فوزي منصور حسن
:: مشارك ::
- إنضم
- 25 فبراير 2010
- المشاركات
- 229
- التخصص
- فقه
- المدينة
- لندن
- المذهب الفقهي
- فقه الدليل من الكتاب والسنة (والاصل مالكي)
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى..أما بعد
فتشهد مدن وقرى وسهول ليبيا معركة فاصلة بين فرعون ليبيا، ومسليمة العصر الذي أطلق كلابه المسعورة من المرتزقة وغيرهم لتوغل في دماء الليبين قتلًا وتنكيلاً بشكل ربما فاق أحيانأ بعض ما يفعله اليهود تجاه إخواننا في أرض الإسراء، وبين شعب أعزل إلا من عقيدة التوحيد، وحرارة الإيمان، وحب الإستشهاد حتى تكون كلمة الله هي العليا، وتعود ليبيا إلى أبنائها بعدما اختطفت لأكثر من أربعة عقود من قبل عصابة القذافي الإجرامية.
والحقيقة أنه لم يكن أكثر المتفائلين يتوقع أن تحدث مثل هذه الثورة العارمة بهذا الشكل الذي نراه اليوم؛ فقد ساس القذافي الشعب بالحديد والنار، وسامهم سوء العذاب، وصادر الحريات، وملئ السجون بكل من لا يقول لا للظلم والطغيان بل وشنق المعارضين لحكمه في شهر رمضان المبارك عند ساعة الإفطار، وسلط عصابته على الشعب المستضعف بطشاً وإرهابًا حتى غدا شعار القوم: انج سعد فقد هلك سعيد!
وإن نسيت فلن أنسى محاربة هذا المجرم لشرع الله، وكرهه الشديد لشخص رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، وإنكاره للسنة النبوية، وعدواته الكبيرة للشباب الملتزم بدينه وربه حتى أنه قتل منهم في ساعة واحدة أكثر من 1200 سجين في مجزرة خلدها التاريخ تحت اسم ( مجزرة سجن أبو سليم) وذلك في عام 1996م. وأكثر هولاء القتلى - الذين نحتسبهم شهداء عند الله - هم من حفظة القرأن الكريم، وفيهم مجموعة متميزة من طلاب العلم الشرعي الذين تشرفت بمعرفة بعضهم، وجالست الكثير منهم حيث عرفوا بحسن الخلق، والتمسك بالسنة، والغيرة على الدين، والوقوف في وجه هذا الطاغية المستبد.
وبعض هؤلاء من الشعراء المتميزين الذين سخروا الشعر لمواجهة الطغيان، وللتصدي لدعاة الباطل وأعوانه، ولنشر العلم الشرعي من خلال نظم الكثير من أبواب العلم في منظومات شعرية لعل الله يسهل بنشر بعضها إذا تسيرت الأمور، وعلى سبيل المثال، فللشيخ عبدالله إجْمَال - رحمه الله - وهو من المتخصصين في علوم اللغة العربية والقراءات والفقه المالكي، وقتل في تلك المجزرة-مجموعة كبيرة من القصائد الشعرية المتنوعة في العلوم الشرعية ، و في الرد على أهل البدع والباطل، ومن ذلك قصيدته التي أسماها "رد الجواب على من خالف الصواب" وتقع في أكثر من 650 بيتًا ، وهي قصيدة اشتملت على الكثير من الردود العقدية والفقهية، فيقول مثلاً ردًا على من استدل بالمجاز:
والبعض قال الميت جاء يغيث من
ناداه في الصحراء والوديان
ناداه في الصحراء والوديان
وأتاه لا بالروح أو بمنامة
بل جاء بالروح والجثمانصدق وإلا جاءك الشتم القبيح
وتهمة الجهال بالكفران
قل لي كذاك أتى المجاز بذا ولا
تخجل فلست بهيئة الخجلانأمضوا لياليهم بأمثال الذي
قد كنت تسمع فاتحي الآذان
ليل الشتاء طويلة ساعاته
ماذا ترى حتما على السهران
تركوا رباط الخيل في قرآننا
ومضوا إلى البدوي والتيجاني
ومضوا إلى البدوي والتيجاني
فليستغيثوا بالقبور ليدفعوا
عنا اليهود عصابة الطغيانأم أن أهل الموت لم يتدربوا
ضد الدورع وقصفة الطيران
ضد الدورع وقصفة الطيران
أعرفت أن ليس المجاز بنافع
إلا لدى السهرات في الدكان
أما إذا ما جد جد القوم لا
يجدي سوى عون من الرحمن
ثم يقول في نهاية القصيدة:
وأقول في ختم القصيد لمن رأى
عنف الهجوم وشدة الصولان
عفوًا لقارئنا إذا ما لم أكن
في هجمتي متمالك الوجدان
في هجمتي متمالك الوجدان
إذ أنني ما عدت مصطبرًا على
نهش الكلاب وعضة الثعبان
هم ياأخي جرحونا بطعانهم
فرودونا جاءت ببعض طعان
يا سالكا سبل الهداية لاتزغ
عنها ولو قادوك للسجان ......الخ
وتلك مرثية حزينة، وقصة أليمة لعلي أسرد بعض ملامحها يومًا ما إذا يسر الله ذلك بمنه وكرمه.
* * * *
إنني أكاد أجزم بأنه ما من بيت أو شارع أو قرية إلا وقد اكتوى بنار هذا الطاغية، وأصابه ظلمه وطغيانه؛ فيالله كم من نفوس أزهقت ظلمًا وعدواناً، ويالله كم من أم ماتت حسرة وألمًا على فلذة كبده الذي أختطفه زوار الفجر ليغيبه ظلام الليل والسجن إلى الأبد، ويالله كم من أرملة بقيت سنينًا طوالًا تنتظر على أحر من الجمر لعلها تكحل عينيها برؤية زوج خرج ولم يعد، ويالله كم من أب ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم انتظارًا لرؤية ابنه أو أبنائه الذين صرعهم رصاص الغدر والخيانة، ويالله كم من شاب عذب حتى فاضت روحه إلى بارئها يشكو ظلم الطغاة وجور الظلمة.
أمور لو تأملهن طفل
لطفل في عوارضه المشيب
لطفل في عوارضه المشيب
لقد تفأجا الناس بما يحدث في ليبيا، واستغربوا كيف يقدم حاكم على قتل شعبه، واستئجار القتلة والمرتزقة من أنحاء العالم ليعيثوا في الأرض فسادا وقتلا للاطفال والشيوخ والنساء بدون تفريق، لكننا لم نتفأجا من فعله ؛ فقد خبرناه أكثر من أربعين سنة، وما اكتشفه العالم قبل اسبوعين، يعرفه الليبيون منذ زمن طويل. كثيرون لم يكونوا يصدقون ما كنا نقوله لهم حول دموية هذا الطاغية، بل ربما ظنوا في قرارة أنفسهم أننا نبالغ، ولهذا توافد بعض من انتسب للعلم منهم على زيارة البلاد ، واخذ الصور التذكارية مع الطاغية ، وإطراء ابنه، وتلك قصة اخرى ليس هذا موضعها.
* * * *
لقد آن للشعب الليبي أن يعيش حرًا كريمًا عزيزًا، ولا شك أن معركة الحرية والكرامة هي أرخص بكثير من حياة الذل والعبودية، وإننا على يقين بزوال هذا الإفاك الأثيم قريبًا بإذن الله ، وإننا نرجو من إخواننا في كل مكان الدعاء لاخوانهم الذين هم بأمس الحاجة إلى دعاء الصالحين كي يعجل الله بهلاك هذا الطاغية.
إن عيوننا لترقب تلك البطولات النادرة التي يبديها أحفاد عمر المختار في وجه قمع وعنف فرعون ليبيا، وإن قلوبنا لتتمنى لو أنها كانت بينهم لتشاركهم شرف اسقاط الباطل وإقامة صرح الحق، وإن نفوسنا لتهفو أن تكحل أعيننا تلك الأرض الطيبة التي أجبرنا على الهجرة منها منذ أكثر من عشرين سنة..ومهما طالت عتمة الليل فسوف يطلبها ضوء الفجر، ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين أنهم هم المنصورون، وأن جندنا هم الغالبون.