أبوبكر بن سالم باجنيد
:: مشرف سابق ::
- إنضم
- 13 يوليو 2009
- المشاركات
- 2,540
- التخصص
- علوم
- المدينة
- جدة
- المذهب الفقهي
- الحنبلي
قال الإمام عَليّ بن الْعِزّ الْحَنَفِيّ رحمه الله تعالى في كتابه "الاتباع":
وَقد انحرف فِي شَأْن أبي حنيفَة رَحمَه الله طَائِفَتَانِ؛
فطائفة قد غلت فِي تَقْلِيده فَلم تتْرك لَهُ قولاً وأنزلوه منزلَة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِنْ أُورِد عَلَيْهِم نَص مُخَالف قَوْله تأولوه على غير تَأْوِيله ليدفعوه عَنْهُم.
وَلم يكن أَصْحَابه مَعَه كَذَلِك بل رجعُوا عَن كثير مِمَّا كَانُوا قلدوه فِيهِ لمّا ظهر لَهُم فِيهِ الدَّلِيل على خلاف قَوْله..
فطائفة قد غلت فِي تَقْلِيده فَلم تتْرك لَهُ قولاً وأنزلوه منزلَة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِنْ أُورِد عَلَيْهِم نَص مُخَالف قَوْله تأولوه على غير تَأْوِيله ليدفعوه عَنْهُم.
وَلم يكن أَصْحَابه مَعَه كَذَلِك بل رجعُوا عَن كثير مِمَّا كَانُوا قلدوه فِيهِ لمّا ظهر لَهُم فِيهِ الدَّلِيل على خلاف قَوْله..
وَطَائِفَة تنقصته وَادعت أَنه أَخذ بِالرَّأْيِ وَترك النَّص هُوَ وَأَصْحَابه وسموهم أَصْحَاب الرَّأْي، وهم مَا بَين مُسْتَقل فِي ذَلِك من الطَّرفَيْنِ ومستكثر، فتراهم مَا بَين قَادِح تَارَة بِحَق وَتارَة بباطل، وَالله يغْفر لنا وَلَهُم.
وَأما الْمَعْنى الْفَاسِد الَّذِي قوبل بِهِ هَذَا القَوْل الْبَاطِل فَهُوَ دَعْوَى أَن أَبَا حنيفَة أقدم الْمُجْتَهدين فَإِنَّهُ إِن أَرَادَ أقدم الْمُجْتَهدين من هَذِه الْأمة فَهَذَا بَاطِل قطعاً، فكم قبله من مجتهدي الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، وَإِن أَرَادَ أقدم الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة الْمَشْهُورين وَهَذَا هُوَ مُرَاده فالإمام مَالك كَانَ معاصراً لَهُ؛ فَإِن مولد أبي حنيفَة رَحمَه الله سنة ثَمَانِينَ من الْهِجْرَة ووفاته سنة خمسين وَمِائَة، ومولد مَالك رَحمَه الله سنة ثَلَاث وَتِسْعين ووفاته سنة تسع وَسبعين وَمِائَة، فتعاصرا سبعاً وَخمسين سنة، وَلم يثبت أَن أَحدهمَا تأهل للِاجْتِهَاد قبل صَاحبه.. وعَلى تَقْدِير ثُبُوته لَا يلْزم مِنْهُ جَوَاز التَّقْلِيد لوَاحِد مِنْهُمَا دون الآخر فضلا عَن الْوُجُوب بل الْوَاجِب فِي مسَائِل النزاع الرَّد إِلَى الله وَالرَّسُول قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {فَإِن تنازعتم فِي شَيْء فَردُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُول} (النِّسَاء: 59)، وَالرَّدّ إِلَى الله إِلَى كِتَابه وَالرَّدّ إِلَى الرَّسُول الرَّد إِلَيْهِ فِي حَيَاته، وَإِلَى سنته بعد وَفَاته.
وَأهل التَّقْلِيد لَا يَفْعَلُونَ ذَلِك، بل يَأْخُذ أحدهم بِمَا يجد فِي كتب أَصْحَاب ذَلِك الإِمَام الَّذِي قَلّدهُ وَلَا يلْتَفت إِلَى قَول من خَالفه كَائِنا من كَانَ، وَنَصّ ذَلِك الإِمَام والكتب عِنْده بِمَنْزِلَة نَص الشَّارِع، وَكَثِيرًا مَا يكون ذَلِك النَّص من كَلَام بعض الْأَصْحَاب فِي الْفَتَاوَى وَلم يكن لذَلِك الإِمَام فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَة قَول مَنْقُول.
وَيلْزم الْقَائِل بترجيح الْمُجْتَهد الأقدم أَن يرجح قَول زيد (رض) وَعمر (رض) وَغَيرهمَا من الصَّحَابَة أَو قَول سعيد بن الْمسيب وَالقَاسِم بن مُحَمَّد أَو غَيرهمَا من التَّابِعين على قَول إِمَامه وَهَذَا لَا يَفْعَله كثير من المقلدين.. وَلَا شكّ أَن هَذَا تَرْجِيح لم ينشأ عَن دَلِيل بل هُوَ فَاسد، فكم من تلميذ أعلم من شَيْخه وَأفضل مِنْهُ، فَهَذَا أَبُو حنيفَة رَحمَه الله شَيْخه حَمَّاد، وَلَا يذكر حَمَّاد عِنْد مقلدي أبي حنيفَة رَحمَه الله.وَأَيْضًا فقد يُعَارضهُ من يُقَلّد الإِمَام الْمُتَأَخر بِأَن يَقُول الإِمَام الْمُتَأَخر اطلع على أَقْوَال الْأَئِمَّة الْمُتَقَدِّمين وَنظر فِي أدلتهم وَاخْتَارَ الصَّحِيح وَالأَصَح فَيكون تَقْلِيده أولى لجمعه مَا كَانَ مُتَفَرقًا عِنْد الْأَئِمَّة الَّذين كَانُوا قبله وإطلاعه على مَا يطلع عَلَيْهِ كل فَرد مِنْهُم فَظهر سُقُوط الِاسْتِدْلَال بقدم الْمُجْتَهد.