د.محمود محمود النجيري
:: مشرف سابق ::
- إنضم
- 19 مارس 2008
- المشاركات
- 1,171
- الكنية
- أبو مازن
- التخصص
- الفقه الإسلامي
- المدينة
- مصر
- المذهب الفقهي
- الحنبلي
تنازع الزوجين
في متاع البيت
في متاع البيت
إن دبَّ خلاف بين الزوجين- في حال الاجتماع، أو الفراق- بشأن تملك متاع البيت. فماذا يكون للنساء من هذا المتاع؟ وماذا يكون للرجال؟
في هذه المسألة قولان للفقهاء:
القول الأول: إذا اختلف الزوجان في متاع البيت فاختصما، فما يصلح للرجال كالسلاح، والعمامة، والقلنسوة، والقمص فهو للرجل، وما يصح للنساء كالخُمُر، والحلي، والحرير، فهو للمرأة.
هذا مذهب الجمهور: أبي حنيفة، ومالك، وأحمد.
وحجة الجمهور هي:
1. عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله : "متاع النساء للنساء، ومتاع الرجال للرجال" .
2. أن الظاهر شاهد بهذا الحكم، والاستعمال بمثابة اليد الحسية، فيحكم لكل منهما بما جرت العادة باستعماله إياه .
القول الثاني: إذا اختلف الزوجان في متاع البيت الذي يسكنانه، ولا بيِّنة لهما، فإنهما يحلفان، فإن حَلَفا جميعا، فالمتاع بينهما نصفان.
وهذا مذهب الشافعي وسفيان الثوري، وابن حزم.
وحجته:
1- أن الرجل قد يملك متاع النساء بالشراء والميراث، وغير ذلك. والمرأة قد تملك متاع الرجال بالشراء والميراث وغير ذلك. ولا ينكر ملك المرأة للسلاح، ولا ملك الرجل للحلي.
2- أن الزوجين المتنازعين استويا في سبب الاستحقاق؛ لأنهما ساكنان في البيت، فالبيت وما فيه في أيديهما معا .
وقد اختار ابن تيمية القول الأول، قال:
"والنبي جعل اليمين على المدعى عليه إذا لم يكن مع المدعى حجة ترجح جانبه؛ ولهذا قال جمهور العلماء في الزوجين إذا تنازعا في متاع البيت، فإنه يحكم لكل منهما بما جرت العادة باستعماله إياه، فيحكم للمرأة بمتاع النساء، وللرجل بمتاع الرجال، وإن كانت اليد الحسية منهما ثابتة على هذا؛ لأنه يعلم بالعادة أن كلا منهما يتصرف في متاع جنسه" .
وقد اختار ابن القيم هذا أيضًا، فقال:
" إذا تنازع الزوجان في متاع البيت، حكم للرجل بما يصلح له، وللمرأة بما يصلح لها، ولم ينازع في ذلك إلا الشافعي، فإنه قسم عمامة الرجل وثيابه بينه وبين المرأة. وكذلك قسم خف المرأة وحلقها ومغزلها بينها وبين الرجل، وأما الجمهور- كمالك وأحمد وأبي حنيفة- فإنهم نظروا إلى القرائن الظاهرة، والظن الغالب الملتحق
بالقطع في اختصاص كل واحد منهما بما يصلح له، ورأوا أن الدعوى تترجح بما هو دون ذلك بكثير، كاليد، والبراءة، والنكول، واليمين المردودة، والشاهد واليمين" .
وهكذا نجد ابن القيم يحكم بغلبة الظن المستفاد من العادة المشاهدة، وهي من القرائن الظاهرة التي يحكم بها للمدعى مع يمينه، كما لو تنازع خياط ونجار في آلات صناعتهما، حكم للنجار بآلات النجارة، وللخياط بأدوات الخياطة. وهذا الظن الغالب له قوة قريبة من القطع باختصاص كل شخص بما هو صالح له.
وبهذا أخذ القانون الكويتي في المادة رقم (73):
"إذا اختلف الزوجان في متاع البيت، ولا بينة لهما، فالقول للزوجة مع يمينها فيما يعرف للنساء، وللرجل مع يمينه فيما عدا ذلك" .
الترجيح:
يترجح اختيار الجمهور: اختصاص كل من الزوجين بما يصلح له من متاع البيت، فالقول قول من يدل الحال على صدقه، ولا عبرة باليد الحسية لأنهما مشتركان في الحيازة، فيصير وجودها كعدمها، فأدوات الزينة والخياطة للمرأة بلا شك، وملابس الرجال للزوج بلا شك، وأدوات حرفته وكتب دراسته... كل ذلك يشهد له الظاهر.
وأما ما كان من أثاث فإنه يرجع فيه إلى العرف: فإن كانت الزوجة اشترته من مهرها، فهو ملك لها، والعرف في مصر مثلا أن الزوج يبذل المهر، فتشتري به الزوجة أكثر أثاث البيت، وقد تزيد على ما بذله، يدفعه أبوها. فهذا ملكها.
وقد ذكر محمد بن سيرين: أن رجلا ادعى متاع البيت، فجاء أربع نسوة، فشهدن فقلن: دفعتْ إليه الصداق فجهزها به، فقضى شريح عليه بالمتاع" .
والحكم المستفاد من ذلك: أن الزوجة إن دفعت الصداق إلى زوجها، فجهزها به، فإنه يقضي عليه بالمتاع إن تنازعا فيه. فقد ثبت حقها بالشهادة، إذ إن الصداق حقها، وليس حقًا للزوج ولا غير الزوج، فكان لها ما اشتُري بالمهر من متاع. وسماحها للزوج باستعماله لا يعني هبته أو التنازل عنه.
وإما أن الزوج لا يبذل مهرًا، ويجعل بعض الأثاث مهرا لها مقدمًا، فهذا يصير ملكًا لها أيضًا. وقد اعتاد بعض الأولياء كتابة" قائمة" بهذا الأثاث، يقر الزوج فيه بملكية الزوجة (أو وليها) للمنقولات، حذرًا من أن يدعي الزوج أنه بذل المهر نقدًا، واشترى الأثاث من ماله، فلا تتمكن المرأة من إثبات حقها عند النزاع.
الهوامش:
1. أخرجه سعيد بن منصور في سننه، باب ما جاء في متاع البيت إذا اختلف فيه الزوجان (1497).
قال ابن حزم: "هذا خبر موضوع مكذوب، لا يحل لأحد أن يرويه إلا على بيان وضعه". المحلى 11/345.
2. المبسوط: السرخسي 5/215. بدائع الصنائع: الكاساني 3/316. المدونة: مالك بن أنس 2/265. الشرح الكبير على الدردير 2/109.
3. الأم: الشافعي 5/ 115.
4. مجموع الفتاوى: ابن تيمية 34/53.
5. الطرق الحكمية: ابن القيم، ص 133-134. وانظر: إغاثة اللهفان: ابن القيم 2/66.
6. قانون الأحوال الشخصية الكويتي، ص 23.
7. أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف، كتاب الطلاق، في الرجل يطلق أو يموت وفي منزله متاع (19133).
دكتور محمود النجيري