صلاح بن خميس الغامدي
قاضي بوزارة العدل السعودية
- إنضم
- 27 أبريل 2008
- المشاركات
- 103
- الإقامة
- الدمام - المنطقة الشرقية
- الجنس
- ذكر
- الكنية
- أبو أحمد
- التخصص
- الفقه
- الدولة
- السعودية
- المدينة
- الدمام حرسها الله
- المذهب الفقهي
- الحنبلي
الحمد لله وحده وبعد ..
فقد سبق الكلام عن الفرق بين الإكراه والإجبار على البيع ، وأن الأول يكون بغير حق في الغالب والثاني هو ما كان بحق.
ومما يندرج تحت ذلك من المسائل
مسألة // إجبار الجار الملاصق للمسجد على بيع ما يوسع به المسجد.
وصور ة هذه المسألة
أن يكون هناك جار ملاصق للمسجد ، وقد ضاق هذا المسجد على المصلين ، واحتاجوا إلى توسعته ، وليس لذلك سبيل إلا عن طريق ملك هذا الجار ، وقد رفض الجار بيع هذا المنزل لتوسعة المسجد ، ففي هذه الحالة ما حكم إجبار صاحب المنزل على بيع منزله ، وإذا رفض ذلك فهل للحاكم الشرعي أن يصدر حكماً بإجباره على بيع ذلك ؟
اتفق الفقهاء ـ رحمهم الله تعالى ـ على أن العقار إذا احتيج له للمصلحة العامة ـ أياً كانت سواء لتوسعة مسجد و طريق أو غيره ـ فإن صاحبه يجبر على بيعه ، وهو من باب تقديم المصلحة العامة على المصلحة الفردية .
فقد نص الحنفية على :" أنه إذا كان الطريق ضيقاً ، والمسجد متسع لا يحتاجون إلى بعضه ، فتجوز الزيادة في الطريق من المسجد ؛ قالوا : لأن كلا منهما مصلحة عامة(1).
جاء في حاشية ابن عابدين : " ولو ضاق المسجد وبجنبه أرض وقف عليه ، أو حانوت جاز أن يؤخذ ويدخل فيه ..." أ.هـ
كما نص الفقهاء من المالكية على جواز بيع الوقف أو استبداله ، فقالوا : لا بأس ببيع الدار المحبّسة وغيرها ، ويكره السلطان الناس على بيعها إذا احتاج الناس إليها لجامعهم الذي فيه الخطبة ، وكذلك إذا احتاج الطريق إليها ، وإذا كان النهر بجانب طريق عظيمة من طرق المسلمين التي يسلك عليها العامة فحفرها حتى قطعها ، فإن أهل تلك الدار التي حولها يجبرون على بيع ما يوسع به الطريق (2) .
وقالوا أيضاً : وإذا كان الموقوف عقاراً كالأرض والدار ، فإن كانت له غلة فلا يجوز بيعه ولا استبداله بغيره إلا للضرورة كتوسيع مسجد أو طريق عام ؛ لأن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم لما وجدت الحاجة إلى توسيعه أدخلت فيه الدور الموقوفة التي كانت بجواره ، ولم يعارض ذلك أحد من أهل الاجتهاد الموجودين في ذلك الوقت ، فكان هذا العمل بمنزلة الإجماع على جواز استبدال العقار وبيعه للحاجة(3) .
وفي نفس المعنى قالوا : إذا ضاق المسجد بأهله ، واحتاج إلى توسعةٍ ، وبجانبهِ عقارٌ حبسٌ أو ملكٌ ، فإنه يجوز بيع الحبس لأجل توسعة المسجد ، وإن أبى صاحبه أو أصحاب الملك عن بيع ذلك فالمشهور أنهم يجبرون على هذا(4) .
قال إسماعيل بن سعيد الشالنجي :" سألت احمد بن حنبل عن طريق واسع ، وللمسلمين عنه غنى ، وبهم على أن يكون مسجداً حاجة ، هل يجوز أن يبنى هناك مسجد ؟ فقال الإمام أحمد : لا بأس ، إذا لم يضر الطريق(5) .
دليل هذه المسألة :
أولاً : ما جاء في قصة بروك ناقة النبي صلى الله عليه وسلم وقوله : " هذا المنزل إن شاء الله ، ثم دعا صلى الله عليه وسلم الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجداً ، وقال : يابني النجار ثامنوني بحائطكم " الحديث (6) .
ثانياً : الإجماع على جواز ذلك ، وقد سبق أنه لما وجدت الحاجة إلى توسيع مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أدخلت فيه الدور الموقوفة التي كانت بجواره ، ولم يعارض ذلك أحد من أهل الاجتهاد ، فكان هذا بمنزلة الإجماع على جواز استبدال العقار وبيعه عند الحاجة(7).
ثالثاً: أنه يحقق مصلحةً عامة ويقدمها على المصلحة الفردية ، وهذا مطلوب في الشريعة ، كما أن القاعدة الشريعة تنص على أن تصرف الإمام على رعيته منوط بالمصلحة .
وقد ذكر بعض أهل العلم من المعاصرين(8) أن من وسائل نزع ملكية الأرض المجاورة للمسجد مايأتي :
1= صدور قرار من ولي الأمر يقضي بنزع ملكية هذه الأرض المطلوبة ، ويتمثل ذلك في أمر النبي صلى الله عليه وسلم في قصة بروك البعير وقوله : " هذا المنزل إن شاء الله " ، ثم قال : " ثامنوني بحائطكم " الحديث .
2= المساومة على الثمن الذي سيدفع عوضاً عن هذه الأرض ، وهو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم كما سبق .
3= صدور حكم بإجبار المالك على البيع في حالة رفضه لذلك ، فينظر في ذلك القاضي بعد اقتضاء المصلحة نزعه .
وتجدر الإشارة ـ قبل الختام ـ إلى أن لهذا الأمر ضوابط لا بد من مراعاتها قبل نزع الملكية ، وهي كون هذه الملكية الخاصة ـ في حال نزعها ـ محققة للمصلحة العامة ، والذي يقدّر ذلك هو الإمام أو نوابه .
كما أنه لا بد أن يكون التعويض عادلاً ومرضياً لأصحاب الشأن ، مع الأخذ في الاعتبار ألا يكون هناك طمعٌ أو جشعٌ من أصحاب الملكيات الخاصة .
وقد صدر نظامٌ خاص في ذلك وهو ما يسمى بـ [ نظام نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة ] وقد نصت المادة السابعة فيه على تشكيل لجنة لتقدير ذلك كما نصت المواد الثامنة والتاسعة والعاشرة على طريقة عملها.
وبالله التوفيق ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
حرر في يوم التروية لعام ألف وأربعمائة وواحد وثلاثون للهجرة النبوية .
======================
(1) ينظر حاشية ابن عابدين 6 / 581
(2) ينظر مواهب الجليل 7/663 ، وحاشية الدسوقي 5/480
(3) ينظر التاج والإكليل 6/426
(4) ينظر حاشية الخرشي على مختصر خليل 7/393
(5) ينظر المحرر في الفقه 1/578 ، وفتاوى ابن تيمية 30/403
(6) الحديث أخرجه البخاري في الجامع الصحيح في كتاب فضائل المدينة باب حرم المدينة 2/269 برقم 1868 ، وفي كتاب البيوع باب صاحب السلعة أحق بالسوم 3/23 برقم 2106 ، وفي كتاب الوصايا باب وقف الأرض للمسجد 3/259 برقم 2779 ، وأخرجه مسلم في صحيحه في كتاب المساجد باب ابتناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم 1/373 برقم 524
(7) ينظر التاج والإكليل 6/426
(8) انظر في ذلك رسالة أحكام نزع الملكية للمصلحة العامة للباحث محمد الديقان .
فقد سبق الكلام عن الفرق بين الإكراه والإجبار على البيع ، وأن الأول يكون بغير حق في الغالب والثاني هو ما كان بحق.
ومما يندرج تحت ذلك من المسائل
مسألة // إجبار الجار الملاصق للمسجد على بيع ما يوسع به المسجد.
وصور ة هذه المسألة
أن يكون هناك جار ملاصق للمسجد ، وقد ضاق هذا المسجد على المصلين ، واحتاجوا إلى توسعته ، وليس لذلك سبيل إلا عن طريق ملك هذا الجار ، وقد رفض الجار بيع هذا المنزل لتوسعة المسجد ، ففي هذه الحالة ما حكم إجبار صاحب المنزل على بيع منزله ، وإذا رفض ذلك فهل للحاكم الشرعي أن يصدر حكماً بإجباره على بيع ذلك ؟
اتفق الفقهاء ـ رحمهم الله تعالى ـ على أن العقار إذا احتيج له للمصلحة العامة ـ أياً كانت سواء لتوسعة مسجد و طريق أو غيره ـ فإن صاحبه يجبر على بيعه ، وهو من باب تقديم المصلحة العامة على المصلحة الفردية .
فقد نص الحنفية على :" أنه إذا كان الطريق ضيقاً ، والمسجد متسع لا يحتاجون إلى بعضه ، فتجوز الزيادة في الطريق من المسجد ؛ قالوا : لأن كلا منهما مصلحة عامة(1).
جاء في حاشية ابن عابدين : " ولو ضاق المسجد وبجنبه أرض وقف عليه ، أو حانوت جاز أن يؤخذ ويدخل فيه ..." أ.هـ
كما نص الفقهاء من المالكية على جواز بيع الوقف أو استبداله ، فقالوا : لا بأس ببيع الدار المحبّسة وغيرها ، ويكره السلطان الناس على بيعها إذا احتاج الناس إليها لجامعهم الذي فيه الخطبة ، وكذلك إذا احتاج الطريق إليها ، وإذا كان النهر بجانب طريق عظيمة من طرق المسلمين التي يسلك عليها العامة فحفرها حتى قطعها ، فإن أهل تلك الدار التي حولها يجبرون على بيع ما يوسع به الطريق (2) .
وقالوا أيضاً : وإذا كان الموقوف عقاراً كالأرض والدار ، فإن كانت له غلة فلا يجوز بيعه ولا استبداله بغيره إلا للضرورة كتوسيع مسجد أو طريق عام ؛ لأن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم لما وجدت الحاجة إلى توسيعه أدخلت فيه الدور الموقوفة التي كانت بجواره ، ولم يعارض ذلك أحد من أهل الاجتهاد الموجودين في ذلك الوقت ، فكان هذا العمل بمنزلة الإجماع على جواز استبدال العقار وبيعه للحاجة(3) .
وفي نفس المعنى قالوا : إذا ضاق المسجد بأهله ، واحتاج إلى توسعةٍ ، وبجانبهِ عقارٌ حبسٌ أو ملكٌ ، فإنه يجوز بيع الحبس لأجل توسعة المسجد ، وإن أبى صاحبه أو أصحاب الملك عن بيع ذلك فالمشهور أنهم يجبرون على هذا(4) .
قال إسماعيل بن سعيد الشالنجي :" سألت احمد بن حنبل عن طريق واسع ، وللمسلمين عنه غنى ، وبهم على أن يكون مسجداً حاجة ، هل يجوز أن يبنى هناك مسجد ؟ فقال الإمام أحمد : لا بأس ، إذا لم يضر الطريق(5) .
دليل هذه المسألة :
أولاً : ما جاء في قصة بروك ناقة النبي صلى الله عليه وسلم وقوله : " هذا المنزل إن شاء الله ، ثم دعا صلى الله عليه وسلم الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجداً ، وقال : يابني النجار ثامنوني بحائطكم " الحديث (6) .
ثانياً : الإجماع على جواز ذلك ، وقد سبق أنه لما وجدت الحاجة إلى توسيع مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أدخلت فيه الدور الموقوفة التي كانت بجواره ، ولم يعارض ذلك أحد من أهل الاجتهاد ، فكان هذا بمنزلة الإجماع على جواز استبدال العقار وبيعه عند الحاجة(7).
ثالثاً: أنه يحقق مصلحةً عامة ويقدمها على المصلحة الفردية ، وهذا مطلوب في الشريعة ، كما أن القاعدة الشريعة تنص على أن تصرف الإمام على رعيته منوط بالمصلحة .
وقد ذكر بعض أهل العلم من المعاصرين(8) أن من وسائل نزع ملكية الأرض المجاورة للمسجد مايأتي :
1= صدور قرار من ولي الأمر يقضي بنزع ملكية هذه الأرض المطلوبة ، ويتمثل ذلك في أمر النبي صلى الله عليه وسلم في قصة بروك البعير وقوله : " هذا المنزل إن شاء الله " ، ثم قال : " ثامنوني بحائطكم " الحديث .
2= المساومة على الثمن الذي سيدفع عوضاً عن هذه الأرض ، وهو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم كما سبق .
3= صدور حكم بإجبار المالك على البيع في حالة رفضه لذلك ، فينظر في ذلك القاضي بعد اقتضاء المصلحة نزعه .
وتجدر الإشارة ـ قبل الختام ـ إلى أن لهذا الأمر ضوابط لا بد من مراعاتها قبل نزع الملكية ، وهي كون هذه الملكية الخاصة ـ في حال نزعها ـ محققة للمصلحة العامة ، والذي يقدّر ذلك هو الإمام أو نوابه .
كما أنه لا بد أن يكون التعويض عادلاً ومرضياً لأصحاب الشأن ، مع الأخذ في الاعتبار ألا يكون هناك طمعٌ أو جشعٌ من أصحاب الملكيات الخاصة .
وقد صدر نظامٌ خاص في ذلك وهو ما يسمى بـ [ نظام نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة ] وقد نصت المادة السابعة فيه على تشكيل لجنة لتقدير ذلك كما نصت المواد الثامنة والتاسعة والعاشرة على طريقة عملها.
وبالله التوفيق ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
حرر في يوم التروية لعام ألف وأربعمائة وواحد وثلاثون للهجرة النبوية .
======================
(1) ينظر حاشية ابن عابدين 6 / 581
(2) ينظر مواهب الجليل 7/663 ، وحاشية الدسوقي 5/480
(3) ينظر التاج والإكليل 6/426
(4) ينظر حاشية الخرشي على مختصر خليل 7/393
(5) ينظر المحرر في الفقه 1/578 ، وفتاوى ابن تيمية 30/403
(6) الحديث أخرجه البخاري في الجامع الصحيح في كتاب فضائل المدينة باب حرم المدينة 2/269 برقم 1868 ، وفي كتاب البيوع باب صاحب السلعة أحق بالسوم 3/23 برقم 2106 ، وفي كتاب الوصايا باب وقف الأرض للمسجد 3/259 برقم 2779 ، وأخرجه مسلم في صحيحه في كتاب المساجد باب ابتناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم 1/373 برقم 524
(7) ينظر التاج والإكليل 6/426
(8) انظر في ذلك رسالة أحكام نزع الملكية للمصلحة العامة للباحث محمد الديقان .
التعديل الأخير بواسطة المشرف: