العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الطرق والأساليب التي اتبعها الرسول صلى الله عليه وسلم في التشجيع على الكسب الحلال (2) - تصحيح سلوك السائل بتوجيهه للإنتاج مع توفير أدواته

سما الأزهر

:: متخصص ::
إنضم
1 سبتمبر 2010
المشاركات
518
التخصص
الشريعة الإسلامية
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
الشافعي
ويبدوا ذلك واضحاً في الحديث التالي : الذي يوضح منهجه صلى الله عليه وسلم في التشجيع على الإنتاج ، و إحلال العمل محلة الصحيح من عوامل الإنتاج ، و إعطاء الأولوية للعمل الاستثماري ، ومعالجة البطالة . فقد روى عنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ فَقَالَ : " أَمَا فِي بَيْتِكَ شَيْءٌ ؟ " قَالَ بَلَى حِلْسٌ [1] نَلْبَسُ بَعْضَهُ وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ وَقَعْبٌ نَشْرَبُ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ قَالَ : " ائْتِنِي بِهِمَا " قَالَ فَأَتَاهُ بِهِمَا فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ وَقَالَ : " مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ ؟ " [2] قَالَ رَجُلٌ أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ ، قَالَ : " مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ؟ " قَالَ رَجُلٌ أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ وَأَعْطَاهُمَا الْأَنْصَارِيَّ وَقَالَ : " اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إِلَى أَهْلِكَ وَاشْتَرِ بِالْآخَرِ قَدُومًا فَأْتِنِي بِهِ " فَأَتَاهُ بِهِ فَشَدَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُودًا بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ : " اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَبِعْ وَلَا أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا " فَذَهَبَ الرَّجُلُ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ فَاشْتَرَى بِبَعْضِهَا ثَوْبًا وَبِبَعْضِهَا طَعَامًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ الْمَسْأَلَةُ نُكْتَةً فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِثَلَاثَةٍ لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ [3] ، أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ [4] ، أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ [5] "[6] أحل النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث العمل محلة الصحيح من عوامل الإنتاج ، وهو أنه أهم هذه العوامل وأشرفها ، وقد كان في وسع النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطي هذا الرجل بعض المال يسد به حاجته ، ولكنه لم يفعل ولم يستجب لسؤال هذا السائل – رغم أنه لا يرد سائلاً – لأن إعطاء هذا الرجل بعض المال لا يحل المشكلة بل يؤجل حلها ، بل ربما يزيدها تعقيداً ، لأنه يزيد بذلك المتعطلين واحداً، ولكنه أراد أن يحل مشكلة هذا الرجل من جزورها ، وأن يتيح فرصة الإسهام في حل مشاكل المجتمع ، وتقديم الخير والمنفعة لنفسه ولمن حوله ، فصحح له سلوكه ووجهه أحسن توجيه إلى العمل والإنتاج ، لأنه لاحظ قدرته على العمل فأراد أن يضرب له وبه المثل للكثيرين على مدى تعاقب الأجيال الإسلامية .
وإننا إذا عايشنا هذا الموقف لاحظنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتف بوصف الحلول وصفاً نظرياً علمياً فقط ، بل تولى الحل بنفسه ، فرفع الحلس والعقب وهما كل ما يملكه هذا الرجل ، ونادى بالمزاد عليهما ، ومثله مثل وكيل أمين رغب في الزيادة لموكله ، فرفض أن يبيع لأول مبتاع ، وباع بأحسن الثمنين لموكله ، ثم أخذ رأس المال فقسمه نصفين ، ثم جعل النصف الأول لطعام الرجل وأهله ، حتى تكون لديه كفاية فيتفرغ للعمل ، ثم أمره بشراء آلة الإنتاج وهي ( قدوم ) ليكون رأس مال منتج ، ثم أمره بخلط رأس المال المتمثل في هذه الآلة البسيطة بالعمل والعرق ، ثم أمره أن يحتطب ، فاختار له الحرفة المناسبة ، لأنها حرفة لا تحتاج إلى رأس مال كبير ، ولا بها مهارات ذهنية وفكرية ، بل كل ماتحتاجه قليل من رأس المال – الآلة – وكثير من الجهد العضلي ، أما الأول فقد توفر في القدوم ، وأما الثاني فإن الرجل كان شاباً ، وفي نفس الوقت اختار له الحرفة التي يحتاج إليها أهل بيئته ليقبلوا عليه بالشراء ، فينفعهم بجهده وينتفع بمالهم .
كما نلاحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتف بمباشرة بداية التجربة ووضع الشاب على الطريق الصحيح ، بل ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك ، حيث أنه تابعها عن قرب ليرى بنفسه نتائجها ، ولذلك قال للرجل : " احتطب وبع ولا أرينك خمسة عشر يوما" ، أي أنه ضرب له موعداً يلتقيان فيه ليقيما نتائج التجربة بعد مهلة معقولة ، وقد كانت النتائج طيبة للغاية، حيث ربح العامل عشرة أضعاف رأس المال الذي تم به المشروع الاستثماري الذي أعطى له النبي صلى الله عليه وسلم الأولوية وقدمه على كثير من الأشياء الهامة جداً، والتي في مقدمتها الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وحضور الجماعات معه.
إن هذا الحديث يحتوي خطوات سباقة سبق بها الإسلام كل النظم التي عرفتها الإنسانية بعد قرون طويلة من ظهور الإسلام.
إنه لم يعالج السائل المحتاج بالمعونة المادية الوقتية كما يفكر كثيرون، ولم يعالج بالوعظ المجرد والتنفير من المسألة كما يصنع آخرون، ولكنه أخذ بيده في حل مشكلته بنفسه وعلاجها بطريقة ناجحة ، علمه أن يستخدم كل ما عنده من طاقات وإن صغرت، وأن يستنفد ما يملك من حيل وإن ضؤلت، فلا يلجأ إلى السؤال وعنده شئ يستطيع أن ينتفع به في تيسير عمل يغنيه.
وعلمه أن كل عمل يجلب رزقًا حلالاً هو عمل شريف كريم، ولو كان احتطاب حزمة يجتلبها فيبيعها، فيكف الله بها وجهه أن يراق ماؤه في سؤال الناس.
وأرشده إلى العمل الذي يناسب شخصه وقدرته وظروفه وبيئته وهيأ له "آلة العمل" الذي أرشده إليه، ولم يدعه تائهًا حيران.
وأعطاه فرصة خمسة عشر يومًا يستطيع أن يعرف منه بعدها مدى ملاءمة هذا العمل له، ووفاءه بمطالبه، فيقره عليه، أو يدبر له عملاً آخر.
وبعد هذا الحل العملي لمشكلته لقنه ذلك الدرس النظري الموجز البليغ في الزجر عن المسألة والترهيب منها، والحدود التي تجوز في دائرتها، وما أحرانا أن نتبع نحن هذه الطريقة النبوية الرشيدة! فقبل أن نبدئ ونعيد في محاربة التسول بالكلام والإرشاد، نبدأ أولا بحل المشاكل، وتهيئة العمل لكل عاطل.
ودور الزكاة هنا لا يخفى، فمن أموالها يمكن إعطاء القادر العاطل ما يمكنه من العمل في حرفته من أدوات أو رأس مال، ومنها يمكن أن يدرب على عمل مهني يحترفه ويعيش منه، ومنها يمكن إقامة مشروعات جماعية -مصانع أو متاجر أو مزارع ونحوها- ليشتغل فيها العاطلون وتكون ملكًا لهم بالاشتراك كلها أو بعضها.
إن الزكاة لو فهمت كما شرعها الإسلام، وجمعت من حيث أمر الإسلام، ووزعت حيث فرض الإسلام أن توزع، لكانت أنجح وسيلة في قطع دابر التسول والمتسولين.
قال شيخ الإسلام بن تيمية معلقاً على الحديث : " ولم يكن في الصحابة لا أهل الصفة ولا غيرهم من يتخذ مسألة الناس ولا الالحاف في المسألة بالكدية والشحاذة لا بالزنبيل ولا غيره صناعة وحرفة ، بحيث لا يبتغى الرزق الا بذلك ، كما لم يكن في الصحابة أيضا أهل فضول من الأموال يتركون لا يؤدون الزكاة ، ولا ينفقون أموالهم في سبيل الله ، ولا يعطون في النوائب ، بل هذان الصنفان الظالمان المصران على الظلم الظاهر من مانعى الزكاة والحقوق الواجبة والمتعدين حدود الله تعالى في أخذ اموال الناس كانا معدومين في الصحابة المثنى عليهم "
[7].
[1] - الحلس بكسر الحاء المهملة وسكون اللام وبالسين المهملة هو كساء غليظ يكون على ظهر البعير وسمي به غيره مما يداس ويمتهن من الأكسية ونحوها - الترغيب والترهيب ج 1 ص 335
[2] - إذا عرضت السلعة في النداء جاز لمن شاء أن يطلبها ويزيد في ثمنها ، ولأن في النداء لا يقصد رجلا بعينيه فلا يؤدى إلى النجش والإفساد - المهذب ج 1 ص 291.
[3] - الفقر المدقع بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر القاف هو الشديد الملصق صاحبه بالدقعة وهي الأرض التي لا نبات بها - الترغيب والترهيب ج 1 ص 336
[4] - والغرم بضم الغين المعجمة وسكون الراء هو ما يلزم أداؤه تكلفا لا في مقابلة عوض ، والمفظع بضم الياء وسكون الفاء وكسر الظاء المعجمة هو الشديد الشنيع - الترغيب والترهيب ج 1 ص 336
[5] - لذي دم موجع هو أن يتحمل دية فيسعى فيها حتى يؤديها إلى أولياء المقتول فإن لم يؤدها قتل المتحمل عنه فيوجعه قتله - النهاية في غريب الأثر ج 5 ص 156
[6] - أبو داود في السنن ، كتاب الزكاة ، باب ماتجوز فيه المسألة برقم 1638 " اللفظ له" ، الترمذي في السنن ، كتاب البيوع ، باب ماجاء في بيع من يزيد برقم 1218 قال أبو عيسى : هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث الأخضر بن عجلان.
[7] - مجموع الفتاوى ج 11 ص 46
 
إنضم
5 مايو 2012
المشاركات
56
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
الحديث الشريف وعلومه
المدينة
الهاشمية
المذهب الفقهي
الإسلام
رد: الطرق والأساليب التي اتبعها الرسول صلى الله عليه وسلم في التشجيع على الكسب الحلال (2) - تصحيح سلوك السائل بتوجيهه للإنتاج مع توفير أدواته

جزاك الله خيراً..

ومما ينبغي لفت النظر إليه هو أن الإسلام شجع على العمل من خلال ترك السوق مفتوحاً متاحاً لمن يشاء وهذا مما يشجع على العمل والإنتاج

إن مما يلفت النظر أن الرسول صلى الله عليه وسلم ترك سوق العمل مفتوحاً فلم يتدخل فيه بشيء إلا بأمر من الله تعالى فحرم ما حرمه الله تعالى وأوجب ما أوجبه وترك الناس وشأنهم بعد ذلك..

وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بترك الناس وشأنهم فقال: (دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض)..

ولم يسعر وعد التسعير ظلماً فقال: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ وَإِنِّى لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُطَالِبُنِى بِمَظْلَمَةٍ فِى دَمٍ وَلاَ مَالٍ)

ولقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم الناس ييتاجرون بالخمر ويبيعونها ويشترونها فما تدخل فيهم حتى أمره الله تعالى بذلك فحرمها وصدع بأمر الله تعالى وجلد شاربها ولعنه في عشرة معه منهم بائعها ومشتريها وآكل ثمنها..

وقد رأى الرسول صلى الله عليه وسلم الناس يتعاملون بالربا ومنهم عمه العباس فما تدخل فيهم حتى أنزل الله تحريمه فصدع بأمر الله تعالى ووضع الربا كله وأوله ربا عمه العباس ولعن آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه..

فلو سرنا مسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركنا الناس وشأنهم فلم نمنعهم إلا مما منعهم الله تعالى منه ولم نلزمهم إلا بما ألزمهم الله تعالى به.. فإننا سنرى لسوق العمل شكلاً وشأناً آخر.. ولرأينا إقبالاً حقيقياً على العمل ولما رأينا البطالة التي نراها الآن..
 

سما الأزهر

:: متخصص ::
إنضم
1 سبتمبر 2010
المشاركات
518
التخصص
الشريعة الإسلامية
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: الطرق والأساليب التي اتبعها الرسول صلى الله عليه وسلم في التشجيع على الكسب الحلال (2) - تصحيح سلوك السائل بتوجيهه للإنتاج مع توفير أدواته

جزاك الله خيراً..
وأنتم من أهل الجزاء خالد بن عبد الرحمن
ومما ينبغي لفت النظر إليه هو أن الإسلام شجع على العمل من خلال ترك السوق مفتوحاً متاحاً لمن يشاء وهذا مما يشجع على العمل والإنتاج
(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (التوبة:105)
(وَأَحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) 275 البقرة
فلو سرنا مسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركنا الناس وشأنهم فلم نمنعهم إلا مما منعهم الله تعالى منه ولم نلزمهم إلا بما ألزمهم الله تعالى به.. فإننا سنرى لسوق العمل شكلاً وشأناً آخر.. ولرأينا إقبالاً حقيقياً على العمل ولما رأينا البطالة التي نراها الآن..
هذا هو بارك الله فيك .
 
أعلى