د. فؤاد بن يحيى الهاشمي
:: مشرف سابق ::
- إنضم
- 29 أكتوبر 2007
- المشاركات
- 9,059
- الكنية
- أبو فراس
- التخصص
- فقه
- المدينة
- جدة
- المذهب الفقهي
- مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
كتاب الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد
تأليف: مصطفى أحمد الزرقا
عرض ودراسة القاضي الشهيد
عبد القادر عودة
هذه إحدى المقالات النادرة للقاضي الشهيد عبد القادر عودة، يقدم فيها للقراء كتاب العلامة الفقيه مصطفى أحمد الزرقا "الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد"، وحين تقرأ التقديم تعرف القاضي الشهيد حقًا.. ترى كيف يكون العلماء الفقهاء حقًا، كيف يُقدر العالمُ الفقيه البحثَ العلمي العميق حق قدره.تأليف: مصطفى أحمد الزرقا
عرض ودراسة القاضي الشهيد
عبد القادر عودة
وكيف يقدمه للقراء بعد دراسة عميقة، وكيف يعرضه بموضوعية وإنصاف، في إعجاب بيِّن، وحماسة صادقة، لا يقدر على مثل ذلك إلا العلماء حقًا، وها هو نص المقال نضعه بين يدي القراء الكرام. عبد الحليم الكناني
"كان هذا العنوان أمنية فأصبح حقيقة، كان أمنية تهوى إليها النفوس وتهفو إليها القلوب، فأصبح حقيقةً ماثلة بين دفتي كتاب يستطيع كل قارئ أن ينالها وأن يستمتع بجمالها.
وقبل هذا الكتاب كان عشاق الفقه الإسلامي يحاولون أن ينالوه فلا يستطيع أن يناله منهم إلا البعض وقليل ما هم؛ لأن الفقه اعتصم من طالبيه في المتون وتحصن في الشروح، واستعصى على طلابه في اللغة المغلقة والأسلوب العقيم.
وكان كل من له إلمام بالفقه الإسلامي، وكل من عانى من قراءة كتب الفقه الإسلامي يود أن توطأ للناس كتب الفقه حتى يتيسر لهم قراءتها، وتسهل عليهم دراستها، وحتى يستطيعوا أن يوازنوا بين الفقه الحديث وبين الفقه الإسلامي العتيد، ذلك الفقه الغني بموضوعاته ونظرياته واصطلاحاته المتميز بدقته وقوته، ليكون لهم من هذه الموازنة ما يزيد ثقافتهم ويوسع آفاقهم، ويفتح أعينهم ويوجههم إلى الطريق المستقيم.
هذه المشاكل التي كانت تواجه عشاق الفقه الإسلامي والدعاة إليه قد حلّها كتاب، وتلك الأماني التي كانت تجيش بها صدورهم قد حققها كتاب، والكتاب الذي حلَّ المشاكل فأحسن حلها، وحقق الأماني فأحسن تحقيقها هو كتاب الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد، الذي اتخذنا اسمه عنوانًا لهذا المقال.
وإذا صحَّ أن الكتاب يُقرأ من عنوانه، فهذا الكتاب في نظري أول كتاب يدل عليه عنوانه حق الدلالة ويعبر عنه كل التعبير، إنَّ عنوانه هو الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد، وكل عبارة من عباراته، وكل فقرة من فقراته، وكل صفحة من صفحاته هي الفقه الإسلامي في أسلوبٍ جديد وعرض جديد وتنظيم جديد وتوجيه جديد، أو هو الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد كما شاءت الدقة والإحاطة لمؤلفه أن يُسميه.
والكتاب سلسلة كتبٍ ظهر منها حتى الآن: المدخل الفقهي العام، وكتاب الحق والالتزام والأموال والأشخاص، وكتاب عقد البيع، ولا يزال المؤلف يعد كتابَ نظرية الالتزام في الفقه الإسلامي، وطريقة المؤلف في الإخراج تدل على أنه سيضيف إلى السلسلة عددًا آخر من الكتب.
ولقد وقع في يدي كتابَ المدخل الفقهي العام فوجدت شيئًا جديدًا وعملاً جليلاً، فأما أنه شيء جديد فإنّ الفقه الإسلامي لم يجرِ رجاله على هذه الطريقة الحديثة التي جرى عليها المؤلف، ولم يأخذوا بذلك التقسيم العصري الذي أخذ به؛ حيث تؤصل المسائل، وتعرض الكليات، وتبسط النظريات، وتشرح المصطلحات، ثم تستخرج الفروع من أصولها أو تُردُّ الجزئيات إلى كلياتها أو تطبق النظريات على موضوعاتها فيخرج الدارس من دراسته، وقد ألمَّ بالكليات والنظريات، وتماسكت في ذهنه المسائل، وارتبطت الفروع بالأصول، واستفاد القدرة على حل المشاكل والتمييز بين المتشابه.
وأما أنه عمل جليل فلأنه عمل غير مسبوق؛ ولأنه يقتضي من صاحبه فهمًا وعقلاً وجهدًا وصبرًا حتى يصل إلى ما وصل إليه المؤلف من مستوى رفيع، لا يصل إليه عادةً إلا النابهون بعد أن تمهد لهم الطرق ويسبقهم الرواد، فإذا ما وصل المؤلف إلى ما وصل إليه بعد أن شقَّ طريقه في الصخر، وكان الرائد لنفسه ولغيره فتلك هي العبقرية الفذة، أو هو فضل الله يؤتيه مَن يشاء والله ذو الفضل العظيم.
ولقد ساعد المؤلف على الوصول إلى ما وصل إليه أنه رجل ذو هدف في الحياة، وأنه من أصحاب المثل العليا الذين يعملون ويقولون لوجه الله، فأمده الله جل شأنه بعونه ورزقه الفهم لدينه وشريعته.
ويلوح أن المؤلف قد عانى من مرارة الاطلاع على كتب الفقه ما عانى فأخذ على نفسه أن يُوطئ الفقه لطلابه، ثم رأى الفقه الإسلامي في ترتيبه وتبويبه وربط فروعه بأصوله متأخرًا قرونًا عن الفقه الحديث، فأخذ على نفسه أن ينقل الفقهَ الإسلامي عبر هذه القرون الطويلة نقلةً واحدة ليلحقه بالفقه الحديث فوفقه الله إلى ما أراد فوطأ الفقه الإسلامي لكل طالب، ونقله بخطوة واحدة جبارة من العصر العباسي إلى عصرنا الحديث، فإذا هذا الفقه الغني القوي الذي كان ملتفًا في ثوبه العتيق القديم يخرج على الناس في ثوبه الجديد فتيًّا مشرقًا يزاحم الفقه كله بمنكبيه، ويعلن للناس أنَّ فقه الإسلام هو الفقه وأنَّ شريعته هي الشريعة، وأن ما اختاره الله للناس هو الخير كل الخير للناس لو كانوا يعلمون.
والمؤلف الجليل يعلم وهو يقدم على هذا العمل الجليل أنه يُقدم على عملٍ أجلّ وأعظم من أن يقوم به فرد، وأنَّ هذا العمل يقتضي أن تتعاون عليه جهودُ جماعةٍ من الأساتذة العلماء المطلعين على الفقه الإسلامي والحقوق الحديثة في مصادرها وأساليبها الأجنبية، ولكن الحاجة الملحة إلى السرعة ومسابقة الزمن قضت بأن يقدم على حمل هذا العبء الثقيل الذي ينوء بالعصبة أولي القوة مستمدًا من الله العون.
ولقد أمدَّه الله بعونه فوفقه إلى أن يخرج كتابًا جامعًا لأصول الفقه الإسلامي والنظريات العامة التي تُبنى عليها الأحكام في لغة قوية تسيل عذوبةً ورقةً، وفي تنسيق دقيق وترتيب بديع وربط للفروع بالأصول وسلسلة منطقية للنظريات والأحكام.
ولقد كان هذا الكتاب أولَ الكتب التي تنقص المكتبة الإسلامية، وهو بعد وجوده أول الكتب التي ستبنى عليها النهضة الفقهية الإسلامية، فدارس الفقه الإسلامي في حاجة شديدة إلى هذا الكتاب ليعرف الأسس التي يقوم عليها الفقه، ولتتربط في ذهنه بعض هذه الأسس بالبعض الآخر، ويتوجه بعد ذلك في دراسته توجهًا سليمًا.
وأهم ما في الكتاب أن طلبة كلية الحقوق في العالم الإسلامي يستطيعون قراءته فلا يشعرون أنهم يقرأون شيئًا غريبًا عليهم ولا بعيدًا عنهم، بل لعلهم سيجدون بقراءته من اللذة العلمية والتعمق الفقهي ودقة التعبير اللغوي والاصطلاحي ما يجعلهم يفضلونه على غيره من كتب القانون التي تترجم ولا تؤلف، بل لعلهم يجدون فيه من الفن والروح ما لم يجدوه في كتاب آخر.
وقد استطاع المؤلف في سهولة ويسر بما وهبه الله من قوة الفهم وعمق الفقه أن يعرض النظريات الإسلامية العامة كما تعرض النظريات القانونية، وأن يصل كل كلية بفروعها، وأن يستخرج من الفروع كلياتها معتمدًا في عمله على المذهب الحنفي، وإن كان يوازن في بعض المسائل بين المذاهب الإسلامية ولا ينسى في أكثر الأحوال أن يوازن بين حكم الشريعة والقوانين السورية.
والكتاب بعد ذلك مرتب ترتيبًا منطقيًا، فالقسم الأول منه يتكلم عن الفقه ومصادره والترتيب التاريخي لهذه المصادر وتطور الفقه والأدوار التي مرَّ بها ومميزاته في كل دور.
والقسم الثاني يتناول النظريات الأساسية العامة: نظرية الملكية وما يدخل تحتها من أسباب الملكية وتقسيم الملك وخصائص الملكية، ونظرية العقود وما يدخل تحتها من تكوين العقد والإرادة وشوائبها وآثار العقود والفسخ والبطلان وغير ذلك مما تتناوله عادة الكتب القانونية، ثم نظرية الأهلية والولاية.. إلخ، وهكذا يسير الكتاب من نظرية إلى نظرية فلا يترك نظرية حتى يوفيها حقها من البحث، ويوفي ما يدخل تحتها من فروع حقها من البحث.
ومؤلف الكتاب لا ينسى أن يذكر بجوار المصطلح الإسلامي المصطلحَ القانوني ويبين الفرق بينهما في دقة التسمية وليوسع بذلك معلومات القارئ وينبه ذهنه إلى الموازنة والتعمق في الفهم.
والمؤلف الجليل الذي بذل هذا المجهود العظيم وأخرج هذا الكتاب الكريم هو الأستاذ الشيخ مصطفى أحمد الزرقا أستاذ الحقوق المدنية والشريعة الإسلامية في كلية الحقوق بدمشق.
ولعلَّ هذا التوفيق الذي لازم الشيخ في إخراج كتابه يرجع أولاً إلى حُسن صلة الشيخ بالله، فما يُوفَّق هذا التوفيق إلا رجل يسدد الله خطاه، ويرجع ثانيًا إلى ما أفاء الله على الشيخ مصطفى من فضل الجمع بين دراسة الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية، وكل ذلك ساعد الشيخ على أن يحلق في هذا الأفق العالي وأن يقدم للإسلام والمسلمين أجل الخدمات بهذا الكتاب القيم، جزى الله الشيخ عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، ونفعنا بعلمه وأمده بالقوة وكتب له التوفيق إنه سميع مجيب.
http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=9680&SecID=343