ قيمة أصلاً؛ لأن ذلك غير ما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
القول الثاني: وهو جواز إخراجها بالقيمة نقودا، وهو مذهب أبي حنيفة والثوري ورواية عند الحنابلة، و روي ذلك عن عمر بن عبد العزيز والحسن البصري .
ومن أدلتهم:
قال طَاوُسٌ قَالَ مُعَاذٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَهْلِ الْيَمَنِ: "ائْتُونِي بِعَرْضٍ ثِيَابٍ خَمِيصٍ أَوْ لَبِيسٍ فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ ".
عن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ لَهُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ مَخَاضٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا نُخْرِجُ إِذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُهُ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، فَكَلَّمَ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَكَانَ فِيمَا كَلَّمَ بِهِ النَّاسَ أَنْ قَالَ: "إِنِّي أَرَى أَنَّ مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ تَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ" فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: "فَأَمَّا أَنَا فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ أَبَدًا مَا عِشْتُ". وله رأيه رضي الله عنه .
والسبب لهذا الخلاف يرجع إلى اختلاف وجهات النظر في حقيقة الزكاة أصلاً ، هل هي عبادة وقربة لله تعالى أم هي حق مترتب في مال الأغنياء للفقراء ؟.
والذي يبدو من خلال دراسة مقاصد الشريعة أن الزكاة تحمل المعنيين وهذا يستنبط من حديث النبي صلى الله عليه وسلم السابق والمروي عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم حيث قال : فَرَضَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ اَلْفِطْرِ; طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اَللَّغْوِ, وَالرَّفَثِ, وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ . فهي تطهّر الصائم وهذه الناحية التعبدية وما يتحقق فيها من القربة إليه عز وجل، وهي طُعمة للمساكين وهي الناحية التي يتحقق فيها النفع للمسكين الآخذ، والنفع يتحقق بالنقود ويتحقق بالإطعام حسب ظروف الزمان والمكان .
ولأن المقصود من الزكاة إغناء الفقراء من قوله صلى الله عليه وسلم (أغنوهم-يعني المساكين- في هذا اليوم) والإغناء يتحقق بالقيمة كما يتحقق بالطعام، وربما القيمة أفضل والمال أنفع لبعضهم من الطعام فيعد في ذلك حال الفقير في كل بلد، ليعم السرور جميع المؤمنين، ويستوي فيه الغني والفقير، وهذا المعنى لا يحصل اليوم بإخراج الحب الذي ليس هو طعام الفقراء والناس كافة، ولا في إمكانهم الانتفاع به ذلك اليوم حتى لو أرادوا اقتياته على خلاف العادة.
ولأن كثيرا من الفقراء يأخذ الطعام ويبيعه في يومه أو غده بأقل من ثمنه، فلا هو الذي انتفع بالطعام ولا هو الذي أخذ قيمة هذا الصاع بثمن المثل ، فيجب علينا أن ننظر بعمق في مقاصد الشريعة وأن نحرّك المسائل تحريكاً يعطيها الأثر والثمرة والفائدة المرجوّة .
ولقد رأينا عياناً كيف حال المساكين من المسلمين في مكة والمدينة في صبيحة يوم الفطر عندما تتكدّس الحبوب من الأرز ثم يضطر إلى بيعه للتاجر بالثمن الأقل وربما يبيعه لنفس الشخص الذي أعطاه زكاة الفطر، فالمسكين لا هو انتفع بالطعام ولا انتفع بالقيمة، ومن زاوية أخرى قد يحصل أن يعود النفع على المزكي الذي أعطى واشترى أقول ربما .
وكما ذكر ابن المنذر أن الصحابة أجازوا إخراج نصف الصاع من القمح لأنهم رأوه معادلاً في القيمة للصاع من التمر أو الشعير، ولهذا قال معاوية : إني لأرى مدّين من سمراء الشام تعدل صاعاً من التمر .
أخرج ابن أبي شيبة عن وكيع عن قرة قال: جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز في زكاة الفطر: (نصف صاع عن كل إنسان أو قيمته نصف درهم ) لا بأس أن تعطي الدراهم في صدقة الفطر.
وعن الحسن كما في مصنف ابن أبي شيبة أيضاً قال : لا بأس أن تعطى الدراهم في صدقة الفطر .
وفيه كذلك عن عطاء أنه كان يعطي في صدقة الفطر وَرِقاً (دراهم فضية) .
قال أبو إسحاق السبيعي:" أدركتهم وهم يؤدون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام ".
ويبدو أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما فرض زكاة الفطر من الطعام لندرة النقود عندهم في ذلك الحين وهذا يتضح لنا حتى منذ زمن ليس بالبعيد كيف كان الناس يتعاملون بالمقايضة بالطعام بالبيع والشراء في بعض الأحيان وحتى في مقابل التعليم كما كان في الكتاتيب ولاسيما البوادي والقرى، وخصوصاً الفقراء، فلو أمر بإعطاء النقود في الزَّكَاة المفروضة على الرؤوس لتعذر إخراجها على الفقراء بالكلية، ولتعسر على كثير من الأغنياء الذين كان غناهم بالمواشي والرقيق، والطعام، أما الطعام فإنه متيسر للجميع، ولا يخلو منه منزل إلا من بلغ به الفقر منتهاه، فكان من أعظم المصالح، وأبلغ الحكم العدول عن المال النادر العسر إخراجه إلى الطعام المتيسر وجوده، وإخراجه لكل الناس، فكان إعطاء الطعام أيسر على الناس. ثم إن قيمة النقود تتغير قوتها الشرائية من زمن إلى زمن بخلاف الصاع من قوت أهل البلد فإنه يشبع حاجة بشرية محدودة كما أن الطعام كان في ذلك العصر أيسر على المعطي وأنفع للآخذ .
وتحريكاً للمسألة فقد اختلف الحنفية أيهما أفضل: دفع القيمة أم إخراج المنصوص عليه ؟ فقال بعضهم: دفع الحنطة أفضل في الأحوال كلها، سواء أكانت أيام شدة أم لا, لأن في هذا موافقة للسنَّة . وفصّل آخرون فقالوا: إذا كان الزمن زمن شدة وأزمة في الأقوات، فدفع العَين –الحنطة- أفضل وأما في أوقات السعة والرخاء فدفع القيمة أفضل لأنها أعون على دفع الحاجة .
من هذا يتضح أن المدار في الأفضلية على مدى انتفاع الفقير بما يُدفع له، فإن كان انتفاعه بالطعام أكثر دفعه أفضل، وإن كان انتفاعه بالنقود أكثر كان دفعها أفضل .
وإنه من التيسير المطلوب ضرورة الاعتراف بالتغير الذي يطرأ على الناس ، سواء سببه فساد الزمان كما عبّر الفقهاء، أو تطور المجتمع، أو وجود الضرورات، ومن ثمّ أجاز الفقهاء تغيير الفتوى بتغيّر الزمان والمكان والحال، مستدلين بهدي صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمل الخلفاء الراشدين الذي أمرنا صلى الله عليه وسلم أن نهتدي بهديهم ونعضّ على سنتهم بالنواجذ، وهو ما دلَّ عيه الكتاب والسنة، فقد قال الله تعالى {يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفاً} وقال تعالى {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} وقال تعالى {وما جعل عليكم في الدين من حرج}. وروى البخاري وأحمد وغيرهما عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم قال (خير دينكم أيسره) ، وفي الحديث المتفق عليه عن عائشة رضي الله عنها : ما خُيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإذا كان إثماً كان أبعد الناس عنه). وعن أحمد وابن حبان والبيهقي عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال (إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته). وفي هذا المقام يتأكد ترجيح الرخصة واختيار التيسير وكلما ظهرت الحاجة إليها لضعف أو مرض أو شيخوخة أو عجز أو شدة مشقة..
فمراعاة المصالح من أعظم أصول الشريعة، وحيثما دارت تدور معها، فالشريعة كلها مبنية على المصالح ودرء المفاسد.
فلا داعي إلى التنطّع الممقوت وتصنيف الناس إلى جاهل وعالم ومخطئ ومصيب ما دام هناك سعة ويسر أمر به رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، وما دام هناك قول بالجواز، روى مسلم عن ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم قال (هلك المتنطّعون. قالها ثلاثا). والمتنطّعون المتعمقون المشددّون في غير موضع التشديد. وروى البخاري والنسائي عن أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم (إن الدين يسر ولن يشادّ الدين أحد إلا غلبه، فسددّوا وقاربوا وأبشروا واستيعنوا بالغدوة والروحة وشيء من الدُّلجة) ورواية للبخاري (سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشيء من الدلجة، القصد القصد تبلغوا). هذا والله أعلم وأحكم.
والحمد لله رب العالمين
الراجي عفو ربّه الباري
سمير بن أحمد الحراسيس
 
إنضم
12 يناير 2010
المشاركات
863
الجنس
ذكر
الكنية
أبو مُـعـاذ
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
خميس مشيط
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: دفع القيمة في زكاة الفطر

جزاك الله خيرا وبارك فيك , ورأي شيخ الاسلام ابن تيمية في هذه المسألة اعتبر ما ذكرته من اعتبار مصلحة الفقير ومقاصد الشريعة في هذا الباب ,
سُئِل رحمه اللَّهُ عمَّن أَخْرَجَ الْقِيمَةَ فِي الزَّكَاةِ ؛ فَإِنَّهُ كَثِيرًا مَا يَكُونُ أَنْفَعَ لِلْفَقِيرِ : هَلْ هُوَ جَائِزٌ ؟ أَمْ لَا ؟
فَأَجَابَ : وَأَمَّا إخْرَاجُ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . فَالْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ وَأَحْمَد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ مَنَعَ الْقِيمَةَ فِي مَوَاضِعَ وَجَوَّزَهَا فِي مَوَاضِعَ فَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ أَقَرَّ النَّصَّ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ . وَالْأَظْهَرُ فِي هَذَا : أَنَّ إخْرَاجَ الْقِيمَةِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَلَا مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ مَمْنُوعٌ مِنْهُ ـ إلى أن قال ـ .. وَأَمَّا إخْرَاجُ الْقِيمَةِ لِلْحَاجَةِ أَوْ الْمَصْلَحَةِ أَوْ الْعَدْلِ فَلَا بَأْسَ بِهِ )
ثم مثّل للحاجة بقوله : ( .. وَمِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَحِقُّونَ لِلزَّكَاةِ طَلَبُوا مِنْهُ إعْطَاءَ الْقِيمَةِ لِكَوْنِهَا أَنْفَعَ فَيُعْطِيهِمْ ..)
 
إنضم
21 مايو 2009
المشاركات
116
الجنس
ذكر
الكنية
أبو البراء
التخصص
الفقه وأصوله
الدولة
الأردن
المدينة
عمّان
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: دفع القيمة في زكاة الفطر

[بارك الله فيك على مرورك الطيّب]
 
إنضم
4 يناير 2015
المشاركات
5
الكنية
أبو أحمد
التخصص
الفقة مقارن والسياسة الشرعية
المدينة
سلوى
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: دفع القيمة في زكاة الفطر

حكم دفع الزكاة بالقيمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي وفق خير خلقه للفقه بالدين, وجعلهم هداةً مهتدين, وصلى الله على نبينا محمد خاتم المرسلين وعلى آله وصحبه الهداة المهتديين.
أما بعد:
إن مما يتكرر السؤال عنه برمضان هو حكم إعطاء زكاة الفطر بالقيمة فأحببت أن اجمع
أقوال العلماء والمعول عليه من أدلتهم, ليكون نافعاً لي ولمن قراه.
ودفع القيمة في زكاة الفطر إنما هي فرع عن مسالة دفع القيمة في جميع أصناف الزكويات فتجد أدلة العلماء من حيث زكاة الفطر وغير مثل: الإبل, والغنم, والزروع.....

- الأقوال:
القول الأول:
لا يجزئه إخراج الزكاة بالقيمة, أختاره مالك،([1]) والشافعي,([2]) وأحمد بن حنبل.([3])
قال النووي: " لا يجوز إخراج القيمة في شئ من الزكوات وبه قال مالك وأحمد وداود..."([4])
القول الثاني:
يجزئه إخراج الزكاة بالقيمة, اختاره سفيان الثوري,([5]) وأبو حنيفة,([6]) وقد روي ذلك عن عمر بن عبد العزيز،([7]) والحسن البصري.([8])
قال المرغيناني: " (ويجوز دفع القيم في الزكاة) عندنا وكذا في الكفارات, وصدقة الفطر, والعشر, والنذر."([9])

- استدل القول الأول:
1_ قول ابن عمر: «فرض رسول الله ’ زكاة الفطر، صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، على كل عبد أو حر، صغير، أو كبير» متفقٌ عليه.([10])
ولهما ([11]) عن أبي سعيد الخدري، قال: «كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله ’ زكاة الفطر، عن كل صغير، وكبير، حر أو مملوك، صاعا من طعام، أو صاعا من أقط، أو صاعا من شعير، أو صاعا من تمر، أو صاعا من زبيب».
ووجه الدلالة: أن النبي ’ فرض هذه الأصناف وخصها بالذكر فإذا عدل عن ذلك فقد ترك ما فرضه النبي ’ عليه؛ لأن الذي يخرج القيمة قد عدل عن النصوص، فلم يجزئه، كما لو أخرج الرديء مكان الجيد.
ونوقش: بأننا نجيز الجميع؛ لأن النبي ’ لم ينف بذلك غيرها.
وأجيب: بأن تخصيص النبي ’ هذه الأصناف دليل على نفي ما عداه, ومفهوم المخالفة حجةٌ عندنا فصرنا إليه.
وأيضاً فإن قول أبي سيعد الخدري " كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله ’ ....." يدل على أنهم لا يدفعون القيمة, ولا يعلم احد خالف في هذا وأول من عُرف عنه في دفع القيمة هو عمر بن عبد العزيز, قال أبو طالب،([12]) قال لي أحمد لا يعطي قيمته، قيل له: قوم يقولون، عمر بن عبد العزيز كان يأخذ بالقيمة، قال: يدعون قول رسول الله ’ ويقولون قال فلان، قال ابن عمر: فرض رسول الله ’.
وقال الله تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول} [النساء: 59] .
وقال: قوم يردون السنن: قال فلان، قال فلان.
2_ وقال النبي ’: «في أربعين شاةٍ شاةً, وفي مائتي درهم خمسة دراهم».([13])
وجه الدلالة: أن هذا الحديث ورد بيانا لمجمل قوله تعالى: {وآتوا الزكاة} [البقرة: 43], والمبِين له حكم المبيَّن, فتكون الشاة المذكورة هي الزكاة المأمور بها، والأمر يقتضي الوجوب.
والنبي ’ فرض الصدقة على هذا الوجه، وأمر بها أن تؤدى، ففي كتاب أبي بكر الذي كتبه في الصدقات أنه قال: «هذه الصدقة التي فرضها رسول الله ’, وأمر بها أن تؤدى. وكان فيه: في خمس وعشرين من الإبل بنت مخاض، فإن لم تكن بنت مخاض، فابن لبون ذكر»([14])
فهذا يدل على أنه أراد عينها لتسميته إياها, ولو أراد المالية أو القيمة لم يجز؛ لأن خمساً وعشرين لا تخلو عن مالية بنت مخاض, فدل الى ابن لبون ذكر, فلو أراد المالية للزمه مالية بنت مخاض، دون مالية ابن لبون.
ونوقش: أن الخبر يقتضي وجوب ما نص عليه، وهذا موضع قد اتفقنا عليه واختلفنا هل يقوم غيره مقامه أم لا؟ وليس في وجوب الشيء ما يمنع جواز أخذ بدله، فلم يبق إلا استصحاب الإجماع.([15])
وأجيب: أن استصحاب الإجماع ضعيف ليس بحجة عند الجمهور.([16])
3_ وروى أبو داود، وابن ماجه، بإسنادهما، عن «معاذ، أن النبي ’ بعثه إلى اليمن، فقال خذ الحب من الحب، والشاة من الغنم، والبعير من الإبل والبقر من البقر.»([17])
وجه الدلالة من وجهين:
أحدهما: دل على تعيين ما يخرج من الزكاة.
والثاني: سياق الكلام على أخذ كل جنس من جنسه، فدل أنه مستحق فانتفى جواز إخراج القيمة.([18])
4_ أن الزكاة وجبت لدفع حاجة الفقير، وشكرا لنعمة المال، والحاجات متنوعة، فينبغي أن يتنوع الواجب ليصل إلى الفقير من كل نوع ما تندفع به حاجته، ويحصل شكر النعمة بالمواساة من جنس ما أنعم الله عليه به.

- استدل القول الثاني:
1_ قول معاذ لأهل اليمن:" ائتوني بخميص أو لبيس آخذه منكم، فإنه أيسر عليكم، وأنفع للمهاجرين بالمدينة".([19])
وعن طاوس قال: قال لهم معاذ باليمن: «ائتوني بعرض آخذه منكم مكان الصدقة؛ فإنه أهون عليكم، وخير للمهاجرين بالمدينة». ([20])
وجه الدلالة: ولا يؤخذ الثياب عن الذرة والشعير إلا على وجه البدل.([21])
نوقش من وجهين:([22])
أحدهما: أن هذا مرسل، وطاوس لم يدرك معاذاً، قاله الدارقطني.([23])
وقال الإسماعيلي: حديث طاوس عن معاذ إذا كان مرسلا فلا حجة فيه.([24])
والثاني: أنه محمول على الجزية؛ لأن مذهب معاذ لا يجوز نقل الزكاة من بلد إلى بلد، وإنما سماها صدقة تجوزاً، ويدل عليه ما روي عن معاذ بن جبل قال: بعثه النبي ’ إلى اليمن، فأمره أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعا أو تبيعه، ومن كل أربعين مسنة، ومن كل حالم دينارا أو عدله معافر.رواه أبو داود,([25]) والحاكم وقال: على شرطهما.([26])
قال البيهقي: "هذا هو الأليق بمعاذ، والأشبه بما أمره النبي ’ من أخذ الجنس في الصدقات، وأخذ الدينار أو عدله معافر- ثياب باليمن- في الجزية، وأن يرد الصدقات على فقرائهم لا أن ينقلها إلى المهاجرين بالمدينة، الذين أكثرهم أهل فيء لا أهل صدقة، والله أعلم" ([27])
2_ حديث أنس رضي الله عنه عن النبي ’ في الصدقات: "ومن بلغت عنده صدقة بنت ليون، وليست عنده إلا حقة: فإنها تقبل منه، ويعطيه المصدق عشرين درهمًا أو شاتين، ومن بلغت صدقة حقة، وليست عنده إلا بنت لبون: فإنها تقبل منه، ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له، أو عشرين درهمًا".([28])
وجه الدلالة: وهذا يدل على التعادل في القيمة.
ونوقش: أنه ليس هذا على وجه القيمة، إنما هي أصول، بدليل أن القيمة تختلف بالأزمنة والأمكنة، فقدر الشرع شيئا يزيل الاختلاف.
3_ عن جرير بن عبد الحميد، عن ليث، عن عطاء، أن عمر، كان «يأخذ العروض في الصدقة من الورق وغيرها».([29])
ونوقش: بأنه اثر ضعيف لا يثبت عن عمر فيه علتين:
الأولى: عطاء هو ابن أبي رباح, لا يروي عن عمر ولد في خلافة عثمان.([30])
والثانية: ليث هو ابن أبي سليم ضعيف, اختلط جداً ولم يتميز حديثه فترك.
4_ أن المقصود دفع الحاجة، ولا يختلف ذلك بعد اتحاد القدر المالية باختلاف صور الأموال.
ونوقش: أن الزكاة وجبت لدفع حاجة الفقير، وشكرا لنعمة المال، والحاجات متنوعة، فينبغي أن يتنوع الواجب ليصل إلى الفقير من كل نوع ما تندفع به حاجته، ويحصل شكر النعمة بالمواساة من جنس ما أنعم الله عليه به.
الراجح هو القول الأول لان الأدلة تفيد إليه بمنطوقها ومفهومها ولم يخالف أحد من الصحابة في ذلك والأصل في العبادات المنع حتى يأتي دليل فيزيلها، والله أعلم.

تم البحث والحمد لله رب العالمين فإن كان صواب فمن الله وان كان خطأ فمني ومن الشيطان, وان أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه أنيب.


([1]) انظر البيان والتحصيل لبن رشد الجد (2/486).
([2]) انظر المجموع شرح المهذب للنووي (5/429).
([3]) انظر المغني لابن قدامة (4/ 295), كشاف القناع عن متن الإقناع (2/ 254).
([4])المجموع شرح المهذب (5/ 429).
([5]) انظر الإشراف لبن المنذر (3/ 80 / رقم 1068).
([6]) انظر التجريد للقدوري (3/1243), فتح القدير لبن الهمام (2/144).
([7]) انظر المصنف لبن أبي شيبة (6/ 293/ رقم 10660).
([8])انظر المصنف لبن أبي شيبة (6/ 293/ رقم 10662).
([9]) الهداية المرغيناني (1/260).
([10]) انظر أخرجه البخاري (1508) ، ومسلم (4259).
([11])انظر أخرجه البخاري (1504) ، ومسلم (984) (12).
([12]) انظر زاد المسافر لغلام الخلال (2/ 432/ 1320- 1321).
([13]) انظر أخرجه أبو داود (1568) ، والترمذي (626)
([14]) انظر أخرجه صحيح البخاري (2/ 364، 365).
([15]) انظر التجريد للقدوري (3/ 1249).
([16]) انظر التحبير شرح التحرير للمرداوي (8/ 3763).
([17]) انظر أخرجه أبو داود (1599) ، وابن ماجه (1814).
([18]) انظر الإشراف على نكت مسائل الخلاف (1/ 391).
([19]) انظر سنن الدارقطني (2/ 487/ رقم 1930), و الأموال لابن زنجويه (1/ 142/رقم 176 ), والبدر المنير (18/ 445).
([20]) انظر الأموال لابن زنجويه (2/ 990/رقم 2233 ), السنن الكبرى للبيهقي (4/ 190).
([21]) انظر شرح مختصر الطحاوي للجصاص (2/ 365).
([22])انظر تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي (3/ 38).
([23]) انظر سنن الدارقطني (2/ 487).
([24]) انظر تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي (3/ 39).
([25])سنن أبي داود (رقم 1576).
([26])المستدرك (1/ 398).
([27])سنن البيهقي (4/ 113).
([28])أخرجه أبو داود (1567) ، والنسائي (5 / 27). وأخرجه البخاري مفرقاً.
([29])انظر المصنف لبن أبي شيبة (6/ 311/ رقم 10731).
([30]) انظر تهذيب الكمال للمزي (5/ 166/ رقم4522).
 
أعلى