- إنضم
- 23 أكتوبر 2007
- المشاركات
- 8,147
- الجنس
- ذكر
- الكنية
- أبو أسامة
- التخصص
- فقـــه
- الدولة
- السعودية
- المدينة
- مكة المكرمة
- المذهب الفقهي
- الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
يحتاج القاضي في وظيفته القضائية إلى مجموعة من الأعوان تعينه على ممارسة مهنته وأدائها على الوجه الأكمل ، ومن هؤلاء الأعوان :
(1)جماعة من أهل العلم والفضل : يتخذ القاضي جماعة من أهل العلم والفضل يستشيرهم في ما يعرض عليه من قضايا وما ينبغي لها من أحكام شرعية مناسبة وهذه المشاورة من القاضي مطلوبة وإن كان عالما فقد كان عمر بن الخطاب يستشير كبار الصحابة وعلماءهم كعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين . والغرض من المشاورة تبينه القاضي إلى ما عسى أن يكون قد فاته أو نسيه مما له تعلق بالدعوى أو تأثير في الحكم مع بيان رأيهم في الحكم المناسب ، وقد اشترطوا فيهم أن يكونوا من أهل الاجتهاد والعدالة حتى يمكنهم الدلالة على الحكم الشرعي للقضية .
2/ الكـاتب : وهو الذي يكتب بين يدي القاضي حسبما يملي عليه القاضي. وقد قال الفقهاء في هذا الكاتب ينبغي أن يكون عدلا وعلى قدر كاف من الفقه والدراية .
3/ الحـاجب : وهو الذي يقدم الخصوم إلى القاضي ليقضي في خصومتهم بحسب أسبقيتهم في الحضور أو على حسب ترتيب رؤية دعاواهم .
4/ البـواب : ومن وظيفته إعلام الناس بوقت جلوس القاضي للحكم ، وإعلامهم بوقت راحته ،وإخبار القاضي بمن يريد الدخول عليه والغرض من ذلك حتى إذا أذن له القاضي بالدخول أدخله وإلا لم يدخله .
5/ المترجـم : ويتخذ القاضي مترجما عدلا أو مترجمين اثنين أو أكثر فإن لم يكن عند القاضي مترجم خاص ترجم له عند الحاجة ثقة مأمون ومترجمان أفضل من الواحد وتجوز ترجمة المرأة العدل عند الحاجة .ويقوم هؤلاء المترجمون بترجمة أقوال المدعين أو المدعى عليهم أو الشهود إذا كان القاضي لا يعرف لغتهم .
6/ الجلـواز : وهو الذي يقوم على رأس القاضي ويقيم الخصوم إذا انتهت الخصومة ليخرجوا من مجلس القضاء وهو الذي يمثل الشرطة التي تحفظ الأمن في المحكمة وتحمي القاضي .
7/ الشـهود : وهؤلاء يحضرهم القاضي وجوبا ليشهدوا على القرارات التي تصدر من الخصوم ويحفظها ويدلوا بها عند الحاجة ، وينبغي أن تتوفر فيهم العدالة اللازمة لتحمل الشهادة وأدائها )
8/ الأجـرياء : ووظيفتهم إحضار الخصوم إلى مجلس القضاء إذا استعدى عليهم أصحاب الحقوق وينبغي أن يكونوا من ذوي الدين والأمانة والبعد عن الطمع . وهؤلاء أيضاً يمثلون جزء من شرطة المحاكم .
9/ المزكـون : وهؤلاء رجال عدول يختارهم القاضي دون أن يكونوا معلومين للناس لتزكية الشهود بعد السؤال عنهم .
10/ المؤدبـون : هؤلاء نفر من الرجال الأكفاء يكونون في مجلس القضاء ليزجروا من ينبغي زجره من المتخاصمين أو غيرهم إذا أساءوا الأدب في مجلس القضاء ، ولهم الحق في إخراجهم من المجلس إذا لم يكفوا عن إساءتهم .وهؤلاء أيضاً يتبعون لشرطة المحاكم .
11/ أهل الخـبرة : وهؤلاء يختارهم القاضي من أهل العدالة والأمانة والخبرة في الأمور التي تدخل في أعمال القضاء وتحتاج إلى خبرة معينة مثل تقويم الأشياء وإجراء قسمة العقار والمنقول ونحو ذلك .
12/ صـاحب السـجن : أو السجان ومن واجباته أن يرفع إلى القاضي كل يوم أحوال المحبوسين وما يجري في السجن حتى يزيل الظلم ، ويطلق سراح من لا يستحق البقاء في السجن وكذا من انقضت مدة سجنه . هذا ومن الجدير بالذكر أن هؤلاء الأعوان منهم من يختاره القاضي بنفسه كأهل العلم والفضل الذين يستشيرهم ، وكالمزكين والشهود، ومنهم من يعينه الحاكم أو الأمير كالكاتب والحاجب والبواب . ويتقاضى أعوان القضاء أرزاقاً من بيت المال مقابل عملهم كل حسب اختصاصه ونوعية عمله .هذا وينبغي للقاضي أن يراقب أعوانه ليطمئن على حسن سيرتهم وقيامهم بواجباتهم المناطة بهم
استقلال القاضي عن السلطة التنفيذية
تمنع نصوص الشريعة وقواعدها العامة ولاة الأمور في الأمة من التدخل في القضاء أو التأثير في أدائه بأي وجه من الوجوه ، لأن هذا محرم والنظام الإسلامي يتقيد بصفة عامة في كل أصوله وفروعه ومظاهره بغاية عليا هي العدل القائم على التوحيد ، والتوحيد ليس بالقول فحسب بل بالعمل الذي يصادقه هذا العمل، وهو تنفيذ ما أمر الله به ، ومنع ما نهى الله عنه ، وذلك على وجه التضامن بين الناس ، ومن مقتضى ذلك أن تكون أوامره سبحانه وتعالى ، ونواهيه معيارا للحق والعدل ، فما أمر به هو الحق والعدل ، وما نهى عنه هو الباطل والظلم ومنعه هو الحق والعدل .
وقد تواترت الآيات في وجوب الحكم بالعدل وتحريم الظلم ، ومن ذلك قوله تعالى : (( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون )) وقال تعالى : (( ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا ، اعدلوا هو اقرب للتقوى )) والشنآن هو البغض والشقاق. وقال تعالى : (( وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل )) وقال تعالى : (( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون )) وفي الحديث القدسي : ( قال الله تعالى يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا )
تلك هي بعض نصوص الشريعة في شأن وجوب الحكم بالعدل وبما أنزل الله وهو خطاب عام للحاكم والمحكوم على السواء ، فالحاكم والسلطان في الإسلام مقيد فيما يجريه بحكم الله ،ولا طاعة له فيما جاوز ذلك . هكذا فهم وعمل السلف الصالح بأحكام الشريعة ، فهم ولاة الأمور والحاكم هو الله تعالى ، وأن الخليفة أو الإمام ليس إلا واحدا من المسلمين سواء بسواء، هم الذين يختارونه ويوسدونه الرئاسة ، ولهم مراقبته ، وعليه مشاورتهم فإن حاد عن الشرع وأهدر مصالحهم عزلوه . كما فهم ولاة الأمور في الدولة الإسلامية أن أساس الحكم في الإسلام هو العدل الذي قامت به السماوات والأرض، فهذا عمرو بن العاص يقول :لا سلطان إلا برجال ، ولا رجال إلا بالمال ، ولا مال إلا بعمارة ، ولا عمارة إلا بالعدل .
وهذا عمر بن عبد العزيز يكتب إلى أحد عماله حينما استأذنه في تحصين مدينة قائلا :حصنها بالعدل ، ونق طريقها من الظلم . وهذا سعيد بن سويد يقول في إحدى خطبه بحمص : أيها الناس إن للإسلام حائطا منيعا وبابا وثيقا ، فحائطه الحق وبابه العدل ، ولا يزال الإسلام منيعا ما اشتد السلطان وليس شدة السلطان قتلا بالسيف ولا ضربا بالسوط ، ولكن قضاء بالحق وأخذاً بالعدل من أجل ذلك أحاط الخلفاء الراشدون ورؤساء الدولة الإسلامية القضاء بكل مظاهر الإجلال والتكريم ، وصانوه عن التدخل ضمانا للحق وإرساء للعدل فلم يسعوا إلى تحويل الأحكام لصالحهم ، أو لصالح من يحبون ، وانما امتثلوا لأحكام القضاء بالاحترام والتنفيذ فكانوا يقبلون الأحكام الصادرة ضدهم راضين وينفذونها طائعين وكم حدثتنا كتب الأثر عن مخاصمات كان بعض الخلفاء الراشدين وولاة المسلمين ومن بعدهم طرفا فيها،وصدرت ضدهم أحكام القضاة الموالين من قبلهم راضين طائعين ولعل الحق كان معروفا لهؤلاء الخلفاء ولكنهم تعمدوا طرح الخصومة على القضاء لاختبار قوتهم في الحق ولو كان في جانب ذمي من اليهود أو النصارى وضد الخليفة ، وليكن ذلك سنة من بعده .
ولم يكن حرص قضاة الإسلام أنفسهم على تلك المعاني بأقل من حرص ولاة الأمور فقد كان القاضي في مجلس قضائه محترما مهيبا لا تأخذه في الحق لومة لائم يسوي في مجلسه بين الأمير والحقير وبين الشريف والوضيع وقد روت لنا كتب التاريخ بعض الأمثلة على ذلك منها :دخل الأشعث بن قيس على القاضي شريح في مجلس الحكومة فقال شريح : مرحبا وأهلا وسهلا بشيخنا وسيدنا ، وأجلسه معه ، فبينما هو جالس معه إذ دخل رجل يتظلم من الأشعث فقال له شريح : قم فاجلس مجلس الخصم وكلم صاحبك ، فقال بل أكلمه في مجلسي فقال له : لتقومن أو لآمرن من يقيمك ، فقام امتثالا لأمر القضاء ويروى أبو يوسف وهو من أفذاذ القضاة عن نفسه : أنه جاءه رجل يدعى أن له بستانا في يد الخليفة فأحضر الخليفة إلى مجلس القضاء وطلب من المدعي البينة فقال : غصبه المهدى مني ولا بينة لدي وليحلف الخليفة ، فقال أمير المؤمنين : البستان لي اشتراه لي المهدي ولم أجد به عقدا فوجه القاضي أبو يوسف إلى الخليفة اليمين ثلاث مرات فلم يحلف الخليفة فقضى بالبستان للرجل كتب الخليفة أبو جعفر المنصور إلى سوار بن عبد الله قاضي البصرة : انظر الأرض التي تخاصم فيها فلان القائد ، وفلان التاجر فادفعها إلى القائد فكتب إليه سوار : إن البينة قد قامت عندي أنها للتاجر ، فلست أخرجها من يده إلا ببينة ، فكتب إليه المنصور : والله الذي لا إله إلا هو لا أخرجتها من يد التاجر إلا بحق ، فلما جاءه الكتاب قال : ملأتها والله عدلا وصار قضاتي تردني إلى الحق.
غير أن الإسلام لم يكتف بمنع ولاة الأمر من التدخل في عمل القاضي حفاظاً على استقلاله فحسب بل إنه فرض لاستقلال القضاء ضمانات أخرى لتثبيته وتوطيده ولما كان مركز القاضي في المجتمع مركزا مهما وخطيراً لأنه هو الذي يفصل بين الناس ،فينبغي أن يكون محل ثقة واحترام الناس لتطمئن على عدالته في الحكم . ولا يستطيع القاضي أن ينال هذه المنزلة عند الناس إلا بالدليل الملموس الذي يقدمه للناس في سلوكه المرضي البعيد عن الشبهات وفي صرامته في التمسك بعدالة الحكم بين الخصوم . فقد نبه الفقهاء رحمهم الله تعالى إلى ذلك وذكروا ما ينبغي أن يبتعد عنه القاضي في سلوكه وسيرته وأعماله ولا شك أن ما ذكروه هو على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر، والقاعدة العامة في سلوكه هي أن يكون مرضيا لا تثار حوله الشكوك والريب،ومما نبه عليه الفقهاء في هذا المجال :
1-منعه من أعمال التجارة : قال :الإمام الشافعي رحمه الله تعالى : ( وأكره له -أي للقاضي- البيع والشراء خوف المحاباة والزيادة ) لأنه إذا باع واشترى لم يؤمن أن يسامح ويجابي فتميل نفسه عند المحاكمة إلى مسامحة ومحاباة من سامحه وحاباه ويقاس على البيع والشراء سائر أعمال التجارة الأخرى حسب الظروف والأحوال .
2-منعه من قبول الهدية : لا يقبل القاضي الهدية من أحد الخصمين لأنها تورث تهمة المحاباة بل إن الهدية تكره إلى القضاة مطلقا أي سواء من الخصمين أو من غيرهما. ولما رد عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى الهدية قيل له : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية فقال عمر : كانت للنبي صلى الله عليه وسلم هدية ولنا رشوة لأن المسلمين كانوا يتقربون بهذه الهدية للنبي صلى الله عليه وسلم لنبوته) ولأنه صلى الله عليه وسلم معصوم مما يخاف من الهدية على غيره ويقاس على الهدية كل منفعة يقدمها إليه أهل البلد الذي يقضي فيه.
3- منعه مما يخل بالمروءة : وبالإضافة إلى ما تقدم. ينبغي أن يكون القاضي مهيبا وقورا بعيدا عما يلثم المروءة ولا يليق بالقضاة قليل المداخلة والعلاقات مع الناس حتى لا يتأثر فيحابي في قضائه من أجلها وأن لا يغشى مجتمعات الناس التي تناسبه ، وألا يمازح ويضاحك الآخرين في مجالسهم أو مجلسه لأن كل ذلك ينزع المهابة والوقار منه والقاضي بحاجة إلى الهيبة والوقار . وكذلك عليه أن يكون كلامه من النوع العلي الخالي من الغلطة والفحش أو الاستهزاء أو الاستعلاء على الآخرين (ومن مظاهر استقلال القضاء في الشريعة الإسلامية كذلك، ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من أنه لا يجوز للسلطان عزل القاضي إذا كان عدلا إلا لمصلحة اقتضت ذلك كتسكين فئة ،أو يكون غيره أقوى منه أو أصلح للقضاء ،فإن عزل لغير مصلحة لا ينعزل) وإذا كانت الناحية المادية لها تأثير كبير في حياة الناس فقد رعت الشريعة الإسلامية ذلك الجانب حرصا منها على عدم الإخلال بمبدأ استقلال القضاء . فمادام أن القاضي قد شغل وقته وفرغ نفسه للحكم بين الناس وما دام أنه منع من التكسب بالتجارة ونحوها ومن كثير من مخالطة الناس وأمر بالتحلي بدرجة عالية من الأخلاق والآداب تكفل له الاحترام والاستقلال في الرأي . ما دام كذلك فإن كل هذا لن يتم له إلا إذا كان له مرتب يتقاضاه من بيت المال يكفل له العيش بأمان دون أن يكون لأحد عليه منه ودون أن يلجأ إلى بعض المكاسب التي لا تليق بمنصبه من هنا فقد نص الفقهاء على أن القاضي ينبغي أن يكون له رزق من بيت المال يقول ابن قدامة في موضوع رزق القاضي بعد أن ذكر أقوال الفقهاء في هذه المسألة: ( والصحيح جواز أخذ الرزق عليه ـ أي على عمل القضاء ـ بكل حال ، لأن أبا بكر رضي الله عنه لما ولى الخلافة فرضوا له الرزق كل يوم درهمين ولما ذكرناه من أن عمر رضي الله عنه رزق زيدا وشريحا وابن مسعود ،ولو لم يأمر بفرض الرزق لتعطل القضاء وضاعت الحقوق).