العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

من الفروق: لا يطهر شيء من النجاسات بالاستحالة إلا ...

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
ذكر شرف الدين الزريراني البغدادي الحنبلي (ت741هـ) في "إيضاح الدلائل" ص 25 أن الفرق بين كون النجاسات لا تطهر بالاستحالة إلا الخمرة فإنها تطهر بها:
أن الخمرة إذا استحالت عن العصير (عنباً أو غيره) فإنها تنجُس، فإذا استحالت بذهاب علة تنجيسها: طهُرَت.

(الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً)
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: من الفروق: لا يطهر شيء من النجاسات بالاستحالة إلا ...

للتنبيه.. الفرق المذكور جارِ على طريقة الحنابلة في المعتمد عندهم.. وإلا فالحنفية يعتبرون الاستحالة مطهرة مطلقاً، وهي رواية عن الإمام أحمد اختارها ابن تيمية.
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: من الفروق: لا يطهر شيء من النجاسات بالاستحالة إلا ...

قال الحصني الشافعي في "كفاية الأخيار": اعْلَم أَن تَطْهِير الْأَشْيَاء تَارَة يكون بِالْغسْلِ، وَقد مر، وَقد يكون بالإستحالة.
وَمعنى الاستحالة: انقلاب الشَّيْء من صفة إِلَى أُخْرَى.
فَإِذا تخللت الْخمْرَة، أَي انقلبت بِنَفسِهَا سَوَاء كَانَت مُحْتَرمَة أم غير مُحْتَرمَة، طهرت؛ لِأَن النَّجَاسَة وَالتَّحْرِيم إِنَّمَا كَانَا لأجل الْإِسْكَار وَقد زَالَ، وَلِأَن الْعصير لَا يَتَخَلَّل إِلَّا بعد التخمر فَلَو لم نَقُل بِالطَّهَارَةِ لتعذر اتِّخَاذ الْخلّ.
قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم: وَأَجْمعُوا على أَنَّهَا إِذا انقلبت بِنَفسِهَا خَلّاً طهرت، وَحكي عَن سحْنُون أَنَّهَا لَا تطهر. فَإِن صَحَّ عَنهُ فَهُوَ محجوج بِإِجْمَاع من قبله، وَإِن خللت بطرح شَيْء فِيهَا من بصل أَو خميرة أَو غير ذَلِك لم تطهر، وَلَا يطهر هَذَا الْخلّ بعده أبداً لَا بِغسْل وَلَا بِغَيْرِهِ، وَاحْتج لذَلِك بِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام سُئِلَ عَن الْخمر يتَّخذ خلاً، فَقَالَ: (لَا).. وَاحْتج لتَحْرِيم التَّخْلِيل أَيْضا بِأَن طَلْحَة رَضِي الله عَنهُ أسلم وَعِنْده خمر لأيتام، فَقَالَ: يَا رَسُول الله أخللها؟ قَالَ: (لَا، أَهْرِقها)، وَلِأَنَّهُ استعجل الْخلّ بِفعل محرم فَحَرُم، كَمَا لَو قتل مُوَرِثه لاستعجال الْإِرْث فَإِنَّهُ لَا يَرِثهُ مُعَاملَة لَهُ بنقيض مَقْصُوده.
وَإِن خللت لَا بطرح شَيْء فِيهَا بِأَن نقلت من شمس إِلَى ظلّ أَو عَكسه فَإِنَّهَا تطهر على الرَّاجِح، وَكَذَا لَو فتح الْوِعَاء حَتَّى دخل الْهَوَاء. وَالْفرق بَين هَذَا وَبَين مَا إِذا طرح فِيهَا شَيْء أَو وَقع بِنَفسِهِ أَن الْوَاقِع ينجس بالخمرة فَإِذا استحالت خلاً تنجست بِالْعينِ الْحَاصِلَة فِيهَا وَلَا يطهر النَّجس إِلَّا بِالْمَاءِ، وَالله أعلم. أهـ
 
التعديل الأخير:

الدرَة

:: نشيط ::
إنضم
26 أكتوبر 2010
المشاركات
653
التخصص
الفقه
المدينة
..
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: من الفروق: لا يطهر شيء من النجاسات بالاستحالة إلا ...

شكر الله لكم شيخنا الفاضل وجعله الله في موازين حسناتك
في إنتظار المزيد من فضيلتكم .
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: من الفروق: لا يطهر شيء من النجاسات بالاستحالة إلا ...

وشكر لكم أختنا المباركة، وجزاكم خيراً
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: من الفروق: لا يطهر شيء من النجاسات بالاستحالة إلا ...

للتنبيه.. الفرق المذكور جارِ على طريقة الحنابلة في المعتمد عندهم.. وإلا فالحنفية يعتبرون الاستحالة مطهرة مطلقاً، وهي رواية عن الإمام أحمد اختارها ابن تيمية.
وممن جعل الاستحالة مطهرة مطلقاً كذلك: مالك في أحد القولين، وابن حزم الظاهري..

ومن أمثلة الاستحالة:
- أن يقع في الملاحة كلب أو ميتة فيصير ملحاً طيباً.
- أن يحرق العذرة أو الروث النجس فيصير رماداً.
 

الدرَة

:: نشيط ::
إنضم
26 أكتوبر 2010
المشاركات
653
التخصص
الفقه
المدينة
..
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: من الفروق: لا يطهر شيء من النجاسات بالاستحالة إلا ...

جزاكم الله خيرا شيخنا الفاضل على حسن العرض وسهولة العبارة فتح الله عليكم الفقه في دينه
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: من الفروق: لا يطهر شيء من النجاسات بالاستحالة إلا ...

جزاكم الله خيرا شيخنا الفاضل على حسن العرض وسهولة العبارة فتح الله عليكم الفقه في دينه

وإياكم، آمين ولكم بمثل ما دعوتم
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: من الفروق: لا يطهر شيء من النجاسات بالاستحالة إلا ...

والتطهير بالاستحالة أصل استند إليه كثيرون في إباحة الصابون المصنوع من زيت نجس، وكذا بعض المواد الدوائية المستخلصة أصلا من الخنزير مع معالجتها كيميائيا، وكذا يقرره بعضهم في طهارة مياه الصرف الصحي بعد معالجتها (والأصح أنها تطهر بإزالة عين النجس والمكاثرة لا الاستحالة)، وذكر المتقدمون أن شاة لو رضعت من كلبة أو خنزير فإنه يجوز أكلها ولا تنجس للاستحالة، وكذا لو سقي شجر بماء نجس أو ببول فإن ثمرته طاهرة (خضراء الدمن)
ويشكل على هذا كله نهي النبي الصريح عن الجلالة وهي الدواب التي تأكل النجاسات، وكذا القول بتحريم الحمر لأنها كانت تأكل العذرة كما في قول ابن عباس رضي الله عنه وقد تأوله بعض الفقهاء النهي عن الجلالة بالتي يظهر فيها أثر النجس من عرق ونحوه. وهو تأويل ربما لا يجد ما يسنده من القرائن، ولا ننسى أن إحدى مسببات مرض جنون البقر إطعام البقر النجاسات البروتينية والله أعلم بالصواب

 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: من الفروق: لا يطهر شيء من النجاسات بالاستحالة إلا ...

ويشكل على هذا كله نهي النبي الصريح عن الجلالة وهي الدواب التي تأكل النجاسات، وكذا القول بتحريم الحمر لأنها كانت تأكل العذرة كما في قول ابن عباس رضي الله عنه وقد تأوله بعض الفقهاء النهي عن الجلالة بالتي يظهر فيها أثر النجس من عرق ونحوه. وهو تأويل ربما لا يجد ما يسنده من القرائن، ولا ننسى أن إحدى مسببات مرض جنون البقر إطعام البقر النجاسات البروتينية والله أعلم بالصواب
يسند تأويلهم هذا -حفظكم الله- أن لفظ الجلَّالة لا يطلَق إلا على ما كان حاله هو ذاك، وأما ما كان دون ذلك فقد اشتهر عندهم تسميته بغير هذا الاسم، كقولهم: دجاجة مخلَّاة. والله أعلم
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: من الفروق: لا يطهر شيء من النجاسات بالاستحالة إلا ...

يسند تأويلهم هذا -حفظكم الله- أن لفظ الجلَّالة لا يطلَق إلا على ما كان حاله هو ذاك، وأما ما كان دون ذلك فقد اشتهر عندهم تسميته بغير هذا الاسم، كقولهم: دجاجة مخلَّاة. والله أعلم
هذا طيب بارك الله فيكم ولكنه يحتاج إلى إثبات من أهل اللغة أو من الاستعمال العرفي في زمن النص ولا أظنه يتيسر.
وقد ظهر لي وجه في الجمع وهو بالفصل بين تحريم أكل الشيء من جهة، ونجاسته من جهة أخرى، إذ قد يحرم تناول الشيء لضرره مع جزمنا بعدم نجاسته كالسم، والخمر عند من يقول بطهارتها، وعليه فلا تلازم بين النهي عن أكل الجلالة وبين القول بنجاستها، وبهذا يسلم لنا أن الاستحالة مطهرة ولا ينقضها تحريم الجلالة على فرض القول به
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: من الفروق: لا يطهر شيء من النجاسات بالاستحالة إلا ...

هذا طيب بارك الله فيكم ولكنه يحتاج إلى إثبات من أهل اللغة أو من الاستعمال العرفي في زمن النص ولا أظنه يتيسر.


وقد ظهر لي وجه في الجمع وهو بالفصل بين تحريم أكل الشيء من جهة، ونجاسته من جهة أخرى، إذ قد يحرم تناول الشيء لضرره مع جزمنا بعدم نجاسته كالسم، والخمر عند من يقول بطهارتها، وعليه فلا تلازم بين النهي عن أكل الجلالة وبين القول بنجاستها، وبهذا يسلم لنا أن الاستحالة مطهرة ولا ينقضها تحريم الجلالة على فرض القول به
القول بطهارتها قول الأكثرين من أهل العلم إن لم يكن محل اتفاق بينهم.
والمعتمد عند الحنفية والصحيح عند الشافعية كراهة أكلها كراهة تنزيه، وأباحه المالكية، وذهب الحنابلة إلى تحريم ذلك. وبالله التوفيق
 
إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
رد: من الفروق: لا يطهر شيء من النجاسات بالاستحالة إلا ...

السلام عليكم

مَسْأَلَةُ الطَّهَارَةِ بِالاِسْتِحَالَةِ

-حّدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سًفْيَانَ عَنْ السُّدِّيِّ عَنْ يَحْيَى بِنْ عَبَّادٍ عَنْ أَنَسِ بِنْ مَالِكٍ: أَنَّ أَيْتَامًا وَرِثُون خَمْرًا، فَسَأَلَ أَبُو طَلْحَةَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَجْعَلَهُ خَلًّا: (لاَ). أخرجه مُسلم (1983)، وأبو داود (367).
وَذُكِرًَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: لاَ بَأسَ بِهِ.

***
إذا تخللت الخمر بنفسها بغير قصد التخليل يحل ذلك الخل بلا خلاف بين الفقهاء، وإذا خللها صاحبها بعلاج؛ فقال الشافعية والحنابلة ومالك في رواية: لا يحل تخليل الخمر بالعلاج ولا تطهر. وقال أبو حنيفة ورواية عن مالك: التخليل جائز وتطهر. وعن مالك في أصح الروايات عنه: أن التخليل حرام فلو خللها طهرت.
قال صاحب الهداية: وإذا تخللت الخمر حلت، وساء صارت خلًّا بنفسها أو بشئ يُطرح فيها ولا يُكره تخليلها. اهـ. الهداية وشروحها: فتح القدير (10/ 107)، والعناية (10/ 107)، ونصب الراية (6/ 242).
وقال شارح مختصر خليل: روى ابن القاسم تحريم تخليل الخمر، وروى أشهب الإباحة فعلى رواية ابن القاسم لمالك قولان في أكلها إذا خللت، مبنيان على النهي هل يقتضي فساد المنهي عنه أم لا. اهـ. انظر: التاج والإكليل (1/ 139)، وراجع: مواهب الجليل (1/ 98)، وشرح الخرشي (1/ 88)، ومنح الجليل (1/ 50)، وحاشية الدسوقي (1/ 52)، والمنتقى (3/ 153).
وقال النووي في المجموع شرح المهذب (2/ 592): إذا انقلبت الخمر بنفسها خلًّا فتطهر عند جمهور العلماء، ونقل القاضي عبدالوهاب المالكي فيه الإجماع، وحكى غيره عن سحنون المالكي أنها لا تطهر، وأما إذا خُللت بوضع شئ فيها فمذهبنا أنها لا تطهر، وبه قال أحمد والأكثرون. وقال أبو حنيفة والأوزاعي والليث: تطهر، وعن مالك ثلاث روايات أصحها عنه أن التخليل حرام وتطهر فلو خللها طهرت، والثانية: حرام ولا تطهر، والثالثة حلال وتطهر. اهـ. وراجع: المنهاج وشروحه: تحفة المحتاج (1/ 303)، ونهاية المحتاج (1/ 247)، ومغني المحتاج (1/ 236).
وقال الخرقي كما في المغني (9/ 145): والخمرة إذا أُفسدت فصيرت خلًّا لم تَزُلْ عن تحريمها، وإن قلب الله عينها فصارت خلًّا فهي حلال. اهـ.

-أدلة الجمهور:
1- استدل الجمهور بما رواه مُسلم وأبو داود -واللفظ له- عن أنس: أن أبا طلحة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمرًا قال: (أهرقها). قال: أفلا أجعلها خلًّا؟ فقال: (لا).
قال النووي في شرحه على مسلم (13/ 152): هذا دليل الشافعي، والجمهور أنه لا يجوز تخليل الخمر ولا تطهر بالتخليل، هذا إذا خللها بخبز أو خميرة أو غير ذلك مما يلقى فيها، فهي باقية على نجاستها وينجس ما أُلقي فيها، ولا يطهر هذا الخل بعده أبدًا لا بغسل ولا بغيره، أما إذا نُقلت من الشمس إلى الظل أو من الظل إلى الشمس، ففي طهارتها وجهان لأصحابنا: أصحهما تطهر. اهـ.
وأجاب الطحاوي -كما في شرح معاني الآثار (4/ 388)- بأنه محمول على التغليظ والتشديد كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بشق زقاق الخمر في مبدأ تحريم الخمر -كما روى ذلك أحمد في مُسنده (2/ 71) عن ابن عمر، وروى الطبراني في الكبير (5/ 99) عن أنس في حديث أبي طلحة وسؤاله عن خمر الأيتام فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أهرق الخمر وكسر الدنان)-، غضبًا لله على من غيبها بعد تحريم الله إياها، فعاقبهم بشق زقاقها، وهذا صريح في التغليظ؛ لأن فيه إتلاف مال الغير، وقد كان يمكن إراقة الزقاق وتطهيرها، ولكن قصد بإتلافها التشديد ليكون أبلغ في الردع، وقد يجوز أيضًا أن يكون من غيبها ممن سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تخليلها، منعه من ذلك أيضًا عقوبة له، لا لأنه لو خللت لم تحل له. وراجع: نصب الراية (6/ 245).
ومما يدل على ذلك أيضًا ما رواه ابن سعد من طريق سعد بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف عن أبيه: أن عمر حرق بيت رويشد الثقفي وكان حانوتًا للشراب، وكان عمر قد نهاه، فلقد رأيته يلتهب كأنه جمرة. اهـ. انظر: الطبقات الكبرى (5/ 55).
وقال الكاساني في بدائع الصنائع (5/ 113): ويحمل النهي عن التخليل على دفع عادة العامة؛ لأن القوم كانوا حديثي العهد بتحريم الخمر، فكانت بيوتهم لا تخلو عن خمر وفي البيت غلمان وجوار وصبيان، وكانوا أَلفِوا شرب الخمر وصار عادة لهم وطبيعة، والنزوع عن العادة أمر صعب، فَقَيِّمُ البيت إن كان ينزجر عن ذلك ديانة، فَقَلَّما يسلم الأتباع عنها لو أمر بالتخليل، إذ لا يتخلل من ساعتها بل بعد وقت معتبر فيؤدي إلى فساد العامة وهذا لا يجوز، وقد انعدم ذلك المعنى في زماننا ليقرر التحريم ويألف الطبع تحريمها، حملناه على هذا دفعًا للتناقض عن الدليل، وبه تبين أن ليس فيما قلناه احتمال الوقوع في الفساد. اهـ. وراجع: المبسوط (24/ 22)، وتبيين الحقائق (6/ 48).
2- وبما رواه البيهقي من طريق أسلم مولى عمر بن الخطاب: أن عمر بن الخطاب أتى بالطِّلاب -والطِّلاء بالكسر والمد: الشراط المطبوخ من عصير العنب، وهو الرُّبُّ. وراجع: النهاية ولسان العرب مادتي (طلى وربب)-، وهو بالجابية وهو يومئذ يطبخ وهو كعقيد الرُّبِّ فقال: إن في هذا لشرابًا ما انتهى إليه، فلا يشرب خل خمر أفسدت حتى يبدي الله فسادها فعند ذلك يطيب الخل، ولا بأس على امرئ أن يبتاع خلًّا وجده مع أهل الكتاب ما لم يعلم أنهم تعمدوا إفسادها بدعما عادت خمرًا. قوله أفسدت: يعني عولجت -أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (6/ 37)-.
وهذا قول يشتهر؛ لأنه خطب به الناس على المنبر فلم ينكر، فكان إجماعًا من الصحابة -يعني سكوتيًّا-.

-أدلة الحنفية:
1- أخرج مسلم في صحيحه (5471، 5473) عن عائشة وجابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نعم الإدام الخل).
وهو يشمل بعمومه جميع أنواع الخل: المخلل والمتخلل. ويمكن أن يجاب عن ذلك بأنه عام خُصَّ منه المخلل بحديث أنس.
2- أخرج الدارقطني في سننه (1/ 49، 4/ 266) من طريق فرج بن فضالة عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن أم سلمة: أنها كانت لها شاة تحتلبها ففقدها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ما فعلت الشاة). قالوا: ماتت. قال: (أفلا انتفعتم بإهابها؟) قلنا: إنها ميتة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن دباغها يحله كما يحل خل الخمر).
قال الدارقطني: تفرد به فرج بن فُضالة وهو ضعيف، يروي عن يحيى بن سعيد أحاديث لا يُتابع عليها. اهـ.
وفرج بن فُضالة قال عنه أحمد: ثقة. وفي رواية: إذا حدث عن الشاميين فلا بأس، ولكنه حدث عن يحية بن سعيد مناكير. وقال يحيى بن معين: ضعيف الحديث. وفي رواية: ليس به بأس. وفي أخرى: صالح. وقال علي بن المديني: هو وسط وليس بالقوي. وفي رواية: ضعيف لا أحدث عنه. وقال البخاري ومسلم: منكر الحديث عن يحيى بن سعيد. وقال النسائي: ضعيف. وقال أبو حاتم: صدوق يكتب حديثه ولا يحتج به، حديثه عن يحيى بن سعيد فيه إنكار. وراجع: تهذيب الكمال (23/ 156)، والجرح والتعديل (7/ 85)، وميزان الاعتدال (3/ 343).
3- روى البيهقي من طريق المغيرة بن زياد عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خير خلكم خل خمركم).
قال البيهقي في السنن الكبرى (6/ 38): تفرد به المغيرة بن زياد وليس بالقوي، وأهل الحجاز يسمون خل العنب خل الخمر. قال: وإن صح فهو محمول على ما إذا تخلل بنفسه، وعليه يحمل أيضًا حديث فرج بن فضالة. اهـ.
والمغيرة بن زياد قال عنه أحمد: مضطرب الحديث، منكر الحديث، أحاديثه مناكير. وقال يحيى بن معين: ثقة. وفي رواية: ليس به بأس. وقال أبو حاتم: صالح صدوق ليس بذاك القوي. وقال أبو داود: صالح. وقال النسائي: ليس بالقوي. وراجع: تهذيب الكمال (28/ 359)، والجرح والتعديل (8/ 222)، وميزان الاعتدال (4/ 160).

وهكذا تمسّك كل مذهب بأدلته مع تأويل أدلة الآخر لتوافق أدلته، ومع رُجحان أدلة الجمهور وقوتها؛ فإنه لا ينبغي أن نصف الحنفية بمُخالفة الحديث في هذه المسألة؛ لأن الخلاف في فهم الحديث وتأويله لا يُعتبر مُخالفة له، ولما ذكروه من أدلة أخرى.

وراجع: منهج الحنفية في نقد الحديث ص(354- 357).

والله أعلم.
 
إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
أعلى