الجهة الرابعة:
مما يعرف به مقصد الشارع: السكوت عن شرع التسبب أو عن شرعية العمل مع قيام المعنى المقتضي له..[/quote]
يقول الشاطبي رحمه الله:
والجهة الرابعة مما يعرف به مقصد الشارع:
السكوت عن شرع التسبب أو عن شرعية العمل مع قيام المعنى المقتضى له.
وبيان ذلك:
أن سكوت الشارع عن الحكم على ضربين:
أحدهما: أن يسكت عنه لأنه لا داعية له تقتضيه ولا موجب يقدر لأجله كالنوازل التي حدثت بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم فإنها لم تكن موجودة ثم سكت عنها مع وجودها وإنما حدثت بعد ذلك فاحتاج أهل الشريعة إلى النظر فيها وإجرائها على ما تقرر فى كلياتها.
وما أحدثه السلف الصالح:
راجع إلى هذا القسم كجمع المصحف وتدوين العلم وتضمين الصناع وما أشبه ذلك مما لم يجر ذكر في زمن رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم تكن من نوازل زمانه ولا عرض للعمل بها موجب يقتضيها.
فهذا القسم:
جارية فروعه على أصوله المقررة شرعا بلا إشكال فالقصد الشرعي فيها معروف من الجهات المذكورة قبل.
والثاني: أن يسكت عنه وموجبه المقتضى له قائم فلم يقرر فيه حكم عند نزول النازلة زائد على ما كان في ذلك الزمان.
فهذا الضرب:
السكوت فيه كالنص على أن قصد الشارع أن لا يزاد فيه ولا ينقص.
لأنه:
لما كان هذا المعنى الموجب لشرع الحكم العملي موجودا ثم لم يشرع الحكم دلالة عليه كان ذلك صريحا في أن الزائد على ما كان هنالك بدعة زائدة ومخالفة لما قصده الشارع إذ فهم من قصده الوقوف عندما حد هنالك لا الزيادة عليه ولا النقصان منه.
ومثال هذا:
سجود الشكر في مذهب مالك وهو الذي قرر هذا المعنى في العتبية من سماع أشهب وابن نافع قال فيها وسئل مالك: عن الرجل يأتيه الأمر يحبه فيسجد لله عز و جل شكرا؟
فقال: لا يفعل ليس هذا مما مضى من أمر الناس.
قيل له: إن أبا بكر الصديق فيما يذكرون سجد يوم اليمامة شكرا لله أفسمعت ذلك.
قال: ما سمعت ذلك وأنا أرى أن قد كذبوا على أبي بكر وهذا من الضلال أن يسمع المرء الشيء فيقول هذا شيء لم أسمع له خلافا.
فقيل له: إنما نسألك لنعلم رأيك فنرد ذلك به.
فقال: نأتيك بشيء آخر أيضا لم تسمعه مني قد فتح على رسول الله صلى الله عليه و سلم وعلى المسلمين بعده؛ أفسمعت أن أحدا منهم فعل مثل هذا إذا جاءك مثل هذا مما قد كان لناس وجرى على أيديهم لا يسمع عنهم في شيء فعليك بذلك لأنه لو كان لذكر لأنه من أمر الناس الذي قد كان فيهم فهل سمعت أن أحدا منهم سجد فهذا إجماع إذا جاءك أمر لا تعرفه فدعه."
هذا تمام الرواية وقد احتوت على فرض سؤال والجواب عنه بما تقدم
وتقرير السؤال أن يقال في البدع مثلا:
"إنها فعل ما سكت الشارع عن فعله أو ترك ما أذن في فعله."
أو تقول:
1 - فعل ما سكت الشارع عن الإذن فيه.
2- أو ترك ما أذن في فعله.
3- أو أمر خارج عن ذلك.
فالأول:
كسجود الشكر عن مالك حيث لم يكن ثم دليل على فعله والدعاء بهيئة الاجتماع في أديار الصلوات والاجتماع للدعاء بعد العصر يوم عرفة في غير عرفات.
والثاني:
كالصيام مع ترك الكلام ومجاهدة النفس بترك مأكولات معينة.
والثالث:
كإيجاب شهرين متتابعين في الظهار لواجد الرقبة.
وهذا الثالث: مخالف للنص الشرعي فلا يصح بحال فكونه بدعة قبيحة بين.
وأما الضربان الأولان:
وهما في الحقيقة فعل أو ترك لما سكت الشارع عن فعله أو تركه
ثم أورد الشاطبي سؤالا طويلاً لمن اعتبر هذين الضربين فقال بلسانهم:
فمن أين يعلم مخالفتهما لقصد الشارع أو أنهما مما يخالف المشروع وهما لم يتواردا مع المشروع على محل واحد.
بل هما في المعنى كالمصالح المرسلة والبدع إنما أحدثت لمصالح يدعيها أهلها ويزعمون أنها غير مخالفة لقصد الشارع ولا لوضع الأعمال.
أما القصد فمسلم بالفرض.
وأما الفعل فلم يشرع الشارع فعلا نوقض بهذا العمل المحدث ولا تركا لشيء فعله هذا المحدث كترك الصلاة وشرب الخمر بل حقيقته أنه أمر مسكوت عنه عند الشارع والمسكوت من الشارع لا يقتضى مخالفة ولا يفهم للشارع قصدا معينا دون ضده وخلافه.
فإذا كان كذلك:
رجعنا إلى النظر في وجوه المصالح فما وجدنا فيه مصلحة قبلناه إعمالا للمصالح المرسلة وما وجدنا فيه مفسدة تركناه إعمالا للمصالح أيضا وما لم نجد فيه هذا ولا هذا فهو كسائر المباحات إعمالا للمصالح المرسلة أيضا فالحاصل أن كل محدثة يفرض ذمها تساوي المحدثة المحمودة فى المعنى فما وجه ذم هذه ومدح هذه ولا نص يدل على مدح ولا ذم على الخصوص؟
فأجابهم الشاطبي فقال:
وتقرير الجواب:
ما ذكره مالك: وأن السكوت عن حكم الفعل أو الترك هنا إذا وجد المعنى المقتضى للفعل أو الترك إجماع من كل ساكت على أن لا زائد على ما كان.
وهو غاية في تحصيل هذا المعنى.
قال ابن رشد: الوجه في ذلك أنه لم يره مما شرع في الدين يعنى سجود الشكر لا فرضا ولا نفلا إذ لم يأمر بذلك النبي صلى الله عليه و سلم ولا فعله ولا أجمع المسلمون على اختيار فعله والشرائع لا تثبت إلا من أحد هذه الوجوه.
قال: واستدلاله على أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يفعل ذلك ولا المسلمون بعده بأن ذلك لو كان لنقل صحيح إذ لا يصح أن تتوفر دواعي المسلمين على ترك نقل شريعة من شرائع الدين وقد أمروا بالتبليغ.
قال: وهذا أصل من الأصول وعليه يأتي إسقاط الزكاة من الخضر والبقول مع وجوب الزكاة فيها بعموم قول النبي صلى الله عليه و سلم: ( فيما سقت السماء والعيون والبعل العشر وفيما سقى بالنضح نصف العشر)
لأنا نزلنا:
ترك نقل أخذ النبي صلى الله عليه و سلم الزكاة منها كالسنة القائمة في أن لا زكاة فيها
فكذلك:
ننزل ترك نقل السجود عن النبي صلى الله عليه و سلم في الشكر كالسنة القائمة في أن لا سجود فيه.
ثم حكى خلاف الشافعي والكلام عليه .
والمقصود من المسألة:
توجيه مالك لها من حيث إنها بدعة لا توجيه أنها بدعة على الإطلاق([1]).
وعلى هذا النحو:
جرى بعضهم في تحريم نكاح المحلل وأنها بدعة منكرة من حيث وجد في زمانه عليه الصلاة و السلام المعنى المقتضى للتخفيف والترخيص للزوجين بإجازة التحليل ليراجعا كما كانا أول مرة وأنه لما لم يشرع ذلك مع حرص امرأة رفاعة على رجوعها إليه دل على أن التحليل ليس بمشروع لها ولا لغيرها.
وهو أصل صحيح إذا اعتبر وضح به الفرق بين ما هو من البدع وما ليس منها.
ودل:
على أن وجود المعنى المقتضى مع عدم التشريع دليل على قصد الشارع إلى عدم الزيادة على ما كان موجودا قبل فإذا زاد الزائد ظهر أنه مخالف لقصد الشارع فبطل.
ـــــــــــــــــــــــــ
يقول الشيخ عبد الله دراز في أحد تعاليقه:
"وأنت ترى أصل الكلام عاما في العادي والعبادي، ولكنه ساق الكلام في هذا القسم مساق الخاص بقسم العبادة، وهو الذي يقال فيه: بدعة وغير بدعة.
وقال الشاطبي في الاعتصام بعد أن نقل أكثر كلامه في هذه المسألة:
أما في العاديات فمسلَّم، ولا نسلم أن ما نحن فيه – يعني الدعاء على هيئة الاجتماع عقب الصلوات – من العاديات، بل من العبادات، ولا يصح أن يقال فيما فيه تعبد: إنه مختلف فيه على قولين: هو على المنع أم هو على الإباحة، بل هو أمر زائد على المنع...ولو سلم أنه من قبيل العاديات أو من قبيل ما يعقل معناه فلا يصح العمل به أيضا لأن ترك العمل به من النبي صلى الله عليه وسلم في جميع عمره وترك السلف الصالح له على توالي أزمنتهم قد تقدم أنه نص في الترك."
ــــــــــــــ
علَّق د. أحمد الريسوني على هذا الجهة التعريفية بمقاصد الشرع:
وواضح أن هذا المسلك من مسالك معرفة المقاصد، يتعلق بصفة خاصة بمجال العبادات.
وبصفة أخص بمجال الابتداع في الدين وعباداته. حيث إنه بتنصيصه على هذه القاعدة، إنما يريد ضرب البدع، وإغلاق الباب أمام زحفها على العبادات وحدودها وسننها.
وقد اتكأ على هذه القاعدة، وهو يتصدى للبدع وللمبتدعة في كتابه الاعتصام، وذلك عند رده المطول على شيخه أبي سعيد بن لب، حيث أعاد هناك ما قاله في "الموافقات" بنصه تقريبا.
وواضح أيضا، أن هذا المسلك أضيق مجالا، بالنسبة للمسالك الأخرى، ولهذا فهو أقل أهمية.
ومن هنا أهمله الشيخ ابن عاشور، فلم يقل به، بل لم يذكره حتى عندما لخص كلام الشاطبي في طرق معرفة المقاصد.
وهذا نص تلخيصه أورده لوجازته "إن مقصد الشارع يعرف من جهات:
إحداها: مجرد الأمر والنهي، الابتدائي التصريحي، فإن الأمر كان أمرا لاقتضائه الفعل.
فوقوع الفعل عنده مقصود للشارع. وكذلك النهي في اقتضاء الكف.
الثانية: اعتبار علل الأمر والنهي، كالنكاح لمصلحة التناسل. والبيع لمصلحة الانتفاع بالمبيع.
الثالثة: أن للشارع في شرح الأحكام مقاصد أصلية ومقاصد تابعة. فمنها منصوص عليه. ومنها مشار إليه، ومنها ما استقري من المنصوص فاستدللنا بذلك على أن كل ما لم ينص عليه مما ذلك شأنه هو مقصود للشارع...انتهى حاصل كلامه".
يقول الريسوني:
ولا أظن أن عدم ذكره للمسلك الرابع، أو الجهة الرابعة - حسب لفظ الشافعي – إنما هو لعدم انتباهه إليه، نظرا لتأخره في كلام الشاطبي، كما ظن ذلك الدكتور عبد المجيد النجار. فهذا احتمال بعيد، خاصة وأن الشيخ ابن عاشور كان بصدد التأليف في المقاصد، بل كان يكتب في المسألة نفسها، وهي : "طرق إثبات المقاصد" فلا يعقل ألا يكمل قراءة كتاب المقاصد وخاتمته. فالأظهر أنه أهملا عمدا، استقلالا منها لأهميته."
قال أبو فراس:
يبدو لي وجاهة التقييدات التي ذكرها د. الريسوني فهي جهة تعريفية خاصة بباب العبادات وخاصة أيضا بباب الابتداع فيه.
وهي بذلك لا تكون معرفة لقصد الشارع، وإنما مانعة للفهم الخطأ عن الشارع، ولذا فإن إيراد الشاطبي لها كأحد الجهات التعريفية لمقاصد الشريعة فيه شيء من التوسع، فهي –إن صح أنها جهة تعريفية فهي قاصرة على باب محدود من الشريعة – وإلا فالظاهر أنها قاعدة يعرف بها خطأ من ابتدع شيئا من الدين هذا فحسب.
أما كونها جهة تعريفية لمقاصد الشريعة فيبعد هذا اللهم إلا في المسائل المعينة التي تنطبق عليها القاعدة، فنعرف بها المعاني المبتدعة التي نجزم بعدم قصد الشارع لها، وهي تكون بذلك جهة تعريفية سلبية أي نعرف بها عدم قصد الشارع لهذا الأمور المعينة، هذا والله أعلم.
([1]) يقول الشيخ عبد الله دراز: أي مقصود المؤلف من نقل ما ذكر عنه في السؤال والجواب معرفة طريقته في توجيه وبيان معنى كونها بدعة، يعني ليأخذ منه القاعدة العامة التي يريد تأصيلها هنا، وهو أن البدعة ما كان المقتضي لها موجودا في زمانه صلى الله عليه وسلم ولم يشرع لها حكما زائدا، فيعلم أن السكوت دليل على أن قصده الوفوف عند هذا الحد، وليس غرض المؤلف العناية ببيان أن سجود الشكر بدعة، بل الذي يعنيه هو طريقة مالك في بيان بدعيتها، وكأن هذا شبه تبرؤ من تأييد كونها بدعة للأحاديث الواردة في سجوده شكراً.
قراءة في كلام الشاطبي رحمه الله في تقرير هذه القاعدة
تعرض الشاطبي رحمه الله لهذه القاعدة في كتابيه "الموافقات" و"الاعتصام" وفي كل كتاب كان الدافع لذكرها معنى غير الآخر:
ففي "الموافقات":
ذكرها في سياق ذكره للجهات التي يعرف منها مقصد الشارع فكانت هذه القاعدة تشكل الجهة الرابعة والأخيرة لهذه الجهات التعريفية بمقصد الشارع، وإليك نص كلام الشاطبي في صياغة هذه القاعدة:
" السكوت عن شرع التسبب أو عن شرعية العمل مع قيام المعنى المقتضى له."
ثم قسم رحمه الله سكوت الشارع عن الحكم إلى قسمين اثنين:
القسم الأول: أن يسكت عنه لأنه لا داعية له تقتضيه ولا موجب يقدر لأجله كالنوازل
وهذا القسم حكم عليه بأنه يحتاج " أهل الشريعة إلى النظر فيها وإجرائها على ما تقرر في كلياتها."
ثم أرجع إلى هذا القسم ما أحدثه السلف الصالح:
من جمع المصحف وتدوين العلم وتضمين الصناع.
وبما أن ذكر الشاطبي لهذه القاعدة كان من أجل التعرفة بمقاصد الشارع:
فإنه بين رحمه الله أن هذا القسم "جارية فروعه على أصوله المقررة شرعا بلا إشكال فالقصد الشرعي فيها معروف من الجهات المذكورة قبل."
وحينئذ يكون هذا القسم:
من ناحية الجهة التعريفية بمقاصد الشرع لا يتفرع من هذه القاعدة وإنما من الجهات الأخرى التي سبق للشاطبي أن بينها.
ونستفيد من هذا القسم أيضاً:
أن سكوت الشارع عن هذا القسم لا يكون دليلا على بدعيته لأنه لا داعية له تقتضيه ولا موجب له فهو من باب النوازل
ثم ذكر رحمه لله القسم الثاني:
"وهو أن يسكت عنه وموجبه المقتضى له قائم فلم يقرر فيه حكم عند نزول النازلة زائد على ما كان في ذلك الزمان.
فهذا الضرب:
السكوت فيه كالنص على أن قصد الشارع أن لا يزاد فيه ولا ينقص.
لأنه:
لما كان هذا المعنى الموجب لشرع الحكم العملي موجودا ثم لم يشرع الحكم دلالة عليه كان ذلك صريحا في أن الزائد على ما كان هنالك بدعة زائدة ومخالفة لما قصده الشارع إذ فهم من قصده الوقوف عندما حد هنالك لا الزيادة عليه ولا النقصان منه."
قال أبو فراس:
وهذا القسم الذي حسم الشاطبي رأيه فيه وأنه من قبيل البدع المحدثة يلتقي تماما مع رأي ابن تيمية رحمه الله في إحدى سياقاته في صياغة هذه القاعدة.
وبهذا نجد أن هناك اتفاقا جلياً بين هذين الإمامين في استعمال هذه القاعدة في إبطال البدع المحدثة.
ثم نقل الشاطبي عن الإمام مالك طريقة استدلاله على عدم مشروعية "سجود الشكر" - مقطوع النظر عن حكم سجود الشكر من حيث هو أو عن خلاف أهل العلم في المسألة -، وإنما المقصود هو بيان مأخذ الإمام مالك في عدم مشروعية "سجود الشكر"، إذ قال الإمام مالك رحمه الله:
"إذا جاءك مثل هذا مما قد كان لناس وجرى على أيديهم لا يسمع عنهم في شيء فعليك بذلك لأنه لو كان لذكر لأنه من أمر الناس الذي قد كان فيهم فهل سمعت أن أحدا منهم سجد فهذا إجماع إذا جاءك أمر لا تعرفه فدعه."
ثم نقل الشاطبي عن ابن رشد:
تقريره لطريقة الإمام مالك في عدم شرعية "سجود الشكر"
ثم قال الشاطبي:
والمقصود من المسألة:توجيه مالك لها من حيث إنها بدعة لا توجيه أنها بدعة على الإطلاق.
ثم اعتبر الشاطبي هذه القاعدة":
أصل صحيح إذا اعتبر وضح به الفرق بين ما هو من البدع وما ليس منها.
ودل:
على أن وجود المعنى المقتضى مع عدم التشريع دليل على قصد الشارع إلى عدم الزيادة على ما كان موجودا قبل فإذا زاد الزائد ظهر أنه مخالف لقصد الشارع فبطل.
كلام الشاطبي في الاعتصام:
الشاطبي في الاعتصام بعد أن نقل أكثر كلامه الذي ذكره في "الموافقات" وسبق نقله عنه،
قال في سياق رده المطول على شيخه أبي سعيد بن لب:
"ما في العاديات فمسلَّم، ولا نسلم أن ما نحن فيه – يعني الدعاء على هيئة الاجتماع عقب الصلوات – من العاديات، بل من العبادات، ولا يصح أن يقال فيما فيه تعبد: إنه مختلف فيه على قولين: هو على المنع أم هو على الإباحة، بل هو أمر زائد على المنع... ولو سلم أنه من قبيل العاديات أو من قبيل ما يعقل معناه فلا يصح العمل به أيضا لأن ترك العمل به من النبي صلى الله عليه وسلم في جميع عمره وترك السلف الصالح له على توالي أزمنتهم قد تقدم أنه نص في الترك."
محاولة لفك إشكال ربما يعرض لمن قرأ كلام الشاطبي السابق والذي حددنا بالتظليل:
والإشكال واضح: وهو أن الشاطبي أقحم في هذه القاعدة الأمور العادية جنبا إلى جنب مع أمور العبادات، وحكم على المسألتين بحكم واحد، ولا يخفى الفرق بينهما:
وأظن والله أعلم أن هذا تنزلا من الشاطبي رحمه الله ولهذا عبَّر بقوله: "ولو سلِّم"، ومراده رحمه الله أن: الدعاء بهيئة الاجتماع عقب الصلوات لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا السلف الصالح على توالي أزمنتهم فهو أمر محدث سواء سموه عبادة أو عادة، فقد تركه الأولون وأحدثه المتأخرون.
---------------------
خلاصة كلام الشاطبي رحمه الله:
استعمل هذه القاعدة في إبطال البدع المحدثة كما استعملها ابن تيمية رحمه الله.
زاد الشاطبي رحمه الله في استعمال هذه القاعدة ضمن الوجوه التعريفية بمقاصد الشارع.
لم يبدو لي أي إشكال ظاهر في استعمال الشاطبي رحمه الله لهذه القاعدة، بل هو ملتئم تماما
حسب ما يظهر لي
مع الأصول السلفية.
والله أعلم وأحكم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ