رد: ما معنى النظرية الفقهية؟
هذا مقتظف من رسالتي -الماجستير- بعنوان: حركة التقنين الفقهي وأثرها على الفقه الإسلامي.
يطلق محمد أبو زهرة النظرية الفقهية على القاعدة الفقهية، فيقول في معرض التفرقة بين القواعد الفقهية وعلم الأصول ما نصه: «وإنه يجب التفرقة بين علم أصول الفقه، وبين القواعد الجامعة للأحكام الجزئية، وهي التي في مضمونها يصح أن يطلق عليها: النظريات العامة للفقه الإسلامي» [SUP](
[1])[/SUP].
ثم يُردِف شارحا المقصود من القواعد، فقال: «أما القواعد الفقهية، فهي مجموعة الأحكام المتشابهة، التي ترجع إلى قياس واحد يجمعها، أو إلى ضبط فقهي يربطها، كقواعد الملكية في الشريعة، وكقواعد الضمان، وكقواعد الخيارات، وكقواعد الفسخ بشكل عام» [SUP](
[2])[/SUP].
واعترض جمال الدين عطية على تعريف أبي زهرة، قائلا: «ومع تسليمنا لأستاذنا أبي زهرة: في تسلسل نشأة كل من أصول الفقه وفروعه والقواعد الفقهية، إلا أننا نتوقف عند اعتباره القواعد الفقهية مرة النظريات العامة للفقه الإسلامي، ومرة النظريات الفقهية. وسبب توقفنا هو أنا نفضل التمييز بين النظرية العامة للفقه الإسلامي، وهذه نجد معظمها في أصول الفقه، وبين النظريات العامة لكل فرع من فروع الفقه، وهذه بداياتها في القواعد الفقهية، ولكنها لم تكتمل وتنضج إلا في كتابات المعاصرين. وهذه على كل حال، مسألة اصطلاح، ولا مشاحة في الاصطلاح كما يقولون» [SUP](
[3])[/SUP].
فجمال الدين عطية يعتبر أصول الفقه نظرية عامة للفقه الإسلامي، وهي نظرية أصولية، ويفرق بين القاعدة الفقهية والنظرية الفقهية، ويبين أن الأولى خادمة للثانية عند قوله: «وهذه بداياتها في القواعد الفقهية»، كما يشير إلى السبب الذي جعل الشيخ أبا زهرة يجعل من القاعدة الفقهية نظرية فقهية، وهو عدم استقرار مصطلح النظرية آنذاك.
وعلى تعريف النظرية بالقاعدة، مشى على ذلك أحمد فهمي أبو سنة بقوله: «القاعدة الكبرى التي موضوعها كلي، تحته موضوعات متشابهة في الأركان والشروط والأحكام العامة، كنظرية الملك ونظرية العقد ونظرية البطلان» [SUP](
[4])[/SUP].
فالتعريف جعل النظرية قاعدة في الاسم فقط، لكن بيّن أن لها أركانا وشروطا، وهو ما لا تتضمنه القاعدة الفقهية، فهي مجرد صيغة موجزة، تتضمن حكما فقهيا يتعدى إلى فروعها من أبواب شتى، وهذا أيضا من وجه للتفريق بين القاعدة والنظرية، فهذه الأخيرة لا تتضمن حكما في ذاتها.
وعلى كل، فقد وجد من المعاصرين من عرف النظرية الفقهية، مراعيا المراد منها في علم القانون، فعرفها مصطفى الزرقا بقوله : «نريد من النظريات الفقهية الأساسية؛ تلك الدساتير والمفاهيم الكبرى التي يؤلف كل منها على حدة نظاما حقوقيا موضوعيا، منبثا في الفقه الإسلامي كانبثاث أقسام الجملة العصبية في نواحي الجسم الإنساني، وتحكم عناصر ذلك النظام في كل ما يتصل بموضوعه من شعب الأحكام، وذلك كفكرة الملكية وأسبابها، وفكرة العقد وقواعده ونتائجه، وفكرة الأهلية وأنواعها ومراحلها وعوارضها، وفكرة النيابة وأقسامها، وفكرة البطلان والفساد والتوقف، وفكرة التعليق والتقييد و الإضافة في التصرف القولي، وفكرة الضمان وأسبابه وأنواعه، وفكرة العرف وسلطانه على تحديد الالتزامات، إلى غير ذلك من النظريات الكبرى التي يقوم على أساسها صرح الفقه بكامله ويصادف الإنسان أثر سلطانها في حلول جميل المسائل والحوادث الفقهية» [SUP](
[5])[/SUP].
ويلاحظ على تعريف مصطفى الزرقا شيء من التفصيل والتمثيل، وربما كان ذاك لتقريب المفهوم، وتجسيده وتشخيصه للأذهان، خاصة وأن المصطلح لم يكن معروفا في كتب الفقهاء المتقدمين.
وقريب منه تعريف وهبة الزحيلي حيث قال: «النظرية معناها المفهوم العام الذي يؤلف نظاما حقوقيا موضوعيا، تنطوي تحته جزئيات موزعة في أبواب الفقه المختلفة»[SUP](
[6])[/SUP].
أما فتحي الدريني فيعرفها بقوله: «مفهوم كلي، قوامه أركان وشرائط وأحكام عامة، يتصل بموضوع عام معين، بحيث يتكون من كل أولئك نظام تشريعي ملزم، يشمل بأحكامه كل ما يتحقق فيه مناط موضوعه» [SUP](
[7])[/SUP].
وعليه، يلاحظ من مجموع التعريفات ما يلي:
-أن النظرية الفقهية هي تجميع لشتات أحكام مبثوثة في الفقه الإسلامي، ذات موضوع واحد. فنظرية العقد تشمل على أحكام عامة تشترك فيها عقود مختلفة كالبيع، والإجارة، والوكالة، والرهن، والآثار الناشئة عن التصرفات العقدية.
-أن النظرية الفقهية لها أركان، وشروط، فأركان نظرية العقد: العاقدان، صيغة العقد، محل العقد. ومثال الشرط ككون العاقدين أهلا للتصرّف.
-أن النظرية الفقهية خادمة بصفة أكبر للمجال القانوني، مما مجاله المناكحات والمعاملات والعقوبات، ومما يترافع من أجله إلى القضاة، كذلك الأحكام التي تضمن سير الدعوى. وهذا يلاحظ من خلال تعبير الشيخ مصطفى الزرقا عندما قال: «يؤلف كل منها على حدة نظاما حقوقيا»، وقول وهبة الزحيلي: «المفهوم العام الذي يؤلف نظاما حقوقيا»، وقول فتحي الدريني: «يتكون من كل أولئك نظام تشريعي ملزم».
لكن وجدت كتابات في النظرية الفقهية، تتضمن أحكاما مما مجاله العبادات، وربما على هذا الإطلاق عرف علي أحمد الندوي وغيره النظرية الفقهية على أساس أنها أسلوب كتابة في الفقه مما يشكل وحدة موضوعية، ذات حقيقة متكاملة، فيقول: «موضوعات فقهية أو موضوع، يشتمل على مسائل فقهية أو قضايا فقهية، حقيقته أركان وشروط وأحكام، تقوم بين كل منها صلة فقهية، تجمعها وحدة موضوعية تحكم هذه هي العناصر جميعا» [SUP](
[8])[/SUP].
وقبله جمال الدين عطية عند تعريفه النظرية الفقهية بقوله: «هي التصور المجرد الجامع للقواعد العامة الضابطة للأحكام الفرعية الجزئية» [SUP](
[9])[/SUP].
وخلاصة القول: أن تُعرَّف النظرية الفقهية بصفتها قاعدة فقهية؛ فهذا غير مناسب، أما أن تُقيَّد بالمجال القانوني أو لا، فالحكم على هذا لا يتعين إلا بعد الوقوف على أشهر ما ألّف في النظريات الفقهية، وتحديد مقصد تأليفها.
([1])
أبو زهرة، محمد،
أصول الفقه، دار الفكر العربي، القاهرة، د ط، د ت، ص10.
([2]) المرجع السابق، الصفحة نفسها.
([3])
عطية، جمال الدين،
نحو تفعيل مقاصد الشريعة، دار التنوير، الجزائر، ط2، 1425ه-2004م، ص202.
([4])
أبو سنة، أحمد فهمي،
النظريات العامة للمعاملات في الشريعة الإسلامية، ص44. نقلا عن:
الباحسين، يعقوب بن عبد الوهاب،
القواعد الفقهية، مرجع سابق، ص146. و:
الرومي، هيثم بن فهد،
الصياغة الفقهية، مرجع سابق، ص510.
([5])
الزرقا، مصطفى،
المدخل الفقهي العام، مرجع سابق، ج1، ص329.
([6])
الزحيلي، وهبة،
الفقه الإسلامي وأدلته، دار الفكر، دمشق، ط2، 1405ه-1985م، ج4، ص7.
([7])
الدريني، فتحي،
النظريات الفقهية، منشورات جامعة دمشق، ط2، 1416ه-1996م، ص140.
([8])
الندوي، علي أحمد،
القواعد الفقهية، دار القلم، دمشق، ط9، 1432ه-2011م، ص63.
([9])
عطية، جمال الدين،
نحو تفعيل مقاصد الشريعة، مرجع سابق، ص197.