رد: ما هي حدود العذر بالجهل في الأحكام الشرعية والقوانين الوضعية
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبعد:
من وجهة نظر العبد الفقير إلى الله أرى أن عارض الجهل يكون بأحد سببين
• إما بسبب الجاهل نفسه نتيجة لإعراضه عن التعلم أو لامبالاته أو ذهوله ...الخ
• أو بسبب خارج عن إرادته كمن يعيش في منفى إجباري كما كان حال المسلمين في الاتحاد السوفياتي المنحل أو سجين يمنع عنه العلم ...الخ
فإذا كان الجهل من السبب الأول فلا عذر للجاهل والله أعلم وإذا كان الجهل نتيجة للسبب الثاني فهو معذور والله أعلم
هذه المقدمة وإليك بعض التفصيل:
1- إن الله عز وجل أخبرنا بأن الكفار جهلة ومع ذلك فهم مؤاخذون
{وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} [الأنعام : 111]
{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [الأعراف : 138]
{وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} [هود : 29]
{أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [النمل : 55]
{قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} [الأحقاف : 23]
{وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [البقرة : 171]
{وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ} [المائدة : 58]
{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان : 44]
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [العنكبوت : 63]
{وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك : 10]
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا} [الكهف : 57]
{مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا} [طه : 100]
{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه : 124]
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} [السجدة : 22]
{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل : 78]
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا(103)الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا(104)أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا [الكهف102-105]
وهنا ملاحظة وهو الفرق بين بلوغ الحجة الرسالية وبين قبولها والاقتناع بها فمن بلغته الحجة أو سمع بها فهو مسؤول فهم واقتنع أمأعرض ولم يبالي فإنما دواء العي السؤال وهنا أضرب مثلاً:
هب أن ملكاً أو رئيساً أعلن في صحيفة أن على كل مواطن استمال أوراقه ليأخذ قطعة أرض يبني بها مسكناً . هل ترى الناس يعرضون عن هذا النبأ أم يسارعون بالاستفسار عن الأوراق المطلوبة والتاريخ المحدد وكل التفاصيل المتعلقة بالأمر
فإذا كان الأمر من الله جل جلاله ويتعلق بجنة عرضها السموات والأرض ونجاة من النار أعرضوا ونأوا بجانبهم ثم يدعون أنهم لم يعرفوا المطلوب.!!!
2- إن الله جل جلاله خلق لنا السمع والأبصار والقلوب لنفهم الهدى الذي أنزله إلينا ونسير على نوره فعدم استغلال هذه الحواس بالنافع وتوجيهها إلى الباطل هو من مسؤولية العبد فالذي يستغل سمعه بسماع الباطل ويعرض عن القرآن والسنة والعلم ثم يدعي الجهل لا تقبل دعواه والله أعلم وكذلك الذي يشغل بصره بالنظر إلى المحرمات والذي يشغل قلبه باتباع الهوى والخيال الفاسد:
{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء : 36]
{وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [المؤمنون : 78]
{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف : 179]
{وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} [الأعراف : 198]
َقالَ جلّ ثَنَاؤُهُ {لَهُم قُلُوب لَا يفقهُونَ بهَا وَلَهُم أعين لَا يبصرون بهَا وَلَهُم آذان لَا يسمعُونَ بهَا}
وهم بالدنيا أهل بصر وَسمع وعقل وَلم يعن أَنهم صم خرس مجانين وَإِنَّمَا عذبهم لأَنهم يعْقلُونَ لَو تدبروا مَا يرَوْنَ ماهية العقل ومعناه واختلاف الناس فيه (ص: 217)
قال القرطبي: وفي البخاريّ عنه عليه السلام: «نعمتان مغبونٌ فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ». الثالث: الإدراك بحواس السمع والبصر؛ قاله ابن عباس. وفي التنزيل: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} (الإسراء: 36). وفي الصحيح عن أبي هريرة وأبي سعيد قالا؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «يؤتى بالعبد يوم القيامة، فيقول له: ألم أجعل لك سمعاً وبصراً، ومالاً وولداً...»، الحديث. خرجه الترمذيّ وقال فيه: حديث حسن صحيح. ( تفسير القرطبي الجزء: 20 الصفحة: 174
وقال ابن كثير: وقوله: {كُلُّ أُولـئِكَ} أي هذه الصفات من السمع والبصر والفؤاد {كَانَ عَنْهُ} أي سيسأل العبد عنها يوم القيامة، وتسأل عنه عما عمل فيها، تفسير ابن كثير 5/69
وقال الشوكاني: ثم علل سبحانه النهي عن العمل بما ليس بعلم بقولـه: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} إشارة إلى الأعضاء الثلاثة، وأجريت مجرى العقلاء لما كانت مسئولة عن أحوالـها شاهدة على أصحابها. فتح القدير للشوكاني 6/22
3- إن الله جل حلاله أرسل الرسل والأنبياء والمُنذِرين للعباد علمنا نحن أم لم نعلم وقد أكد القرآن هذه الحقيقة
قال تعالى { وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر : 24]
وقال تعالى {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [النحل : 36]
وقال تعالى {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد : 7]
وقال تعالى {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} [القيامة : 36]
وقال تعالى {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ} [يونس : 47]
وقال تعالى
تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ(8)قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ(9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ(10)فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ ) [ الملك]
قال الإمام الطبري: ثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: ثنـي عبد الـملك، عن قـيس، عن مـجاهد، فـي قول الله: وَلِكُلّ قَوْمٍ هادٍ قال: نبـيّ.
قال: ثنا شبـابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: وَلِكُلّ قَوْمٍ هادٍ يعنـي: لكلّ قوم نبـيّ.
حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وَلِكُلّ قَوْمٍ هادٍ قال: نبيّ.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: ثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وَلِكُلّ قَوْمٍ هادٍ قال: نبـيّ يدعوهم إلـى الله.
حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَلِكُلّ قَوْمٍ هادٍ قال: لكلّ قوم نبـيّ، الهادي: النبـيّ صلى الله عليه وسلّم، والـمنذر أيضا: النبـيّ صلى الله عليه وسلّم. وقرأ: وَإنْ مِنْ أُمَّةٍ إلاَّ خَلا فِـيها نَذِيرٌ. وقال: نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الأُولـى قال: نبـيّ من الأنبـياء.
تفسير الطبري :13/71
وقال: يقول جلّ ثناؤه لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلّم: إنَّا أرْسَلْناكَ يا مـحمد بـالـحَقِّ وهو الإيـمان بـالله وشرائع الدين التـي افترضها علـى عبـاده بَشِيرا يقول: مُبشِّرا بـالـجنة من صدّقك وقبل منك ما جئت به من عند الله من النصيحة وَنَذِيرا تُنذر الناسَ مَنْ كذّبك وردّ علـيك ما جئت به من عند الله من النصيحة. وَإنْ مِنْ أُمَّةٍ إلاَّ خَلا فِـيها نَذِيرٌ يقول: وما من أمة من الأمـم الدائنة بـملة إلاَّ خلا فـيها من قبلك نذير ينذرهم بأسنا علـى كفرهم بـالله، كما:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وَإنْ مِنْ أُمَّةٍ إلاَّ خَلا فِـيها نَذِيرٌ كلّ أمة كان لها رسول. تفسير الطبري :22/86
وقال الإمام ابن كثير: يقول تعالى: {ذلِكَ أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ} أي إنما أعذرنا إلى الثقلين بإرسال الرسل وإنزال الكتب، لئلا يعاقب أحد بظلمه وهو لم تبلغه دعوة، ولكن أعذرنا إلى الأمم، وما عذنبا أحداً إلا بعد إرسال الرسل إليهم، كما قال تعالى: {وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ} وقال تعالى : {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الْطَّاغُوتَ} كقوله {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} وقال تعالى: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُواْ بَلَى قَدْ جَآءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا} والآيات في هذا كثيرة.
قال الإمام أبو جعفر بن جرير: ويحتمل قوله تعالى: {بِظُلْمٍ} وجهين (أحدهما) {ذلِكَ} من أجل {لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ} أهلها بالشرك ونحوه وهم غافلون، يقول: إن لم يكن يعاجلهم بالعقوبة حتى يبعث إليهم رسولاً ينبههم على حجج الله عليهم، ينذرهم عذاب الله يوم معادهم، ولم يكن بالذي يؤاخذهم غفلة، فيقولوا: ما جاءنا من بشير ولا نذير (والوجه الثاني) أن {ذلِكَ أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ} يقول: لم يكن ربك. ليهلكهم دون التنبيه والتذكير بالرسل والآيات والعبر فيظلمهم بذلك، والله غير ظلام لعبيده، ثم شرع يرجح الوجه الأول، ولا شك أنه أقوى، والله أعلم. تفسير ابن كثير: 3/306
وقال القاضي أبو يعلى الفراء: وهذه الطريقة ظاهر كلام أحمد رحمه الله لأنه قال في رواية عبد الله فيما أخرجه: «الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم.
فأخبر أن كل زمان فيه قوم من أهل العلم.
وهذه طريقة أبي الحسن الجزري ذكرها أمام قوله: إن الأشياء على الوقف، فقال:
«لم تخل الأمم قط من حجة تلزمهم أمر أو نهي».
واستدل عليه بقوله تعالى: {أَيحَسَبُ الإنْسَانُ أنْ يُتْرَك سُدَّى} والسُّدى: الذي لا يُؤْمَرُ ولا يُنْهى. وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كل أُمَّةٍ رسولا} .
وقال تعالى {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير}
العدة في أصول الفقه :6/281
وقال: أبو الحسين يحيى بن أبي الخير بن سالم العمراني اليمني الشافعي (المتوفى: 558هـ)وما من عصر إلا وفيهم نبي أو شريعة نبي. قال الله تعالى: {لِئَلاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} ، وقال تعالى: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاّ خَلا فِيهَا نَذِيرٌ}. الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار 3/811
وقال الشيخ محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421هـ)
وقد اخبر الله عز وجل أنه بعث في كل أمة رسولاً، قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) (النحل: الآية36) ، وقال تعالى: (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ) (فاطر: الآية24)
وعليه فإن كل الأمم السابقة قد أرسل الله إليهم الرسول والنذير وأقام الحجة على جميع الخلق، ولم يبقى لأحد حجة على الله عز وجل.
فإن قال قائل: هل الأنبياء محصورون؟
قلنا: إنه ورد في ذلك حديث يدل على حصرهم بأربعة وعشرين ألفاً، والرسل دون ذلك؛ لأن الأنبياء أكثر بكثير من الرسل، أما الرسل فأقل، وقد ذكر في القرآن منهم خمسة وعشرون رسولاً ولكنهم أكثر من هذا، وقد يزيدون على ثلاثمائة إلا أن الله تعالى يقول: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) (غافر: الآية78) إذاً فعقيدتنا بالنسبة للرسل أنه ما من أمة إلا خلا فيها نذير، وما من أمة إلا بعث الله إليها من يوجهها ويبين لها الحق.
وأول الأنبياء هو آدم، فإنه كان نبيا مكلماً، كما في حدث أبي ذر رضي الله عنه، أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: هل كان آدم نبياً؟ قال: نعم، نبي مكلم .
وأما أول الرسل فهو نوح، لقول الله تبارك وتعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ َوالْكِتَابَ) (الحديد: الآية26) ، فإذا كانت النبوة والكتاب في ذرية نوح وإبراهيم دل هذا على أنه ليس قبل نوح رسول، ويدل لذلك أيضاً قوله تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) (النساء: الآية163) ، ويدل لهذا ما ثبت في الصحيح: ((أن الناس يأتون إلى نوح يوم القيامة ويقولون: أنت أول رسول أرسله الله إلى الأرض)). وبهذا نعرف أن من أقحم إدريس بين نوح وآدم فإنه غلط؛ لأننا نجد شجرة الأنبياء التي كتبها بعض الناس قد كتب فيها إدريس قبل نوح، وهذا غلط لاشك فيه. فإن عقيدتنا أن نوحاً هو أول الرسل.
وآخر الرسل محمد صلى الله عليه وسلم لقول الله تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) (الأحزاب: الآية40) ، فمن ادعى النبوة بعده فهو كافر، ومن صدق مدعي النبوة بعده فهو كافر أيضاً، لأنه مكذب لله شرح العقيدة السفارينية (1 / 528)
وقال الإمام ابن تيمية: وَكَانَ مِنْ سُنَّةِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مُوَاتَرَةُ الرُّسُلِ، وَتَعْمِيمُ الْخَلْقِ بِهِمْ، بِحَيْثُ يَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا ; لِيُقِيمَ هُدَاهُ، وَحُجَّتَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] .
وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 24] .
وَقَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى} [المؤمنون: 44] .
وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا - وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا - رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 163 - 165] .
وَلَمَّا أُهْبِطَ آدَمُ إِلَى الْأَرْضِ، قَالَ تَعَالَى:
{قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى - وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى - قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا - قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى - وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه: 123 - 127] .
وَقَالَ تَعَالَى عَنْ أَهْلِ النَّارِ: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ - قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ - وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 8 - 10] .
وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15] .
وَقَالَ تَعَالَى: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ - ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ} [الأنعام: 130 - 131] الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (1 / 79) :
وَقَالَ {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} أَيْ مُهْمَلًا لَا يُؤْمَرُ وَلَا يُنْهَى. وَهَذَا اسْتِفْهَامُ إنْكَارٍ عَلَى مَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ عَلَى الرَّبِّ. مجموع الفتاوى (16 / 299) :
وقال: فَقَوْلُهُ {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ} أَيْ لَمْ يَكُونُوا مَتْرُوكِينَ بِاخْتِيَارِ أَنْفُسِهِمْ يَفْعَلُونَ مَا يَهْوَوْنَهُ لَا حَجْرَ عَلَيْهِمْ كَمَا أَنَّ الْمُنْفَكَّ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ. وَهُوَ لَمْ يَقُلْ " مَفْكُوكِينَ " بَلْ قَالَ {مُنْفَكِّينَ} . وَهَذَا أَحْسَنُ فَإِنَّهُ نَفْيٌ لِفِعْلِهِمْ. وَلَوْ قَالَ " مَفْكُوكِينَ " كَانَ التَّقْدِيرُ: لَمْ يَكُونُوا مُسَيِّبِينَ مُخِلِّينَ فَهُوَ نَفْيٌ لِفِعْلِ غَيْرِهِمْ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مَتْرُوكِينَ لَا يُؤْمَرُونَ وَلَا يُنْهَوْنَ وَلَا تُرْسَلُ إلَيْهِمْ رُسُلٌ بَلْ يَفْعَلُونَ مَا شَاءُوا مِمَّا تَهْوَاهُ الْأَنْفُسُ. وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ مَا يُخَلِّيهِمْ وَلَا يَتْرُكُهُمْ. فَهُوَ لَا يَفُكُّهُمْ حَتَّى يَبْعَثَ إلَيْهِمْ رَسُولًا. وَهَذَا كَقَوْلِهِ {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} لَا يُؤْمَرُ وَلَا يُنْهَى. أَيْ أَيَظُنُّ أَنَّ هَذَا يَكُونُ؟ هَذَا مَا لَا يَكُونُ أَلْبَتَّةَ؛ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يُؤْمَرَ وَيُنْهَى. مجموع الفتاوى (16 / 495)
وفال الإمام ابن القيم :وَلِهَذَا أنكر الله سُبْحَانَهُ على من جوز عقله مثل هَذَا ونزه نَفسه عَنهُ فَقَالَ تَعَالَى {أيحسب الْإِنْسَان أَن يتْرك سدى} قَالَ الشَّافِعِي معطلا لَا يُؤمر وَلَا ينْهَى مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (2 / 85)
4- أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من يسميهم الناس أهل الفترة معذبون والله جل جلاله قال: { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء : 15] فه>ا دليل على أنهم أنذروا بطريقة ما.
عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ أَبِي قَالَ فِي النَّارِ فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ فَقَالَ إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ مسلم برقم 203
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي مسلم برقم 976
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ قَالَ لَا يَنْفَعُهُ إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ
مسلم 214
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَاجِبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ الْمُنْتَفِقِ الْعُقَيْلِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمِّهِ لَقِيطِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ دَلْهَمٌ وَحَدَّثَنِيهِ أَبِي الْأَسْوَدُ عَنِ عَاصِمِ بْنِ لَقِيطٍ أَنَّ لَقِيطًا خَرَجَ وَافِدًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ...........قَالَ فَانْصَرَفْنَا وَأَقْبَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لِأَحَدٍ مِمَّنْ مَضَى مِنْ خَيْرٍ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ قَالَ قَالَ رَجُلٌ مِنْ عُرْضِ قُرَيْشٍ وَاللَّهِ إِنَّ أَبَاكَ الْمُنْتَفِقَ لَفِي النَّارِ قَالَ فَلَكَأَنَّهُ وَقَعَ حَرٌّ بَيْنَ جِلْدِي وَوَجْهِي وَلَحْمِي مِمَّا قَالَ لِأَبِي عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ فَهَمَمْتُ أَنْ أَقُولَ وَأَبُوكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا الْأُخْرَى أَجْهَلُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَهْلُكَ قَالَ وَأَهْلِي لَعَمْرُ اللَّهِ مَا أَتَيْتَ عَلَيْهِ مِنْ قَبْرِ عَامِرِيٍّ أَوْ قُرَشِيٍّ مِنْ مُشْرِكٍ فَقُلْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ مُحَمَّدٌ فَأُبَشِّرُكَ بِمَا يَسُوءُكَ تُجَرُّ عَلَى وَجْهِكَ وَبَطْنِكَ فِي النَّارِ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فَعَلَ بِهِمْ ذَلِكَ وَقَدْ كَانُوا عَلَى عَمَلٍ لَا يُحْسِنُونَ إِلَّا إِيَّاهُ وَكَانُوا يَحْسِبُونَ أَنَّهُمْ مُصْلِحُونَ قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ فِي آخِرِ كُلِّ سَبْعِ أُمَمٍ يَعْنِي نَبِيًّا فَمَنْ عَصَى نَبِيَّهُ كَانَ مِنْ الضَّالِّينَ وَمَنْ أَطَاعَ نَبِيَّهُ كَانَ مِنْ الْمُهْتَدِين َ مسند احمد15773
إن إطلاق العذر بالجهل يجعل إرسال الرسل عذاب والله جل جلاله أرسلهم رحمة قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ الأنبياء 107 قال الشيخ سيد إمام ( عبد القادر عبد العزيز) في جامع طلب العلم [ إطلاق العذر بالجهل يجعل الجاهل أسعد حالاً في الدنيا والآخرة من العالم المجتهد، لأن الجاهل لن يعاقب في الدنيا ولن يعذب في الآخرة لعذره، أما العالِم فسيعاقب في الدنيا إذا فعل ما يستوجب ذلك وسيعذب في الآخرة على معاصيه في حين يرى الجاهل ناجيا من أهل السعادة في الآخرة. ومقتضى هذا القول أن الجهل خير من العلم وأن عدم بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم خير للبشر من بعثته التي يترتب عليها التكليف والمؤاخذة، وهذه اللوازم في غاية الفساد ومضادة للثابت بالشرع من أن العالم خير من الجاهل وأن العلم خير من الجهل وأن بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم خير للبشر كما قال تعالى (وماأرسلناك إلا رحمة للعالمين) الأنبياء 107، وفساد هذه اللوازم ينبئك عن فساد ملزومها وهو إطلاق العذر بالجهل.]
ولا أريد الاستطراد في النقل من كتب التفسير والأصول لأن الأقوال في هذا المعنى تطول
هذا مختصر حول الموضوع والله تعالى أعلم