العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

تصرفات الغاصب الحكمية

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
قال الحجاوي في الزاد:
فصل
وتصرفات الغاصب الحكمية باطلة....

وقال الشيخ ابن عثيمين:
قوله: «الحكمية» يعني التي يلحقها حكم من صحة أو فساد؛ لأن تصرفات الغاصب من حيث الحكم التكليفي كلها حرام، ومن حيث الحكم الوضعي ـ وهو الحكم بالصحة والفساد ـ ما كان له حكم من صحة أو فساد فإن تصرفات الغاصب باطلة، يعني أن وجودها كالعدم،

فمثلا : إذا غصب ثوبا فباعه، فالغصب حكمه حرام، والبيع حرام، وهل هو صحيح أو فاسد؟

ننظر هل البيوع منها صحيح وفاسد؟ الجواب: نعم، منها صحيح وفاسد، وعلى هذا فيكون هذا البيع باطلا لا ينتقل به الملك إلى المشتري؛ لأن من شرط البيع أن يكون من مالك أو من يقوم مقامه، والغاصب لا يقوم مقام المالك.
والإجارة منها صحيح وفاسد، والوقف منه صحيح وفاسد، والرهن منه صحيح وفاسد، فجميع التصرفات الحكمية يعني التي يلحقها حكم بالصحة أو بالفساد، يقول المؤلف: «باطلة» فبيع الغاصب للمغصوب باطل، وتأجيره للمغصوب باطل، ويظهر ذلك فيما لو غصب دارا وآجرها شخصا بعشرة آلاف ريال، ثم من الله عليه بالتوبة ورد الدار إلى مالكها، فهل تأجيره هذا صحيح، أو باطل؟
الجواب: باطل، ولو قلنا: إنه صحيح لكان لمالك البيت الأجرة التي تم العقد عليها وهي عشرة آلاف، وإذا قلنا: غير صحيح فإن الغاصب يضمن الأجرة، فإذا قدرنا أنه يؤجر باثني عشر ألفا فإن الغاصب يضمن اثني عشر ألفا؛ لأن العقد الأول غير صحيح ويجب أن يضمن لصاحب البيت الأجرة المعتادة،
ولو قلنا: إنه صحيح لم يلزمه إلا عشرة آلاف فقط، أما المستأجر الذي أخذها بعشرة آلاف والبيت يساوي اثني عشر ألفا، هل نضمنه اثني عشر ألفا، أو عشرة آلاف؟ فيه تفصيل: إن كان عالما بأنه مغصوب فإننا نضمنه اثني عشر ألفا، وإن كان غير عالم نضمنه عشرة آلاف فقط.
وفهم من قوله: «الحكمية» أن غير الحكمية لا يحكم لها بصحة أو فساد، فلو غصب ماء فأزال به نجاسة،
فهل نقول: إن الإزالة غير صحيحة؟ الجواب: لا؛ لأن إزالة النجاسة لا يقال: صحيحة وفاسدة، وعلى هذا فلو غصب ماء فأزال به نجاسة على ثوبه طهر الثوب؛ لأن إزالة النجاسة ليس لها حكم بالصحة ولا بالفساد.

ولو غصب ماء فتوضأ به فهل يصح وضوؤه؟ ننظر هل الوضوء ينقسم إلى فاسد وصحيح؟

الجواب: نعم، إذا لا يصح وضوؤه بالماء المغصوب؛ لأنه تصرف حكمي، أي: يلحقه الصحة والفساد.

مثال آخر: رجل غصب ثوبا فباعه، فحكم البيع أنه فاسد؛ لأنه من التصرفات الحكمية التي يلحقها الصحة والفساد.

وظاهر كلام المؤلف: أن الغاصب لو ذكى الشاة التي غصبها صارت حراما؛ لأن التذكية تنقسم إلى صحيحة وفاسدة فتكون تذكية الغاصب غير مبيحة للمذكاة.

تصرفات الغاصب من حيث الحكم التكليفي حرام مطلقا، ومن حيث الصحة والنفوذ تنقسم إلى قسمين:
1- ما له حكم من صحة أو فساد يكون تصرف الغاصب فيه باطلا.
2- وما ليس له حكم يكون تصرف الغاصب فيه نافذا.

القول الثاني خلاف ظاهر كلام المؤلف:
وهو أنه إذا أجازه المالك فالتصرف صحيح نافذ؛ لأن تحريم التصرف لحق الغير لا لحق الله، فإذا أسقط حقه سقط وزال المانع، وعلى هذا فإذا قيل للمالك: إن الغاصب قد باع ثوبك، فقال: أنا أجزته، فالبيع صحيح والمشتري يملك الثوب، أما إذا لم يجزه فإن البيع لا يصح ويجب على المشتري رد الثوب وأخذ ثمنه الذي بذله فيه؛ لأن التصرف غير صحيح.

القول الثالث: إن كانت التصرفات يسيرة، مثل ما لو باعه على شخص ثم اطلع عليه المالك وطالب به فهو له ويأخذه من المشتري، أما إذا صعب وتعذر، مثل ما لو باعه الغاصب على رجل، وهذا الرجل باعه على آخر، وهكذا تناقل الناس هذا المغصوب، فإن التصرفات صحيحة، بناء على الحرج والمشقة التي تلحق فيما لو حكمنا ببطلان التصرف، وأيضا ربما يكون المغصوب بعيرا غصبه الغاصب وباعه على شخص وولدت البعير وكثر نسلها، فكيف نقول: إنه باطل مع العسر والمشقة العظيمة؟!

فالصحيح أنه مع العسر والمشقة يحكم بالصحة للضرورة ويقال لمالكه: لك مثل مالك إن كان مثليا أو قيمته إن كان متقوما.

القول الرابع: أن تصرفات الغاصب صحيحة، وهو رواية عن أحمد ـ رحمه الله ـ ولكن للمالك أن يستردها، فمثلا إذا ذكى الشاة فالتذكية على هذه الرواية صحيحة والشاة ترجع لمالكها، وإذا طالب بالمثل وقلنا: إنها مثلية ضمنها بمثلها، وإذا قلنا: إنها متقومة وطالب بمثلها حية، وقال: إن قيمتها حية أكثر من قيمتها لحما أعطيناه الفرق، أو أعطيناه القيمة كاملة واللحم يكون للغاصب.
وكذلك ـ أيضا ـ لو توضأ بماء مغصوب، فعلى هذه الرواية ـ التي هي خلاف المذهب ـ الوضوء صحيح، وهو الصحيح؛ لأن هذا التصرف لا يختص بالوضوء، إذ أن تصرف الغاصب بالمغصوب يشمل الوضوء وغير الوضوء، فالغاصب لم ينه عن الوضوء، لم يقل له: لا تتوضأ بالماء المغصوب، بل قيل له: لا تتصرف بالماء المغصوب، ولما لم يكن النهي خاصا بل كان عاما صارت العبادة صحيحة، هذا هو القول الراجح، ويدل لهذا:
أن الغيبة على الصائم حرام، والأكل ـ أيضا ـ حرام، فلو أكل فسد صومه، أما لو اغتاب لم يفسد؛ لأن الأكل حرام على الصائم بخصوصه، والغيبة ليست حراما على الصائم بخصوصها، بل هي حرام عليه وعلى غيره، فتبين بهذا الفرق الواضح بين العموم والخصوص.

إذا الخلاصة:
أن تصرفات الغاصب صحيحة، أما إن أجازها المالك فهذا أمر واضح مثل الشمس، وأما إذا لم يجزها فالصحيح ـ أيضا ـ صحتها، لكن إذا كان عين مال المالك باقيا، فله أن يسترده ويقول: هذا عين مالي أريده، وأنت أيها المشتري اذهب إلى الغاصب.



الشرح الممتع (10 / 183- 187)
 
أعلى