أبو عبد الله المصلحي
:: متخصص ::
- إنضم
- 4 فبراير 2010
- المشاركات
- 785
- التخصص
- شريعة
- المدينة
- ------
- المذهب الفقهي
- اهل الحديث
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله
فهذا قول مفتي المذهبين المالكي والشافعي الإمام ابن دقيق العيد في العمل بالحديث الضعيف في فضائل الإعمال.
قال الإمام في شرح العمدة :
(( واختلفت مذاهب الفقهاء في الاختيار لتلك الأعداد والرواتب.
والمروي عن مالك رحمه الله أنه لا توقيت في ذلك، قال أبو القاسم صاحبه وإنما يؤقت في هذا أهل العراق.
والحق والله أعلم في هذا الباب أعني ما ورد فيه أحاديث بالنسبة إلى التطوعات والنوافل المرسلة:
-أن كل حديث صحيح دل على استحباب عدد من هذه الأعداد أو هيئة من الهيئات أو نافلة من النوافل يعمل به في استحبابه. ثم يختلف مراتب ذلك المستحب: فما كان الدليل دالا على تأكيده إما بملازمته فعلا أو بكثرة فعله أو لقوة دلالة اللفظ على تأكد الحكم فيه وإما بما ضده دليل آخر له أو أحاديث فيه تعلو مرتبته في الاستحباب. وما نقص عن ذلك كان بعده في الرتبة.
-وما ورد فيه حديث لا ينتهي إلى الصحة فان كان حسنا عمل به إن لم يعارضه صحيح أقوى منه وكانت مرتبته ناقصة عن هذه المرتبة الثانية أعني الصحيح الذي لم يدم عليه أو لم يؤكد اللفظ في طلبه.
-وان كان ضعيفا لا يدخل في حيز الموضوع:
فإن أحدث شعارا في الدين منع منه.
وان لم يحدث فهو محل نظر.
يحتمل: أن يقال أنه مستحب لدخوله تحت العمومات المقتضية لفعل الخير واستحباب الصلاة.
ويحتمل: أن يقال أن هذه الخصوصيات بالوقت أو بالحال والهيئة والفعل المخصوص يحتاج إلى دليل خاص يقتضي استحبابه بخصوصه وهذا أقرب والله اعلم.
وها هنا تنبيهات:
الأول:
حيث قلنا في الحديث الضعيف أنه يحتمل أن يعمل به لدخوله تحت العمومات فشرطه أن لا يقوم دليل على المنع منه أخص من تلك العمومات.
مثاله: الصلاة المذكورة في ليلة أول جمعة من رجب لم يصح فيها الحديث ولا حسن. فمن أراد فعلها إدراجا لها تحت العمومات الدالة على فضل الصلاة والتسبيحات لم يستقم لانه قد صح أن النبي (صلى الله عليه وسلم) نهى أن تخص ليلة الجمعة بقيام وهذا أخص من العمومات الدالة على فضيلة مطلق الصلاة.
الثاني:
أن هذا الاحتمال الذي قلناه من جواز إدراجه تحت العمومات نريد به في الفعل لا في الحكم باستحباب ذلك الشيء المخصوص بهيئته الخاصة؛ لان الحكم باستحبابه على تلك الهيئة الخاصة يحتاج دليلا شرعيا عليه ولا بد، بخلاف ما إذا فعل بناء على أنه من جملة الخيرات التي لا تختص بذلك الوقت ولا بتلك الهيئة، فهذا هو الذي قلنا بإحتماله.
الثالث:
قد منعنا إحداث ما هو شعار في الدين ومثاله ما أحدثته الروافض من عيد ثالث سموه عيد الغدير وكذلك الاجتماع وإقامة شعاره في وقت مخصوص على شيء مخصوص لم يثبت شرعا.
وقريب من ذلك أن تكون العبادة من جهة الشرع مرتبة على وجه مخصوص فيريد بعض الناس أن يحدث فيها أمرا آخر لم يرد به الشرع زاعما أنه يدرجه تحت عموم فهذا لا يستقيم لأن الغالب على العبادات التعبد ومأخذها التوقيف.
وهذه الصورة حيث لا يدل دليل على كراهة ذلك المحدث أو منعه، فأما إذا دل فهو أقوى في المنع وأظهر من الأول.
ولعل مثال ذلك: ما ورد في رفع اليدين في القنوت فانه قد صح رفع اليد في الدعاء مطلقا، فقال بعض الفقهاء: يرفع اليد في القنوت لأنه دعاء فيندرج تحت الدليل المقتضى لاستحباب رفع اليد في الدعاء مطلقا.
وقال غيره: يكره لان الغالب على هيئة العبادة التعبد والتوقيف، والصلاة تصان عن زيادة عمل غير مشروع فيها فإذا لم يثبت الحديث في رفع اليد في القنوت كان الدليل الدال على صيانة الصلاة عن عمل لم يشرع أخص من الدليل الدال على رفع اليد في الدعاء.
الرابع:
ما ذكرناه من المنع فتارة يكون منع تحريم وتارة منع كراهة، ولعل ذلك يختلف بحسب ما يفهم من نفس الشرع من التشديد في الابتداع بالنسبة إلى ذلك الجنس أو التخفيف.
ألا ترى أنا إذا نظرنا إلى البدع المتعلقة بأمور الدنيا لم تساو البدع المتعلقة بأمور الأحكام الفرعية ولعل البدع المتعلقة بأمور الدنيا لا تكره أصلا بل كثير منها يجزم فيه بعدم الكراهة.
وإذا نظرنا إلى البدع المتعلقة بالأحكام الفرعية لم تكن مساوية للبدع المتعلقة بأصول العقائد فهذا ما أمكن ذكره في هذا الموضع مع كونه من المشكلات القوية لعدم ضبطه بقوانين تقدم ذكرها للسابقين.
وقد تباين الناس في هذا الباب تباينا شديدا حتى بلغني أن بعض المالكية مر في ليلة من إحدى ليلتي الرغائب أعني التي في رجب أو التي في شعبان بقوم يصلونها وقوم عاكفين على محرم أو ما يشبهه أو ما يقاربه فحسّن حال العاكفين على محرم على حال المصلين لتلك الصلاة، وعلّل ذلك بأن العاكفين على المحرم عالمون بإرتكاب المعصية فيرجى لهم الاستغفار والتوبة، والمصلون لتلك الصلاة مع امتناعها عنده معتقدون انهم في طاعة فلا يتوبون ولا يستغفرون.
والتباين في هذا يرجع إلى الحرف الذي ذكرناه وهو:
إدراج الشيء المخصوص تحت العمومات.
أو طلب دليل خاص على ذلك الشيء الخاص.
وميل المالكية إلى هذا الثاني.
وقد ورد عن السلف الصالح ما يؤيده في مواضع:
-ألا ترى أن بن عمرة رضي الله عنه قال في صلاة الضحى أنها بدعة لأنه لم يثبت عنده فيها دليل ولم ير إدراجها تحت عمومات الصلاة لتخصيصها بالوقت المخصوص.
-وكذلك قال في القنوت الذي كان يفعله الناس في عصره أنه بدعة ولم ير إدراجه تحت عمومات الدعاء.
-وكذلك روى الترمذي من قول عبد الله بن مغفل لابنه في الجهر بالبسملة: "إياك والحدث". ولم ير إدراجه تحت دليل عام.
-وكذلك ما جاء عن بن مسعود رضي الله عنه فيما أخرجه الطبراني في معجمه بسنده عن قيس بن أبي حازم قال ذكر لابن مسعود قاص يجلس بالليل ويقول للناس قولوا كذا وقولوا كذا فقال إذا رأيتموه فاخبروني قال فاخبروه فاتاه بن مسعود متقنعا فقال من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا عبد الله بن مسعود تعلمون أنكم لأهدى من محمد (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه يعني أو أنكم لمتعلقون بذنب ضلالة، وفي رواية لقد جئتم ببدعة عظمى أو لقد فضلتم أصحاب محمد (صلى الله عليه وسلم) علما .
فهذا بن مسعود أنكر هذا الفعل مع إمكان إدراجه تحت عموم فضيلة الذكر.
على أن ما حكيناه في القنوت والجهر بالبسملة من باب الزيادة في العبادات . )).
إحكام الأحكام ج1/ص171-173.