العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

طرق الاثبات (3)

صلاح بن خميس الغامدي

قاضي بوزارة العدل السعودية
إنضم
27 أبريل 2008
المشاركات
103
الإقامة
الدمام - المنطقة الشرقية
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أحمد
التخصص
الفقه
الدولة
السعودية
المدينة
الدمام حرسها الله
المذهب الفقهي
الحنبلي
الحمد لله وحده وبعد ..
نكمل ما بدأناه من طرق الاثبات ...
* الطريق الثاني : اليمين

اليمين هي من الطرق التي يستند إليها القاضي في إصدار حكمه في فصل النزاع وإنهاء الخلاف ، وقبل التعرض لهذا

الطريق نقدم بتعريف لليمين .
اليمين لغة : الحَلِف والقسم .وفي الاصطلاح : لها تعريفات مختلفة ولعلنا نختار منها / اليمين هي : تأكيد ثبوت الحق أو نفيه

أمام القاضي بذكر اسم الله أو بصفة من صفاته(17).

أما عن مشروعيتها فمن الكتاب قوله تعالى :" ويستنبؤونك أحق هو قل إي وربي إنه الحق وما أنتم بمعجزين "(18) في

ثلاث مواضع أمر الله نبيه أن يقسم على الحق ، والله تعالى لا يشرع محرما.

ومن السنة منها قوله صلّى الله عليه وسلم : «لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على

المدعى عليه» وفي رواية البيهقي: «ولكن البينة على المدعي، واليمين على من أنكر»(19) .

وحلف عمر لأبي بن كعب على نخيل، ثم وهبه له، وقال: خفت إن لم أحلف أن يمتنع الناس من الحلف على حقوقهم، فتصير

سنَّة.

وأما الإجماع فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يحلفون في الدعاوى ويطلبون اليمين في القضاء لفصل الخصومات ولم

يخالف مسلم في ذلك فكان إجماعا .

واللفظ الذي ينعقد به اليمين هو القسم بالله تعالى أو بصفة من صفاته مثل: والله ، ورب العالمين، والحي الذي لا يموت

وأن يكون من غير استثناء فلا تنعقد اليمين اتفاقاً إذا قال: إن شاء الله تعالى، بشرط كونه متصلاً باليمين من غير سكوت

عادي؛ لأن الاستثناء يزيل حكم اليمين (20)،كمالا تدخل النيابة في اليمين، ولا يحلف أحد عن غيره، فلو كان المدعى عليه

صغيراً أو مجنوناً، لم يحلف عنه، ووقف الأمر حتى يبلغ الصبي(21) .

وأن يقول(والله أو بالله أو رب العالمين )، وأما يمين الكافر: فاتفق أكثر الفقهاء(22) على أن الكافر يحلف بالله كالمسلم؛ لأن
ا
ليمين لا تنعقد بغير اسم الله ، لحديث «من حلف بغير الله فقد أشرك» ولما رواه البخاري: «من حلف بغير ملة الإسلام فهو كما قال».

واليمين يجب أن تكون جازمة لا مجال فيها للتردد والظن والتخمين .

أما على ماذا يحلف الإنسان ؟ فقد اتفق الفقهاء على أن الشخص يحلف على البت والقطع على فعل نفسه(23)، لحديث ابن عباس أن رسول الله قال لرجل حلفه ( قل والله الذي لا اله إلا هو ماله عندي شي ) (24)، فالحديث صريح في الحلف على البت وهو القطع على فعل نفسه .
أما إذا كان على فعل غيره ففيه خلاف بين الفقهاء منهم من قال على نفي العلم مطلقا ومنهم من قال يحلف على نفي العلم في النفي دون الإثبات ويراجع ذلك في مظانها (25).
كما أن اليمين ـ ونقصد بها اليمين القضائية الموجهة من القاضي أو نائبه لفصل الخصومة والنزاع ـ فتكون باتفاق الفقهاء (26)على نية المستحلف وهو القاضي، فلا يصح فيها التورية ولا ينفع الاستثناء لقوله صلّى الله عليه وسلم : «يمينك على ما يصدّقك به صاحبك» (27).
أما عن شروط اليمين المتفق عليها فهي :
أن يكون الحالف مكلفاً (بالغاً عاقلاً) مختاراً: فلا يحلف الصبي والمجنون، ولا تعتبر يمين النائم والمستكره ،وأن يكون المدعى عليه منكراً حق المدعي: فإن كان مقراً فلا حاجة للحلف، وأن يطلب الخصم اليمين من القاضي وأن يوجهها القاضي إلى الحالف: لأن النبي صلّى الله عليه وسلم استحلف رُكانة بن عبد يزيد في الطلاق، فقال: «آلله ما أردت إلا واحدة» فقال ركانة: «الله ما أردت إلا واحدة» ، وأن تكون اليمين شخصية: فلا تقبل اليمين النيابة، لصلتها بذمة الحالف ودينه، فلا يحلف الوكيل أو ولي القاصر، ويوقف الأمر حتى يبلغ ، وأن لا تكون في الحقوق الخالصة لله تعالى كالحدود والقصاص ، وأن تكون في الحقوق التي يجوز الإقرار بها: للحديث المتقدم: «واليمين على من أنكر» فلا تجوز اليمين في الحقوق التي لا يجوز الإقرار بها، فلا يحلف الوكيل والوصي والقيم؛ لأنه لا يصح إقرارهم على الغير.(28)
أما المختلف فيها فمنهم من لا يجيز تحليف المدعى عليه إذا كانت البينة حاضرة في مجلس القضاء أو في البلد ،كما أن بعضهم يشترط أن يكون هناك خلطة بين المدعي والمدعى عليه حتى لا يتطاول السفلة على أصحاب المكانة والفضل، باستدعائهم إلى المحاكم،على خلاف بين الفقهاء يطلب في مظانها .
واليمين أنواع :
1- يمين المدعى عليه : وتسمى اليمين الدافعة وهي التي يوجهها القاضي للمدعى عليه بناء على طلب المدعي وهي متفق عليها بين المذاهب .
2- يمين المدعي ومنها أ- اليمين الجالبة وهي التي يؤديها المدعي لسبب ، كوجود شاهد أو نكول المدعى عليه ورد اليمين عليه أو لوثا ونحو ذلك .ب_ يمين الاستظهار وقال بها المالكية ويسمونها يمين القضاء ويمين الاستبراء وهي التي يؤديها المدعي بناء على طلب القاضي .
وهناك يمين يذكرها بعض المعاصرين وهي يمين الشاهد وهي اليمين التي يحلفها الشاهد قبل أداء الشهادة للاطمئنان إلى صدقه، وقد لجأت إليها بعض القوانين في بعض البلاد في عصرنا بدلاً من تزكية الشاهد ، وقد منع هذه اليمين الجمهور وأجازها ابن القيم(29) .
ثم ننتقل بعد ذلك إلى النكول عن اليمين وهو ما إذا طلب القاضي اليمين من المدعى عليه أو لم يحضر لأدائها فهنا يقول الفقهاء : أن القاضي ينذر المدعى عليه ثلاثاً فإن أمتنع عن الحلف فهل يقضى عليه بالنكول أم لا ؟ خلاف بين الفقهاء منهم من قال يقضى عليه بالنكول ومنهم من حكم برد اليمين على المدعي(30)، وإذا قلنا بالحكم عليه بالنكول ، فإنه يقضى بالنكول في المال وما يقصد به المال ، وأما إذا نكل في غير ذلك فيخلى سبيله وهو قول الحنابلة (31) .

واما اليمين في النظام ففي المرة القادمة والحمد لله ربا العالمين
---------------------------------------------
(17) تبيين الحقائق: 107/3، الشرح الكبير مع الدسوقي: 126/2 وما بعدها، حاشية القليوبي على شرح المحلي للمنهاج: 270/4، كشاف القناع: 236/6.
(18) سورة يونس 53
(19) حديث حسن رواه البيهقي عن ابن عباس، وبعضه في الصحيحين
(20) المغني: 237/9
(21) المغني: 234/9 وما بعدها، المهذب: 302/2
(22) البدائع: 227/6 وما بعدها، تبيين الحقائق: 109/4، القوانين الفقهية: ص 306، مغني المحتاج: 473/4، المهذب: 322/2، كشاف القناع: 228/6 وما بعدها
(23) كشاف 4/286 المهذب 2/323 مغني المحتاج 4/474
(24) أبو داود 2/86و120والنسائي
(25) البحر الرائق: 217/7
(26) مغني المحتاج: 475/4، كشاف القناع: 242/6
(27) رواه أحمد ومسلم وابن ماجه والترمذي.
(28) البحر الرائق: 202/7، البدائع: 226/6 وما بعدها، بداية المجتهد: 455/2 وما بعدها، الشرح الكبير مع الدسوقي: 145/4 وما بعدها، القوانين الفقهية: ص 306، ط فاس، مغني المحتاج: 475/4 وما بعدها، كشاف القناع: 232/6 وما بعدها، المغني: 234/9
(29) الأشباه والنظائر لابن نجيم: ص 92، ط 1322 هـ، فتح العلي المالك للشيخ عليش: 311/2، مخطوط الحاوي الكبير للماوردي: 13/ق 48 ب، 49 أ، الطرق الحكمية لابن قيم: ص 142 وما بعدها، البحر الزخار: 18/5، المحلى: 462/9، مغني المحتاج: 476/4
(30) البدائع: 225/6، 230، تكملة فتح القدير: 155/6، الطرق الحكمية: ص 116، المغني: 235/9
(31) كشاف 4/287 الطرق الحكمية 110
 
أعلى