العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الإشكالات الفقهية (6): بابٌ من العلم غريب!

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
الإشكالات الفقهية

هذه زاوية فقهية
تهدف إلى تنمية الملكية الفقهية،
وتربية القدرات الإبداعية،
وإحياء النفس النقدي،
وإشاعة داء عسر الهضم العلمي!
فلا تمر معلومة من غير حساب!
كما تهدف أيضاً إلى الوقوف
على طرائق أهل العلم في حل الإشكالات،
فهي باختصار:
زاوية تأصيلية إبداعية، والله الموفق.



الإشكالات الفقهية (6)

كيف يكون النذر منهياً عنه وهو قربة محضة؟

قال الخطابي في الإعلام: هذا باب من العلم غريب وهو أن ينهى عن فعل شيء حتى إذا فعل كان واجبا؟


وقال ابن دقيق العيد: فيه إشكال على القواعد فإنها تقتضي أن الوسيلة إلى الطاعة طاعة، كما أن الوسيلة إلى المعصية معصية، والنذر وسيلة إلى التزام القربة، فيلزم أن يكون قربة.
 
التعديل الأخير:

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: الإشكالات الفقهية (6): بابٌ من العلم غريب!

أحلتُ كثيراً بعض الإخوة السائلين عن هذا على كلام العلامة الشنقيطي في "أضواء البيان" إذ يقول:

الظَّاهِرُ لِي فِي طَرِيقِ إِزَالَةِ هَذَا الْإِشْكَالِ، الَّذِي لَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْهُ أَنَّ نَذْرَ الْقُرْبَةِ عَلَى نَوْعَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مُعَلَّقٌ عَلَى حُصُولِ نَفْعٍ كَقَوْلِهِ: إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي، فَعَلَيَّ لِلَّهِ نَذْرُ كَذَا، أَوْ إِنْ نَجَّانِيَ اللَّهُ مِنَ الْأَمْرِ الْفُلَانِيِّ الْمَخُوفِ، فَعَلَيَّ لِلَّهِ نَذْرُ كَذَا، وَنَحْوُ ذَلِكَ.
وَالثَّانِي: لَيْسَ مُعَلَّقًا عَلَى نَفْعٍ لِلنَّاذِرِ، كَأَنْ يَتَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ تَقَرُّبًا خَالِصًا بِنَذْرِ كَذَا مِنْ أَنْوَاعِ الطَّاعَةِ، وَأَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا هُوَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ ; لِأَنَّ النَّذْرَ فِيهِ لَمْ يَقَعْ خَالِصًا لِلتَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ، بَلْ بِشَرْطِ حُصُولِ نَفْعٍ لِلنَّاذِرِ وَذَلِكَ النَّفْعُ الَّذِي يُحَاوِلُهُ النَّاذِرُ هُوَ الَّذِي دَلَّتِ الْأَحَادِيثُ عَلَى أَنَّ الْقَدَرَ فِيهِ غَالِبٌ عَلَى النَّذْرِ وَأَنَّ النَّذْرَ لَا يَرُدُّ فِيهِ شَيْئًا مِنَ الْقَدَرِ.

أَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ نَذْرُ الْقُرْبَةِ الْخَالِصُ مِنِ اشْتِرَاطِ النَّفْعِ فِي النَّذْرِ، فَهُوَ الَّذِي فِيهِ التَّرْغِيبُ وَالثَّنَاءُ عَلَى الْمُوفِينَ بِهِ الْمُقْتَضِي أَنَّهُ مِنَ الْأَفْعَالِ الطَّيِّبَةِ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ قَالَتْ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.

وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْهُ لِأَمْرَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ نَفْسَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ فِيهَا قَرِينَةٌ وَاضِحَةٌ، دَالَّةٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَا تَكَرَّرَ فِيهَا مِنْ أَنَّ النَّذْرَ لَا يَرُدُّ شَيْئًا مِنَ الْقَدَرِ، وَلَا يُقَدِّمُ شَيْئًا، وَلَا يُؤَخِّرُ شَيْئًا وَنَحْوَ ذَلِكَ. فَكَوْنُهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا مِنَ الْقَدَرِ قَرِينَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّ النَّاذِرَ أَرَادَ بِالنَّذْرِ جَلْبَ نَفْعٍ عَاجِلٍ، أَوْ دَفْعَ ضُرٍّ عَاجِلٍ. فَبَيَّنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ مَا قَضَى اللَّهُ بِهِ فِي ذَلِكَ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ، وَأَنَّ نَذْرَ النَّاذِرِ لَا يَرُدُّ شَيْئًا كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ إِنْ قَدَّرَ اللَّهُ مَا كَانَ يُرِيدُهُ النَّاذِرُ بِنَذْرِهِ، فَإِنَّهُ يَسْتَخْرِجُ بِذَلِكَ مِنَ الْبَخِيلِ الشَّيْءَ الَّذِي نَذَرَ وَهَذَا وَاضِحٌ جِدًّا كَمَا ذَكَرْنَا.
الثَّانِي: أَنَّ الْجَمْعَ وَاجِبٌ إِذَا أَمْكَنَ وَهَذَا جَمْعٌ مُمْكِنٌ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَاضِحٌ تَنْتَظِمُ بِهِ الْأَدِلَّةُ، وَلَا يَكُونُ بَيْنَهَا خِلَافٌ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ النَّاذِرَ الْجَاهِلَ، قَدْ يَظُنُّ أَنَّ النَّذْرَ قَدْ يَرُدُّ عَنْهُ مَا كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ. هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فِي حَلِّ هَذَا الْإِشْكَالِ. وَقَدْ قَالَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

تَنْبِيهٌ:
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ النَّذْرَ الْمُعَلَّقَ كَقَوْلِهِ: إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ نَجَّانِي مِنْ كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرُ كَذَا، قَدْ ذَكَرْتُمْ أَنَّهُ هُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ، وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ الْقُرْبَةِ، فَكَيْفَ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ النَّصَّ الصَّحِيحَ دَلَّ عَلَى هَذَا، فَدَلَّ عَلَى النَّهْيِ عَنْهُ أَوَّلًا، كَمَا ذَكَرْنَا الْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى ذَلِكَ، وَدَلَّ عَلَى لُزُومِ الْوَفَاءِ بِهِ بَعْدَ الْوُقُوعِ، فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ " نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْبَخِيلَ يَلْزَمُهُ إِخْرَاجُ مَا نَذَرَ إِخْرَاجَهُ، وَهُوَ الْمُصَرَّحُ بِالنَّهْيِ عَنْهُ أَوَّلًا، وَلَا غَرَابَةَ فِي هَذَا ; لِأَنَّ الْوَاحِدَ بِالشَّخْصِ قَدْ يَكُونُ لَهُ جِهَتَانِ. فَالنَّذْرُ الْمَنْذُورُ لَهُ جِهَةٌ هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ مِنْ أَجْلِهَا ابْتِدَاءً، وَهِيَ شَرْطُ حُصُولِ النَّفْعِ فِيهِ، وَلَهُ جِهَةٌ أُخْرَى هُوَ قُرْبَةٌ بِالنَّظَرِ إِلَيْهَا، وَهُوَ إِخْرَاجُ الْمَنْذُورِ تَقَرُّبًا لِلَّهِ وَصَرْفُهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. أهـ
 
التعديل الأخير:
إنضم
12 يناير 2010
المشاركات
863
الجنس
ذكر
الكنية
أبو مُـعـاذ
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
خميس مشيط
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: الإشكالات الفقهية (6): بابٌ من العلم غريب!

يقول الشيخ وليد السعيدان في رسالته وجوب الجمع بين الأدلة :
الفرع الحادي والعشرون :

إن قيل:- أوليست العبادة هي ما أمر الله به أمر إيجاب أو استحباب؟ وقد قررتم في كتب العقيدة أن النذر من جملة العبادات وأن صرفه لغير الله شرك, وقد ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن النذر وقال( إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل )) والحديث في الصحيح, وقد اختلف العلماء في هذا النهي فمنهم من قال للتحريم ومنهم من قال للكراهة وعلى كل قول فالنذر إنما منهي عنه نهي تحريم وإما منهي عنه نهي كراهة, فكيف يدخل في حد العبادة وهو منهي عنه وقد ذكرتم أن العبادة هي ماأمر الله أمر إيجاب أو استحباب فما قولكم في هذا؟
فأقول:- هذا من الأسئلة الحسنة التي تحتاج إلى تحرير محل للنزاع فلا بد من الإطالة في هذا الفرع حتى يتضح الجواب ويتحرر القول فيه بحوله وقوته وحسن توفيقه ومحض منته جلَّ وعلا, فأستغفر الله وأتوب إليه ثم أتوب إلى الله وأستغفره وأتوب إلى الله وأستغفره فأقول وبالله التوفيق:-
إن النذر فيه ثلاث نقاط وبالتفريق بينها يتحرر الجواب إن شاء الله تعالى:
النقطة الأولى:- نظر من ناحية إنشائه, والثانية:- نظر من ناحية من يعقد به, والثالثة:- نظر من ناحية الوفاء به، فأما من الناحية الأولى فإنه منهي عنه, أي أن النذر باعتبار أصل إنشائه لا يتعبد لله به, أي لا يظن العبد أنه إذا أنشأ النذر أنه يثاب على ذلك, بل هو آثم إن قلنا إنه حرام ومخالف للأَولى إن قلنا إنه مكروه وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن النذر أي عن إنشائه وسبب النهي عدة أمور:-
أحدها:- خوف عدم الوفاء به لأن حقيقة النذرأن يُلزم الإنسان نفسه بشيء ليس بلازمٍ له شرعاً, فيخشى أن لا يقوم به, وتثقل نفسه عنه وهذا واقع محسوس فكم من الأشخاص عقد النذر ثم ثقل عليه فأكب يطرق أبواب العلماء يبحث عن مخرج من هذا النذر فالإنسان عليه أن يكتفي بالواجب بأصل الشرع ولا يكلف نفسه شيئاً آخر.
ثانيها:- أن النفوس السامية والقلوب الواعية من صفاتها أن تبذل الخير طوعاً من محض المحبة لله تعالى, فلا تحتاج إلى إلزامٍ في بذل الخير وفعل المعروف, وأما النفوس البخيلة فإن بينها وبين فعل الخير مفاوز, فأصحاب هذه النفوس ليس عندهم الرغبة الذاتية في فعل الخير والمعروف إلا إلزاماً وكراهية فيحتاجون إلى أن يعقدوا النذر على هذه النفوس البخيلة التي قتلها الشح يستخرجوا منها الخير والمعروف ولذلك قال عليه الصلاة والسلام(وإنما يستخرج به من البخيل )) فالبخيل هو الذي لا تجود نفسه بالخير طواعية ورغبة في المعروف بل لابد لها من ملزم قوي يستخرج به الخير من هذه النفوس الشريرة, فحقيقة الناذر أنه لم يقم بهذه العبادة لكمال الرغبة الذاتية فيها وإنما سيقوم بها على مضض لأنه أوحبها على نفسه بالنذر, وهذا مخالف لمقصود العبادة فإن العبادة مبنية على أصلين على كمال الحب وكمال الذل لله جلَّ وعلا, ولذلك نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النذر حثاً منه لبذل الطاعة بكل حب وبكمال ذل ووجود رغبة باطنية في القيام بها.
ثالثها:- أن إنشاء النذر فيه منافرة مع مقصد من مقاصد التشريع وهو رفع الحرج, ومن المعلوم أن مقاصد المكلفين لابد أن تكون موافقة لمقاصد الشارع فالعبد يكلف نفسه بهذا النذر تكليفاً زائداً على الحد المشروع والله تعالى يريد بنا اليسر لا العسر والتخفيف لا الإثقال وشريعتنا شريعة سمحة سهلة لا آصار فيها ولا أغلال, فالناذر يقصد بهذا النذر شيئاً لا يريده الشارع لكنه لما عقده بالله وجب الوفاء به, تعظيماً لربنا جلَّ وعلا, فرحمة منه - صلى الله عليه وسلم - بأمته وشفقة عليهم وتخفيفاً عليهم نهاهم عن النذر والنهي يستلزم عدم الرضى به فالناذر مخالف لما قصده الشارع من التخفيف والتيسير.
رابعها:- أن العبد يجب عليه أن يستشعر بقلبه حين قيامه بشيء من مسائل التعبد أنه يقوم به لأنه عبد لله جلَّ وعلا فهو ينفذ ماأمره به سيده حباً وكرامة وطواعية وذلاً مع استشعار التقصير في حق القيام بها والنذر المعلق على شرط كقوله:- إن شفى الله مريض صمت كذا وكذا, أو يقول:- إن نجحت في هذه السنة صليت كذا وكذا, فيه بلية قلبية خطيرة قد لا يشعر بها الناذر وهي أن يقوم في قلبه أن الأمر من باب المعاوضة, أي إن فعلت لنا هذا الشيء وحققته لنا فعلنا هذا الشيء, وهذ مزلق خطير جداً, بل ولسان حاله يقول:- أنا لن أقوم بهذه العبادة المنذورة إلا إذا تحقق مرادي, فكأن الأمر من باب المكافأة وهذا وإن لم يقله العبد بلسان مقاله إلا أنه واضح من لسان حاله, بدليل أنه لن يوقع هذه العبادة إلا بتحقق الشرط, ولو قلت له:- إفعل النذر ولو لم يتحقق هذا الشرط, لقال لك:- أنا نذرت نذراً معلقاً, فإن تحقق الشرط فعلت ومفهوم كلامه أنه إن لم يتحقق الشرط فلن أفعل.
والله تعالى يحب أن يستشعر عبده أثناء العبادة أنه عبد ذليل خاضع لله جلَّ وعلا والنذر المعلق مفضٍ إلى هذه البلية القلبية فسداً للذريعة أي لذريعة قيامها في القلب منع النبي - صلى الله عليه وسلم - من إنشاء النذر.
خامسها:- أن العبد يجب عليه أن يعتقد الاعتقاد الجازم ظاهراً وباطناً أنه لا يأتي بالخير ولا يدفع الشر إلا الله تعالى, وقد جعل الله تعالى أسباباً يستجلب بها العبد الخير لنفسه أو لغيره وأسباباً يستدفع بها الشر عن نفسه أو عن غيره فلا يجوز للعبد أن يعتقد أن هناك سبباً شرعياً يجلب الخيرات ويدفع المضرات إلا بدليل والناذر قد يقوم بقلبه أن نذره هذا يجلب له خيراً أو يدفع عنه شراً, فيعتقد أنه سبب لذلك وهو في الحقيقة ليس سبباً لا شرعياً ولا قدرياً ولذلك قال عليه الصلاة والسلام( إنه لا يأتي بخير)) أي لا يجلب مطلوباً ولا يدفع مكروهاً ولا يجوز للعبد أصلاً أن يعلق قلبه بغير الله تعالى في جلب الخيرات ودفع المضرات, والناذر قد انصرفت شعبة من قلبه إلى هذا النذر, أي أن قلبه تعلق بهذا النذر, فسداً لذريعة تعلق القلب بغير الله تعالى وسداً لذريعة اعتقاد العبد في النذر فلا يجوز اعتقاده فيه شرعاً, منع النبي - صلى الله عليه وسلم - النذر, فهذه الأوجه الخمسة تفيدك إفادة صريحة أن المنهي عنه إنما هو إنشاء النذر أي ابتداؤه, فالمستحب للإنسان أن يتعبد لله تعالى بترك ابتدء النذر, فالنهي الصادر منه - صلى الله عليه وسلم - إنما هو عن الآبتداء, فهذا هو النقطة الأولى .
النقطة الثانية:- نظر للنذر باعتبار المعقود به فاعلم أن المتقرر بالإجماع أنه لا يجوز أن يعقد النذر إلا له جلَّ وعلا, فلا يجوز النذر لأحد من المخلوقين ويستدل على ذلك بالأدلة الناهية عن الحلف بغيره جلَّ وعلا, فإن النذر نوع من الأيمان, بل هو أعظم منها, فإذا كان الحلف بغير الله ممنوعاً فالنذر لغيره ممنوع من باب أولى فعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :-(( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك )) " رواه الترمذي وحسنه الحاكم وصححه" وقال عليه الصلاة والسلام(لا تحلفوا بآبائكم من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت )) وقال عليه الصلاة والسلام( من حلف فقال واللات والعزى فليقل لا إله إلا الله )) وعن بريدة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( من حلف بالأمانة فليس منا ))" رواه أحمد وأبو داود وابن حبان وسنده حسن" وقد نقل غير واحدٍ من أهل العلم إجماع أهل العلم- رحمهم الله تعالى- أنه لا يحلف إلا بالله أو صفة من صفاته.
فإذا كان هذا شأن الحلف فكيف يكون شأن النذر؟
لا شك أنه أعظم فإن باب النذر أعظم من باب الأيمان.
وإن قلنا هو منها:- فهو أعلاها, ونقول أيضاً إن الله تعالى قد امتدح الموفين به في آيات وأحاديث ستأتي إن شاء الله تعالى والمدح لا يكون إلا على فعل عبادة فحيث تقرر أنه عبادة فلا يجوز حينئذٍ صرفه لغير الله تعالى.
فالنذر باعتبار المعقود به عبادة يثاب عليه الإنسان لا أقول:- يثاب على إنشائه وابتدائه, ولكن أقول:- يثاب على عقد النذر بالله تعالى, فهذا بالنسبة للنقطة الثانية.
النقطة الثالثة:- نظر للنذر باعتبار الوفاء به بعد عقده فهذا مما لاإشكال فيه أنه محبوب لله تعالى قال تعالى:- { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطُيراً } (1) وقال تعالى: { وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْْتُمْ مِن نََّذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ } (2) وهو نوع من أنواع العهد وقد قال تعالى { وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ } (3) وقال عليه الصلاة والسلام( من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه )) وهو في الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها فالنذر بهذا الاعتبار لاشك أنه عبادة وبهذا يتضح الجواب ويتحرر المقام, فأقول:- النذر ليس عبادة باعتبار إنشائه وابتدائه وأصل إيقاعه ولكنه عبادة باعتبار صرفه لله تعالى وعبادة باعتبار الوفاء به, فهو منهي عنه من جانب واحدٍ فقط , وهو جانب الابتداء ولكنه مأمور به من جانبين, مأمور به من جانب عقده فهو مأمور أن لا يعقده إلا لله تعالى, ومأمور به من جانب الوفاء به, فالعبد مأمور إذا عقد النذر بشيئين:-
أحدهما:- أن العبد لا يعقده إلا لله.
الثاني:- أن يوفي به بعد عقده, فبالتفريق بين هذه الأحوال لا يبقى أي إشكال بين كون النذر عبادة وبين كونه منهياً عنه لأننا نقول:- هو عبادة باعتبار صرفه لله تعالى وعبادة باعتبار الوفاء به, ولكنه منهي عنه باعتبار أصل إيقاعه وابتدائه والعبادة قد يكون مأموراً بها من جانب ومنهياً عنها من جانب, فليست جهة النهي وجهة الأمر واحدة حتى يلزم الاختلاف والتعارض, بل النهي في الحديث له جهته الخاصة والأمر له جهته الخاصة ومع اختلاف الجهتين فلا إشكال ولله الحمد والمنة والله أعلى وأعلم.

__________
(1) سورة الإنسان آية (7)
(2) سورة البقرة آية (270)
(3) سورة البقرة آية (177)
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: الإشكالات الفقهية (6): بابٌ من العلم غريب!

بارك الله فيكما على هذه النقول النفيسة، ونطمح في مشاركات بقية الإخوة في حل عقد هذه المسألة التي يكاد يطبق أهل العلم على وقوع الإشكال فيها، كما نأمل تحديد اتجاهات أهل العلم العامة في حل الإشكال الواقع في المسألة.
 

متولى أمين حلوة

:: مشارك ::
إنضم
31 مايو 2010
المشاركات
248
الجنس
ذكر
التخصص
طب الأطفال
الدولة
saudia
المدينة
الأحساء - الهفوف
المذهب الفقهي
غير متمذهب
رد: الإشكالات الفقهية (6): بابٌ من العلم غريب!

قال تعالى ": يريد الله بكم اليسر و لا يريد بكم العسر"
و قال النبي صلى الله عليه و سلم :- " إن الدين يسر ، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ، فسددوا وقاربوا "..

فالأخذ بالرفق و التيسير في الدين قاعدة منتظمة في الشريعة ، و النهى عن إنشاء النذر و ابتدائه متسق مع هذه القاعدة ، و لو لم تنهَ عنه الشريعة لأفضى ذلك لجواز تكراره أو المداومة عليه و لجاز وقوعه من كل المكلفين ، و هو عين ما لا تقبله الشريعة التى حضت على التيسير و رفع المشقة..

يقول الشاطبي في الاعتصام كلاماً يقارب هذا المعنى :-

(فصل فأما إن التزم ذلك أحد التزاما

فأما إن التزم أحد ذلك التزاماً فعلى وجهين :
إما على جهة النذر ، وذلك مكروه ابتداء . ألا ترى إلى حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : "أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً ينهانا عن النذر ، يقول : إنه لا يرد شيئاً ، وإنما يستخرج به من الشحيح ـ وفي رواية ـ النذر لا يقدم شيئاً ولا يؤخره ، وإنما يستخرج به من البخيل" .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
"لا تنذروا فإن النذر لا يغني من القدر شيئاً ، وإنما يستخرج به من البخيل" .

وإنما ورد هذا الحديث ـ والله أعلم ـ تنبيهاً على عادة العرب في أنها كانت تنذر ، إن شفى الله مريضي فعلي صوم كذا ، وإن قدم غائبي . أو أن أغناني الله فعلي صدقة كذا . فيقول : لا يغني من قدر الله شيئاً ، بل من قدر الله له الصحة ، أو المرض ، أو الغنى أو الفقر ، أو غير ذلك ، فالنذر لم يوضع سبباً لذلك ، كما وضعت صلة الرحم سبباً في الزيادة في العمر مثلاً على الوجه الذي ذكره العلماء ، بل النذر وعدمه في ذلك سواء ، ولكن الله يستخرج به من البخيل بشرعية الوفاء به لقوله تعالى : "وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم" وقوله صلى الله عليه وسلم :
"من نذر أن يطيع الله فليطعه" وبه قال جماعة من العلماء ، كمالك و الشافعي .
ووجه النهي أنه من باب التشديد على النفس ، وهو الذي تقدم الاستشهاد على كراهته . وأما على جهة الالتزام غير النذري ، فكأنه نوع من الوعد ، والوفاء بالعهد مطلوب ، فكأنه أوجب على نفسه ما لم يوجبه عليه الشرع ، فهو تشديد أيضاً ، وعليه يأتي ما تقدم من .
حديث الثلاثة الذين أتوا يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم : وقولهم أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم ؟ ألخ . وقال أحدهم : أما أنا فأفعل كذا ألخ .
ونحوه وقع في بعض الروايات :
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر أن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يقول : لأقومن الليل ولأصومن النهار ما عشت ". وليس بمعنى النذر إذ لو كان كذلك لم يقل له : "صم من الشهر ثلاثة أيام "، صم كذا ولقال له : أوف بنذرك . لأنه صلى الله عليه وسلم قال :
"من نذر أن يطيع الله فليطعه" .
فأما الالتزام بالمعنى النذري فلا بد من الوفاء به وجوباً لا ندباً ـ على ما قاله العلماء ـ وجاء في الكتاب والسنة ما يدل عليه ، وهو مذكور في كتب الفقه ، فلا نطيل به .
وأما المعنى الثاني فالأدلة تقتضي الوفاء به في الجملة ، ولكن لا تبلغ مبلغ العتاب على الترك ، حسبما دلت عليه الأدلة في مأخذ أبي أمامة رضي الله عنه للقيام في المسجد جماعة كان ذلك بصورة النوافل الراتبة المقتضية للدوام في القصد الأول ، فأمرهم بالدوام حتى لا يكونوا كمن عاهد ثم لم يوف بعهده فيصير معاتباً ، لكن هذا القسم على وجهين :
الوجه الأول : أن يكون في نفسه مما لا يطاق ، أو مما فيه حرج أو مشقة فادحة أو يؤدي إلى تضييع ما هو أولى . فهذه هي الرهبانية التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم :
"من رغب عن سنتي فليس مني" وسيأتي الكلام في ذلك إن شاء الله .
والوجه الثاني : أن لا يكون في الدخول فيه مشقة ولا حرج ، ولكنه عند الدوام عليه تلحق بسببه المشقة والحرج ، أو تضييع ما هو أوكد. فها هنا أيضاً يقع النهي ابتداءً ، وعليه دلت الأدلة المتقدمة ، وجاء في بعض روايات مسلم تفسير ذلك حيث قال : فشددت فشدد علي ، وقال لي النبي صلى الله عليه وسلم :
"إنك لا تدري لعلك يطول بك عمر" .
فتأملوا كيف اعتبر في التزام ما لا يلزم ابتداء ، أن يكون بحيث لا يشق الدوام عليه إلى الموت قال : فصرت إلى الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما كبرت وددت أنني قبلت رخصة نبي الله صلى الله عليه وسلم .
وعلى ذلك المعنى ينغبي أن يحمل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي قتادة رضي الله عنه كيف بمن يصوم يومين ويفطر يوماً؟ قال :
ويطيق أحد ذلك ؟ ثم قال في صوم يوم وإفطار يوم : وددت أني طوقت ذلك فمعناه ـ والله أعلم ـ وددت أني طوقت الدوام عليه وإلا فقد كان يواصل الصيام ويقول :
"إني لست كهيئتكم ، إني أبيت عند ربي ـ يطعمني ويسقيني" .
وفي الصحيح :
"كان يصوم حتى نقول : لا يفطر ، ويفطر حتى نقول : لا يصوم" .
فصل إذا ثبت هذا ، فالدخول في عمل على نية الإلتزام له
إذا ثبت هذا ، فالدخول في عمل على نية الإلتزام له إن كان في المعتاد بحيث إذا داوم عليه أورث مللاً ، ينبغي أن يعتقد أن هذا الالتزام مكروه ابتداء ، إذ هو مؤد إلى أمور جميعها منهي عنها :
أحدها : أن الله ورسوله أهدى في هذا الدين التسهيل والتيسير ، وهذا الملتزم يشبه من لم يقبل هديته ، وذلك يضاهي ردها على مهديها ، وهو غير لائق بالمملوك مع سيده ، فكيف يليق بالعبد مع ربه ؟
والثاني : خوف التقصير أو العجز عن القيام بما هو أولى وآكد في الشرع ، وقال صلى الله عليه وسلم إخباراً عن داود عليه السلام :
"إنه كان يصوم يوماً ويفطر يوماً ، ولا يفر إذا لاقى" تنبيهاً على أنه لم يضعفه الصيام عن لقاء لعدو فيفر ويترك الجهاد في مواطن نكيده بسبب ضعفه .
وقيل لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه : إنك لتقل الصوم ، فقال : إنه يشغلني عن قراءة القرآن ، وقراءة أحب إلي منه .
ولذلك كره مالك إحياء الليل كله ، وقال : لعله يصبح مغلوباً ، وفي رسوله الله صلى الله عليه وسلم أسوة ، ثم قال : لا بأس به ما لم يضر بصلاة الصبح .
وقد جاء في : صيام يوم عرفة أنه يكفر سنتين ، ثم إن الإفطار فيه للحاج أفضل ، لأنه قوة على الوقوف والدعاء ، ولابن وهب في ذلك حكاية ، وقد جاء في الحديث :
"إن لأهلك عليك حقاً ، ولزوارك عليك حقاً ، ولنفسك عليك حقاً" فإذا انقطع إلى عباده لا تلزمه الأصل فربما أخل بشيء من هذه الحقوق .
وعن أبي جحيفة رضي الله تعالى عنه ،قال :
"آخر ما آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء ، فزار سلمان أبا الدرداء ، فرأى أم الدرداء متبذلة ، فقال : ما شأنك مبتذلة ؟ قالت : إن أخاك أبا الدرداء ليست له حاجة في الدنيا . قال : فلما جاء ابو الدرداء قرب إليه طعاماً . فقال : كل فإني صائم ، قال : ما أنا بآكل حتى تأكل . قال : فأكل ، فلما كان الليل ذهب ابو الدرداء ليقوم ، فقال له سلمان : نم ، فنام ، ثم ذهب يقوم ، فقال له : نم فنام ، فلما كان عند الصبح قال له سلمان : قم الآن ، فقاما فصليا ، فقال سلمان : إن لنفسك عليك حقاً ، ولربك عليك حقاً ، ولضيفك عليك حقاً ، ولأهلك عليك حقاً ، فأعط لكل ذي حق حقه . فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له ، فقال : صدق سلمان " قال الترمذي : صحيح .
وهذا الحديث قد جمع التنبيه على حق الأهل بالوطء والاستمتاع ، وما يرجع إليه ، والضيف بالخدمة والتأنيس والمؤاكلة وغيرها ، والولد يالقيام عليهم بالاكتساب والخدمة . والنفس بترك إدخال المشتقات عليها ، وحق الرب سبحانه بجميع ما تقدم ، وبوظائف أخر ، فرائض ونوافل آكد مما هو فيه .
والواجب أن يعطى لكل ذي حق حقه ، وإذا التزم الإنسان أمراً من الأمور المندوبة ، أو أمرين أو ثلاثة ، فقد يصده ذلك عن القيام بغيرها ، أو عن كماله على وجهة ، فيكون ملوماً .
والثالث : خوف كراهية النفس لذلك العمل الملتزم ، لأنه قد فرض من جنس ما يشق الدوام عليه ، فتدخل المشقة بحيث لا يقرب من وقت العمل إلا والنفس تشمئز منه ، وتود لو لم تعمل ، أو تتمنى لو لم تلتزم ، وإلى هذا المعنى يشير حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
"إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ، ولا تبغضوا لأنفسكم عبادة الله ، فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى" يشبه الموغل بالعنف بالمنبت ، وهو المنقطع في بعض الطريق تعنيفاً على الظهر ـ وهو المركوب ـ حتى وقف فلم يقدر على السير ، ولو رفق بدايته لوصل إلى رأس المسافة .
فكذلك الإنسان عمره مسافة ، والغاية الموت ، ودابته نفسه ، فكما هو المطلوب الرفق بنفسه . حتى يسهل عليها قطع مسافة العمر بحمل التكليف فنهى في الحديث عن التسبب في تبغيض العبادة للنفس ، وما نهى الشرع عنه لا يكون حسناً .)انتهى كلام الشاطبي

و من تأمل غالب حال الناذرين ، يجد أنهم ينذرون لحصول أمر لا يتوقعونه و أمر صعب المنال في نظرهم ، و كلما صعب المطلوب كان المنذور أشق على النفس إمعاناً في الإلحاح و التجرد و وصولاً لغاية الرجاء في التشوف للمطلوب..
و الله سبحانه و تعالى لا معقب لحكمه و لا لقضائه ، و في نفس الوقت رحيم بعباده ، لذلك يصح النهي عن ابتداء النذر و إنشائه من جهة النهى عن التشدد في الدين ، و هو من مقاصد الشريعة و جارٍ وفق قواعدها..


------------------------------

و من إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد شرح حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النذر ، وقال : إن النذر لا يأتي بخير . وإنما يستخرج به من البخيل } .

قال : مذهب المالكية : العمل بظاهر الحديث ، وهو أن نذر الطاعة مكروه ، وإن كان لازما ، إلا أن سياق بعض الأحاديث : يقتضي أحد أقسام النذر التي ذكرناها وهو ما يقصد به تحصيل غرض ، أو دفع مكروه وذلك لقوله " وإنما يستخرج به من البخيل " وفي كراهة النذر إشكال على القواعد ، فإن القاعدة : تقتضي أن وسيلة الطاعة طاعة ، ووسيلة المعصية معصية ، ويعظم قبح الوسيلة بحسب عظم المفسدة وكذلك تعظم فضيلة الوسيلة بحسب عظم المصلحة ، ولما كان النذر وسيلة إلى التزام قربة لزم على هذا أن يكون قربة ، إلا أن ظاهر إطلاق الحديث دل على خلافه ، وإذا حملناه على القسم الذي أشرنا إليه من أقسام النذر - كما دل عليه سياق الحديث - فذلك المعنى الموجود في ذلك القسم : ليس بموجود في النذر المطلق ، فإن ذلك خرج مخرج طلب العوض ، وتوقيف العبادة على تحصيل الغرض ، وليس هذا المعنى موجودا في التزام العبادة والنذر بها مطلقا ، وقد يقال : إن البخيل لا يأتي بالطاعة إلا إذا اتصفت بالوجوب فيكون النذر : هو الذي أوجب له فعل الطاعة ، لتعلق الوجوب به ولو لم يتعلق به الوجوب لتركه البخيل ، فيكون النذر المطلق أيضا : مما يستخرج به من البخيل ، إلا أن لفظة " البخيل " هنا قد تشعر بما يتعلق بالمال . وعلى كل تقدير : فاتباع النصوص أولى .

وقوله عليه السلام " إنما يستخرج به من البخيل " الأظهر في معناه : أن البخيل لا يعطي طاعة إلا في عوض ومقابل يحصل له ، فيكون النذر هو السبب الذي استخرج منه تلك الطاعة .

وقوله عليه السلام " لا يأتي بخير " يحتمل أن تكون " الباء " باء السببية كأنه يقول : لا يأتي بسبب خير في نفس الناذر وطبعه في طلب القرب والطاعة من غير عوض يحصل له وإن كان يترتب عليه خير ، وهو فعل الطاعة التي نذرها ولكن سبب ذلك الخير : حصول غرضه .

-------------------------------

و ربما يرفع الإشكال قولنا أن العبادة قد ينهى عنها من وجه و يؤمر بها من وجه و هو كثير في الشريعة..
مثل قراءة القرآن في الركوع ، و قراءة القرآن في القيام في الصلاة..
و النهى عن الصلاة في أزمنة و أمكنة معينة ..

لكن ربما يقال : الشريعة نهت عن أصل النذر و لم تنهَ عن أصل الصلاة و أصل قراءة القرآن..فيفرق بين هذا و بين هذا..و الأكثر انتظاماً في الشريعة هو الأمر بأصل عبادة ما و النهى عن بعض صورها و كيفياتها الخاصة ، لا العكس..و الشريعة لم تنهَ عن جنس النذر بدليل مدح الموفين به ، فمدح التوفية يمنع النهى عن جنس الفعل ..


-------------------------------
يقول الشيخ صالح آل الشيخ
في شرحه لثلاثة الأصول

قال بعدها (ودليل النذر قوله تعالى ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا﴾[الإنسان:7]) النذر: هو إيجاب المرء على نفسه شيئا لم يجب عليه، وتارة يكون النذر مطلقا، وتارة يكون بالمقابلة مُقيّد، والنذر المطلق غير مكروه، والنذر المقيد مكروه.

لهذا استشكل جمع من أهل العلم؛ استشكلوا كون النذر عبادة مع أن النذر مكروه، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول في النذر «إنه لا يأتي بخير وإنما يُستخرج به من البخيل» يقولون: إذا كان مكروها كيف يكون عبادة؟ ومعلوم أن العبادة يحبها الله جل وعلا، والنذر يكون مكروها كما دل عليه هذا الحديث، فكيف إذا كان مكروها يكون عبادة؟

وهذا الاستشكال منهم غير وارد أصلا؛ لأن النذر ينقسم إلى قسمين: نذر مطلق، ونذر مقيد.

النذر المطلق: لا يكون عن مقابلة، وهذا غير مكروه، أن يوجب على نفسه عبادة لله جل وعلا بدون مقابلة، فيقول لله عليَّ نذر، مثلا يقول قائل: لله عليَّ نذر أن أصلّي الليلة عشرة ركعات طويلات. بدون مقابلة، هذا إيجاب المرء على نفسه عبادة لم تجب عليه دون أن يقابلها شيء، هذا النوع مطلق، وهذا محمود.

النوع الثاني المكروه: وهو ما كان عن مقابلة، وهو أن يقول قائل مثلا: إن شفى الله جل وعلا مريضي صُمْتُ يوما، إن نجحت في الاختبار صليت ركعتين، إن تزوجت هذه المرأة تصدقت بخمسين ريالا -مثلا- أو بمائة ريالا. هذا مشروط يوجب عبادة على نفسه، مشروطة بشيء يحصل له قدرا،

من الذي يحصل الشيء ويجعله كائنا؟ هو الله جل وعلا.
فكأنه قال إن أعطيتني هذه الزوجة، وإن يسرت لي الزواج بها، صليت لك ركعتين أو تصدقت بكذا. إن أنجحتني في الاختبار صمت يوما ونحو ذلك، وهذا كما قال النبي عليه الصلاة والسلام «إنما يُستخرج به من البخيل» لأن المؤمن المقبل على ربه ما يعبد الله جل وعلا بالمقايضة، يعبد الله جل وعلا ويتقرب إليه لأن الله يستحق ذلك منه، فهذا النوع مكروه. النوع الأول محمود، وهذا النوع مكروه.

والوفاء بالنذر في كلا الأمرين واجب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه»

فتحصل عندنا أن النذر في أربعة أشياء:
نذر محمود -نحن ما نقول نذر مشروع فيفهم أحد أنه واجب أو مستحب, لا, نقول محمود، غير مكروه في الشرع، محمود وهو المطلق الذي ما فيه مقايضة ولا مقابلة-.
النوع الثاني مكروه وهو الذي يكون عن مقابلة, الوفاء بالأول بنذر التبرّر والطاعة واجب, الوفاء بالثاني حتى ولو كان مكروها واجب، وهو الذي أثنى الله جل وعلا على أهله في الحالين بقوله (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) لأنه أوجب على نفسه، فلما كان واجبا صار الوفاء به واجبا، فامتثل للوجوب الذي أوجبه على نفسه لأنه يخشى عقابه، فتحصّل من هذه الأربع منها اثنتان واجبتان وهما الوفاء، وواحد محمود، وواحد مكروه، ولهذا صار غالب الحال-إذ كان عبادة- صار غالب الحال هو الحال التي أنه محمود فيها أو واجب.
وبهذا صار النذر عبادة من العبادات التي يرضاها الله جل وعلا ويحبها، إلا في حال واحدة وهي حال نذر المقابلة.
اتضح لكم هذا المقام؟ لأن بهذا التحرير تخلصون من إشكالات عِدَّة، ربما أوردها عليكم خصوم الدعوة والخرافيون في مسألة النذر. ظاهر؟ تأملوها لأنه قد لا تجد هذا التحرير في كثير من الكتب.

المصدر:
شرح ثلاثة الأصول
للشيخ صالح آل الشيخ

-----------------------------
و الأقرب : رفع الإشكال بقاعدة التيسير و عدم المشقة ، حتى يدخل فيه النهى عن ابتداء ما يجب إيقاعه مرة واحدة أو مرة بعد مرة و يدخل أيضاً ما يجب إيقاعه على الدوام..و قد ينذر الشخص تعليقاً على حصول شيئ بنذر فيه نوع مدوامة و لو لمرة في العمر، كمن ينذر صيام سنتين ، فهذا يداوم على صيام كل يوم في سنتين من عمره ، و هو قد يفضي لكراهية العبادة كما وضحه الشاطبي..و التيسير من الله عز و جل يشبه الهدية فيجب قبولها و العمل بها ، و أحياناً يشير الأب على ابنه بما يعلم يسره و سهولته و يكون أنفع له و أنجح فيتحمس الابن للأشق فيكلفه الأب بما أوجبه على نفسه ، و هذا نوع تأديب على تركه ما هو أنفع و أيسر..و النهى هنا متفق مع تلك القاعدة أتم اتفاق..
والله تعالى أعلم

 

متولى أمين حلوة

:: مشارك ::
إنضم
31 مايو 2010
المشاركات
248
الجنس
ذكر
التخصص
طب الأطفال
الدولة
saudia
المدينة
الأحساء - الهفوف
المذهب الفقهي
غير متمذهب
رد: الإشكالات الفقهية (6): بابٌ من العلم غريب!

فائدة بخصوص معنى الالتزام في اصطلاح العلماء و الفقهاء "استقراءً"
____________________
أكثر ما يطلق العلماء الالتزام على الإقرار و الإيجاب على النفس ، و الالتزام لغةً : الاعتناق..
و هذه فائدة مهمة من حيث إطلاق كثير من الشباب على المتمسك بقولهم : فلان أخ ملتزم..
و الصواب أن كل مسلم هو أخ ، و كل مسلم هو ملتزم حتى لو كان عاصياً..
لأن الالتزام أمر عقدي ، إقرارى متعلق بالإيجاب على النفس ، و لو يباشر الفعل ، و لو قارف الإثم..
و الأصح أن يقال : فلان متدين ، أو ذو دين ، على دين ، ديِّن ، و هى فتاة متدينة ، أو ذات دين ، على دين ، ديِّنة..
و من طالع كتب العلماء عرف اطراد ذلك المعنى في لغتهم ، بخلاف العرف الجاري على ألسنة الشباب المتحمس اليوم..
و التزام النذر : أى إيجابه على النفس ، اعتقاد لزومه و لو لم يفِ به..
و إن حصل إطلاق قليل من العلماء أو الدعاة على الالتزام بقصد الجانب العملي فيه لا الجانب العقدى ، فالضابط المذكور هنا أصح و أسلم..
و الله تعالى أعلم..​
 

سيدي محمد ولد محمد المصطفى ولد أحمد

:: قيم الملتقى المالكي ::
إنضم
2 أكتوبر 2010
المشاركات
2,243
التخصص
الفقه المقارن
المدينة
كرو
المذهب الفقهي
مالكي
رد: الإشكالات الفقهية (6): بابٌ من العلم غريب!

بارك الله فيكم
أشكر الأخ الفاضل أبو فراس على طرح الموضوع المفيد ككل مواضيعه بارك الله فيه
بالنسبة للنذر والإشكال فيه ينظر إلى إزالة هذا الإشكال من زوايا عدة منها :
النظر إلى الجمع بين الأحاديث لأنه لا بد من حمل النهي عن النذر الوارد في الصحيح على نوع معين منه لئلا يعارض حديثي عمر وعائشة في الصحيح كذلك اللذين ينصان على وجوب الوفاء بالنذر
والجمع -إن أمكن - هو أفضل طريق في التعامل مع الأحاديث المتعارضة في ظاهر نصوصها لأنه إعمال للدليلين وهو أولى من إلغاء بعضها بالترجيح أو بالنسخ المحتمل وقد أشار إلى هذا العراقي بقوله:
والمتن إن نافاه متن آخر == وأمكن الجمع فلا تنافرُ
كمتن "لا يورد" مع "لا عدوى" == فالنفي للطبع و"فِرَّ" عدوى
ثم لا بد من النظر إلى زاوية حكم النهي الوارد هل هو هنا على التحريم أو على التنزيه والكراهة
وهذا الأخير استدل قائلوه بأنه لو كان المراد التحريم لبطل حكمه وسقط لزوم الوفاء به لأنه إذا كان للتحريم يصير معصية ولا يلزم وأيضا لو كان كذلك ما أمر بالوفاء به ولا حمد به فاعله ولكنه ورد النهي عنه تعظيما لشأنه لئلا يستهان به فيفرط في الوفاء به
قلت : ولذلك اتفقوا على تحريم نذر المحرم أما المكروه والمباح ففيهما خلاف هل نذرهما حرام أو تابع لهما وبين ذلك أحد علمائنا بقوله :
نذرُ المحرَّم محرَّمٌّ وهلْ ........ كذاك أو تَبَعٌ الكُرهُ وحِلْ

ومال القرطبي إلى القول إن النهي هنا للتحريم في حق من يخاف عليه أن يعتقد أن النذر يوجب ذلك الغرض أو أن الله تعالى يفعله لذلك قال والأول يقارب الكفر والثاني خطأ صراح قال ابن حجر : بل الثاني يقرب من الكفر أيضا
قال القرطبي وأما من لا يعتقد ذلك فالنهي في حقه محمول على التنزيه فالنذر مكروه في حقه ....إلخ
وعن الإشكال بكون النذر قربة فكيف يكون منهيا عنه قالوا : إن النهي إنما هو عن التزامه لأن الشخص الناذر قد لا يفي به فيأثم أو لا يقدر عليه
وقال المازري : يحتمل عندي أن يكون وجه الحديث أن الناذر يأتي بالقربة مستثقلا لها لما صارت عليه ضربة لازب وكل ملزوم فإنه لا ينشط للفعل نشاط مطلق الاختيار
قال ويحتمل أن يكون سببه أن الناذر لما لم ينذر القربة إلا بشرط أن يفعل له ما يريد صار كالمعاوضة التي تقدح في نية المتقرب . أهـ
قلت وكلامهم هنا يدل في أكثره على أن النذر المنهي عنه هو نذر المجازاة لا النذر المطلق وعليه فلا يرد الإشكال
والله أعلم
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: الإشكالات الفقهية (6): بابٌ من العلم غريب!

بارك الله في جميع الإخوة المشاركين.

ما عساكم تقولون في الإجماع الذي حكاه ابن تيمية رحمه الله في أن أصل عقد النذر مكروه منهي عنه بلا نزاع يعلمه بين الأئمة؟!


جامع المسائل لابن تيمية (3/ 128، 4/ 167)، مجموع الفتاوى (35/ 354).
 

متولى أمين حلوة

:: مشارك ::
إنضم
31 مايو 2010
المشاركات
248
الجنس
ذكر
التخصص
طب الأطفال
الدولة
saudia
المدينة
الأحساء - الهفوف
المذهب الفقهي
غير متمذهب
رد: الإشكالات الفقهية (6): بابٌ من العلم غريب!

بارك الله فيك فضيلة الشيخ الكريم...
---------------
هذا نص عبارة ابن تيمية في مجموع الفتاوى : ( وأما النذر فهو نوعان: طاعة، ومعصية. فمن نذر صلاة أو صومًا أوصدقة فعليه أن يوفى به، وإن نذر ما ليس بطاعة مثل النذر لبعض المقابر والمشاهد وغيرها زيتا أو شمعًا أو نفقة أو غير ذلك، فهذا نذر معصية، وهو شبيه من بعض الوجوه بالنذر للأوثان، كاللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، فهذا لا يجوز الوفاء به بالاتفاق، لكن من العلماء من يوجب كفارة يمين، كالإمام أحمد وغيره. ومنهم من لا يوجب شيئًا، وهو قول أبي حنيفة والشافعي.
وإذا صرف الرجل ذلك المنذور في قربة مشروعة مثل أن يصرف الدهن في تنوير المساجد التي هي بيوت الله، ويصرف النفقة إلى صالحي الفقراء، كان هذا عملا صالحًا يتقبله الله منه، مع أن أصل عقد النذر مكروه، فإن النبي قد ثبت عنه أنه نهى عن النذر، وقال: إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل، والله أعلم.)

و لم أرَ في هذا الموطن حكاية إجماع على أن أصل عقد النذر مكروه ،
لكن في جامع المسائل هذا نص عبارته
bf2d6678785e4523aa2bd8b.png


يقول : نفس عقد النذر منهي عنه باتفاق الأئمة و أصل عقد النذر مكروه..

أما الكراهة فقد قال بعض العلماء بالتحريم لا الكراهة "مثل الشيخ ابن عثيمين" على أن الأصل في النهي التحريم لا الكراهة..و قيل أن بعض العلماء رأيهم في النذر الإباحة..و أن الحكم بالكراهة هو رأي الجمهور..

و الكراهة إنما تتجه لوصف مقيد في النذر ،
قال الشيخ صالح آل الشيخ :-
(والكراهة إنما جاءت لصفة الاعتقاد لا لصفة أصل العبادة، فإنه في النذر المقيد إذا قال: إن كان كذا وكذا فلله علي نذر كذا، وكذا الكراهة راجعة إلى ذلك التقييد لا إلى أصل النذر، دل على ذلك التعليل حيث قال: « فإنما يستخرج به من البخيل » . ) شرح كتاب التوحيد - باب من الشرك النذر لغير الله..

أما معنى العبارة "أصل عقد النذر مكروه" أى أصل إنشاء النذر ، و الله تعالى أعلم..
 

متولى أمين حلوة

:: مشارك ::
إنضم
31 مايو 2010
المشاركات
248
الجنس
ذكر
التخصص
طب الأطفال
الدولة
saudia
المدينة
الأحساء - الهفوف
المذهب الفقهي
غير متمذهب
رد: الإشكالات الفقهية (6): بابٌ من العلم غريب!

تصويب خطأ في الكتابة :

لأن الالتزام أمر عقدي ، إقرارى متعلق بالإيجاب على النفس ، و لو يباشر الفعل ، و لو قارف الإثم..
هكذا زلت اليد
و الصواب : [ و لو لم يباشر الفعل.. ] ..بإثبات ( لم )
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: الإشكالات الفقهية (6): بابٌ من العلم غريب!

كيف يكون أصل عقد النذر مكروهاً منهياً عنه باتفاق الأئمة، ومذهب الحنفية وأكثر الشافعية والمالكية أن نذر التبرر أو النذر الابتدائي مستحب وقربة محضة؟
 

متولى أمين حلوة

:: مشارك ::
إنضم
31 مايو 2010
المشاركات
248
الجنس
ذكر
التخصص
طب الأطفال
الدولة
saudia
المدينة
الأحساء - الهفوف
المذهب الفقهي
غير متمذهب
رد: الإشكالات الفقهية (6): بابٌ من العلم غريب!

كيف يكون أصل عقد النذر مكروهاً منهياً عنه باتفاق الأئمة، ومذهب الحنفية وأكثر الشافعية والمالكية أن نذر التبرر أو النذر الابتدائي مستحب وقربة محضة؟
بوركت شيخنا الكريم..

5326404784_cced676298_b.jpg
5326374768_417eede905_b.jpg

5325768141_69cdb8761e_b.jpg
5325768241_b2c0bd7e89_b.jpg
5325768329_673bab1a40_b.jpg

انتهى من مجموع الفتاوى جزء 20


و شيخ الإسلام عباراته تختلف في حكاية الإجماع
فمن ألفاظه
بغير نزاع / بلا نزاع
باتفاق الأئمة
باتفاق العلماء
باتفاق الأمة/بإجماع الأمة
بإجماع المسلمين
باتفاق المسلمين
باتفاق الفقهاء
باتفاق الأئمة الأربعة
..و غير ذلك من العبارات المحررة المنضبطة..

و إذا كان يُفرَّق بين الأئمة الأربعة و بين الأئمة و كل الأئمة المتبوعين و غيرهم ، هؤلاء أئمة متبوعين ، يُفرَّق بينهم و بين سائر العلماء التابعين..
(كما يعبر ابن تيمية فيقول أتباع الأئمة)..و أتباع الأئمة غير الأئمة..و كثيراً ما يخالف التابع متبوعه..

و الكلام التالى ( و السابق ) نموذج يؤكد و يوضح أطراف تلك المسألة..

1- الأئمة غير العلماء ، فكل إمام عالم و ليس العكس
2-بيان كثرة اختلاف التابعين على المتبوعين إما رجوعاً إلى الحق و إما مخالفةً للحق..

لأني في الحقيقة ما فهمت استدراك شيخنا أبي فراس ،
هل يُقصَد به تناقض ابن تيمية على اعتبار أن كلمة الأئمة تشمل كل العلماء ؟؟أو عدم اعتباره لوجود المخالف فينكسر إجماعه ؟؟
أو كيف أن التابعين لأئمة خالفوا الأئمة المتبوعين ؟

لذلك سقت ما أتصور تناوله و توضيحه لتلك الأطراف جميعاً

من مجموع الفتاوى جزء 22 " يلاحظ دقة ابن تيمية في العبارة و تحريره لها في التفريق بين لفظ أئمة و بين من دونهم "و الإمام يطلق على من يؤتم و يقتدى به و إن كان في المقتدِي علم من جنس علم المقتدَى به ،
لكن إذا أضيف الإجماع للأئمة ليس كإضافته لمن دونهم..و قد يصح رأي المفضول في الجملة و قد يخطئ رأي الفاضل في الجملة كذلك..

27d03298e63b492aa3f9dfe.png
5326494044_bc1b199a8d_b.jpg
5326494162_5fcac2f386_b.jpg
5325887989_430cf109b2_b.jpg
5325888105_19c070087a_b.jpg
5325888237_f271592e52_b.jpg

5325888335_90f07b5eca_b.jpg
5325888451_433a00f1ff_b.jpg
5326494864_39c7821ef7_b.jpg
5325888661_4c77aa0144_b.jpg
5325888749_bc46ccc99d_b.jpg


و على هذا يتضح أتم الاتضاح تفريق ابن تيمية بين لفظ أئمة و بين من دونهم ، و يقصد أئمة الدين المقتدى بهم المتبوعين من المسلمين ، أما من دون الأئمة من العلماء فالظاهر أن ابن تيمية لا يشير لهم بلفظ أئمة ،
فإذا ثبت هذا ،
مع ضم ما ذكره الشيخ الكريم أبي فراس من كون العلماء التابعين للأئمة المقتدى بهم اختلفوا مع أئمتهم ، فإنى قد سقت من كلام شيخ الإسلام من ثبوت تلك المخالفة في غير مسألة..
و ابن تيمية بشر ، يخطئ و يصيب و يسهو و يغفل و يتوقد ذهنه و يذهل..

فعلى أى تقدير من تقادير كلام شيخنا الكريم : أظن أن في سوق كلام شيخ الإسلام رداً على استفسار أستاذنا الشيخ الفاضل أبي فراس ،

فإذا قال : " اتفاق الأئمة " ليس كقوله " اتفاق العلماء "..
و من ثم لو ثبت مخالفة العلماء لاتفاق الأئمة فهو وارد الوقوع و نظائره ليست قليلة..و حينئذ لا إشكال من تعارض و تناقض و نحوه..

و الله تعالى هو أعلم ، و هو يعفو عن الزلل و التقصير و الخلل..

أو لعلى غبت عن مقصود الكلام بالجملة ؟؟
 
أعلى