العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

مدارسة لقاعدة: ما تركه صلى الله عليه وسلم مع قيام المقتضي له ولا مانع منه ففعله بدعة

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمين.
في هذا الموضوع نتدارس إن شاء الله كلام أهل العلم في قاعدة:
ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم في زمانه مع قيام المقتضي له وعدم وجود المانع ففعله بعده بدعة.
نسأل الله عز وجل أن يعيننا وأن يلهمنا الصواب ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ـــــــــــــــــــــــــ
نبدأ بنقل كلام الإمامين ابن تيمية وأبي إسحاق الشاطبي:

أولاً:ابن تيمية رحمه الله:
يقول ابن تيمية رحمه الله في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم:
"والضابط في هذا والله أعلم أن يقال:
"إن الناس لا يحدثون شيئا إلا لأنهم يرونه مصلحة ... فما رآه الناس مصلحة نظر في السبب المحوج إليه :
فإن كان السبب المحوج إليه أمرا حدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم من غير تفريط منا، فهنا قد يجوز إحداث ما تدعو الحاجة إليه.
وكذلك:
إن "كان المقتضي لفعله قائما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكن تركه النبي صلى الله عليه وسلم لمعارض زال بموته.
وأما:
ما لم يحدث سبب يحوج إليه.
أو كان السبب المحوج إليه بعض ذنوب العباد.
فهنا لا يجوز الإحداث ، فكل أمر يكون المقتضي لفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم موجودا ، لو كان مصلحة ولم يفعل ، يعلم أنه ليس بمصلحة .
وأما ما حدث المقتضي له بعد موته من غير معصية الخالق فقد يكون مصلحة .
ثم هنا للفقهاء طريقان :
أحدهما : أن ذلك يفعل ما لم ينه عنه، وهذا قول القائلين بالمصالح المرسلة.
والثاني : أن ذلك لا يفعل إن لم يؤمر به : وهو قول من لا يرى إثبات الأحكام بالمصالح المرسلة ، وهؤلاء ضربان :
منهم من لا يثبت الحكم ، إن لم يدخل في لفظ كلام الشارع ، أو فعله ، أو إقراره ، وهم نفاة القياس .
ومنهم من يثبته بلفظ الشارع أو بمعناه وهم القياسيون.
فأما ما كان المقتضي لفعله موجودا لو كان مصلحة ، وهو مع هذا لم يشرعه ، فوضعه تغيير لدين الله ، وإنما دخل فيه من نسب إلى تغيير الدين ، من الملوك والعلماء والعباد ، أو من زل منهم باجتهاد....
فمثال هذا القسم : الأذان في العيدين ، فإن هذا لما أحدثه بعض الأمراء ، أنكره المسلمون لأنه بدع...ونحن نعلم أن هذا ضلالة قبل أن نعلم نهيا خاصا عنها ، أو نعلم ما فيها من المفسدة . فهذا مثال لما حدث ، مع قيام المقتضي له ، وزوال المانع لو كان خيرا .
فإن كل ما يبديه المحدث لهذا من المصلحة ، أو يستدل به من الأدلة ، قد كان ثابتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومع هذا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهذا الترك سنة خاصة ، مقدمة على كل عموم وكل قياس .
ومثال ما حدثت الحاجة إليه من البدع بتفريط من الناس : تقديم الخطبة على الصلاة في العيدين ، فإنه لما فعله بعض الأمراء أنكره المسلمون لأنه بدعة ، واعتذر من أحدثه بأن الناس قد صاروا ينفضون قبل سماع الخطبة ، وكانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينفضون حتى يسمعوا ، أو أكثرهم .
فيقال له : سبب هذا تفريطك ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطبهم خطبة يقصد بها نفعهم وتبليغهم وهدايتهم ، وأنت قصدك إقامة رياستك ، أو إن قصدت صلاح دينهم ، فلا تعلمهم ما ينفعهم ، فهذه المعصية منك لا تبيح لك إحداث معصية أخرى ، بل الطريق في ذلك أن تتوب إلى الله ، وتتبع سنة نبيه ، وقد استقام الأمر ، وإن لم يستقم فلا يسألك الله إلا عن عملك ، لا عن عملهم .
وهذان المعنيان من فهمهما انحل عنه كثير من شبه البدع الحادثة ...وعامة الأمراء إنما أحدثوا أنواعا من السياسات الجائرة من أخذ أموال لا يجوز أخذها ، وعقوبات على الجرائم لا تجوز لأنهم فرطوا في المشروع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإلا فلو قبضوا ما يسوغ قبضه ، ووضعوه حيث يسوغ وضعه ، طالبين بذلك إقامة دين الله ، لا رياسة نفوسهم ، وأقاموا الحدود المشروعة على الشريف والوضيع ، والقريب والبعيد ، متحرين في ترغيبهم وترهيبهم للعدل الذي شرعه الله -لما احتاجوا إلى المكوس الموضوعة ، ولا إلى العقوبات الجائرة ، ولا إلى من يحفظهم من العبيد والمستعبدين ، كما كان الخلفاء الراشدون ، وعمر بن عبد العزيز وغيرهم من أمراء بعض الأقاليم ."
-----------------------------
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في بيان هذه القاعدة أيضا([1]):
"بخلاف ما كان تركه لعدم مقتض أو فوات شرط أو وجود مانع وحدث بعده من المقتضيات والشروط وزوال المانع ما دلت الشريعة على فعله حينئذ كجمع القرآن في المصحف وجمع الناس في التراويح على إمام واحد وتعلم العربية وأسماء النقلة للعلم وغير ذلك ما يحتاج إليه في الدين بحيث لا تتم الواجبات أو المستحبات الشرعية إلا به وإنما تركه صلى الله عليه و سلم لفوات شرطه أو وجود مانع.
فأما ما تركه من جنس العبادات مع انه لو كان مشروعا لفعله أو أذن فيه ولفعله الخلفاء بعده والصحابة فيجب القطع بأن فعله بدعة وضلالة ويمتنع القياس في مثله وإن جاز القياس في النوع الأول وهو مثل قياس صلاة العيدين والاستسقاء والكسوف على الصلوات الخمس في أن يجعل لها أذانا وإقامة كما فعله بعض المراونية في العيدين وقياس حجرته ونحوها من مقابر الأنبياء على بيت الله في الاستلام والتقبيل ونحو ذلك من الأقيسة التي تشبه قياس الذين حكى الله عنهم أنهم قالوا إنما البيع مثل الربا."

([1]) مجموع الفتاوى - (ج 26 / ص 172)
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
ثانياً: الشاطبي:

وقد سبق سياق كلامه في الموضوع الخاص بمسالك التعرفة بمقاصد الشرع، وكانت هذه القاعدة تمثل الجهة الرابعة والأخيرة فيما ذكره الشاطبي في الموافقات من وجوه طرق التعرف على مقاصد الشرع:

http://www.mmf-4.com/vb/newreply.php?do=newreply&p=4372

يقول الشاطبي رحمه الله:

والجهة الرابعة مما يعرف به مقصد الشارع:
السكوت عن شرع التسبب أو عن شرعية العمل مع قيام المعنى المقتضى له.
وبيان ذلك:
أن سكوت الشارع عن الحكم على ضربين:
أحدهما: أن يسكت عنه لأنه لا داعية له تقتضيه ولا موجب يقدر لأجله كالنوازل التي حدثت بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم فإنها لم تكن موجودة ثم سكت عنها مع وجودها وإنما حدثت بعد ذلك فاحتاج أهل الشريعة إلى النظر فيها وإجرائها على ما تقرر فى كلياتها.
وما أحدثه السلف الصالح:
راجع إلى هذا القسم كجمع المصحف وتدوين العلم وتضمين الصناع وما أشبه ذلك مما لم يجر ذكر في زمن رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم تكن من نوازل زمانه ولا عرض للعمل بها موجب يقتضيها.
فهذا القسم:
جارية فروعه على أصوله المقررة شرعا بلا إشكال فالقصد الشرعي فيها معروف من الجهات المذكورة قبل.
والثاني: أن يسكت عنه وموجبه المقتضى له قائم فلم يقرر فيه حكم عند نزول النازلة زائد على ما كان في ذلك الزمان.
فهذا الضرب:
السكوت فيه كالنص على أن قصد الشارع أن لا يزاد فيه ولا ينقص.
لأنه:
لما كان هذا المعنى الموجب لشرع الحكم العملي موجودا ثم لم يشرع الحكم دلالة عليه كان ذلك صريحا في أن الزائد على ما كان هنالك بدعة زائدة ومخالفة لما قصده الشارع إذ فهم من قصده الوقوف عندما حد هنالك لا الزيادة عليه ولا النقصان منه.
ومثال هذا:
سجود الشكر في مذهب مالك وهو الذي قرر هذا المعنى في العتبية من سماع أشهب وابن نافع قال فيها وسئل مالك: عن الرجل يأتيه الأمر يحبه فيسجد لله عز و جل شكرا؟
فقال: لا يفعل ليس هذا مما مضى من أمر الناس.
قيل له: إن أبا بكر الصديق فيما يذكرون سجد يوم اليمامة شكرا لله أفسمعت ذلك.
قال: ما سمعت ذلك وأنا أرى أن قد كذبوا على أبي بكر وهذا من الضلال أن يسمع المرء الشيء فيقول هذا شيء لم أسمع له خلافا.
فقيل له: إنما نسألك لنعلم رأيك فنرد ذلك به.
فقال: نأتيك بشيء آخر أيضا لم تسمعه مني قد فتح على رسول الله صلى الله عليه و سلم وعلى المسلمين بعده؛ أفسمعت أن أحدا منهم فعل مثل هذا إذا جاءك مثل هذا مما قد كان لناس وجرى على أيديهم لا يسمع عنهم في شيء فعليك بذلك لأنه لو كان لذكر لأنه من أمر الناس الذي قد كان فيهم فهل سمعت أن أحدا منهم سجد فهذا إجماع إذا جاءك أمر لا تعرفه فدعه."
هذا تمام الرواية وقد احتوت على فرض سؤال والجواب عنه بما تقدم
وتقرير السؤال أن يقال في البدع مثلا:
"إنها فعل ما سكت الشارع عن فعله أو ترك ما أذن في فعله."
أو تقول:
1 - فعل ما سكت الشارع عن الإذن فيه.
2- أو ترك ما أذن في فعله.
3- أو أمر خارج عن ذلك.
فالأول:
كسجود الشكر عن مالك حيث لم يكن ثم دليل على فعله والدعاء بهيئة الاجتماع في أديار الصلوات والاجتماع للدعاء بعد العصر يوم عرفة في غير عرفات.
والثاني:
كالصيام مع ترك الكلام ومجاهدة النفس بترك مأكولات معينة.
والثالث:
كإيجاب شهرين متتابعين في الظهار لواجد الرقبة.
وهذا الثالث: مخالف للنص الشرعي فلا يصح بحال فكونه بدعة قبيحة بين.
وأما الضربان الأولان:
وهما في الحقيقة فعل أو ترك لما سكت الشارع عن فعله أو تركه
ثم أورد الشاطبي سؤالا طويلاً لمن اعتبر هذين الضربين فقال بلسانهم:
فمن أين يعلم مخالفتهما لقصد الشارع أو أنهما مما يخالف المشروع وهما لم يتواردا مع المشروع على محل واحد.
بل هما في المعنى كالمصالح المرسلة والبدع إنما أحدثت لمصالح يدعيها أهلها ويزعمون أنها غير مخالفة لقصد الشارع ولا لوضع الأعمال.
أما القصد فمسلم بالفرض.
وأما الفعل فلم يشرع الشارع فعلا نوقض بهذا العمل المحدث ولا تركا لشيء فعله هذا المحدث كترك الصلاة وشرب الخمر بل حقيقته أنه أمر مسكوت عنه عند الشارع والمسكوت من الشارع لا يقتضى مخالفة ولا يفهم للشارع قصدا معينا دون ضده وخلافه.
فإذا كان كذلك:
رجعنا إلى النظر في وجوه المصالح فما وجدنا فيه مصلحة قبلناه إعمالا للمصالح المرسلة وما وجدنا فيه مفسدة تركناه إعمالا للمصالح أيضا وما لم نجد فيه هذا ولا هذا فهو كسائر المباحات إعمالا للمصالح المرسلة أيضا فالحاصل أن كل محدثة يفرض ذمها تساوي المحدثة المحمودة فى المعنى فما وجه ذم هذه ومدح هذه ولا نص يدل على مدح ولا ذم على الخصوص؟
فأجابهم الشاطبي فقال:
وتقرير الجواب:
ما ذكره مالك: وأن السكوت عن حكم الفعل أو الترك هنا إذا وجد المعنى المقتضى للفعل أو الترك إجماع من كل ساكت على أن لا زائد على ما كان.
وهو غاية في تحصيل هذا المعنى.
قال ابن رشد: الوجه في ذلك أنه لم يره مما شرع في الدين يعنى سجود الشكر لا فرضا ولا نفلا إذ لم يأمر بذلك النبي صلى الله عليه و سلم ولا فعله ولا أجمع المسلمون على اختيار فعله والشرائع لا تثبت إلا من أحد هذه الوجوه.
قال: واستدلاله على أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يفعل ذلك ولا المسلمون بعده بأن ذلك لو كان لنقل صحيح إذ لا يصح أن تتوفر دواعي المسلمين على ترك نقل شريعة من شرائع الدين وقد أمروا بالتبليغ.
قال: وهذا أصل من الأصول وعليه يأتي إسقاط الزكاة من الخضر والبقول مع وجوب الزكاة فيها بعموم قول النبي صلى الله عليه و سلم: ( فيما سقت السماء والعيون والبعل العشر وفيما سقى بالنضح نصف العشر)
لأنا نزلنا:
ترك نقل أخذ النبي صلى الله عليه و سلم الزكاة منها كالسنة القائمة في أن لا زكاة فيها
فكذلك:
ننزل ترك نقل السجود عن النبي صلى الله عليه و سلم في الشكر كالسنة القائمة في أن لا سجود فيه.
ثم حكى خلاف الشافعي والكلام عليه .
والمقصود من المسألة:
توجيه مالك لها من حيث إنها بدعة لا توجيه أنها بدعة على الإطلاق([1]).
وعلى هذا النحو:
جرى بعضهم في تحريم نكاح المحلل وأنها بدعة منكرة من حيث وجد في زمانه عليه الصلاة و السلام المعنى المقتضى للتخفيف والترخيص للزوجين بإجازة التحليل ليراجعا كما كانا أول مرة وأنه لما لم يشرع ذلك مع حرص امرأة رفاعة على رجوعها إليه دل على أن التحليل ليس بمشروع لها ولا لغيرها.
وهو أصل صحيح إذا اعتبر وضح به الفرق بين ما هو من البدع وما ليس منها.
ودل:
على أن وجود المعنى المقتضى مع عدم التشريع دليل على قصد الشارع إلى عدم الزيادة على ما كان موجودا قبل فإذا زاد الزائد ظهر أنه مخالف لقصد الشارع فبطل.
ـــــــــــــــــــــــــ
يقول الشيخ عبد الله دراز في أحد تعاليقه:
"وأنت ترى أصل الكلام عاما في العادي والعبادي، ولكنه ساق الكلام في هذا القسم مساق الخاص بقسم العبادة، وهو الذي يقال فيه: بدعة وغير بدعة.
وقال الشاطبي في الاعتصام بعد أن نقل أكثر كلامه في هذه المسألة:
أما في العاديات فمسلَّم، ولا نسلم أن ما نحن فيه – يعني الدعاء على هيئة الاجتماع عقب الصلوات – من العاديات، بل من العبادات، ولا يصح أن يقال فيما فيه تعبد: إنه مختلف فيه على قولين: هو على المنع أم هو على الإباحة، بل هو أمر زائد على المنع...ولو سلم أنه من قبيل العاديات أو من قبيل ما يعقل معناه فلا يصح العمل به أيضا لأن ترك العمل به من النبي صلى الله عليه وسلم في جميع عمره وترك السلف الصالح له على توالي أزمنتهم قد تقدم أنه نص في الترك."
ــــــــــــــ
علَّق د. أحمد الريسوني على هذا الجهة التعريفية بمقاصد الشرع:
وواضح أن هذا المسلك من مسالك معرفة المقاصد، يتعلق بصفة خاصة بمجال العبادات.
وبصفة أخص بمجال الابتداع في الدين وعباداته. حيث إنه بتنصيصه على هذه القاعدة، إنما يريد ضرب البدع، وإغلاق الباب أمام زحفها على العبادات وحدودها وسننها.
وقد اتكأ على هذه القاعدة، وهو يتصدى للبدع وللمبتدعة في كتابه الاعتصام، وذلك عند رده المطول على شيخه أبي سعيد بن لب، حيث أعاد هناك ما قاله في "الموافقات" بنصه تقريبا.
وواضح أيضا، أن هذا المسلك أضيق مجالا، بالنسبة للمسالك الأخرى، ولهذا فهو أقل أهمية.
ومن هنا أهمله الشيخ ابن عاشور، فلم يقل به، بل لم يذكره حتى عندما لخص كلام الشاطبي في طرق معرفة المقاصد.
وهذا نص تلخيصه أورده لوجازته "إن مقصد الشارع يعرف من جهات:
إحداها: مجرد الأمر والنهي، الابتدائي التصريحي، فإن الأمر كان أمرا لاقتضائه الفعل.
فوقوع الفعل عنده مقصود للشارع. وكذلك النهي في اقتضاء الكف.
الثانية: اعتبار علل الأمر والنهي، كالنكاح لمصلحة التناسل. والبيع لمصلحة الانتفاع بالمبيع.
الثالثة: أن للشارع في شرح الأحكام مقاصد أصلية ومقاصد تابعة. فمنها منصوص عليه. ومنها مشار إليه، ومنها ما استقري من المنصوص فاستدللنا بذلك على أن كل ما لم ينص عليه مما ذلك شأنه هو مقصود للشارع...انتهى حاصل كلامه".
يقول الريسوني:
ولا أظن أن عدم ذكره للمسلك الرابع، أو الجهة الرابعة - حسب لفظ الشافعي – إنما هو لعدم انتباهه إليه، نظرا لتأخره في كلام الشاطبي، كما ظن ذلك الدكتور عبد المجيد النجار. فهذا احتمال بعيد، خاصة وأن الشيخ ابن عاشور كان بصدد التأليف في المقاصد، بل كان يكتب في المسألة نفسها، وهي : "طرق إثبات المقاصد" فلا يعقل ألا يكمل قراءة كتاب المقاصد وخاتمته. فالأظهر أنه أهملا عمدا، استقلالا منها لأهميته."
قال أبو فراس:
يبدو لي وجاهة التقييدات التي ذكرها د. الريسوني فهي جهة تعريفية خاصة بباب العبادات وخاصة أيضا بباب الابتداع فيه.
وهي بذلك لا تكون معرفة لقصد الشارع، وإنما مانعة للفهم الخطأ عن الشارع، ولذا فإن إيراد الشاطبي لها كأحد الجهات التعريفية لمقاصد الشريعة فيه شيء من التوسع، فهي –إن صح أنها جهة تعريفية فهي قاصرة على باب محدود من الشريعة – وإلا فالظاهر أنها قاعدة يعرف بها خطأ من ابتدع شيئا من الدين هذا فحسب.
أما كونها جهة تعريفية لمقاصد الشريعة فيبعد هذا اللهم إلا في المسائل المعينة التي تنطبق عليها القاعدة، فنعرف بها المعاني المبتدعة التي نجزم بعدم قصد الشارع لها، وهي تكون بذلك جهة تعريفية سلبية أي نعرف بها عدم قصد الشارع لهذا الأمور المعينة، هذا والله أعلم.

([1]) يقول الشيخ عبد الله دراز: أي مقصود المؤلف من نقل ما ذكر عنه في السؤال والجواب معرفة طريقته في توجيه وبيان معنى كونها بدعة، يعني ليأخذ منه القاعدة العامة التي يريد تأصيلها هنا، وهو أن البدعة ما كان المقتضي لها موجودا في زمانه صلى الله عليه وسلم ولم يشرع لها حكما زائدا، فيعلم أن السكوت دليل على أن قصده الوفوف عند هذا الحد، وليس غرض المؤلف العناية ببيان أن سجود الشكر بدعة، بل الذي يعنيه هو طريقة مالك في بيان بدعيتها، وكأن هذا شبه تبرؤ من تأييد كونها بدعة للأحاديث الواردة في سجوده شكراً.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
فؤاد يحيى هاشم;4373 قال:
أولاً:ابن تيمية رحمه الله:
يقول ابن تيمية رحمه الله في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم:
"والضابط في هذا والله أعلم أن يقال:
"إن الناس لا يحدثون شيئا إلا لأنهم يرونه مصلحة ... فما رآه الناس مصلحة نظر في السبب المحوج إليه :
فإن كان السبب المحوج إليه أمرا حدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم من غير تفريط منا، فهنا قد يجوز إحداث ما تدعو الحاجة إليه.
وكذلك:
إن "كان المقتضي لفعله قائما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكن تركه النبي صلى الله عليه وسلم لمعارض زال بموته.
وأما:
ما لم يحدث سبب يحوج إليه.
أو كان السبب المحوج إليه بعض ذنوب العباد.
فهنا لا يجوز الإحداث ، فكل أمر يكون المقتضي لفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم موجودا ، لو كان مصلحة ولم يفعل ، يعلم أنه ليس بمصلحة .
وأما ما حدث المقتضي له بعد موته من غير معصية الخالق فقد يكون مصلحة .
ثم هنا للفقهاء طريقان :
أحدهما : أن ذلك يفعل ما لم ينه عنه، وهذا قول القائلين بالمصالح المرسلة.
والثاني : أن ذلك لا يفعل إن لم يؤمر به : وهو قول من لا يرى إثبات الأحكام بالمصالح المرسلة ، وهؤلاء ضربان :
منهم من لا يثبت الحكم ، إن لم يدخل في لفظ كلام الشارع ، أو فعله ، أو إقراره ، وهم نفاة القياس .
ومنهم من يثبته بلفظ الشارع أو بمعناه وهم القياسيون.
فأما ما كان المقتضي لفعله موجودا لو كان مصلحة ، وهو مع هذا لم يشرعه ، فوضعه تغيير لدين الله ، وإنما دخل فيه من نسب إلى تغيير الدين ، من الملوك والعلماء والعباد ، أو من زل منهم باجتهاد....
فمثال هذا القسم : الأذان في العيدين ، فإن هذا لما أحدثه بعض الأمراء ، أنكره المسلمون لأنه بدع...ونحن نعلم أن هذا ضلالة قبل أن نعلم نهيا خاصا عنها ، أو نعلم ما فيها من المفسدة . فهذا مثال لما حدث ، مع قيام المقتضي له ، وزوال المانع لو كان خيرا .
فإن كل ما يبديه المحدث لهذا من المصلحة ، أو يستدل به من الأدلة ، قد كان ثابتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومع هذا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهذا الترك سنة خاصة ، مقدمة على كل عموم وكل قياس .
ومثال ما حدثت الحاجة إليه من البدع بتفريط من الناس : تقديم الخطبة على الصلاة في العيدين ، فإنه لما فعله بعض الأمراء أنكره المسلمون لأنه بدعة ، واعتذر من أحدثه بأن الناس قد صاروا ينفضون قبل سماع الخطبة ، وكانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينفضون حتى يسمعوا ، أو أكثرهم .
فيقال له : سبب هذا تفريطك ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطبهم خطبة يقصد بها نفعهم وتبليغهم وهدايتهم ، وأنت قصدك إقامة رياستك ، أو إن قصدت صلاح دينهم ، فلا تعلمهم ما ينفعهم ، فهذه المعصية منك لا تبيح لك إحداث معصية أخرى ، بل الطريق في ذلك أن تتوب إلى الله ، وتتبع سنة نبيه ، وقد استقام الأمر ، وإن لم يستقم فلا يسألك الله إلا عن عملك ، لا عن عملهم .
وهذان المعنيان من فهمهما انحل عنه كثير من شبه البدع الحادثة ...وعامة الأمراء إنما أحدثوا أنواعا من السياسات الجائرة من أخذ أموال لا يجوز أخذها ، وعقوبات على الجرائم لا تجوز لأنهم فرطوا في المشروع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإلا فلو قبضوا ما يسوغ قبضه ، ووضعوه حيث يسوغ وضعه ، طالبين بذلك إقامة دين الله ، لا رياسة نفوسهم ، وأقاموا الحدود المشروعة على الشريف والوضيع ، والقريب والبعيد ، متحرين في ترغيبهم وترهيبهم للعدل الذي شرعه الله -لما احتاجوا إلى المكوس الموضوعة ، ولا إلى العقوبات الجائرة ، ولا إلى من يحفظهم من العبيد والمستعبدين ، كما كان الخلفاء الراشدون ، وعمر بن عبد العزيز وغيرهم من أمراء بعض الأقاليم ."
-----------------------------
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في بيان هذه القاعدة أيضا([1]):
"بخلاف ما كان تركه لعدم مقتض أو فوات شرط أو وجود مانع وحدث بعده من المقتضيات والشروط وزوال المانع ما دلت الشريعة على فعله حينئذ كجمع القرآن في المصحف وجمع الناس في التراويح على إمام واحد وتعلم العربية وأسماء النقلة للعلم وغير ذلك ما يحتاج إليه في الدين بحيث لا تتم الواجبات أو المستحبات الشرعية إلا به وإنما تركه صلى الله عليه و سلم لفوات شرطه أو وجود مانع.
فأما ما تركه من جنس العبادات مع انه لو كان مشروعا لفعله أو أذن فيه ولفعله الخلفاء بعده والصحابة فيجب القطع بأن فعله بدعة وضلالة ويمتنع القياس في مثله وإن جاز القياس في النوع الأول وهو مثل قياس صلاة العيدين والاستسقاء والكسوف على الصلوات الخمس في أن يجعل لها أذانا وإقامة كما فعله بعض المراونية في العيدين وقياس حجرته ونحوها من مقابر الأنبياء على بيت الله في الاستلام والتقبيل ونحو ذلك من الأقيسة التي تشبه قياس الذين حكى الله عنهم أنهم قالوا إنما البيع مثل الربا."

([1]) مجموع الفتاوى - (ج 26 / ص 172)


قراءة في كلام ابن تيمية رحمه الله في تقرير هذه القاعدة

ابن تيمية رحمه الله له عدة سياقات في ذكر هذه القاعدة:

السياق الأول:

أجاب ابن تيمية رحمه الله في معرض رده على من يحدث أنواعاً من البدع محتجاً بأنها مصالح مرسلة:
فقال رحمه الله:
إنه لا يحدث أحدٌ شيئا إلا وهو يظن أنها مصلحة
ثم أرجع رحمه الله النظر في المصلحة إلى:
"السبب المحوج إليه"
واشترط في هذا السبب المحوج إلى المصلحة أمرين اثنين:
1- أن يكون أمرا حدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
2- وأن يكون من غير تفريط منا.
فإذا توفر هذان الشرطان في السبب الذي أحوج إلى المصلحة فإنه هنا:
"قد يجوز إحداث ما تدعو الحاجة إليه."
ثم تابع رحمه الله ذكر تفاصيل الصور الأخرى والتي سبق نقلها بتمامها.
والذي يبدو لي بشكل واضح من سياق كلام ابن تيمية رحمه الله في هذا الموضع:
أنه يردُّ على من احتج بالمصالح على إحداث البدع، فناقشه ابن تيمية رحمه الله في هذه المصالح من جهة معارضة كونها مصلحة إما لكونها لو كانت مصلحة لسارع إليها النبي صلى الله عليه وسلم مع قيام المقتضي لها وعدم المانع منها، وإما لكون هذه المصلحة متوهمة سببها تفريط الناس ، ومعصية الخالق سبحانه وتعالى.
ثم انتهى معهم إلا أن المصلحة إذا لم يكن مقتضاها قائما في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أو قام وثمة مانع، فإن هذه المصلحة قد يجوز إحداثها وأرجع الخلاف فيها إلى المسألة الأصولية المعروفة بالمصالح المرسلة واختلاف أهل العلم في اعتبارها على مسالك شتى.
وكتلخيص لسير ابن تيمية رحمه الله في عرض هذه القاعدة نقول:
- احتج بعض الناس على ما أحدثوه من البدع بدعوى "المصلحة".
- أجابهم ابن تيمية بأنه لا يحدث أحدٌ شيئا إلا وهو يظن أنها مصلحة.
- أن هذه المصلحة متوهمة لأن مقتضاها قام في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله مع عدم وجود المانع.
- أن من أسباب توهم هذه المصالح هو تفريط الناس ، ومعصيتهم الخالق سبحانه.
- أن المصلحة إذا لم يقم مقتضاها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أو قام وثمة مانع منها فإنه قد يجوز فعلها، ويرجع الخلاف فيها إلى المسألة الأصولية: دليل الاستصلاح أو المصالح المرسلة.
وبهذا نعرف:
أن مدخل ابن تيمية رحمه الله لهذه المسالة هو دعوى المخالف في ما أحدثه من البدع أنها "مصلحة" فناقشه ابن تيمية رحمه الله حسب دعواه.
فلما انتهى من تفنيد دعواه ، تكلم عن ما قد يجدّ من المصالح الحقيقية لا المتوهمة وأرجع الخلاف فيها إلى مسألة المصالح المرسلة.
وفائدة هذا التكرير أن نعرف:
أن ابن تيمية رحمه الله تناول المصلحة من جهتين:
1- مصلحة متوهمة صبغت بها بعض البدع المحدثة، وهذه نقضها وفنَّدها بالقاعدة.
2- مصلحة حقيقية أو قد تكون حقيقية، وهذه أرجع الخلاف فيها إلى الخلاف الأصولي في المصالح المرسلة.
فهو بهذا:
فرز المصالح الحقيقية من المصالح المتوهمة.
ونجده كذلك: استعمل القاعدة في تبديع المحدث من العبادات، ولم يستعملها في تشريع المحدث من المصالح غيرها، وإنما أحالها إلى المسألة الأصولية: المصالح المرسلة والخلاف فيها.
ــــــــــــــــــــــــــ


السياق الثاني:

هذا مثال آخر عن ابن تيمية في استعماله لهذه القاعدة في مورد آخر وهو معنى السنة فبين رحمه الله أن السنة هي ما قامت لأدلة الشرعية على أنها طاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، سواء فعله النبي صلى الله عليه وسلم أو لم يفعله لعدم قيام المقتضي أو لوجود المانع.
قال أبو فراس:
فهنا نجد استعمالا صحيحا لهذه القاعدة لا يرد عليه شيء فيما يبدو.
وإليك نص كلامه:
يقول ابن تيمية رحمه الله في بعض رسائله([1]):
"وهذا باب واسع قد بسطناه في غير هذا الموضع وميزنا بين السنة والبدعة وبينا أن السنة هي ما قام الدليل الشرعي عليه بأنه طاعة لله ورسوله سواء فعله رسول الله أو فعل على زمانه أو لم يفعله ولم يفعل على زمانه لعدم المقتضى حينئذ لفعله أو وجود المانع منه."

ـــــــــــــــــــــــــــــــ


السياق الثالث:

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في بيان هذه القاعدة أيضا في معرض إنكاره على بعض البدع الشنيعة التي أنكرها الأئمة([2]):
" - والترك الراتب سنة كما أن الفعل الراتب سنة
- بخلاف ما كان تركه لعدم مقتض أو فوات شرط أو وجود مانع وحدث بعده من المقتضيات والشروط وزوال المانع ما دلت الشريعة على فعله حينئذ كجمع القرآن في المصحف وجمع الناس في التراويح على إمام واحد وتعلم العربية وأسماء النقلة للعلم وغير ذلك ما يحتاج إليه في الدين بحيث لا تتم الواجبات أو المستحبات الشرعية إلا به وإنما تركه صلى الله عليه و سلم لفوات شرطه أو وجود مانع.
فأما ما تركه من جنس العبادات مع انه لو كان مشروعا لفعله أو أذن فيه ولفعله الخلفاء بعده والصحابة فيجب القطع بأن فعله بدعة وضلالة ويمتنع القياس في مثله وإن جاز القياس في النوع الأول وهو مثل قياس صلاة العيدين والاستسقاء والكسوف على الصلوات الخمس في أن يجعل لها أذانا وإقامة كما فعله بعض المروانية في العيدين وقياس حجرته ونحوها من مقابر الأنبياء على بيت الله في الاستلام والتقبيل ونحو ذلك من الأقيسة التي تشبه قياس الذين حكى الله عنهم أنهم قالوا {إنما البيع مثل الربا}."
قلت: وهذا كلام آخر من ابن تيمية مستضاء بنور من الله سبحانه وتعالى، وكأنه رحمه الله كان يأخذ العلم إلهاما، ونقول جاهدين في تلخيص كلامه رحمه الله:
يفرق ابن تيمية رحمه الله بين أمرين اثنين:
1- ما كان من جنس العبادات:
فترك النبي صلى الله عليه وسلم العمل الذي هو من جنس العبادات لهو دليل على أنه ليس بمشروع، إذ لو كان مشروعا لفعله أو أذن فيه إذ الترك الرتب سنة كما أن الفعل الراتب سنة.
ونلاحظ في هذا النوع أن ابن تيمية رحمه الله لم يقيده بألا يكون مقتضاه لم يقع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أو وقع مقتضاه وثَّم مانع دونه.
لأن أمور العبادات أمور توقيفية ينظر فيها إلى النص فقط، ولا حاجة إلى إعمال قاعدة رياضية ذهنية في ما لم يقم مقتضاه أو قام وثم مانع: هل كان يفعله أو لا يفعله؟
كما منع ابن تيمية رحمه الله في هذا النوع القياسَ وشدَّد فيه.
كما قطع رحمه الله بأن الإحداث في هذا النوع بدعة وضلالة.
2- ما دلت الشريعة على فعله: وإنما تركه عليه الصلاة والسلام لعدم مقتض أو فوات شرط أو وجود مانع.
وبين ابن تيمية رحمه الله أن من هذا النوع ما يحتاج إليه في الدين بحيث لا تتم الواجبات أو المستحبات الشرعية إلا به
ومثل له رحمه الله:
بـ "جمع القرآن في المصحف وجمع الناس في التراويح على إمام واحد وتعلم العربية وأسماء النقلة للعلم وغير ذلك."
كما أجاز رحمه الله القياس في هذا النوع.
ــــــــــــــــــــــــــ

السياق الرابع:

يقول شيخ الإسلام في المولد([3]):
"فإن هذا لم يفعله السلف ، مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه لو كان خيرًا .
ولو كان هذا خيرًا محضا ، أو راجحًا لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا ، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا له منا ، وهم على الخير أحرص ."
نجد أن ابن تيمية رحمه الله في هذا الموضع يستعمل هذه القاعدة في نفي خيرية الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لو كان خيرا لفعله عليه الصلاة والسلام مع قيام المقضي له وانتفاء المانع منه.
فهي تندرج في استعمال القاعدة في السياق المبطل للبدع المحدثة.
ــــــــــــــــــــــــــ

خلاصة كلام ابن تيمية رحمه الله في هذه القاعدة حسب النقولات السابقة:
إيقاف العبادات على النص، وأن المحدث منها من جنس البدع.
أن من طرق بيان بدعية هذه الأنواع استعمال القاعدة السابقة.
أن باب المصالح من غير العبادات منه ما هو طاعة محققة، ومنه ما يحتاج في النظر فيه إلى كلام أهل العلم في المصالح المرسلة.
ولم نقف في خلال سياق كلام ابن تيمية رحمه الله في سائر الموارد على أية إشكال يرد على أصول المدرسة السلفية.
ونجد كذلك: أن ابن تيمية رحمه الله استعمل هذه القاعدة في سياقات متعددة ، وصاغ هذه القاعدة في كل سياق بحسب ما يناسبه، وأنه لا يصح جمع كلامه في سائر الموارد وتفريغه في قاعدة واحدة وذلك للاختلاف الواقع بين هذه السياقات في الشروط والأحكام، هذا والله أعلم.

([1])مجموع الفتاوى - (ج 21 / ص 317)

([2])مجموع الفتاوى - (ج 26 / ص 172)

([3])اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
الجهة الرابعة:
مما يعرف به مقصد الشارع: السكوت عن شرع التسبب أو عن شرعية العمل مع قيام المعنى المقتضي له..[/quote]


يقول الشاطبي رحمه الله:
والجهة الرابعة مما يعرف به مقصد الشارع:
السكوت عن شرع التسبب أو عن شرعية العمل مع قيام المعنى المقتضى له.
وبيان ذلك:
أن سكوت الشارع عن الحكم على ضربين:
أحدهما: أن يسكت عنه لأنه لا داعية له تقتضيه ولا موجب يقدر لأجله كالنوازل التي حدثت بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم فإنها لم تكن موجودة ثم سكت عنها مع وجودها وإنما حدثت بعد ذلك فاحتاج أهل الشريعة إلى النظر فيها وإجرائها على ما تقرر فى كلياتها.
وما أحدثه السلف الصالح:
راجع إلى هذا القسم كجمع المصحف وتدوين العلم وتضمين الصناع وما أشبه ذلك مما لم يجر ذكر في زمن رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم تكن من نوازل زمانه ولا عرض للعمل بها موجب يقتضيها.
فهذا القسم:
جارية فروعه على أصوله المقررة شرعا بلا إشكال فالقصد الشرعي فيها معروف من الجهات المذكورة قبل.
والثاني: أن يسكت عنه وموجبه المقتضى له قائم فلم يقرر فيه حكم عند نزول النازلة زائد على ما كان في ذلك الزمان.
فهذا الضرب:
السكوت فيه كالنص على أن قصد الشارع أن لا يزاد فيه ولا ينقص.
لأنه:
لما كان هذا المعنى الموجب لشرع الحكم العملي موجودا ثم لم يشرع الحكم دلالة عليه كان ذلك صريحا في أن الزائد على ما كان هنالك بدعة زائدة ومخالفة لما قصده الشارع إذ فهم من قصده الوقوف عندما حد هنالك لا الزيادة عليه ولا النقصان منه.
ومثال هذا:
سجود الشكر في مذهب مالك وهو الذي قرر هذا المعنى في العتبية من سماع أشهب وابن نافع قال فيها وسئل مالك: عن الرجل يأتيه الأمر يحبه فيسجد لله عز و جل شكرا؟
فقال: لا يفعل ليس هذا مما مضى من أمر الناس.
قيل له: إن أبا بكر الصديق فيما يذكرون سجد يوم اليمامة شكرا لله أفسمعت ذلك.
قال: ما سمعت ذلك وأنا أرى أن قد كذبوا على أبي بكر وهذا من الضلال أن يسمع المرء الشيء فيقول هذا شيء لم أسمع له خلافا.
فقيل له: إنما نسألك لنعلم رأيك فنرد ذلك به.
فقال: نأتيك بشيء آخر أيضا لم تسمعه مني قد فتح على رسول الله صلى الله عليه و سلم وعلى المسلمين بعده؛ أفسمعت أن أحدا منهم فعل مثل هذا إذا جاءك مثل هذا مما قد كان لناس وجرى على أيديهم لا يسمع عنهم في شيء فعليك بذلك لأنه لو كان لذكر لأنه من أمر الناس الذي قد كان فيهم فهل سمعت أن أحدا منهم سجد فهذا إجماع إذا جاءك أمر لا تعرفه فدعه."
هذا تمام الرواية وقد احتوت على فرض سؤال والجواب عنه بما تقدم
وتقرير السؤال أن يقال في البدع مثلا:
"إنها فعل ما سكت الشارع عن فعله أو ترك ما أذن في فعله."
أو تقول:
1 - فعل ما سكت الشارع عن الإذن فيه.
2- أو ترك ما أذن في فعله.
3- أو أمر خارج عن ذلك.
فالأول:
كسجود الشكر عن مالك حيث لم يكن ثم دليل على فعله والدعاء بهيئة الاجتماع في أديار الصلوات والاجتماع للدعاء بعد العصر يوم عرفة في غير عرفات.
والثاني:
كالصيام مع ترك الكلام ومجاهدة النفس بترك مأكولات معينة.
والثالث:
كإيجاب شهرين متتابعين في الظهار لواجد الرقبة.
وهذا الثالث: مخالف للنص الشرعي فلا يصح بحال فكونه بدعة قبيحة بين.
وأما الضربان الأولان:
وهما في الحقيقة فعل أو ترك لما سكت الشارع عن فعله أو تركه
ثم أورد الشاطبي سؤالا طويلاً لمن اعتبر هذين الضربين فقال بلسانهم:
فمن أين يعلم مخالفتهما لقصد الشارع أو أنهما مما يخالف المشروع وهما لم يتواردا مع المشروع على محل واحد.
بل هما في المعنى كالمصالح المرسلة والبدع إنما أحدثت لمصالح يدعيها أهلها ويزعمون أنها غير مخالفة لقصد الشارع ولا لوضع الأعمال.
أما القصد فمسلم بالفرض.
وأما الفعل فلم يشرع الشارع فعلا نوقض بهذا العمل المحدث ولا تركا لشيء فعله هذا المحدث كترك الصلاة وشرب الخمر بل حقيقته أنه أمر مسكوت عنه عند الشارع والمسكوت من الشارع لا يقتضى مخالفة ولا يفهم للشارع قصدا معينا دون ضده وخلافه.
فإذا كان كذلك:
رجعنا إلى النظر في وجوه المصالح فما وجدنا فيه مصلحة قبلناه إعمالا للمصالح المرسلة وما وجدنا فيه مفسدة تركناه إعمالا للمصالح أيضا وما لم نجد فيه هذا ولا هذا فهو كسائر المباحات إعمالا للمصالح المرسلة أيضا فالحاصل أن كل محدثة يفرض ذمها تساوي المحدثة المحمودة فى المعنى فما وجه ذم هذه ومدح هذه ولا نص يدل على مدح ولا ذم على الخصوص؟
فأجابهم الشاطبي فقال:
وتقرير الجواب:
ما ذكره مالك: وأن السكوت عن حكم الفعل أو الترك هنا إذا وجد المعنى المقتضى للفعل أو الترك إجماع من كل ساكت على أن لا زائد على ما كان.
وهو غاية في تحصيل هذا المعنى.
قال ابن رشد: الوجه في ذلك أنه لم يره مما شرع في الدين يعنى سجود الشكر لا فرضا ولا نفلا إذ لم يأمر بذلك النبي صلى الله عليه و سلم ولا فعله ولا أجمع المسلمون على اختيار فعله والشرائع لا تثبت إلا من أحد هذه الوجوه.
قال: واستدلاله على أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يفعل ذلك ولا المسلمون بعده بأن ذلك لو كان لنقل صحيح إذ لا يصح أن تتوفر دواعي المسلمين على ترك نقل شريعة من شرائع الدين وقد أمروا بالتبليغ.
قال: وهذا أصل من الأصول وعليه يأتي إسقاط الزكاة من الخضر والبقول مع وجوب الزكاة فيها بعموم قول النبي صلى الله عليه و سلم: ( فيما سقت السماء والعيون والبعل العشر وفيما سقى بالنضح نصف العشر)
لأنا نزلنا:
ترك نقل أخذ النبي صلى الله عليه و سلم الزكاة منها كالسنة القائمة في أن لا زكاة فيها
فكذلك:
ننزل ترك نقل السجود عن النبي صلى الله عليه و سلم في الشكر كالسنة القائمة في أن لا سجود فيه.
ثم حكى خلاف الشافعي والكلام عليه .
والمقصود من المسألة:
توجيه مالك لها من حيث إنها بدعة لا توجيه أنها بدعة على الإطلاق([1]).
وعلى هذا النحو:
جرى بعضهم في تحريم نكاح المحلل وأنها بدعة منكرة من حيث وجد في زمانه عليه الصلاة و السلام المعنى المقتضى للتخفيف والترخيص للزوجين بإجازة التحليل ليراجعا كما كانا أول مرة وأنه لما لم يشرع ذلك مع حرص امرأة رفاعة على رجوعها إليه دل على أن التحليل ليس بمشروع لها ولا لغيرها.
وهو أصل صحيح إذا اعتبر وضح به الفرق بين ما هو من البدع وما ليس منها.
ودل:
على أن وجود المعنى المقتضى مع عدم التشريع دليل على قصد الشارع إلى عدم الزيادة على ما كان موجودا قبل فإذا زاد الزائد ظهر أنه مخالف لقصد الشارع فبطل.
ـــــــــــــــــــــــــ
يقول الشيخ عبد الله دراز في أحد تعاليقه:
"وأنت ترى أصل الكلام عاما في العادي والعبادي، ولكنه ساق الكلام في هذا القسم مساق الخاص بقسم العبادة، وهو الذي يقال فيه: بدعة وغير بدعة.
وقال الشاطبي في الاعتصام بعد أن نقل أكثر كلامه في هذه المسألة:
أما في العاديات فمسلَّم، ولا نسلم أن ما نحن فيه – يعني الدعاء على هيئة الاجتماع عقب الصلوات – من العاديات، بل من العبادات، ولا يصح أن يقال فيما فيه تعبد: إنه مختلف فيه على قولين: هو على المنع أم هو على الإباحة، بل هو أمر زائد على المنع...ولو سلم أنه من قبيل العاديات أو من قبيل ما يعقل معناه فلا يصح العمل به أيضا لأن ترك العمل به من النبي صلى الله عليه وسلم في جميع عمره وترك السلف الصالح له على توالي أزمنتهم قد تقدم أنه نص في الترك."
ــــــــــــــ
علَّق د. أحمد الريسوني على هذا الجهة التعريفية بمقاصد الشرع:
وواضح أن هذا المسلك من مسالك معرفة المقاصد، يتعلق بصفة خاصة بمجال العبادات.
وبصفة أخص بمجال الابتداع في الدين وعباداته. حيث إنه بتنصيصه على هذه القاعدة، إنما يريد ضرب البدع، وإغلاق الباب أمام زحفها على العبادات وحدودها وسننها.
وقد اتكأ على هذه القاعدة، وهو يتصدى للبدع وللمبتدعة في كتابه الاعتصام، وذلك عند رده المطول على شيخه أبي سعيد بن لب، حيث أعاد هناك ما قاله في "الموافقات" بنصه تقريبا.
وواضح أيضا، أن هذا المسلك أضيق مجالا، بالنسبة للمسالك الأخرى، ولهذا فهو أقل أهمية.
ومن هنا أهمله الشيخ ابن عاشور، فلم يقل به، بل لم يذكره حتى عندما لخص كلام الشاطبي في طرق معرفة المقاصد.
وهذا نص تلخيصه أورده لوجازته "إن مقصد الشارع يعرف من جهات:
إحداها: مجرد الأمر والنهي، الابتدائي التصريحي، فإن الأمر كان أمرا لاقتضائه الفعل.
فوقوع الفعل عنده مقصود للشارع. وكذلك النهي في اقتضاء الكف.
الثانية: اعتبار علل الأمر والنهي، كالنكاح لمصلحة التناسل. والبيع لمصلحة الانتفاع بالمبيع.
الثالثة: أن للشارع في شرح الأحكام مقاصد أصلية ومقاصد تابعة. فمنها منصوص عليه. ومنها مشار إليه، ومنها ما استقري من المنصوص فاستدللنا بذلك على أن كل ما لم ينص عليه مما ذلك شأنه هو مقصود للشارع...انتهى حاصل كلامه".
يقول الريسوني:
ولا أظن أن عدم ذكره للمسلك الرابع، أو الجهة الرابعة - حسب لفظ الشافعي – إنما هو لعدم انتباهه إليه، نظرا لتأخره في كلام الشاطبي، كما ظن ذلك الدكتور عبد المجيد النجار. فهذا احتمال بعيد، خاصة وأن الشيخ ابن عاشور كان بصدد التأليف في المقاصد، بل كان يكتب في المسألة نفسها، وهي : "طرق إثبات المقاصد" فلا يعقل ألا يكمل قراءة كتاب المقاصد وخاتمته. فالأظهر أنه أهملا عمدا، استقلالا منها لأهميته."
قال أبو فراس:
يبدو لي وجاهة التقييدات التي ذكرها د. الريسوني فهي جهة تعريفية خاصة بباب العبادات وخاصة أيضا بباب الابتداع فيه.
وهي بذلك لا تكون معرفة لقصد الشارع، وإنما مانعة للفهم الخطأ عن الشارع، ولذا فإن إيراد الشاطبي لها كأحد الجهات التعريفية لمقاصد الشريعة فيه شيء من التوسع، فهي –إن صح أنها جهة تعريفية فهي قاصرة على باب محدود من الشريعة – وإلا فالظاهر أنها قاعدة يعرف بها خطأ من ابتدع شيئا من الدين هذا فحسب.
أما كونها جهة تعريفية لمقاصد الشريعة فيبعد هذا اللهم إلا في المسائل المعينة التي تنطبق عليها القاعدة، فنعرف بها المعاني المبتدعة التي نجزم بعدم قصد الشارع لها، وهي تكون بذلك جهة تعريفية سلبية أي نعرف بها عدم قصد الشارع لهذا الأمور المعينة، هذا والله أعلم.

([1]) يقول الشيخ عبد الله دراز: أي مقصود المؤلف من نقل ما ذكر عنه في السؤال والجواب معرفة طريقته في توجيه وبيان معنى كونها بدعة، يعني ليأخذ منه القاعدة العامة التي يريد تأصيلها هنا، وهو أن البدعة ما كان المقتضي لها موجودا في زمانه صلى الله عليه وسلم ولم يشرع لها حكما زائدا، فيعلم أن السكوت دليل على أن قصده الوفوف عند هذا الحد، وليس غرض المؤلف العناية ببيان أن سجود الشكر بدعة، بل الذي يعنيه هو طريقة مالك في بيان بدعيتها، وكأن هذا شبه تبرؤ من تأييد كونها بدعة للأحاديث الواردة في سجوده شكراً.



قراءة في كلام الشاطبي رحمه الله في تقرير هذه القاعدة




تعرض الشاطبي رحمه الله لهذه القاعدة في كتابيه "الموافقات" و"الاعتصام" وفي كل كتاب كان الدافع لذكرها معنى غير الآخر:



ففي "الموافقات":


ذكرها في سياق ذكره للجهات التي يعرف منها مقصد الشارع فكانت هذه القاعدة تشكل الجهة الرابعة والأخيرة لهذه الجهات التعريفية بمقصد الشارع، وإليك نص كلام الشاطبي في صياغة هذه القاعدة:


" السكوت عن شرع التسبب أو عن شرعية العمل مع قيام المعنى المقتضى له."



ثم قسم رحمه الله سكوت الشارع عن الحكم إلى قسمين اثنين:


القسم الأول: أن يسكت عنه لأنه لا داعية له تقتضيه ولا موجب يقدر لأجله كالنوازل


وهذا القسم حكم عليه بأنه يحتاج " أهل الشريعة إلى النظر فيها وإجرائها على ما تقرر في كلياتها."


ثم أرجع إلى هذا القسم ما أحدثه السلف الصالح:


من جمع المصحف وتدوين العلم وتضمين الصناع.


وبما أن ذكر الشاطبي لهذه القاعدة كان من أجل التعرفة بمقاصد الشارع:


فإنه بين رحمه الله أن هذا القسم "جارية فروعه على أصوله المقررة شرعا بلا إشكال فالقصد الشرعي فيها معروف من الجهات المذكورة قبل."


وحينئذ يكون هذا القسم:
من ناحية الجهة التعريفية بمقاصد الشرع لا يتفرع من هذه القاعدة وإنما من الجهات الأخرى التي سبق للشاطبي أن بينها.

ونستفيد من هذا القسم أيضاً:
أن سكوت الشارع عن هذا القسم لا يكون دليلا على بدعيته لأنه لا داعية له تقتضيه ولا موجب له فهو من باب النوازل


ثم ذكر رحمه لله القسم الثاني:



"وهو أن يسكت عنه وموجبه المقتضى له قائم فلم يقرر فيه حكم عند نزول النازلة زائد على ما كان في ذلك الزمان.


فهذا الضرب:


السكوت فيه كالنص على أن قصد الشارع أن لا يزاد فيه ولا ينقص.


لأنه:


لما كان هذا المعنى الموجب لشرع الحكم العملي موجودا ثم لم يشرع الحكم دلالة عليه كان ذلك صريحا في أن الزائد على ما كان هنالك بدعة زائدة ومخالفة لما قصده الشارع إذ فهم من قصده الوقوف عندما حد هنالك لا الزيادة عليه ولا النقصان منه."


قال أبو فراس:


وهذا القسم الذي حسم الشاطبي رأيه فيه وأنه من قبيل البدع المحدثة يلتقي تماما مع رأي ابن تيمية رحمه الله في إحدى سياقاته في صياغة هذه القاعدة.


وبهذا نجد أن هناك اتفاقا جلياً بين هذين الإمامين في استعمال هذه القاعدة في إبطال البدع المحدثة.


ثم نقل الشاطبي عن الإمام مالك طريقة استدلاله على عدم مشروعية "سجود الشكر" - مقطوع النظر عن حكم سجود الشكر من حيث هو أو عن خلاف أهل العلم في المسألة -، وإنما المقصود هو بيان مأخذ الإمام مالك في عدم مشروعية "سجود الشكر"، إذ قال الإمام مالك رحمه الله:


"إذا جاءك مثل هذا مما قد كان لناس وجرى على أيديهم لا يسمع عنهم في شيء فعليك بذلك لأنه لو كان لذكر لأنه من أمر الناس الذي قد كان فيهم فهل سمعت أن أحدا منهم سجد فهذا إجماع إذا جاءك أمر لا تعرفه فدعه."


ثم نقل الشاطبي عن ابن رشد:


تقريره لطريقة الإمام مالك في عدم شرعية "سجود الشكر"


ثم قال الشاطبي:


والمقصود من المسألة:توجيه مالك لها من حيث إنها بدعة لا توجيه أنها بدعة على الإطلاق.


ثم اعتبر الشاطبي هذه القاعدة":


أصل صحيح إذا اعتبر وضح به الفرق بين ما هو من البدع وما ليس منها.


ودل:


على أن وجود المعنى المقتضى مع عدم التشريع دليل على قصد الشارع إلى عدم الزيادة على ما كان موجودا قبل فإذا زاد الزائد ظهر أنه مخالف لقصد الشارع فبطل.


كلام الشاطبي في الاعتصام:


الشاطبي في الاعتصام بعد أن نقل أكثر كلامه الذي ذكره في "الموافقات" وسبق نقله عنه،
قال في سياق رده المطول على شيخه أبي سعيد بن لب:


"ما في العاديات فمسلَّم، ولا نسلم أن ما نحن فيه – يعني الدعاء على هيئة الاجتماع عقب الصلوات – من العاديات، بل من العبادات، ولا يصح أن يقال فيما فيه تعبد: إنه مختلف فيه على قولين: هو على المنع أم هو على الإباحة، بل هو أمر زائد على المنع... ولو سلم أنه من قبيل العاديات أو من قبيل ما يعقل معناه فلا يصح العمل به أيضا لأن ترك العمل به من النبي صلى الله عليه وسلم في جميع عمره وترك السلف الصالح له على توالي أزمنتهم قد تقدم أنه نص في الترك."


محاولة لفك إشكال ربما يعرض لمن قرأ كلام الشاطبي السابق والذي حددنا بالتظليل:
والإشكال واضح: وهو أن الشاطبي أقحم في هذه القاعدة الأمور العادية جنبا إلى جنب مع أمور العبادات، وحكم على المسألتين بحكم واحد، ولا يخفى الفرق بينهما:
وأظن والله أعلم أن هذا تنزلا من الشاطبي رحمه الله ولهذا عبَّر بقوله: "ولو سلِّم"، ومراده رحمه الله أن: الدعاء بهيئة الاجتماع عقب الصلوات لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا السلف الصالح على توالي أزمنتهم فهو أمر محدث سواء سموه عبادة أو عادة، فقد تركه الأولون وأحدثه المتأخرون.
---------------------
خلاصة كلام الشاطبي رحمه الله:
استعمل هذه القاعدة في إبطال البدع المحدثة كما استعملها ابن تيمية رحمه الله.
زاد الشاطبي رحمه الله في استعمال هذه القاعدة ضمن الوجوه التعريفية بمقاصد الشارع.
لم يبدو لي أي إشكال ظاهر في استعمال الشاطبي رحمه الله لهذه القاعدة، بل هو ملتئم تماما
حسب ما يظهر لي
مع الأصول السلفية.
والله أعلم وأحكم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
قال أبو فراس:
الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات، فبعد أن انتهينا بفضل الله وتوفيقه من قراءة ودراسة كلام الإمامين: ابن تيمية الحراني، وأبي إسحاق الشاطبي، نحاول الآن قراءة القاعدة حسب تطبيقات بعض المعاصرين وبحسب قراءتهم لها.
وقد أشكلت هذه القاعدة على كثير من طلبة العلم، وما عليك إلا أن تسأل أي متصدر لتعليم الطلبة إلا وتجده قد استقبل جملة وافرة من أسئلة وإشكالات الطلاب في هذه المسألة، وقد عانيت شخصيا من فهم هذه القاعدة في مراحل الطلب الأولى، وسألت جماعة من أهل العلم الكبار عن هذه المسألة، وقد سمعت الشيخ ابن عثيمين رحمه الله يمنع انطباق هذه القاعدة على الخط الأسود الذي كان بإزاء الكعبة.
وسمعت الشيخ سليمان العلوان يقررها بقوة، وسألت مرة الشيخ خالد بن علي المشيقح وعرضنا عليه بعض الإشكالات فقال: إنها خاصة بباب العبادات ولا تعلق لها بالوسائل، وسمعت الشيخ يوسف الغفيص يشكك في صحة تبني هذه القاعدة بعمومها ويضرب الأمثلة عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وأنه وقع له جملة من المسائل والتي قد يقال إنها تندرج في هذه القاعدة، وكنا نسأله بعد ذلك عن الفهم الصحيح لها فيقول: تحتاج إلى فقه أو نظر ... ونحو هذا الكلام.
وأذكر أن بعض زملائي من شدة اختلاط هذه المسألة عليه نقل لي عن بعض مشايخه: أن هذه القاعدة ليست لصحيحة وأن ابن تيمية ليس نبيا ولا معصوما!!
أقول:حصل هذا وأكثر بسبب ما وقع من الشطط في استعمالها مثل من اتكأ عليها في حظر بعض الوسائل الدعوية أو منع الخط الأسود الذي كان بإزاء الحجر الأسود (بغض النظر عن الحكم الشرعي له، وبغض النظر عن المفاسد التي كان يسببها هذا الخط) وإنما المقصود مأخذ من منع منها.
ومنهم من يستعملها في منع الخطوط التي تقام لتسوية الصفوف في المساجد؟
ومنهم من منع فصل مصليات النساء عن الرجال.
كل ذلك أخذاً من هذه القاعدة، وما خفي كان أدهى وأمر.
ومَنْ أجاز هذه المسائل حاول أن يجيب عن هذا الإفراط في استعمال هذه القاعدة فقال: بعدم انطباق هذه القاعدة على هذه التفريعات وأجاب بإحدى طريقتين:
الطريقة الأولى:
منَعَ من صحة إنزال هذه القاعدة على المسائل التي وقع الإفراط في تفريعها منها، وذلك لأن هذه القاعدة خاصة بأبواب العبادات فحسب.
الطريقة الثاني:
منع أن تكون شروط هذه القاعدة متوفرة في الفروع التي فرِّعت منها:
1- إما لعدم قيام المقتضي لها.
2- أو فرض وجود المانع من إقامتها.
3- أو عدم إمكان فعلها وتعذره في زمنه صلى الله عليه وسلم.
ومثال هذه الطريقة: هو منع الشيخ ابن عثيمين رحمه الله صحة انطباق هذه القاعدة على مسألة الخط الذي كان بإزاء الحجر الأسود.
أما الطريقة الأولى:
والتي حاول بعضهم أن يخرج من المأزق الذي تصوره في هذه القاعدة فخرَّجها وقصرها على العبادات فقط.
فنقول له: قد قال ابن تيمية رحمه الله:
"فإن كان السبب المحوج إليه أمرا حدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم من غير تفريط منا، فهنا قد يجوز إحداث ما تدعو الحاجة إليه."
فهل يقول أصحاب هذا التخريج:
أنه يجوز إحداث العبادات إذا لم يقم مقتضاها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أو قام المقتضي ووجد المانع؟
أقول:
انطباق هذه القاعدة على باب العبادات صحيح لكن من غير استثناء بمعنى أن نقول:
ما قام مقتضاه من العبادات في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله مع عدم وجود المانع ففعله بعده بدعة.
فتكون هذه القاعدة صحيحة في الحكم على بدعية ما انطبقت عليه من المحدثات.
لكن لا تصلح أن تكون قاعدة تشريعية للعبادات التي لم يقم مقتضاها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أو كان هناك مانع منها.
هذا جانب مهم في المسألة لمن أراد أن يقصر هذه القاعدة على باب العبادات.
أما ما ذكره أهل العلم من مسألة جمع المصحف وتدوين العلم وأسماء النقلة فهذا بابه المصالح المرسلة، ولذا فكان ذكرهم لهذه القاعدة أعم وأوسع من قصره على باب العبادات فجاز لهم بحكم التفصيل والإسهاب الذي ذكروه في هذه القاعدة – كما سبق عن ابن تيمية والشاطبي – أن يحكموا بها على البدع من وجه، وأن يجيزوا ما كان بابه المصالح المرسلة.
والسبب في عدم صحة كون هذه القاعدة قاعدة تشريعية للعبادات لمن أراد أن يستفيد من الاستثناء الموجود في القاعدة بأن لم يقم المقتضي أو كان ثمة مانع:
هو أن باب العبادات باب توقيفي، أما الترك مع عدم قيام المقتضي أو مع قيامه ووجود المانع فإن هذا أمر عدمي لا يمكن أن يخرَّج منه حكم فضلا عن تشريع العبادة.
فالقاعدة تشتمل على معنىً مباشر:
وهو: هو ترك النبي صلى الله عليه وسلم الشيء مع قيام مقتضاه وعدم وجود المانع فإن هذا الفعل لا بد أن يكون بدعة، فإن الترك الراتب كالسنة الراتبة بل هذا الترك كما يقول ابن تيمية رحمه الله: " سنة خاصة ، مقدمة على كل عموم وكل قياس."
وهذا أمر لا نزاع فيه داخل المدرسة السلفية.
ولكن قلنا ما قلنا وقوفاً على حرفية هذه القاعدة، وما قد يسببه من يتمسك بحرفيتها أو من يحاول قصرها على باب العبادات من إشكال.
فالإشكال الحقيقي عند المتأخرين في القاعدة هو أنهم أجملوها، وحملوها ما لا تحتمل، فوقعت الحيرة ومن ثَم الغلط، أما الإمامان ابن تيمية والشاطبي فوقع لهم تفصيل بيِّن في رسم هذه القاعدة.
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
ونجد أن الشيخ محمد حسين الجيزاني في كتابه "قواعد معرفة البدع" قصر هذه القاعدة على باب العبادات،فقال في صياغتها:
"إذا ترك الرسول صلى الله عليه وسلم فعل عبادة من العبادات مع كون موجبها وسببها المقتضي لها قائما ثابتا، والمانع منها منتفيا؛ فإن فعلها بدعة."
لننظر ماذا صنع في الجانب الذي وسمناه بالعدمي في القاعدة، ونثير عليه إشكالا حسب قصره هذه القاعدة على باب العبادات: وهو ما لم يقم مقتضاه أو قام مع وجود المانع.
فنجده مثَّل لهذه الصورتين :
بتركه قتال مانعي الزكاة كما في الصورة الأولى.
وبصلاة التراويح جماعة كما في الصورة الثانية.
ولهذا اعتبر هذا الترك لا يكون سنة لعدم توافر شروطه.
أقول:
معلوم أن أدلة قتال مانعي الزكاة وصلاة التراويح جماعة مأخوذة من غير هذه القاعدة، وإنما منع الشيخ من انطباق هذه القاعدة على هاتين المسألتين
وأن ترك النبي صلى الله عليه لهما لا يكون سنة تركية ولا يكون مَنْ فعلها مبتدعا
وذلك لأن الترك من النبي صلى الله عليه وسلم كان لعدم قيام المقتضي أو لوجود مانع منه.
والشاهد:
أن الشيخ لما قصر هذه القاعدة على باب العبادات ألجأه ذلك إلى أن تكون هذه القاعدة قاصرة على أمرين اثنين:
1- بيان البدعة.
2- منع تبديع ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم لعدم قيام مقتضي أو لوجود مانع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا اقتصار صحيح من الشيخ حفظه الله، وسبق أنه وقع مثله في بعض سياقات ابن تيمية رحمه الله والشاطبي:
ولكن ليت الشيخ اقتصر في تناول هذه القاعدة على النحو الذي ذكره، فإنه زاد بعد ذلك في ترتيب هذه القاعدة شرطا ثالثا أنقله من قوله:
"ويشترط في هذا المقتضي الذي يوجد بعد عهد النبي صلى الله عليه وسلم:
ألا يكون قد حدث بسبب تفريط الناس وتقصيرهم، كفعل بعض الأمراء في تقديمه الخطبة على الصلاة في العيدين.....
ثم نقل كلام ابن تيمية السابق.
وهنا مناقشة من جهتين:
الجهة الأولى: أن كلام ابن تيمية رحمه الله أعم من كلام الشيخ الجيزاني حفظه الله فابن تيمية في ذلك الموضع كان يتكلم عن المصلحة وقد صرح بذلك في أكثر من موضع في كلامه حتى ذكر الخلاف في حكم المصالح المرسلة.
أما الشيخ الجيزاني فهو قد قصر هذه القاعدة على باب العبادات، والفرق بينهما ظاهر جداً.
الجهة الثاني: أنه مع الفرق المذكور في الجهة السابقة وهو أن سياق كلام ابن تيمية رحمه الله في المصلحة بينما سياق الجيزاني حفظه الله كان قاصرا على باب العبادات
إلا أن ذكره للقيد الذي ذكره ابن تيمية رحمه الله في "المصلحة" وهو أنه يشترط في المقتضي الذي يوجد بعد عهد النبي صلى الله عليه وسلم ألا يكون قد حدث بسبب تفريط الناس وتقصيرهم أوجب إشكالاً في ترتيب صياغته الأولى.
وهنا أورد هذا السؤال:
ما دام أن الشيخ أضاف هذا الشرط إلى هذه القاعدة التي قصرها على باب العبادات فإن السؤال:
هل يجوز إحداث العبادات التي لم يقم مقتضاها في زمان النبي صلى الله عليه وسلم أو قام وثمة مانع، ولم يكن ذلك بتفريط منا؟
أما جمع المصحف، وتدوين العلم وإنشاء علوم العربية فهذه لها أدلة أكثر من الحصر، وليست من باب العبادات في شيء.
أما جمع الناس في صلاة التراويج فقد جمع بهم النبي صلى الله عليه وسلم وامتنع لسبب زال بموته عليه الصلاة والسلام.
ولكننا بحاجة إلى إجابة محددة عن السؤال السابق: وهو عن ما يجوز إحداثه من العبادات التي لم يقم مقتضاها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أو قام وثَم مانع، ولم يكن بتفريط منا؟
والجواب واضح: لا شيء، فأمور العبادة أمور توقيفية، وإنما وقع الغلط من أخذ القيد الذي اعتبره ابن تيمية رحمه الله في بعض سياقاته الأخرى.
والسؤال الثاني:
مالذي يستفيده الشيخ من هذا القيد في المسألة؟
ما دام أنه قد قصرها على باب العبادات؟
وما الأثر الذي يحدثه التفريط وعدم التفريط في باب العبادات.
يبدو أن الشيخ اختلط عليه كلام ابن تيمية وفاته أن ابن تيمية رحمه الله يذكر هذه القاعدة في أكثر من سياق وفي أكثر من مورد فلا يصح تلفيق سائر تقيداته في محل واحد، وهو هنا نقل القيد الذي ذكره ابن تيمية رحمه الله في باب المصلحة إلى المحل الذي قصر عليه القاعدة من أبواب العبادات.
تنبيه: أورد الشيخ محمد حسين الجيزاني جملة من الأسئلة والاستشكالات على هذه القاعدة وأكثرها استشكالات في باب البدعة عموما، فهي إذن ليست إشكالات داخلة في النطاق السلفي، وإنما هو في الخصام المعروف بين أهل السنة وأهل الابتداع.
والنقاش الحاصل هنا إنما هو دراسة في فهم هذه القاعدة حسب الأصول السلفية المسلَّمة.
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
والآن نورد إن شاء الله بعض الأسئلة والمناقشات لبعض المعاصرين الذين يجملون القاعدة ويفرطوا في استعمالها على الوجه المذكور سابقاً:
فنقول لهؤلاء:
اشترطتم في كون ترك النبي صلى الله عليه وسلم دليلا على البدعة ألا يكون تركه لعدم قيام مقتضاه أو قيامه مع وجود المانع، والسؤال:
ما يدرينا ما يفعل النبي صلى الله عليه وسلم لو قام مقضاها؟
فربما لم يفعل، فتكون بدعة كذلك؟
وكذلك أيضاً:
إذا وجد المانع.
فربما لو لم يوجد المانع لم يفعل أيضاً، ألا يحتمل ذلك؟
ثم :
أليست العبادات توقيفية، فما الداعي إلى هذه القاعدة حتى نخرِّج منها وجوها تجوز فيها العبادة وهو إذا لم يقم المقتضى أو قام ولم يكن ثَّمَ مانع.
وحاول بعضهم أن يوغل في الاحتياط فزاد في القيد فقال:
"وأمكن فعله" يقصد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
فنعيد عليه السؤال حرفا بحرف، ونقول:
وما يدرينا لو أمكن الفعل أنه عليه الصلاة والسلام سيفعل، ربما لم يفعل، فكيف تجيز عبادة على أمر محتمل.
والذي يبدو لي والعلم عند الله أن في المسألة أموراً ينبغي التنبه لها:
الأمر الأول: أنه لا توجد أية إشكالات حقيقية على قواعد المدرسة السلفية في هذا الباب أعني باب البدعة، أو باب الوسائل بسائر صورها وأشكالها.
الأمر الثاني: أن الإشكال الواقع لا يخرج عن أحد أمرين:
1- إما أن يكون في فهم هذه القاعدة، لاسيما ممن يحاول أن يقيِّد بهذه القاعدة المحدَّدة – بحسب فهمه لها - أصولا مسلَّمة، فهذا في حقيقته مهما كان القول في هذه القاعدة فإن أساس الخطأ راجع إلى قصور صاحبه في العلم.
2- وإما أن يكون الإشكال في القاعدة نفسها وهذا على فرض أسوء الاحتمالات، فإن القاعدة، وإن تضمنت في بعض مقدماتها أصولاً صحيحة، في ضبط الابتداع، وهو محل إجماع أيضا، إلا أنه ليس بالضرورة أن تكون على التمام في سائر قيودها لاسيما ما كان من استعمال وإجمال المتأخرين لها، فهي ليست صادرة عن معصوم حتى نتكلف محاولة نظمها مع النص المعصوم من الخطأ، فإن الاعتماد على النص أولاً وأخيرا، وهذه جادة السلف، فكيف وقد قام الإجماع على الأصول السلفية في باب السنة والبدعة وكان أمرا محسوما، والذي قصد من هذه القاعدة أن تكون مقررة لهذه الأصول.
وإنما وقع الإشكال مع هؤلاء في كيفية تخريج هذه القاعدة حسب هذه الإجماعات المسلمة لا العكس.
الأمر الثالث:
أن القاعدة اشتملت على معنىً مسلَّما عند أهل العلم، وهو إيقاف العبادات على النص.
الأمر الرابع:
أن هذه القاعدة اشتملت على معنى مفيد في ضبط أنواع من الابتداع، فيما كان بابه التوقف، وكان مقتضاه موجودا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مع عدم المانع ولم يفعله، فإنه يكون بدعة، فإن الترك الراتب كما يعبر ابن تيمية كالسنة الراتبة.
الأمر الخامس:
أن المقصود بهذه القاعدة بالأساس هو نتيجة هدمية لا بنائية وعدمية لا تشريعية.
بمعنى:
أن المقصود منها هو إفساد المسالك البدعية لا التشريع.
ولهذا فإن هجِّيرى من يستعلما هو طرح هذا السؤال:
وهو أنه قد قام مقتضاها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن ثمة مانع ومع هذا فلم يفعله عليه الصلاة، ولو كان خيرا لكان أسبق الناس إليه.
ويدل ويؤكِّد على أن المقصود من هذه القاعدة هو المعنى السلبي الهدمي لا الإيجابي التشريعي:
هو سياق استدلال أهل العلم بهذه القاعدة فهم يعتبرونها في معرض إبطال البدع لا في معرض التشريع.
وبهذا نعرف أن هذه القاعدة هي معول هدم للأصول البدعية لا بناء للأمور العبادية ولا حتى وسائلها
ولهذا نجد أن ابن تيمية رحمه الله لما استعمل هذه المسألة في باب المصلحة وفرض وقوع المصلحة من الأسباب الحادثة بعد زمن النبي صلى الله عليه وسلم من غير تفريط منا لم يقل:
فهنا تشرع العبادة
وإنما غاية أمره أنه قال:
"فهنا قد يجوز إحداث ما تدعو الحاجة إليه."
وبهذا نعرف:
أن أبواب الوسائل غير التعبدية إذا لم تكن ممنوعة فإنها راجعة في تقويمها إلى الأصول الشرعية إيحابا وسلباً.
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
ونضع هنا احتمالاً آخر، وننظر:
لو قلنا إن المقصود من هذا القاعدة: وسائل العبادات لكان مشكلا من جهة الإجمال الواقع فيها فمن وسائل العبادات ما هو عبادة في نفسها مثل الأذان، ومنه ما هو وسيلة مجردة لا دخل لها في أبواب العبادات.
وحينئذ تدور هذه القاعدة وتتردد بين معنيين مشكلين:
أحدهما: قائم على التوقف، وهو الوسائل التعبدية.
والآخر: قائم على المصلحة وهو الوسائل المجرَّدة.
قال أبو فراس:
الظاهر من أمثلة أهل العلم لهذه القاعدة نها تستعمل في عدة مواطن:
الموطن الأول: في ذم البدع ومنعها.
وعلى هذا الاستعمال فلا استثناء فيها أبدا، ولا يمكن أن يكون شيء من أمور الدين قد فات النبي صلى الله عليه وسلم بعدم قيام مقتضاه أو لوجود المانع.
الموطن الثاني: هو في التفريق بين المصالح الحقيقية من المصالح الموهومة.
ومن أمثلته كما ذكروا: جمع المصحف، وتدوين العلم
وهذا المحل هو المقصود بالاستثناء من القاعدة إلا أنه يشكل أن هذا المحل لا منع فيه أبدا
ولهذا نجد الشاطبي لما أتى على الاستثناء الواقع في هذه المسألة قال:
"فهذا القسم: جارية فروعه على أصوله المقررة شرعا بلا إشكال فالقصد الشرعي فيها معروف من الجهات المذكورة قبل."
فالشاطبي رحمه الله بعد أن أعمل الاستثناء في القاعدة وهو ما لم يقم مقتضاه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أرجع نتائج هذا الاستثناء إلى الأصول الشرعية في حكمها، وبهذا يتبين أن أحكام هذا الباب ليس هو من باب الاستثناء الخارج عن أصله وإنما باب الجائز الباقي على أصله.
ــــــــــــ
فهذه القاعدة حسب استعمال المتأخرين وإجمالهم:
تستعمل أحيانا على وجوه صحيحة لا يرد عليها شيء، كما سبق في أكثر من موطن، وأحيانا تستعمل بطريقة تكون بها قد جمعت بين متنافيين: التوقيف في العبادات وعدم التوقيف في العادات، وجمعت بين ما لا استثناء فيه وما لا منع فيه أصلا.
وأظن أن احتوائها على هذه المعاني المتنافية مع بعضها أوجب الإشكال الواقع في هذه القاعدة.
ولهذا استشكل الشيخ عبد الله درَّاز هذه القاعدة في بعض تعاليقه على كلام الشاطبي في الموافقات فقال:
"وأنت ترى أصل الكلام عاما في العادي والعبادي، ولكنه ساق الكلام في هذا القسم مساق الخاص بقسم العبادة، وهو الذي يقال فيه: بدعة وغير بدعة."
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
قلت ما قلت فإن كان صوابا فمن الله، وإن كان خطأ فمن نفسي والشيطان.
وانتظر من إخواني أن ينظروا في هذه المدراسة، وأن يسجلوا ملاحظاتهم، وأعلم أن بعض هذه التقريرات تحتاج إلى ضبط وإحكام.
فمنكم نستفيد وبالله نستعين
هو حسبنا ونعم الوكيل.
 
إنضم
4 يناير 2008
المشاركات
1,323
التخصص
طبيب تخدير
المدينة
الجيزة
المذهب الفقهي
ما وافق الدليل
بارك الله فيكم أبا فراس ، ويستدل على صحة هذه القاعدة بالأدلة الدالة على عموم اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ،والاتباع يكون في الفعل بفعل ما فعل ويكون في الترك بترك ما ترك ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ما ترك شيء يقربنا إلى الله إلا وأمرنا به فكوننا نجد شيء يقربنا إلى الله ، ولم يأمرنا به فهذا يدل على أننا مخطئون في أن هذا الشيء قربة لله أو أن هذا الشيء كان هناك مانعا من فعله كوسائل العبادات الحديثة المانع من فعلها هو عدم توافرها في عهده صلى الله عليه وسلم ،وإن قيل ربما إن كانت في عصره لم يفعلها ،يقال النصوص نهت عن الابتداع وأمرت بالاتباع ، و الاتباع في الترك يستلزم أن يكون هناك ما يمكن أن يفعل فيترك أما الشيء المحدث فلا يصدق عليه الترك ؛ لعدم إمكانية فعله ، وبالتالي لا يوجد نص بحرمة فعل الشيء المحدث فيجوز فيه الفعل والترك ، والله اعلم
 
إنضم
4 يناير 2008
المشاركات
1,323
التخصص
طبيب تخدير
المدينة
الجيزة
المذهب الفقهي
ما وافق الدليل
كلام شيخ الإسلام كان في الرد على المبتدعة ، وهذه القاعدة إنما تستخدم في الرد على المبتدعات بالمنع ،وعدم تبديع الوسائل المستحدثة بعد العصر النبوي إذا لم تعارض بنصوص الشريعة لعدم إمكانية تركه صلى الله عليه وسلم لهذه الوسائل التي اتت بعده ،و العبادات المحضة قد فرغ منها أما الوسائل فالوسائل منها ما كان في عهده ،و منها ما استحدث بعده أما الوسائل التي في عصره صلى الله عليه وسلم فإذا لم يفعلها ، ولم يبين جوازها فالمشروع تركها لعموم أدلة الاتباع ، و أما الوسائل التي كانت في عصره و لم يفعلها ، ولكن بين جوازها فهذه جائز فعلها ؛ لأن الجواز يستفاد بأي دليل من أدلة الشرع المعتبرة ، وليس شرطا في جواز الفعل أن يفعله صلى الله عليه وسلم أما الوسائل المستحدثة التي لا تعارض الشرع فالشرع لم ينهانا عن فعلها فالوسائل تتغير بتغير الأزمان والأماكن لذلك ما تفضلتم به أبا فراس أن المقصود بالقاعدة هو المعنى السلبي الهدمي لا الإيجابي التشريعي أوافقكم عليه ، جزكم الله خيرا على هذا الجهد المبارك
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
شكر الله لك أخي ربيع على إضافتك وقد حمدتُ الله على موافقتك.
نعم، هذه القواعد ينبغي النظر إليها من خلال النصوص لا النظر إلى النصوص من خلالها
هذا أمر
الأمر الآخر:
هو أنه ينبغي عند النظر إلى هذه القواعد ألا تأخذ بعمومها وشمولها مجردة، فإذا كانت النصوص الشرعية لا يصلح أن تأخذ مجردة حتى تنظر في مجموع النصوص الوردة في المسألة، وإذا كان الأصوليون قد ذكروا من شروط المجتهد أن يكون عالما بالكتاب والسنة والناسخ والمنسوخ والمجمع عليه والمختلف فيه.....
فكيف يصح بعد ذلك أن تجرد هذه القواعد، وأن نجعلها سلطانا، والمنبغي أن تفهم هذه القاعدة ضمن سياقها التي ذكرت فيه
فكثير من الإشكالات الواردة على هذه القاعدة إنما كانت من جهة تجريدها ومن جهة المبالغة في استعمالها في غير ما ذكرت فيه
ثم يترتب على هذا الغلط غلط آخر وهو الإشكال بها على المسلمات الشرعية
لكن إن تمهلنا ثم قرأناها من خلال السياق التي ذكرت فيه بتمامه فإنه لا يبدو كما سبق أي إشكال في استعمالها
نسأل الله عز وجل أن يوفقنا للعلم النافع والعمل به.
 
التعديل الأخير:
إنضم
4 يناير 2008
المشاركات
1,323
التخصص
طبيب تخدير
المدينة
الجيزة
المذهب الفقهي
ما وافق الدليل
فؤاد يحيى هاشم;5291 قال:
هذه القواعد ينبغي النظر إليها من خلال النصوص لا النظر إلى النصوص من خلالها هذا أمر
فؤاد يحيى هاشم;5291 قال:


الأمر الآخر:
هو أنه ينبغي عند النظر إلى هذه القواعد ألا تأخذ بعمومها وشمولها مجردة، فإذا كانت النصوص الشرعية لا يصلح أن تأخذ مجردة حتى تنظر في مجموع النصوص الوردة في المسألة.

ضابطان من الأهمية بمكان بارك الله لنا فيكم
 
إنضم
30 نوفمبر 2008
المشاركات
14
التخصص
لا يوجد
المدينة
مصر - محافظة الشرقية - مدينة الإبراهيمية
المذهب الفقهي
الدليل مذهبي
قاعدة مهمة، وموضوع أهم؛ بارك الله فيكم
وهذه مشاركة للمتابعة، وربما للمشاركة قريبًا إن شاء الله
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,147
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
قاعدة مهمة، وموضوع أهم؛ بارك الله فيكم
وهذه مشاركة للمتابعة، وربما للمشاركة قريبًا إن شاء الله
نسعد بانضمامك مع إخوانك الأفاضل؛ طلبة العلم الأماثل؛ في هذا الملتقى الفقهي الذي يهمه تجويد المعلومة البحثية ...
ومتابعتك تسعدنا ...
وبانتظارك مشاركاً فاعلاً؛ مفيداً ومستفيداً ...
كتب الله من الخير لإخوانك على يديك؛ ما يكون ذخراً لك وعقباً ...
 
إنضم
22 يونيو 2008
المشاركات
1,566
التخصص
الحديث وعلومه
المدينة
أبوظبي
المذهب الفقهي
الحنبلي ابتداءا
ما زلت أستشكل مقولة شيخ الإسلام :"قد يجوز إحداث ما تدعو الحاجة إليه" ... لأن المقولة إن حملت على إطلاقها في الأمور التعبدية والدنيوية، كانت مشكلة في جانب التعبديات؟ وإن حملت على الدنيوية؟ كان كلاما في غير محله ولا داعي لذكره في هذا السياق، إذ هو من الوضوح بمكان ...
أرى والله أعلم أن يقيد هذا الإحداث في الوسائل المحققة للعبادات، لا الوسائل المحققة للمقاصد ... في انتظار التوجيه
 
إنضم
11 أكتوبر 2011
المشاركات
2
التخصص
دراسات إسلامية
المدينة
طرابلس الشام
المذهب الفقهي
الحنفي
رد: مدارسة لقاعدة: ما تركه صلى الله عليه وسلم مع قيام المقتضي له ولا مانع منه ففعله بدعة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
النصح لكل مسلم .
أولا : جزاكم الله خيرا .
ثانيا : قال الأخ فؤاد بأنها مدارسة وأراء حول المسألة , ولكن مارأيته أذكرني قول الشاعر : فيك الخصام وأنت الخصم والحكم . أية مدارسة وقد أتيت بأقوال عالمين جليلين رحمهما الله تعالى , وترك عشرات أو مئات العلماء الأفاضل . إذا لم تأخذ إلا من مورد واحد تكن فقيراً ضيق الأفق . والحكمة ضالة المؤمن أنى وجداها أخذها لا تحصر بمذهب ولا أشخاص .
ثالثا : أكرر مابدأت به جزاكم الله خيرا . ولكن أرجو أن توسعوا الأفق العلمي ولا تحصروه .
 

حمزة عدنان الشركسي

:: مطـًـلع ::
إنضم
3 يونيو 2011
المشاركات
189
التخصص
اقتصاد إسلامي
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: مدارسة لقاعدة: ما تركه صلى الله عليه وسلم مع قيام المقتضي له ولا مانع منه ففعله بدعة

جزاكم الله خيرا ، وبين يدي نص للمحدث العلامة عبد الله الغماري :
إذا ترك النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم شيئاً فيحتمل وجوهاً غير التحريم:

1-أن يكون تركه عادة:قدّم إليه صلّى الله عليه وآله وسلّم ضب مشوي فمد يده الشريفة ليأكل منه فقيل:إنّه ضب,فأمسك عنه ,فسئل: أحرام هو؟ فقال:

لا ولكنّه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه!...والحديث في الصّحيحين وهو

يدل على أمرين:

أحدهما:أنّ تركه للشيء ولو بعد الإقبال عليه لا يدل على تحريمه.

والآخر:أنّ استقذار الشيء لا يدل على تحريمه أيضاً.

2-أن يكون تركه نسياناً,سها صلّى الله عليه وآله وسلّم في الصّلاة فترك منها شيئاً فسئل:هل حدث في الصّلاة شيء؟ فقال:

((إنّما أنا بشر أنسى كما تنسون ,فإذا نسيت فذكّـروني)).

3-أن يكون تركه مخافة أن يفرض على أمته,كتركه صلاة التراويح حين اجتمع الصّحابة ليصلّوها معه.

4-أن يكون تركه لعدم تفكيره فيه,ولم يخطر على باله,كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يخطب الجمعة إلى جذع نخلة ولم يفكر في عمل كرسي يقوم عليه ساعة الخطبة,فلمّا اقترح عليه عمل منبر يخطب عليه وافق وأقره لأنّه أبلغ في الإسماع.

واقترح الصحابة أن يبنوا له دكّة من طين يجلس عليها ليعرفه الوافد الغريب,فوافقهم ولم يفكر فيها من قبل نفسه.

5-أن يكون تركه لدخوله في عموم آيات أو أحاديث ,كتركه صلاة الضحى وكثيراً من المندوبات لأنّها مشمولة لقول الله تعالى((وافعلوا الخير لعلّـكم تفلحون)) وأمثال

ذلك كثـيرة.

6-أن يكون تركه خشية تغيّر قلوب الصحابة أو بعضهم: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لعائشة:

((لولا حداثة قومك بالكفر لنقضت البيت ثم لبنيته على أساس إبراهيم عليه السّلام فإنّ قريشاً استقصرت بناءه)).وهو في الصحيحين.

فترك صلّى الله عليه وآله وسلّم نقض البيت وإعادة بنائه حفظاً لقلوب أصحابه القريبـي العهد بالإسلام من أهل مكّة...ويحتمل تركه صلّى الله عليه وآله وسلّم وجوهاً أخرى تعلم من تتبع كتب السنّة,ولم يأت في حديث ولا أثر تصريح بأنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إذا ترك شيئاً كان حراماً أو مكروهاً.

ويقول أيضا رحمه الله :
ماذا يقتضي الترك؟

بيّـنا فيما سبق أن الترك لا يقتضي تحريـماً وإنما يقتضي جواز المتروك,ولهذا المعنى أورده العلماء في كتب الحديث,فروى أبو داوود والنسائي عن جابر رضي الله عنه قال:

((كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار)).

أوردوه تحت ترجمة :"ترك الوضوء مما مست النار" والاستدلال به في هذا المعنى واضح ,لأنه لو كان الوضوء مما طبخ بالنار واجباً ماتركه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحديث تركه دل على أنه غير واجب.قال الإمام أبوعبدالله التلمساني في مفتاح الوصول:

((ويلحق بالفعل في الدلالة,الترك,فإنه كما يستدل بفعله صلى الله عليه وآله وسلم على عدم التحريم يستدل بتركه على عدم الوجوب.وهذا كاحتجاج أصحابنا على عدم وجوب الوضوء مما مست النار به)),روي أنه صلى الله عليه وآله وسلم أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضّـأ,وكاحتجاجهم على أن الحجامة لا تنقض الوضوء,بما روي أنه صلى الله عليه وآله وسلم احتجم ولم يتوضّـأ وصلّى(انظر مفتاح الوصول ص93 طبعة مكتبة الخانجي) ومن هنا نشأت القاعدة الأصوليّة:
جائز الترك ليس بواجـب.

إزالة اشتباه:
قسم العلماء ترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم لشيء ما ,على نوعين:

نوع لم يوجد ما يقتضيه في عهده ثم حدث له مقتضى بعده صلّى الله عليه وآله وسلم فهذا جائز على الأصل.

وقسم تركه النبي صلّى الله عليه وآله وسلم مع وجود المقتضى لفعله في عهده,وهذا الترك يقتضي منع المتروك,لأنه لو كان فيه مصلحة شرعيّـة لفعله النبي صلّى الله عليه وآله وسلم,فحيث لم يفعله دل على أنه لا يجوز.

ومثل ابن تيمية لذلك بالأذان لصلاة العيدين الذي أحدثه بعض الأمراء وقال في تقريره :فمثل هذا الفعل تركه النبي صلّى الله عليه وآله وسلم مع وجود ما يعتقد مقتضياً له مما يمكن أن يستدل به من ابتدعه,لكونه ذكراً لله ودعاء للخلق إلى عبادة الله وبالقياس على أذان الجمعة.

فلما أمر الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم بالأذان للجمعة,وصلّى العيدين بلا أذان ولا إقامة,دل تركه على أن ترك الأذان هو السنّة,فليس لأحد أن يزيد في ذلك....الخ كلامه.

وذهب إلى هذا أيضاً الشاطبي وابن حجر الهيتمي وغيرهما,وقد اشتبهت عليهم هذه المسألة بمسألة السكوت في مقام البيان.صحيح أن الأذان في العيدين بدعة غير مشروعة,لا لأن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم تركه ولكن لأنه صلّى الله عليه وآله وسلم بيّـن في الحديث ما يعمل في العيدين ولم يذكر الأذان فدل سكوته على أنه غير مشروع.

والقاعدة:أن السكوت في مقام البيان يفيد الحصر.وإلى هذه القاعدة تشير الأحاديث التي نهت عن السؤال ساعة البيان.

روى البزار عن ابي الدرداء قال:قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم :

((ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئاً ثم تلا((وما كان ربك نسيّاً)).

قال البزار :إسناده صالح ,وصححه الحاكم.

وروى الدارقطني عن أبي ثعلبة الخشني عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم قال: إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ,وحد حدوداً فلا تعتدوها وحرّم أشياء فلا تنتهكوها وسكت عن أشياء رحمة بكم من غير نسيان فلا تبحثوا عنها)).

في هذين الحديثين إشارة واضحة إلى القاعدة المذكورة وهي غير الترك الذي هو محل بحثنا في هذه الرسالة,فخلط إحداهما بالأخرى مما لا ينبغي.

 
أعلى