العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

القرضاوي يرى تضييق النسخ في القرآن أكثر من الـ د. مصطفى زيد صاحب كتاب [النسخ في القرآن الكريم]

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
القرضاوي: لا نسخ في القرآن

## تنبيه من المشرف: هذا العنوان غير دقيق كما هو مبين في مشاركات الموضوع##


هذا جزء من لقاء مع الشيخ يوسف القرضاوي نقلته من موقع الفقه الإسلامي.
وقلت: لعله يكون مناسبة جيدة لمناقشة هذه المسألة.

لا نسخ في القرآن

** من المزالق التي ذكرتموها، قضية دعوى النسخ بلا برهان، فكيف يكون النسخ، والحق جل وعلا يقول: (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا).
هذا للأسف مما ابتلي به تفسير القرآن، أي التوسع في قضية النسخ، مع أن الأصل أن الله أنزل هذا الكتاب ليعمل الناس به، ويهتدوا به (اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ)، (إِنَّا أنزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ)، (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ)، فلا يجوز أن نأخذ ببعض الكتاب وندع بعض (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) كما فعل بنو إسرائيل.
وللأسف وقع المسلمون في هذا وذكروا عن آيات في كتاب الله إنها منسوخة، وأحيانا اقرأ بعض الكتب عن الناسخ والمنسوخ، وأجد فيها من يقول سورة (قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ) هذه فيها ناسخ ومنسوخ؛ لأن فيها (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)، ويقول: لا لم يعد لكم دينكم ولي دين، يوجد دين واحد، كذلك سورة الدهر أو الإنسان، يقول فيها منسوخ، منسوخ ماذا؟ (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً)، يقول هذه نسختها آية السيف، وهذه مشكلة.​

** من الكتابات القيمة في نسخ القرآن كتاب الدكتور مصطفى زيد، إذ عدد فيه بعض المواضع التي فيها نسخ في القرآن الكريم، فهل توافقونه على هذا بالرغم من أنه ضيق الأمر؟
أنا احترم كتابه في الحقيقة، وأرى أنه عمل علمي قيم مخدوم، الرجل تعب فيه ورجع إلى مراجع، وعمل فيه سنين، حتى وصل إليه، ولكني أرى التضييق أكثر منه، وهو اعتمد على الإمام الحافظ السيوطي في كتابه "الإتقان في علوم القرآن"؛ لأن الحافظ السيوطي انتهى إلى أن هناك عشرين آية منسوخة من بين مائتين آية يقال إن فيها نسخا، ولذا بعضهم حاول أن يقلل من السيوطي.
وأنا لا أكاد أرى نسخًا في القرآن الكريم حقيقة، وبعض العلماء مثل الإمام الزركشي، يرى أن كثيرًا من الآيات التي يقال عنها منسوخة هي "منسأة" وليست منسوخة، وهناك قراءة في القرآن (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا) بالهمز، يعني نأخرها، فهو يقول إن ما ذهب إليه كثير من المفسرين في الآيات مثل (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، و(خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ)، من أنها منسوخة، هي ليست منسوخة لان المنسوخ لا يعود له حكمه، ولكنها "منسأة" يمكن أن يعود لها حكمها، وهذا في حالات الضعف، حين يكون المسلمون مستضعفين ولا قدرة لهم على مقاومة عدوهم، فعليهم أن يصبروا ويقولوا التي هي أحسن، ويدعو بالحكمة والموعظة الحسنة، فإذا أصبحوا أقوياء كان لهم شأن آخر، وهذا من ضمن التفسيرات لآيات النسخ.​
 
التعديل الأخير:
إنضم
28 ديسمبر 2007
المشاركات
677
التخصص
التفسير وعلوم القرآن
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
حنبلي
الحمد لله، وبعد :

فجزاكم الله خيرا على المشاركات الطيبة في جملتها، وأقول :


إن كنت أرى أن المنهج الصحيح في التعامل مع النصوص الشرعية فيما يختصّ بمسألة النسخ هو التضييق لما أنه الذي ينسجم مع المقتضى الأصولي، فإني لا أرى نفيه تماما، وأرى هذا القول فيه نوع شذوذ، ويضطرُّ القائل بهذا إلى تأول الكثير من النصوص، ومخالفة ظواهرها .
والأدلة على وجود النسخ في القرآن متكاثرة حتى من كلام الصحابة، وأنا أشير إلى بعض منها على عجالة بدون الرجوع إلى المصادر :

- الآية التي سبقت الإشارة إليها :
[font=qcf_bsml]ﭽ [/font][font=qcf_p017]ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ[/font][font=qcf_p017]ﭝ[/font][font=qcf_p017] ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ [/font][font=qcf_bsml]ﭼ[/font]البقرة: ١٠٦
والآية واضحة في الدلالة على موضوعنا إلا أن يُتكلف خلاف ذلك .

- قوله تعالى :
[font=qcf_bsml]ﭽ [/font][font=qcf_p278]ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ[/font][font=qcf_p278]ﯡ[/font][font=qcf_p278] ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ[/font][font=qcf_p278]ﯪ[/font][font=qcf_p278] ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ [/font][font=qcf_bsml]ﭼ[/font]النحل: ١٠١ - ١٠٢

وهي دالّة صراحة على ما نحن بصدده، إلا أن يُتكلف خلاف ذلك .

- في قول الله تعالى :
[font=qcf_bsml]ﭽ [/font][font=qcf_p544]ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ[/font][font=qcf_p544]ﭜ[/font][font=qcf_p544] ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ[/font][font=qcf_p544]ﭡ[/font][font=qcf_p544] ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ[/font][font=qcf_p544]ﭱ[/font][font=qcf_p544] ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ[/font][font=qcf_p544]ﭿ[/font][font=qcf_p544] ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ [/font][font=qcf_bsml]ﭼ[/font]المجادلة: ١٢ - ١٣

أقول : هاتان الآيتان؛ ما علاقة هاتين الآيتين ببعضهما ؟
لا خلاف في أن الثانية رافعة لما أوجبته الأولى، وهذا ما نسميه النسخ في الاصطلاح الأصولي، وهو ما نثبته من وجود النسخ .
- قوله تعالى : (يمحو الله ما يشاء ويُثبت، وعنده أم الكتاب) .
ومن ذلك ما ينزله من الآيات، ثم يشاء أن يمحوه، فله الأمر من قبل ومن بعد .
- حديث عائشة في صحيح مسلم : فيما يحرّم من الرضاع، حيث بيّنت رضي الله عنها أنه وقع نسخ الحكم والتلاوة أولا، ثم وقع نسخ التلاوة دون الحكم ثانيا، وليُرجع إلى الحديث .
وهو دالّ على ما ذكرنا من وقوع النسخ .
- أخرج البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : "هذه الآية : (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم ) هي آخر ما نزل وما نسخها شيء" .
وهذا واضح في أن السلف قد استعملوا هذا اللفظ فيما استعمله المتأخرون، وفيه : جواز وقوع النسخ في القرآن، وإلا لما ساغ تنبيه ابن عباس على عدم وقوع النسخ في هذه الآية .
- قال صاحب مناهل العرفان : سلف الأمة أجمعوا على أن النسخ وقع في الشريعة الإسلامية كما وقع بها .
هذا ما جال بالبال في هذه العجالة، وهو دالٌّ فيما أرى على أصل وقوع النسخ في القرآن الكريم .

 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
جزاك الله خيرا يا أبا سيف الإسلام على الدخول في صلب المسألة، نتمنى من الإخوة الانتقال إلى المناقشة الفعلية للمسألة.
وهذا نقل محرر لعله يسهم في الموضوع.
يقول الشيخ عبد الله بن يوسف الجديع في كتابه "المقدمات الأساسية في علوم القرآن":
...هذه المواضع الأربعة في كتاب الله أدلة على إثبات وقوع النسخ في بعض ما أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم خاصة الموضعين الأولين، فهما من أبين شيء وأظهره لإثبات ذلك.
وقد تضافرت الروايات الثابتة من جهة النقل على أن النسخ قد وقع لبعض القرآن والأحكام المنزلة ...
وتواتر عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذكر النسخ والقول به.
كما ذهب إلى القول به عامة أئمة الإسلام من السلف والخلف.
قال ابن الجوزي : انعقد إجماع العلماء على هذا إلا أنه قد شذ من لا يلتفت إليه.
ولم يعرف إنكاره عنه منتسب إلى العلم إلى القرن الرابع، حين اشتد فشو البدع، وذلك بتأويل فاسد ...
قال أبو جعفر النحاس: من المتأخرين من قال: ليس في كتاب الله عز وجل ناسخ ولا منسوخ، وكابر العيان، واتبع سبيل غير المؤمنين"
ورأى بعض العلماء أنه لم يخالف في ثبوت النسخ أحدٌ من أهل الإسلام، وأن ما نسب إلى بعض المتأخرين فهو علىندرته خلاف منهم في اللفظ لا في المعنى.([1])
وقال:
وفي الجملة فإن حقيقة النسخ تغيير للأحكام بتغير الأحوال والظروف وغنزال فرفع للآيات لمقتض، وذلك ممن يعلم مصالح خلقه تبارك وتعالى، وهو على كل شيء قدير.....
ومن هذا يتبين فساد مذهب الغالطين على ربهم، الجاهلين به ممن ضل في أمر النسخ من المشركين واليهود وغلاة الرافضة ومن شايعهم من أهل زماننا، وما شأنهم إلا كما الله عن المشركين من قبل:
{وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (101)}
وقال:
من ضرورة معرفة الناسخ والمنسوخ للفقيه إلا أنه لا يظن كثرة وجود ذلك في أدلة التشريع.
وقد حررت في جمعه كتب، من أحسنها كتاب الحافظ أبي الفرج ابن الجوزي المسمى (نواسخ القرآن)، فقد أتى فيه على ما قيل هو منسوخ، وشرحه وبينه، وميز ما ثبت فيه النسخ منه، وهو قليل جداً، وأظهر فساد دعوى النسخ في أكثر ذلك.
وكانت طائفة من المفسرين قد سلكت مسلكا في غاية الفساد في هذا الباب، فصاروا إلى ادعاء النسخ في آيات كثيرة تجاوزت عند بعضهم المئتين، أكثرها مما تسلطوا عليه بسيف النسخ ما زعموا نسخه بآية السيف، وهو جرأة منهم مذمومة.
فأتوا على كل آية فيها الأمر أو معناه بالإعراض عن المشركين والجاهلين والصبر والعفو فقالوا:
هذه منسوخة بآية السيف، يعنون آية الأمر بالقتال للمشركين أو أهل الكتاب، وذلك قوله تعالى: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) الآية، أو قوله: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر).
وتوسعوا حتى ادعوا النسخ على الأخبار التي لا ينسخ مثلها، مثل قول بعضهم: قوله تعالى: {ومما رزقناهم ينفقون} منسوخ بفض الزكاة. وهذا من أفسد شيء يكون، فهذه صفة مدح ذكرها الله للمؤمنين وأخبر بها عنهم، وهم ينفقون قبل فرض الزكاة وبعد فرضها، والزكاة المفروضة من ذلك، وليست ضده ليقال: هاهنا نسخ.
ومن تلك الكتب التي هي أجدر بالإتلاف والإزالة منها بالتداول والنشر: كتاب "الناسخ والمنسوخ" لمحمد بن حزم، ومثله لهبة الله بن سلامة، وكتاب مرعي الكرمي، فهذه وشبهها كتب بالخطأ والقول على الله بغير علم ألصق منها بالعلم والهدى.
وبمثلها اغترت طائفة من المتأخرين فاستعظموا ما ذكر هؤلاء لما رأوا فيه من إبطال المحكمات، فأنكروا النسخ أصلا بقصد حسن، وهو الذب عن القرآن العظيم، كما تسلط بصنيع هؤلاء المستشرقون الحاقدون على الإسلام، فطعنوا على القرآن بذلك.
فكن على حذر من التقليد في هذا الباب دون تحقيق، ولاحظ انطباق شروط النسخ قبل القول به تُوق بذلك الزلل فيه.([2])
وقال:
علمت أن القول بإثبات النسخ ووقوعه في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم هو الذي كان عليه سلف الأمة وأئمتها وذلك بدلالة الكتاب والسنة وما تقدم من البراهين على ذلك ما فيه الكفاية، وأن القول بنفي وجود النسخ مذهب شاذ ظهر متأخرا، ثم لا يكاد يذكر في أهل الإسلام على مر العصور إلا على نفرٍ قليل.
ويعود هذا المذهب إلى شبهات تعلق كل قائل بشيء منها، ولا يهمنا ما شبه به اليهود وأصحاب الضلالة من الكفار، إنما يجدر التنبيه على طرف تعلق به الأفراد الذين أنكروا النسخ من أهل الإسلام كبعض أهل زماننا، حسبوها غيرة على القرآن، لأن طريقة المكثرين من مدعي النسخ قد آذتهم، ونحن نوافقهم في دفع الغلو في دعوى النسخ، ولكننا ننكر عليهم المصير إلى جحد النسخ، لأن ذلك إذا سلم لهم بالتحريف لتفسير آية {ما ننسخ من آية} أو آية {وإذا بدلنا آية} فإنه لا مفر من صحيح السنن المتواترة من عهد النبوة، وقد سبق ذكر كثير منها في تفاريع موضوع النسخ، وتركنا منها غير مما يتعلق بوقائع النسخ؛ لأنه ليس من موضوع هذه المقدمة استيعاب ما وقع فيه النسخ من القرآن.
فمن جحد النسخ ممن أشرت إليه فهو مممن لا خبرة له بالسنن ولا اشتغال بتمييز صحيحها من سقيمها ففسر القرآن بمجرد رأيه فزلت قدمه وجحد معلوما.
وخذ طرفا مما شبه به هؤلاء محلقا ببيان فساده، ومن قولهم طرف مدرك الفساد مما تقدمر، وطرف بين الضعف أعرضت عنه....([3])

https://feqhweb.com/vb/threads/3733-3#_ftnref1([1]) المقدمات الأساسية في علوم القرآن ص224

https://feqhweb.com/vb/threads/3733-3#_ftnref2([2]) ص269، 270

https://feqhweb.com/vb/threads/3733-3#_ftnref3([3]) ص272
 
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
6
التخصص
أصول الفقه
المدينة
برمنجهام
المذهب الفقهي
متبع للمذهب المالكي
حتى لا ينحرف الملتقى عن مساره المبارك

حتى لا ينحرف الملتقى عن مساره المبارك

الإخوة المحترمين المشرفين على هذا الملتقى المبارك
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اطلعت على ما كتب في هذا الموضوع ؛ وباعتباري متخصصا في أصول الفقه فأحببت أن أشارك فيه بما يساعد ـ إن شاء الله تعالى ـ على فهم المسألة وتقريبها للقراء المحترمين .. ولكنني آثرت نصيحة أخوية على المشاركة الأصولية ؛ إذ الأولى أولى من الثانية في هذا المقام ، وهي :
تجنب ذكر الأسماء في المسائل العلمية ـ ما أمكنكم ذلك ـ خاصة إذا كانت المسألة توهم ـ عند البعض ـ بنوع من مخالفة المشهور والسائد المعروف ؛ وذلك أن المفاسد المترتبة على ذلك أعظم وأجل من المصالح المتوهمة ، ومن ذلك :
1 ـ فتح باب التشهير لبعض المتساهلين في تجريح المؤمنين بمبررات ظاهرها حق ، ولكنها تخفي شهوة خفية .. وإذا خرق هذا الجدار فسوف يتسع الخرق شيئا فشيئا حتى لا يكاد يسد .. !! فنقد أعيان الأشخاص ليس أمر سهلا في الدين ؛ لذا فهو ليس موكولا لطلبة العلم والمبتدئين في الطلب أمثالنا ؛ لأنه يحتاج إلى دين متين ، وفقه عميق.
2 ـ الصد عن قبول الحق ؛ فبعض الناس لديه حساسية مفرطة تجاه بعض الأسماء ، فيردوا ما ينسب إليها حتى لو كان حقا ؛ فتكونوا بذلك قد ساهمتم في أمر خطير من حيث لا تشعرون !! وهذا الأمر معروف ومشهود في القديم والحديث .
3 ـ الانحراف عن المقصود المنشود من مدارسة المسائل العلمية ، وهو الفائدة العلمية ؛ ففي ربط المسائل العلمية بالأشخاص ، إثارة للجدل والخلاف المذموم الذي غالبا ما يكون قائده ودافعه هو التعصب والهوى والتقليد .. والأمثلة قريبة منا لكثير من المواقع العلمية التي بدأت بداية موفقة ، ثم ما أن فتحت على نفسها باب ذكر أسماء الناس حتى انتهت إلى ما يستحي المسلم ذكره في هذا المقام ، عفانا الله وإياكم من هذا المرض العضال .
4 ـ التشبه بمواقع الإثارة والإيقاع بين المؤمنين ؛ وهو ما أشار إليه الأخ الفاضل فؤاد الهاشمي بقوله : ((العنوان غير دقيق ، والخلل يعود إلى من صاغه، وفيها ملحظ دقيق، وهوأن القنوات الإعلامية تحرص على الإثارة، ولذا فأستأذنك إلى تعديله حتى لا نكونسبباً في إشاعته عنه )) فأنتم يا طلبة العلم وملتقاكم المبارك أسمى من التشبه بأولئك ! فلتحذروا الوقوع بعد الرفعة .. أسأل الله أن يحفظنا وإياكم .
أخيرا أقول : إنني أخ محب ولكم ناصح : لا تلقوا رب العالمين إلا وألسنتكم وأقلامكم وأعمالكم وقلوبكم سالمة من الوقوع في أي مسلم إلا بالأمر اليقين ، ثم فليترك هذا الأمر لأهله ممن توفرت فيه الشروط ولزمه البيان ..
وفقكم الله تعالى وسدد في طريق الخير خطاكم ، والسلام عليكم ورحمة الله .
 
إنضم
28 ديسمبر 2007
المشاركات
677
التخصص
التفسير وعلوم القرآن
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
حنبلي
جزاكم الله خيرا شيخنا الكريم على هذه الملاحظة...

وقد لاحظتُ أن شيئا من المشاركات قد خرجت عما خُطّ من سياسات ارتضاها الملتقى، فأرجو أن يتقوّم الحوار من جهة فيما يُستقبل من الكلام ..

وأن نتغافر ونستغفر جميعا عمّا زلّ به القلم من إساءة أو انتقاص إلى أحد من المحاورين أو العلماء الذائدين عن حياض الدين .
 

طارق موسى محمد

:: متفاعل ::
إنضم
5 أغسطس 2009
المشاركات
411
الإقامة
الاردن
الجنس
ذكر
التخصص
محاسبة
الدولة
الاردن
المدينة
الزرقاء
المذهب الفقهي
الحنفي
في كتاب الله سبحانه وتعالى
: { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها } .

سامحوني
لماذا هذا التوسع في نقاش أمر أقر الله به؟

وجزاكم الله خيرا
 

أبوبكر الأغواطي محمد

بانتظار تفعيل البريد الإلكتروني
إنضم
25 أبريل 2009
المشاركات
34
التخصص
دراسات لغوية وقرآنية
المدينة
الوسط
المذهب الفقهي
مالكي
شكرا لكم
ونفعنا الله بما علمكم
وأخص د. عثمان من بريطانيا على نصائحه الغالية
والتي فيها نفع عظيم للملتقى
النسخ ظاهرة قرآنية كما هو ظاهرة كونية
فدلالة الآية القرآنية : ما ننسخ من آية )) الآيات
فنسخ الآية الكونية يأت الله بخير منها أومثلها
وترى ذلك في الشمس والقمر أو الليل والنهار أو غير ذلك
ومثل ذلك في الشرع والله أعلم
لأن خالق الكون هو المشرع سبحانه
فلا اله الا الله
 
إنضم
14 أبريل 2009
المشاركات
97
التخصص
الهندسة
المدينة
هامبورغ
المذهب الفقهي
الشافعي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته إخوتي الأعزاء

بعد اضطلاعي على الموضوع مدة، تبين لي أن هذا المصطلح لم تأتي على ذكره السنة المطهرة ولم يكن متداولاً بين الصحابة الكرام، لا بالإسم ولا بالمعنى أيضاً، اللهم إلا أثراً- إن صح- عن عبدالله بن العباس رضي الله عنهما، وما علمته أيضاً أن الإمام الشافعي كان يتحدى أن يأتيه أحد بنصين متعارضين إلى درجة النسخ، والمهم في الأمر أن موضوع الناسخ والمنسوخ لم يتوقف عند البحث في حكمين متعارضين بل تعداه إلى البحث في نسخ الحكم مع بقاء التلاوة، وكذلك إلى نسخ التلاوة أي إلى نسخ النصوص ، أي إلى نسخ الآيات بعدما أنزلت، فقد قيل أن سورة الاحزاب كانت تعدل سورة البقرة ثم نسخت إلى ما هي عليه!!!.
هذا الأمر دعاني لكتابة بحث في هذا الباب أوردته على الرابط أدناه،

الاحكام في الأحكام - مسائل فكرية | مسائل فقهية | نظام العقوبات | القواعد الفقهية | علم الحديث

وقد ذكرت فيه تعريف مصطلح الناسخ والمنسوخ، وأدلته وبيان بعض من الآيات التي فيها مظنة النسخ وهو ليس كذلك، فأتمنى عليكم الزيارة والنصح
 
إنضم
18 أكتوبر 2009
المشاركات
22
التخصص
الفقه واصوله
المدينة
اغادير
المذهب الفقهي
المالكي
أسألكم إخواني هل لهذا الذي ذكره الشيخ يوسف القرضاوي -حفظه الله- صلة برأي الدكتور طه جابر العلواني في هذه المسألة
 
إنضم
28 ديسمبر 2007
المشاركات
677
التخصص
التفسير وعلوم القرآن
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
حنبلي
أخي الكريم محمد الكيال سددك الله ..

لم أستطع الدخول إلى الصفحة التي أحلتَ إليها، وقد حرصتُ، خصوصاً وأن المقدمة التي ذكرتها كملخص للبحث على جانب من التشويق كبير ..

وبيانه :

أن ادّعاء أن النسخ "لفظا ومعنى" لم يرد عن السلف، ولم يتداوله الصحابة لهو ادعاء عريض ..

ولعلي إن قلت : إن عشرات الآثار إن لم يكن المئات قد وردت على الأقل بمعنى النسخ فلن أكون مبالغاً !!

والإحالة على المراجع الكثيرة التي ذكرت ذلك، ولا يخلو من عدد منها كتاب في علوم القرآن، أو أصول الفقه، فلا داعي لتسويد الصفحات بها، وكثير منها صحيح السند، بل في أحد الصحيحين، بل بعضه في كليهما ..

حتى في القسم الذي جعلته - حفظك الله - محلّ عجب، وهو منسوخ التلاوة، إذ إن المتتبّع يجد أن الكثير من الأحاديث الصحيحة مفيدةٌ وجودَ منسوخ التلاوة، حتى جعله بعض مشايخنا وزملائنا من التواتر المعنويّ، وأثبت ذلك بدراسة حديثية محكّمة .

ولا أزعم عدم وجود خلاف لبعض الأفاضل في المسألة، إلا أن جماهير السلف والخلف من عامة العلماء ومحققيهم على إثبات هذا النوع من النسخ، وعليه؛ فإن كان ثمة ما يعجب منه ولا بدّ، فليكن نفي النسخ لا إثباته .

ولذلك أرجو أن تلخص ههنا ما كتبته في البحث المحال عليه، أو تفرده في موضوع مستقل في هذا القسم، حتى يتسنّى لنا الاطلاع على التفاصيل ومناقشتها، فلا نظلم البحث بالإطلاقات العامة .
 
إنضم
14 أبريل 2009
المشاركات
97
التخصص
الهندسة
المدينة
هامبورغ
المذهب الفقهي
الشافعي
أخي الكريم رأفت المصري السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أشكرك على المتابعة والاستبيان وأسأل الله أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه،
وبعد،

فإنني نعم عجبت ممن قال في نسخ القرآن تلاوة، وأتساءل، أنسخة عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قرآن؟ أوَ القول" الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة" قرآن؟ إن هذا ليس بثلاثة أرباع قرآن ولا نصف قرآن ولا ربع قرآن، إن هذا ليس بقرآن البتة. وإنما القرآن الكريم هو فقط ما جمعه زيد بن ثابت بتكليف من أبي بكر الصديق على مرآى ومسمع من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، والذي تُرك فهو ليس بقرآن كونه لم يستوف الشروط التي وضعها زيد رضي الله عنه، وهي أن تكون الآيات كتبت بين يديه صلى الله عليه وسلم وأن يأتي على ذلك بشاهدين، والذي صنعه زيد بن ثابت تم على مرآى ومسمع من الصحابة رضوان الله أجمعين، وأقروه على ذلك ولم ينكروا عليه.
أما ما ذكر من الروايات فإنها لم تغير من هذه الحقيقة شيئاً، إذ ليس من بين هذه الروايات ، ولو رواية واحدة، تخبر أن مثل ما تقدم من الأقوال " الشيخ والشيخة.." تُلي بين يدي الرسول الكريم على أنها قرآن وسكت، كلا، بل إنه ليس في هذه الروايات ما يدل على أنها تليت أصلاً.

وقولي أن النسخ لم يكن متداولاً بين الصحابة الكرام لا مرد لي عنه، ذلك أن التداول يدل على إجماع الصحابة على أمرالنسخ، على الأقل في حكم آية واحدة، ولكن هذا لم يحصل.

وهذا المقال لمن أحب أن يستزيد أو كان قد تعذر عليه الوصول إليه تحت الرابط المذكور، آملاً أن تعودوا علي بالنصح والإرشاد.

الناسخ والمنسوخ

عُرّف الناسخ والمنسوخ على أنه " إبطال الحكم المستفاد من نص سابق بنص لاحقمع الإشارة إلى أن النسخ المراد هنا لا يدخل فيه المستثنى ولا العام المخصَص ولا المطلق المقيَد، وأن الإبطال المقصود من التعريف هو الإلغاء المؤبد للحكم المتقدم أي إلغاؤه إلغاءاً تاماً لغير رجعة، بحيث لا يجوز بعد ذلك استعماله تحت أي ظرف كان بغض النظر عن الزمان والمكان، ولهذا فإن حصول عملية الإبطال أي النسخ يجب ألا يتعلق بشيء مثل حادثة أو شخص، فإن كان متعلقاً بشيء فإنه لا يتحقق ولا يكون عندها موضوع البحث " الناسخ والمنسوخ ".

وكذلك فإن التعريف استعمل عبارة " الحكم المستفاد " ولم يستعمل عبارة " الحكم المستنبط " ليشير إلى أن نص الناسخ ونص المنسوخ يجب أن يكونا من حيث الدلالة قطعيان لا يحتملان إلا مناطاً واحداً أي معنى واحداً يُستفاد منه الحكم مباشرة من غير ابتذال، أما إذا احتمل أكثر من مناط واحد أي أكثر من معنى فإنه يحتمل الاجتهاد فيه، وما احتمل الاجتهاد فيه لم يحتمل أن يكون لا ناسخاً ولا منسوخاً، كما أن التعبير " من نص سابق بنص لاحق " يعني ألا تقل قوة ثبوت النص المتأخر، وهو الناسخ، عن قوة ثبوت النص المتقدم، وهو المنسوخ، أي أن يكون نص الناسخ على الأقل متكافئ من حيث قوة الثبوت للنص المنسوخ، فمثلاً إن كانت قوة ثبوت النص المتقدم " قطعي "، فإنه لا يجوز نسخه بنص ثبت بقوة " صحيح "، كما ولا يجوز نسخ نصٍ ثبت بقوة " صحيح " بنصٍ متأخر ثبت بقوة " حسن غريب " مثلاً.
إن التكافؤ في قوة ثبوت النصين شرط لا بد منه لتحقق النسخ وذلك للخروج بالبحث من دائرة الأحكام الترجيحية، وهي التي تكون بين نصين غير متكافئين في قوة الثبوت، إلى دائرة الأحكام المنسوخة، إذ أن الأحكام الترجيحية وإن كان المرجوح منها مهملاً عند فئة إلا أنه في ذات الوقت يستعمل عند فئة أخرى، بل وحتى عند نفس الفئة لا يكون الإهمال على إطلاقه، وإنما يتغير الحكم بين الإعمال والإهمال تبعاً للمجتهدين من هذه الفئة وتعلق رأيهم بزمانهم ومكان عيشهم وسعة اضطلاعهم وكثرة اختلافهم على الوقائع، بينما الأحكام المنسوخة فهي الأحكام المهملة إهمالاً مطلقاً والتي لا يجوز شرعاً عودة العمل بها أو الاجتهاد في صلاحيتها. أما شرط ألا تقل قوة ثبوت النص المتأخر عن قوة ثبوت النص المتقدم فذلك لأن النصوص إنما شُرّعت للعمل بها وليس للعزوف عنها وإهمالها، وبالتالي فإن رفع أي نص يلزم له نص يعادله في القوة بل وأقوى منه ذلك لأن قوة النص المتقدم لا تنبع من ذاته هو فحسب وإنما أيضاً من قوة النصوص الموجبة بالعمل، فتحييد نص ما يحتاج إلى نصٍ واضحٍ وقوي، يعادل وضوح وقوة تلك النصوص الموجبة بالعمل.


وبناءاً على ما تقدم فإن النسخ لا يتم إلا في حالة تزاحم نصين متراخيين متكافئين على مناط واحد. وإذا أمعنا البحث عن نصوص تنطبق عليها هذه الحالة فإننا سنجد نصوصاً تتزاحم وتتشابه في نفس المسألة ولكننا لا نجد نصوصاً تتعارض في نفس المناط، وذلك إما لأن الإبطال غير مطلق لتعلقه بشيء أو أن النصوص غير متكافئة أو أن دلالتها غير قطعية وهذه بعض الأمثلة التي فيها مظنة النسخ ولكنها ليست كذلك:

1) الآية 180 من سورة البقرة ( كُتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً على المتقين ) قيل إنها نُسخت بآيات المواريث مع أن الآية الكريمة موضوعها سماع الوصية وتنفيذها وليس المواريث، فهي تتحدث للمؤمنين أنه مطلوب منهم سماع الوصية ووعيها كما هي وألا يُحدثوا فيها شيئاً لم يكن، وأن يحكموا بها كما جاءت أي كما أوصى بها من يحضره الموت ما لم تحمل إثماً. والدليل على ذلك هو أن الخطاب في الآية موجه إلى الشاهدين على قول الموصي وإلى ولاة الأمور ومن بيده تنفيذ قول الموصي، وهذا نلاحظه من سياق الآيات المتممة لهذه الآية ( فمن بدله من بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم فمن خاف من موص جنفاً أو إثماً فأصلح بينهم فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم )، فهنا لا يوجد عملية نسخ وذلك لاختلاف المناط في النصين.

2) وفي الآيتين من سورة النساء 16-15 ( واللآتى يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم، فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى ‏يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهُنَّ سبيلا. واللذان يأتيانها منكم فآذوهما، فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما، إن الله ‏كان توابا رحيما ). قيل إن العقوبة في هاتين الآيتين نُسخت بالعقوبة الواردة في سورة النور، وهذا القول يصطدم مع أحد شروط تحقق النسخ وهو تنازع النصين على مناط واحد، وذلك لكون مناط العقوبتين في النصين مختلف، فمناط العقوبة في سورة النور هو الزنا، ولأنه معصية تبدر من الرجل والمرأة معاً، جاءت العقوبة بالمثل لكليهما، والعقوبة مقدرة شرعاً أي هي حد من حدود الله لا تقبل الإسقاط ولا التبديل. أما مناط العقوبة الوارد في سورة النساء فهو إتيان الفاحشة من قبَل النساء، وهي أفعال دون الزنا ولا تبدر إلا من نساء، مثل التبرج وإظهار الزينة والخضوع بالقول، وهي معصية من جنس الحدود ولكنها ليست من الحدود، والدليل على ذلك هو طلب الشارع من الحاكم بالاستشهاد عليها، ولو كانت من الحدود لما طلب الشارع منه ذلك إذ أن الحاكم لا يجوز له الاستشهاد في قضايا الحدود إلا في حد الحرابة وذلك لشبهة الجنايات فيها ولما فيها من إراقة الدم وتعدٍ على الأمن، أما باقي الحدود فيُندب التعافي وعدم الإبلاغ، ولذلك يكون الإتيان بالشهداء في دعاوي الزنا على الذي ادعى وإن لم يفعل أقيم عليه حد القذف، كذلك وإن في قوله تعالى في سورة الطلاق آية 1، ( لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة )، ما يدل على أن الإتيان بالفاحشة يُعد معصية دون الزنا، لأنه ليس بعد معصية الزنا المثبت إخراج ولا خروج، ولذلك كانت عقوبة معصية الإتيان بالفاحشة المبينة عقوبة تعزيرية وهي الحبس في البيوت، أي بيت زوجها أو بيت من يلي أمرها من بعده، ويستفاد من هذا النص أن حبس المرأة في العقوبات التعزيرية لا يكون إلا في البيت ذلك لأن الشارع جعل مسؤولية تنفيذ الحكم على الزوج أو ولي أمرها وليس على الحاكم، وإن لم تردعها عقوبة الحبس تبدل العقوبة بالأذى وإن تابعها زوجها أو من وليَ أمرها في معصيتها فقد استحق كلاهما عقوبة الأذى التي يقدرها القاضي، وإن ارتدعت وتابت فيُخلى سبيلها كون عقوبة الحبس معلقة بتوبتها.

3) كذلك ما ورد في الآية 65 من سورة الأنفال ( يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون )، قيل إنها نسخت بالآية التي تليها من سورة الأنفال، ( الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين). من الملاحظ أن موضوع الآيتين هو الجهاد، ولكن الجهاد أحواله كثيرة ومراحله متداخلة ومتشعبة منها، إعداد العدة والتحريض والتثبيت وتحريم التولي والقتال وإقرار معاهدات السَلم ومحاسبة من ينقضها والغنائم والأسرى وغير ذلك الكثير، مما يجعل استيفاء الشروط لأن تتم عملية النسخ أمر محال، وأن ما ورد في الآيتين السابقتين إنما جاء في معرض التهيؤ والتحريض على القتال، وليس لأي قتال، إنه أول قتال، إنه يوم بدر يوم الفرقان يوم فاصل بين مرحلتين، مرحلة الضعف والصبر على الشدائد ومرحلة التمكين والعزة والمنعة، ولقد غيرت معركة بدر موازين القوى في المنطقة، فظهر المسلمون كقوة عسكرية يحسب لها حساب وزالت بذلك الحواجز المادية أمام دعوة المسلمين للناس كافة، ولعظم هذه المعركة وأهميتها فقد خلدها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم في آيات تتلى ما دامت السماوات والأرض تصف فيها حال المؤمنين منذ خروجهم من المدينة وحتى يوم التقى الجمعان وبعده، فتصف رعاية الله لهم ليلة المعركة، سورة الأنفال 11، ( إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام )، بل إنها تصف حتى أرض المعركة في سورة الأنفال آية 42 ( إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم )، والآيتان المذكورتان ( آية 65 وآية 66 ) إنما جاءتا ضمن سياق هذه الآيات التي وصفت وصورت هذه المعركة بكل مراحلها ووقائعها، فبعد أن أصبح المسلمون أمام وضع يقضي بمواجهة قريش والتي ظُن أنها خرجت بكامل عددها وعدتها، عندها وقف المسلمون للنظر والتشاور، ومع ما بدا عند البعض من ضعف في البداية بأنهم كانوا يؤثرون السلامة وأنهم يودون بالفوز بغير ذات الشوكة، سيما وأنهم خرجوا من غير تأهب ولا استعداد للقتال، إلا أنهم ما لبثوا غير بعيد حتى أجمعوا كلهم على المواجهة، وتسليم أمرهم لما يراه رسول الله ( يا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك )، وأدرك الأنصار بعد الرسالة العالمي فعملوا من ساعتهم على توسيع عقدهم مع رسول الله، ليشمل من ذاك اليوم الذود عن حملة الدعوة في كل مكان معبرين عن ذلك بقولهم ( قد آمنا بك وصدّقناك وشهدنا أنَّ ما جئت به هو الحقّ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا، فامضِ يا رسول اللّه لما أردت، فنحن معك، فوالذي بعثك بالحقّ لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلّف منّا رجل واحد )، ووقفوا صفاً واحداً تحت قيادة رسول الله متأهبين لكل شدة، يغمرهم التفاني في سبيل نصرة دين الله، وما كان مثلهم في ذلك إلا كمثل الذين من قبلهم إذ قاتلوا مع نبي لهم فما ضعفوا وما استكانوا ولكن استبشروا وقالوا ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، والله مع الصابرين )، ولم تمض ساعات حتى رأى المسلمون، أن قريشاً أقل عدداً مما حسبوا، فخفف ذلك عنهم، وازدادوا ثباتاً وجرأة على لقاء عدوهم، فنزل في ذلك قول الله تعالى ( الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله، والله مع الصابرين ). من سرد هذه الآيات يتبين أنها نزلت لعرض صورة الأجواء التي عاشتها ثلة المؤمنين منذ خروجهم وحتى النصر المبين وليس لعرض معادلة تتعارض مع أحوال مقطوع بثبوتها كحالة مداهمة الأعداء لبلاد المسلمين، فإنه فرض على المسلمين أن يعلنوا النفير العام لا يمنعهم من ذلك كثرة عدوهم، أو كحالة الزحف على الأعداء، فإنه لا يجوز لمسلم بعد الزحف، سواءً كان جندياً أم أميراً، أن يفر ويولي للعدو الدبر بأنهم أكثر عددا بأربع مرات أو ثلاث مرات أو مرتين ونصف!، وليس الإثم في التولي هو عدم هزم الأعداء أو التراجع ولكن الإثم يقع في التولي الذي يكشف المسلمين ويطمع الأعداء فيهم وبديارهم، فإذا ما تراءى الجمعان وجب الثبات والصبر. إن التعامل بمعادلة مكشوفة في أمر يقوم على الرأي والخدعة والمكيدة لهو خطأ فادح، العدو يوهم الكثرة والقوة، والمؤمنون يتوهمون بأنفسهم الضعف والتهلكة. وعلى كثرة ما خاضه الصحابة الكرام من المعارك إلا أنهم لم يعيروا حساب التناسب مع العدو أي اعتبار، ألا وإن في غزوة مؤتة لعبرة، إذ علم المسلمون أن الأعداء قد جمعوا ما يفوقهم عشرات المرات فتشاور المسلمون ساعة أيطلبون المدد أم لا، حتى قام فيهم عبد الله بن رواحة وقال قولة الحق والصدق: " يا قوم والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون، الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا، فإنما هي إحدى الحسنيين، إما ظهور وإما شهادة "، ولم يرد للنسخ ذكر في تشاورهم ولا للرخصة.

وقد احتج على وجود النسخ بأنه أُقر بالآية الكريمة 106 من سورة البقرة { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها، ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير }، ولكن بعد تتبع الآيات التي قبل وبعد الآية 106 وجد أن الموضوع على طول هذه الآيات أبداً لم يتغير ولم يتحول، وهو يدور حول شيء واحد وهو تعنت اليهود وكفرهم وتحريفهم كتاب ربهم وتكذيب وقتل فريق من أنبيائهم، فتحذر المؤمنين من خطر السقوط في مكائدهم، وتحيطهم، الآيات 104 و105، علماً أن اليهود سيعادون هذه الدعوة وسيعلنون محاربتها، إذ لما تبين لهم أنه ليس في مقدورهم أن يحولوا بين الوحي وبين النبي المختار ولا أن يقرروا فيمن يختص الله بفضله ورحمته، بدؤوا يظهرون العداوة للدعوة وذلك عن طريق الوقوف بين الرسول الكريم وبين المؤمنين من حوله بالتشكيك بدعوته والافتراء على الله وعليه، إذ يقولون أن ما عندهم أفضل أو أن الرسول عليه السلام استنسخها من كتبهم وبدل أشياء وزاد عليها أشياء، فأجابهم سبحانه وتعالى بأنه قادر على كل شيء، فهو سبحانه كما أنه أرجع نفس الألواح التي كسرت فهو قادر على أن يرجع التوراة التي ضيعت وقادر على أن ينزل مثلها بل وأحسن منها أيضا، ألم تعلموا بعد أن الله على كل شيء قدير. لقد ظهر أن سياق الحديث على طول عشرات الآيات المتتاليات لم يتغير بل جاء دائماً على وتيرة واحدة بنفس المعنى وبنفس الحدة، ومن ضمن تلك الآيات الآية 106، فيكون معنى هذه الآية هو أنه سبحانه إذا ما استنسخ، بمعنى نقل، من التوراة آية أو آيات مثل قصص الأنبياء يوسف وإبراهيم ونوح عليهم السلام أو أعاد ما ضاع منها من الآيات أو أبقاها في عالم النسيان فإنه على أن يأتي بمثلها وأحسن منها، كتغيير اتجاه القبلة والصيام في رمضان وإحلال الغنائم وتشريع جديد لنظام المواريث وغير ذلك، إذا يشاء قدير.

إن القول بأن المراد من قوله تعالى ( ما ننسخ من آية ) هو رفع التلاوة، أي إبطال آيات كانت تتلى، فإن ذلك يعني القول بأنه كانت هناك آيات نزلت بالوحي على الرسول الكريم ثم تلاها الرسول الكريم على الناس ثم جمع كتبة الوحي ليكتبوها فكتبوها على الصحف بين يديه صلى الله عليه وسلم وشهد على ذلك الشهود ثم بعد هذا كله أبطلت!، هو قول لم يُبذل له جهد، فلم ترد ولا حتى رواية واحدة فيها أمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحريق أو تمزيق صحف، أما تفسير قوله تعالى ( أو ننسها ) بأنه رفع الحكم من غير بدل فإنه لا يتفق مع المعنى اللغوي للكلمة كما أنه ليس هناك ما يدل على أنها كلمة اصطلاحية.

إن الاستدلال على النسخ بالقرآن عن طريق تفسير النسخ في الآية بأنه إبطال آيات من كتاب الله أو إبطال أحكام آيات قد أعطى لهذا الموضوع ثقلاً عظيماً ووزناً كبيراً وعلى شأنه حتى جُعل علماً!، فلم يعد موضوع النسخ ينحصر بالرد على ادعاءات اليهود بقولهم أن الرسول الكريم يغير في أحكام الإسلام ولكن تعداه ليشمل كل الآيات والأحاديث التي يظهر فيها أية شبهة تعارض، فمع اتساع المعنى تراجع الإبداع وانحسر الجد عن البحث والحماس للاجتهاد وصارت الآيات والأحاديث تُحول إلى قسم النسخ لأقل تعارض بينها. حتى كانت النتيجة أن نُسخ القرآن جلَه!. فتأمل وما قيل، آية السيف نسخت مائة وأربع عشرة آية!، وآية القتال نسخت تسع آيات، وأن آخر هذه الآية نسخت أولها، وهذا مما لا يُحتمل في كتابٍ ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد )، فصلت آية 42.

ومن الأحاديث التي فيها مظنة النسخ وهي ليست كذلك، حديث زيارة القبور، حيث إن نهي الرسول الكريم عن زيارة القبور ثم إجازته لها بقوله عليه الصلاة والسلام " نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإن في زيارتها تذكرة " وقوله " ألا إني كنت نهيتكم عن ثلاث نهيتكم عن زيارة القبور ثم بدا لي أنها ترق القلوب وتدمع العين فزوروها ولا تقولوا هجرا " وفي رواية أخرى " فزوروها ولتزدكم زيارتها خيرا " ليس فيه نسخ لأن رفع النهي جاء معللاً بالتذكرة والزيادة في الخير، مما يدل على أن وضع النهي قبل ذلك كان لأجل علة عدم التذكرة بالآخرة وغلبة السيئات على الحسنات، سيما وأن الناس كانوا حديثي عهد بجاهلية وكان كثيراً ما يكتنف زيارتهم للقبور اللغط مثل النواح وقول الفحش وطلب الثأر والتذكرة بدين آبائهم وأجدادهم الذين هم أصحاب تلك القبور، وهكذا فإن من يغلب عليه حين زيارته للقبور اللغط وقول السوء سواءً كان فرداً أو أمّة دخلت دار الإسلام من قريب، فإنه لا يجوز في حقهم زيارة القبور، وكفى في قوله عليه الصلاة والسلام " ثم بدا لي " إشارة على أن الحكم تأسس على علة.

وبعد، فإن كل نسخ يعني هدم لحكم، وإن القول به وتخصيص باب له في كتب الأصول ليفتح باباً للجمود في تدبر النصوص وفهم الوقائع، وإن وضع القاعدة " إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما " عنواناً في كتب الأصول أولى من وضع مقولة الناسخ والمنسوخ، ولعالم واحد في الإعمال خير من ألف عالم في الإبطال، وفي ذلك قوله تعالى ( كتاب أُحكمت آياته ثم فُصلت من لدن حكيم خبير )، وقوله سبحانه ( أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ).


 
إنضم
14 أبريل 2009
المشاركات
97
التخصص
الهندسة
المدينة
هامبورغ
المذهب الفقهي
الشافعي
أخي الكريم رأفت المصري السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أشكرك على المتابعة والاستبيان وأسأل الله أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه،

وبعد،

فإنني نعم عجبت ممن قال في نسخ القرآن تلاوة، وأتساءل، أنسخة عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قرآن؟ أوَ القول" الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة" قرآن؟ إن هذا ليس بثلاثة أرباع قرآن ولا نصف قرآن ولا ربع قرآن، إن هذا ليس بقرآن البتة. وإنما القرآن الكريم هو فقط ما جمعه زيد بن ثابت بتكليف من أبي بكر الصديق على مرآى ومسمع من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، والذي تُرك فهو ليس بقرآن كونه لم يستوف الشروط التي وضعها زيد رضي الله عنه، وهي أن تكون الآيات كتبت بين يديه صلى الله عليه وسلم وأن يأتي على ذلك بشاهدين، والذي صنعه زيد بن ثابت تم على مرآى ومسمع من الصحابة رضوان الله أجمعين، وأقروه على ذلك ولم ينكروا عليه.
أما ما ذكر من الروايات فإنها لم تغير من هذه الحقيقة شيئاً، إذ ليس من بين هذه الروايات ، ولو رواية واحدة، تخبر أن مثل ما تقدم من الأقوال " الشيخ والشيخة.." تُلي بين يدي الرسول الكريم على أنها قرآن وسكت، كلا، بل إنه ليس في هذه الروايات ما يدل على أنها تليت أصلاً.

وقولي أن النسخ لم يكن متداولاً بين الصحابة الكرام لا مرد لي عنه، ذلك أن التداول يدل على إجماع الصحابة على أمرالنسخ، على الأقل في حكم آية واحدة، ولكن هذا لم يحصل.

وهذا المقال لمن أحب أن يستزيد أو كان قد تعذر عليه الوصول إليه تحت الرابط المذكور، آملاً أن تعودوا علي بالنصح والإرشاد


الناسخ والمنسوخ
عُرّف الناسخ والمنسوخ على أنه " إبطال الحكم المستفاد من نص سابق بنص لاحقمع الإشارة إلى أن النسخ المراد هنا لا يدخل فيه المستثنى ولا العام المخصَص ولا المطلق المقيَد، وأن الإبطال المقصود من التعريف هو الإلغاء المؤبد للحكم المتقدم أي إلغاؤه إلغاءاً تاماً لغير رجعة، بحيث لا يجوز بعد ذلك استعماله تحت أي ظرف كان بغض النظر عن الزمان والمكان، ولهذا فإن حصول عملية الإبطال أي النسخ يجب ألا يتعلق بشيء مثل حادثة أو شخص، فإن كان متعلقاً بشيء فإنه لا يتحقق ولا يكون عندها موضوع البحث " الناسخ والمنسوخ ".

وكذلك فإن التعريف استعمل عبارة " الحكم المستفاد " ولم يستعمل عبارة " الحكم المستنبط " ليشير إلى أن نص الناسخ ونص المنسوخ يجب أن يكونا من حيث الدلالة قطعيان لا يحتملان إلا مناطاً واحداً أي معنى واحداً يُستفاد منه الحكم مباشرة من غير ابتذال، أما إذا احتمل أكثر من مناط واحد أي أكثر من معنى فإنه يحتمل الاجتهاد فيه، وما احتمل الاجتهاد فيه لم يحتمل أن يكون لا ناسخاً ولا منسوخاً، كما أن التعبير " من نص سابق بنص لاحق " يعني ألا تقل قوة ثبوت النص المتأخر، وهو الناسخ، عن قوة ثبوت النص المتقدم، وهو المنسوخ، أي أن يكون نص الناسخ على الأقل متكافئ من حيث قوة الثبوت للنص المنسوخ، فمثلاً إن كانت قوة ثبوت النص المتقدم " قطعي "، فإنه لا يجوز نسخه بنص ثبت بقوة " صحيح "، كما ولا يجوز نسخ نصٍ ثبت بقوة " صحيح " بنصٍ متأخر ثبت بقوة " حسن غريب " مثلاً.
إن التكافؤ في قوة ثبوت النصين شرط لا بد منه لتحقق النسخ وذلك للخروج بالبحث من دائرة الأحكام الترجيحية، وهي التي تكون بين نصين غير متكافئين في قوة الثبوت، إلى دائرة الأحكام المنسوخة، إذ أن الأحكام الترجيحية وإن كان المرجوح منها مهملاً عند فئة إلا أنه في ذات الوقت يستعمل عند فئة أخرى، بل وحتى عند نفس الفئة لا يكون الإهمال على إطلاقه، وإنما يتغير الحكم بين الإعمال والإهمال تبعاً للمجتهدين من هذه الفئة وتعلق رأيهم بزمانهم ومكان عيشهم وسعة اضطلاعهم وكثرة اختلافهم على الوقائع، بينما الأحكام المنسوخة فهي الأحكام المهملة إهمالاً مطلقاً والتي لا يجوز شرعاً عودة العمل بها أو الاجتهاد في صلاحيتها. أما شرط ألا تقل قوة ثبوت النص المتأخر عن قوة ثبوت النص المتقدم فذلك لأن النصوص إنما شُرّعت للعمل بها وليس للعزوف عنها وإهمالها، وبالتالي فإن رفع أي نص يلزم له نص يعادله في القوة بل وأقوى منه ذلك لأن قوة النص المتقدم لا تنبع من ذاته هو فحسب وإنما أيضاً من قوة النصوص الموجبة بالعمل، فتحييد نص ما يحتاج إلى نصٍ واضحٍ وقوي، يعادل وضوح وقوة تلك النصوص الموجبة بالعمل.


وبناءاً على ما تقدم فإن النسخ لا يتم إلا في حالة تزاحم نصين متراخيين متكافئين على مناط واحد. وإذا أمعنا البحث عن نصوص تنطبق عليها هذه الحالة فإننا سنجد نصوصاً تتزاحم وتتشابه في نفس المسألة ولكننا لا نجد نصوصاً تتعارض في نفس المناط، وذلك إما لأن الإبطال غير مطلق لتعلقه بشيء أو أن النصوص غير متكافئة أو أن دلالتها غير قطعية وهذه بعض الأمثلة التي فيها مظنة النسخ ولكنها ليست كذلك:

1) الآية 180 من سورة البقرة ( كُتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً على المتقين ) قيل إنها نُسخت بآيات المواريث مع أن الآية الكريمة موضوعها سماع الوصية وتنفيذها وليس المواريث، فهي تتحدث للمؤمنين أنه مطلوب منهم سماع الوصية ووعيها كما هي وألا يُحدثوا فيها شيئاً لم يكن، وأن يحكموا بها كما جاءت أي كما أوصى بها من يحضره الموت ما لم تحمل إثماً. والدليل على ذلك هو أن الخطاب في الآية موجه إلى الشاهدين على قول الموصي وإلى ولاة الأمور ومن بيده تنفيذ قول الموصي، وهذا نلاحظه من سياق الآيات المتممة لهذه الآية ( فمن بدله من بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم فمن خاف من موص جنفاً أو إثماً فأصلح بينهم فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم )، فهنا لا يوجد عملية نسخ وذلك لاختلاف المناط في النصين.

2) وفي الآيتين من سورة النساء 16-15 ( واللآتى يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم، فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى ‏يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهُنَّ سبيلا. واللذان يأتيانها منكم فآذوهما، فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما، إن الله ‏كان توابا رحيما ). قيل إن العقوبة في هاتين الآيتين نُسخت بالعقوبة الواردة في سورة النور، وهذا القول يصطدم مع أحد شروط تحقق النسخ وهو تنازع النصين على مناط واحد، وذلك لكون مناط العقوبتين في النصين مختلف، فمناط العقوبة في سورة النور هو الزنا، ولأنه معصية تبدر من الرجل والمرأة معاً، جاءت العقوبة بالمثل لكليهما، والعقوبة مقدرة شرعاً أي هي حد من حدود الله لا تقبل الإسقاط ولا التبديل. أما مناط العقوبة الوارد في سورة النساء فهو إتيان الفاحشة من قبَل النساء، وهي أفعال دون الزنا ولا تبدر إلا من نساء، مثل التبرج وإظهار الزينة والخضوع بالقول، وهي معصية من جنس الحدود ولكنها ليست من الحدود، والدليل على ذلك هو طلب الشارع من الحاكم بالاستشهاد عليها، ولو كانت من الحدود لما طلب الشارع منه ذلك إذ أن الحاكم لا يجوز له الاستشهاد في قضايا الحدود إلا في حد الحرابة وذلك لشبهة الجنايات فيها ولما فيها من إراقة الدم وتعدٍ على الأمن، أما باقي الحدود فيُندب التعافي وعدم الإبلاغ، ولذلك يكون الإتيان بالشهداء في دعاوي الزنا على الذي ادعى وإن لم يفعل أقيم عليه حد القذف، كذلك وإن في قوله تعالى في سورة الطلاق آية 1، ( لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة )، ما يدل على أن الإتيان بالفاحشة يُعد معصية دون الزنا، لأنه ليس بعد معصية الزنا المثبت إخراج ولا خروج، ولذلك كانت عقوبة معصية الإتيان بالفاحشة المبينة عقوبة تعزيرية وهي الحبس في البيوت، أي بيت زوجها أو بيت من يلي أمرها من بعده، ويستفاد من هذا النص أن حبس المرأة في العقوبات التعزيرية لا يكون إلا في البيت ذلك لأن الشارع جعل مسؤولية تنفيذ الحكم على الزوج أو ولي أمرها وليس على الحاكم، وإن لم تردعها عقوبة الحبس تبدل العقوبة بالأذى وإن تابعها زوجها أو من وليَ أمرها في معصيتها فقد استحق كلاهما عقوبة الأذى التي يقدرها القاضي، وإن ارتدعت وتابت فيُخلى سبيلها كون عقوبة الحبس معلقة بتوبتها.

3) كذلك ما ورد في الآية 65 من سورة الأنفال ( يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون )، قيل إنها نسخت بالآية التي تليها من سورة الأنفال، ( الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين). من الملاحظ أن موضوع الآيتين هو الجهاد، ولكن الجهاد أحواله كثيرة ومراحله متداخلة ومتشعبة منها، إعداد العدة والتحريض والتثبيت وتحريم التولي والقتال وإقرار معاهدات السَلم ومحاسبة من ينقضها والغنائم والأسرى وغير ذلك الكثير، مما يجعل استيفاء الشروط لأن تتم عملية النسخ أمر محال، وأن ما ورد في الآيتين السابقتين إنما جاء في معرض التهيؤ والتحريض على القتال، وليس لأي قتال، إنه أول قتال، إنه يوم بدر يوم الفرقان يوم فاصل بين مرحلتين، مرحلة الضعف والصبر على الشدائد ومرحلة التمكين والعزة والمنعة، ولقد غيرت معركة بدر موازين القوى في المنطقة، فظهر المسلمون كقوة عسكرية يحسب لها حساب وزالت بذلك الحواجز المادية أمام دعوة المسلمين للناس كافة، ولعظم هذه المعركة وأهميتها فقد خلدها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم في آيات تتلى ما دامت السماوات والأرض تصف فيها حال المؤمنين منذ خروجهم من المدينة وحتى يوم التقى الجمعان وبعده، فتصف رعاية الله لهم ليلة المعركة، سورة الأنفال 11، ( إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام )، بل إنها تصف حتى أرض المعركة في سورة الأنفال آية 42 ( إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم )، والآيتان المذكورتان ( آية 65 وآية 66 ) إنما جاءتا ضمن سياق هذه الآيات التي وصفت وصورت هذه المعركة بكل مراحلها ووقائعها، فبعد أن أصبح المسلمون أمام وضع يقضي بمواجهة قريش والتي ظُن أنها خرجت بكامل عددها وعدتها، عندها وقف المسلمون للنظر والتشاور، ومع ما بدا عند البعض من ضعف في البداية بأنهم كانوا يؤثرون السلامة وأنهم يودون بالفوز بغير ذات الشوكة، سيما وأنهم خرجوا من غير تأهب ولا استعداد للقتال، إلا أنهم ما لبثوا غير بعيد حتى أجمعوا كلهم على المواجهة، وتسليم أمرهم لما يراه رسول الله ( يا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك )، وأدرك الأنصار بعد الرسالة العالمي فعملوا من ساعتهم على توسيع عقدهم مع رسول الله، ليشمل من ذاك اليوم الذود عن حملة الدعوة في كل مكان معبرين عن ذلك بقولهم ( قد آمنا بك وصدّقناك وشهدنا أنَّ ما جئت به هو الحقّ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا، فامضِ يا رسول اللّه لما أردت، فنحن معك، فوالذي بعثك بالحقّ لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلّف منّا رجل واحد )، ووقفوا صفاً واحداً تحت قيادة رسول الله متأهبين لكل شدة، يغمرهم التفاني في سبيل نصرة دين الله، وما كان مثلهم في ذلك إلا كمثل الذين من قبلهم إذ قاتلوا مع نبي لهم فما ضعفوا وما استكانوا ولكن استبشروا وقالوا ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، والله مع الصابرين )، ولم تمض ساعات حتى رأى المسلمون، أن قريشاً أقل عدداً مما حسبوا، فخفف ذلك عنهم، وازدادوا ثباتاً وجرأة على لقاء عدوهم، فنزل في ذلك قول الله تعالى ( الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله، والله مع الصابرين ). من سرد هذه الآيات يتبين أنها نزلت لعرض صورة الأجواء التي عاشتها ثلة المؤمنين منذ خروجهم وحتى النصر المبين وليس لعرض معادلة تتعارض مع أحوال مقطوع بثبوتها كحالة مداهمة الأعداء لبلاد المسلمين، فإنه فرض على المسلمين أن يعلنوا النفير العام لا يمنعهم من ذلك كثرة عدوهم، أو كحالة الزحف على الأعداء، فإنه لا يجوز لمسلم بعد الزحف، سواءً كان جندياً أم أميراً، أن يفر ويولي للعدو الدبر بأنهم أكثر عددا بأربع مرات أو ثلاث مرات أو مرتين ونصف!، وليس الإثم في التولي هو عدم هزم الأعداء أو التراجع ولكن الإثم يقع في التولي الذي يكشف المسلمين ويطمع الأعداء فيهم وبديارهم، فإذا ما تراءى الجمعان وجب الثبات والصبر. إن التعامل بمعادلة مكشوفة في أمر يقوم على الرأي والخدعة والمكيدة لهو خطأ فادح، العدو يوهم الكثرة والقوة، والمؤمنون يتوهمون بأنفسهم الضعف والتهلكة. وعلى كثرة ما خاضه الصحابة الكرام من المعارك إلا أنهم لم يعيروا حساب التناسب مع العدو أي اعتبار، ألا وإن في غزوة مؤتة لعبرة، إذ علم المسلمون أن الأعداء قد جمعوا ما يفوقهم عشرات المرات فتشاور المسلمون ساعة أيطلبون المدد أم لا، حتى قام فيهم عبد الله بن رواحة وقال قولة الحق والصدق: " يا قوم والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون، الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا، فإنما هي إحدى الحسنيين، إما ظهور وإما شهادة "، ولم يرد للنسخ ذكر في تشاورهم ولا للرخصة.

وقد احتج على وجود النسخ بأنه أُقر بالآية الكريمة 106 من سورة البقرة { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها، ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير }، ولكن بعد تتبع الآيات التي قبل وبعد الآية 106 وجد أن الموضوع على طول هذه الآيات أبداً لم يتغير ولم يتحول، وهو يدور حول شيء واحد وهو تعنت اليهود وكفرهم وتحريفهم كتاب ربهم وتكذيب وقتل فريق من أنبيائهم، فتحذر المؤمنين من خطر السقوط في مكائدهم، وتحيطهم، الآيات 104 و105، علماً أن اليهود سيعادون هذه الدعوة وسيعلنون محاربتها، إذ لما تبين لهم أنه ليس في مقدورهم أن يحولوا بين الوحي وبين النبي المختار ولا أن يقرروا فيمن يختص الله بفضله ورحمته، بدؤوا يظهرون العداوة للدعوة وذلك عن طريق الوقوف بين الرسول الكريم وبين المؤمنين من حوله بالتشكيك بدعوته والافتراء على الله وعليه، إذ يقولون أن ما عندهم أفضل أو أن الرسول عليه السلام استنسخها من كتبهم وبدل أشياء وزاد عليها أشياء، فأجابهم سبحانه وتعالى بأنه قادر على كل شيء، فهو سبحانه كما أنه أرجع نفس الألواح التي كسرت فهو قادر على أن يرجع التوراة التي ضيعت وقادر على أن ينزل مثلها بل وأحسن منها أيضا، ألم تعلموا بعد أن الله على كل شيء قدير. لقد ظهر أن سياق الحديث على طول عشرات الآيات المتتاليات لم يتغير بل جاء دائماً على وتيرة واحدة بنفس المعنى وبنفس الحدة، ومن ضمن تلك الآيات الآية 106، فيكون معنى هذه الآية هو أنه سبحانه إذا ما استنسخ، بمعنى نقل، من التوراة آية أو آيات مثل قصص الأنبياء يوسف وإبراهيم ونوح عليهم السلام أو أعاد ما ضاع منها من الآيات أو أبقاها في عالم النسيان فإنه على أن يأتي بمثلها وأحسن منها، كتغيير اتجاه القبلة والصيام في رمضان وإحلال الغنائم وتشريع جديد لنظام المواريث وغير ذلك، إذا يشاء قدير.

إن القول بأن المراد من قوله تعالى ( ما ننسخ من آية ) هو رفع التلاوة، أي إبطال آيات كانت تتلى، فإن ذلك يعني القول بأنه كانت هناك آيات نزلت بالوحي على الرسول الكريم ثم تلاها الرسول الكريم على الناس ثم جمع كتبة الوحي ليكتبوها فكتبوها على الصحف بين يديه صلى الله عليه وسلم وشهد على ذلك الشهود ثم بعد هذا كله أبطلت!، هو قول لم يُبذل له جهد، فلم ترد ولا حتى رواية واحدة فيها أمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحريق أو تمزيق صحف، أما تفسير قوله تعالى ( أو ننسها ) بأنه رفع الحكم من غير بدل فإنه لا يتفق مع المعنى اللغوي للكلمة كما أنه ليس هناك ما يدل على أنها كلمة اصطلاحية.

إن الاستدلال على النسخ بالقرآن عن طريق تفسير النسخ في الآية بأنه إبطال آيات من كتاب الله أو إبطال أحكام آيات قد أعطى لهذا الموضوع ثقلاً عظيماً ووزناً كبيراً وعلى شأنه حتى جُعل علماً!، فلم يعد موضوع النسخ ينحصر بالرد على ادعاءات اليهود بقولهم أن الرسول الكريم يغير في أحكام الإسلام ولكن تعداه ليشمل كل الآيات والأحاديث التي يظهر فيها أية شبهة تعارض، فمع اتساع المعنى تراجع الإبداع وانحسر الجد عن البحث والحماس للاجتهاد وصارت الآيات والأحاديث تُحول إلى قسم النسخ لأقل تعارض بينها. حتى كانت النتيجة أن نُسخ القرآن جلَه!. فتأمل وما قيل، آية السيف نسخت مائة وأربع عشرة آية!، وآية القتال نسخت تسع آيات، وأن آخر هذه الآية نسخت أولها، وهذا مما لا يُحتمل في كتابٍ ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد )، فصلت آية 42.

ومن الأحاديث التي فيها مظنة النسخ وهي ليست كذلك، حديث زيارة القبور، حيث إن نهي الرسول الكريم عن زيارة القبور ثم إجازته لها بقوله عليه الصلاة والسلام " نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإن في زيارتها تذكرة " وقوله " ألا إني كنت نهيتكم عن ثلاث نهيتكم عن زيارة القبور ثم بدا لي أنها ترق القلوب وتدمع العين فزوروها ولا تقولوا هجرا " وفي رواية أخرى " فزوروها ولتزدكم زيارتها خيرا " ليس فيه نسخ لأن رفع النهي جاء معللاً بالتذكرة والزيادة في الخير، مما يدل على أن وضع النهي قبل ذلك كان لأجل علة عدم التذكرة بالآخرة وغلبة السيئات على الحسنات، سيما وأن الناس كانوا حديثي عهد بجاهلية وكان كثيراً ما يكتنف زيارتهم للقبور اللغط مثل النواح وقول الفحش وطلب الثأر والتذكرة بدين آبائهم وأجدادهم الذين هم أصحاب تلك القبور، وهكذا فإن من يغلب عليه حين زيارته للقبور اللغط وقول السوء سواءً كان فرداً أو أمّة دخلت دار الإسلام من قريب، فإنه لا يجوز في حقهم زيارة القبور، وكفى في قوله عليه الصلاة والسلام " ثم بدا لي " إشارة على أن الحكم تأسس على علة.

وبعد، فإن كل نسخ يعني هدم لحكم، وإن القول به وتخصيص باب له في كتب الأصول ليفتح باباً للجمود في تدبر النصوص وفهم الوقائع، وإن وضع القاعدة " إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما " عنواناً في كتب الأصول أولى من وضع مقولة الناسخ والمنسوخ، ولعالم واحد في الإعمال خير من ألف عالم في الإبطال، وفي ذلك قوله تعالى ( كتاب أُحكمت آياته ثم فُصلت من لدن حكيم خبير )، وقوله سبحانه ( أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ).
 
إنضم
14 أبريل 2009
المشاركات
97
التخصص
الهندسة
المدينة
هامبورغ
المذهب الفقهي
الشافعي
إخوتي عُذراً أظن لزوم إرساله على مراحل.




الناسخ والمنسوخ


عُرّف الناسخ والمنسوخ على أنه " إبطال الحكم المستفاد من نص سابق بنصلاحقمع الإشارة إلى أن النسخ المراد هنا لا يدخل فيه المستثنى ولا العام المخصَصولا المطلق المقيَد، وأن الإبطال المقصود من التعريف هو الإلغاء المؤبد للحكم المتقدمأي إلغاؤه إلغاءاً تاماً لغير رجعة، بحيث لا يجوز بعد ذلك استعماله تحت أي ظرف كان بغض النظر عن الزمان والمكان، ولهذا فإن حصول عملية الإبطال أي النسخ يجب ألا يتعلق بشيء مثل حادثة أو شخص، فإن كان متعلقاً بشيء فإنه لا يتحقق ولا يكون عندها موضوع البحث " الناسخ والمنسوخ ".

وكذلك فإن التعريف استعمل عبارة " الحكم المستفاد " ولم يستعمل عبارة " الحكم المستنبط " ليشير إلى أن نص الناسخ ونص المنسوخ يجب أن يكونا من حيث الدلالة قطعيان لا يحتملان إلا مناطاً واحداً أي معنى واحداً يُستفاد منه الحكم مباشرة من غير ابتذال، أما إذا احتمل أكثر من مناط واحد أي أكثر من معنى فإنه يحتمل الاجتهاد فيه، وما احتمل الاجتهاد فيه لم يحتمل أن يكون لا ناسخاً ولا منسوخاً، كما أن التعبير " من نص سابق بنص لاحق " يعني ألا تقل قوة ثبوت النص المتأخر، وهو الناسخ، عن قوة ثبوت النص المتقدم، وهو المنسوخ، أي أن يكون نص الناسخ على الأقل متكافئ من حيث قوة الثبوت للنص المنسوخ، فمثلاً إن كانت قوة ثبوت النص المتقدم " قطعي "، فإنه لا يجوز نسخه بنص ثبت بقوة " صحيح "، كما ولا يجوز نسخ نصٍ ثبت بقوة " صحيح " بنصٍ متأخر ثبت بقوة " حسن غريب " مثلاً.
إن التكافؤ في قوة ثبوت النصين شرط لا بد منه لتحقق النسخ وذلك للخروج بالبحث من دائرة الأحكام الترجيحية، وهي التي تكون بين نصين غير متكافئين في قوة الثبوت، إلى دائرة الأحكام المنسوخة، إذ أن الأحكام الترجيحية وإن كان المرجوح منها مهملاً عند فئة إلا أنه في ذات الوقت يستعمل عند فئة أخرى، بل وحتى عند نفس الفئة لا يكون الإهمال على إطلاقه، وإنما يتغير الحكم بين الإعمال والإهمال تبعاً للمجتهدين من هذه الفئة وتعلق رأيهم بزمانهم ومكان عيشهم وسعة اضطلاعهم وكثرة اختلافهم على الوقائع، بينما الأحكام المنسوخة فهي الأحكام المهملة إهمالاً مطلقاً والتي لا يجوز شرعاً عودة العمل بها أو الاجتهاد في صلاحيتها. أما شرط ألا تقل قوة ثبوت النص المتأخر عن قوة ثبوت النص المتقدم فذلك لأن النصوص إنما شُرّعت للعمل بها وليس للعزوف عنها وإهمالها، وبالتالي فإن رفع أي نص يلزم له نص يعادله في القوة بل وأقوى منه ذلك لأن قوة النص المتقدم لا تنبع من ذاته هو فحسب وإنما أيضاً من قوة النصوص الموجبة بالعمل، فتحييد نص ما يحتاج إلى نصٍ واضحٍ وقوي، يعادل وضوح وقوة تلك النصوص الموجبة بالعمل.
 
إنضم
14 أبريل 2009
المشاركات
97
التخصص
الهندسة
المدينة
هامبورغ
المذهب الفقهي
الشافعي
يُتابع



وبناءاً على ما تقدم فإن النسخ لا يتم إلا في حالة تزاحم نصين متراخيين متكافئين على مناط واحد. وإذا أمعنا البحث عن نصوص تنطبق عليها هذه الحالة فإننا سنجد نصوصاً تتزاحم وتتشابه في نفس المسألة ولكننا لا نجد نصوصاً تتعارض في نفس المناط، وذلك إما لأن الإبطال غير مطلق لتعلقه بشيء أو أن النصوص غير متكافئة أو أن دلالتها غير قطعية وهذه بعض الأمثلة التي فيها مظنة النسخ ولكنها ليست كذلك:

1) الآية180 من سورة البقرة ( كُتبعليكمإذاحضرأحدكمالموتإنتركخيراًالوصيةللوالدينوالأقربينبالمعروفحقاًعلىالمتقين) قيلإنهانُسختبآياتالمواريثمعأنالآيةالكريمةموضوعهاسماع الوصيةوتنفيذها وليسالمواريث،فهيتتحدثللمؤمنينأنهمطلوبمنهمسماعالوصيةووعيهاكماهيوألايُحدثوافيهاشيئاًلميكن،وأن يحكموا بهاكماجاءتأيكماأوصىبهامنيحضرهالموتمالمتحملإثماً. والدليلعلىذلكهوأنالخطابفي الآية موجهإلىالشاهدينعلىقولالموصيوإلى ولاةالأمورومنبيدهتنفيذقولالموصي،وهذانلاحظهمنسياقالآياتالمتممةلهذهالآية ( فمنبدلهمنبعدماسمعهفإنماإثمهعلىالذينيبدلونهإناللهسميععليمفمنخافمنموصجنفاًأوإثماًفأصلحبينهمفلاإثمعليهإناللهغفوررحيم)، فهنا لا يوجد عملية نسخ وذلك لاختلاف المناط في النصين.

2) وفيالآيتينمنسورةالنساء 16-15(واللآتى يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم، فإن شهدوافأمسكوهن في البيوت حتى ‏يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهُنَّ سبيلا. واللذان يأتيانها منكم فآذوهما، فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما، إن الله ‏كان توابا رحيما). قيلإن العقوبة في هاتين الآيتيننُسختبالعقوبةالواردةفيسورةالنور، وهذا القول يصطدم مع أحد شروط تحقق النسخ وهو تنازع النصين على مناط واحد، وذلك لكون مناط العقوبتين في النصين مختلف، فمناط العقوبة في سورة النور هو الزنا، ولأنه معصية تبدر من الرجل والمرأة معاً، جاءت العقوبة بالمثل لكليهما، والعقوبة مقدرة شرعاً أي هي حد من حدود الله لا تقبل الإسقاط ولا التبديل. أما مناط العقوبة الوارد في سورة النساء فهو إتيان الفاحشة من قبَل النساء، وهي أفعال دون الزنا ولا تبدر إلا من نساء، مثل التبرج وإظهار الزينة والخضوع بالقول، وهي معصية من جنس الحدود ولكنها ليست من الحدود، والدليل على ذلك هو طلب الشارع من الحاكم بالاستشهاد عليها، ولو كانت من الحدود لما طلب الشارع منه ذلك إذ أن الحاكم لا يجوز له الاستشهاد في قضايا الحدود إلا في حد الحرابة وذلك لشبهة الجنايات فيها ولما فيها من إراقة الدم وتعدٍ على الأمن، أما باقي الحدود فيُندب التعافي وعدم الإبلاغ، ولذلك يكون الإتيان بالشهداء في دعاوي الزنا على الذي ادعى وإن لم يفعل أقيم عليه حد القذف، كذلك وإن في قوله تعالى في سورة الطلاق آية 1، ( لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة )، ما يدل على أن الإتيان بالفاحشة يُعد معصية دون الزنا، لأنه ليس بعد معصية الزنا المثبت إخراج ولا خروج، ولذلك كانت عقوبة معصية الإتيان بالفاحشة المبينة عقوبة تعزيرية وهي الحبس في البيوت، أي بيت زوجها أو بيت من يلي أمرها من بعده، ويستفاد من هذا النص أن حبس المرأة في العقوبات التعزيرية لا يكون إلا في البيت ذلك لأن الشارع جعل مسؤولية تنفيذ الحكم على الزوج أو ولي أمرها وليس على الحاكم، وإن لم تردعها عقوبة الحبس تبدل العقوبة بالأذى وإن تابعها زوجها أو من وليَ أمرها في معصيتها فقد استحق كلاهما عقوبة الأذى التي يقدرها القاضي، وإن ارتدعت وتابت فيُخلى سبيلها كون عقوبة الحبس معلقة بتوبتها.
 
إنضم
14 أبريل 2009
المشاركات
97
التخصص
الهندسة
المدينة
هامبورغ
المذهب الفقهي
الشافعي
يتابع...



3) كذلك ما ورد في الآية 65 من سورة الأنفال ( يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون )، قيل إنها نسخت بالآية التي تليها من سورة الأنفال، (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين). من الملاحظ أن موضوع الآيتين هو الجهاد، ولكن الجهاد أحواله كثيرة ومراحله متداخلة ومتشعبة منها، إعداد العدة والتحريض والتثبيت وتحريم التولي والقتال وإقرار معاهدات السَلم ومحاسبة من ينقضها والغنائم والأسرى وغير ذلك الكثير، مما يجعل استيفاء الشروط لأن تتم عملية النسخ أمر محال، وأن ما ورد في الآيتين السابقتين إنما جاء في معرض التهيؤ والتحريض على القتال، وليس لأي قتال، إنه أول قتال، إنه يوم بدر يوم الفرقان يوم فاصل بين مرحلتين، مرحلة الضعف والصبر على الشدائد ومرحلة التمكين والعزة والمنعة، ولقد غيرت معركة بدر موازين القوى في المنطقة، فظهر المسلمون كقوة عسكرية يحسب لها حساب وزالت بذلك الحواجز المادية أمام دعوة المسلمين للناس كافة، ولعظم هذه المعركة وأهميتها فقد خلدها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم في آيات تتلى ما دامت السماوات والأرض تصف فيها حال المؤمنين منذ خروجهم من المدينة وحتى يوم التقى الجمعان وبعده، فتصف رعاية الله لهم ليلة المعركة، سورة الأنفال 11، ( إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام )، بل إنها تصف حتى أرض المعركة في سورة الأنفال آية 42 ( إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم )، والآيتان المذكورتان ( آية 65 وآية 66 ) إنما جاءتا ضمن سياق هذه الآيات التي وصفت وصورت هذه المعركة بكل مراحلها ووقائعها، فبعد أن أصبح المسلمون أمام وضع يقضي بمواجهة قريش والتي ظُن أنها خرجت بكامل عددها وعدتها، عندها وقف المسلمون للنظر والتشاور، ومع ما بدا عند البعض من ضعف في البداية بأنهم كانوا يؤثرون السلامة وأنهم يودون بالفوز بغير ذات الشوكة، سيما وأنهم خرجوا من غير تأهب ولا استعداد للقتال، إلا أنهم ما لبثوا غير بعيد حتى أجمعوا كلهم على المواجهة، وتسليم أمرهم لما يراه رسول الله ( يا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك )، وأدرك الأنصار بعد الرسالة العالمي فعملوا من ساعتهم على توسيع عقدهم مع رسول الله، ليشمل من ذاك اليوم الذود عن حملة الدعوة في كل مكان معبرين عن ذلك بقولهم
 
إنضم
14 أبريل 2009
المشاركات
97
التخصص
الهندسة
المدينة
هامبورغ
المذهب الفقهي
الشافعي
يُتابع..


( قدآمنابكوصدّقناكوشهدناأنَّماجئتبههوالحقّ،وأعطيناكعلىذلكعهودناومواثيقنا،فامضِيارسولاللّهلماأردت،فنحنمعك،فوالذيبعثكبالحقّلواستعرضتبناالبحرفخضتهلخضناهمعك،ماتخلّفمنّارجلواحد )، ووقفوا صفاً واحداً تحت قيادة رسول الله متأهبين لكل شدة، يغمرهم التفاني في سبيل نصرة دين الله، وما كان مثلهم في ذلك إلا كمثل الذين من قبلهم إذ قاتلوا مع نبي لهم فما ضعفوا وما استكانوا ولكن استبشروا وقالوا ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، والله مع الصابرين )، ولم تمض ساعات حتى رأى المسلمون، أن قريشاً أقل عدداً مما حسبوا، فخفف ذلك عنهم، وازدادوا ثباتاً وجرأة على لقاء عدوهم، فنزل في ذلك قول الله تعالى ( الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله، والله مع الصابرين ). من سرد هذه الآيات يتبين أنها نزلت لعرض صورة الأجواء التي عاشتها ثلة المؤمنين منذ خروجهم وحتى النصر المبين وليس لعرض معادلة تتعارض مع أحوال مقطوع بثبوتها كحالة مداهمة الأعداء لبلاد المسلمين، فإنه فرض على المسلمين أن يعلنوا النفير العام لا يمنعهم من ذلك كثرة عدوهم، أو كحالة الزحف على الأعداء، فإنه لا يجوز لمسلم بعد الزحف، سواءً كان جندياً أم أميراً، أن يفر ويولي للعدو الدبر بأنهم أكثر عددا بأربع مرات أو ثلاث مرات أو مرتين ونصف!، وليس الإثم في التولي هو عدم هزم الأعداء أو التراجع ولكن الإثم يقع في التولي الذي يكشف المسلمين ويطمع الأعداء فيهم وبديارهم، فإذا ما تراءى الجمعان وجب الثبات والصبر. إن التعامل بمعادلة مكشوفة في أمر يقوم على الرأي والخدعة والمكيدة لهو خطأ فادح، العدو يوهم الكثرة والقوة، والمؤمنون يتوهمون بأنفسهم الضعف والتهلكة. وعلى كثرة ما خاضه الصحابة الكرام من المعارك إلا أنهم لم يعيروا حساب التناسب مع العدو أي اعتبار، ألا وإن في غزوة مؤتة لعبرة، إذ علم المسلمون أن الأعداء قد جمعوا ما يفوقهم عشرات المرات فتشاور المسلمون ساعة أيطلبون المدد أم لا، حتى قام فيهم عبد الله بن رواحة وقال قولة الحق والصدق: " يا قوم والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون، الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا، فإنما هي إحدى الحسنيين، إما ظهور وإما شهادة "، ولم يرد للنسخ ذكر في تشاورهم ولا للرخصة.
 
إنضم
14 أبريل 2009
المشاركات
97
التخصص
الهندسة
المدينة
هامبورغ
المذهب الفقهي
الشافعي
يُتابع..

وقد احتج على وجود النسخ بأنه أُقر بالآية الكريمة 106 من سورة البقرة{م اننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها، ألم تعلم أن الله على كلشيء قدير }، ولكن بعد تتبع الآيات التي قبل وبعد الآية 106 وجد أن الموضوع على طول هذه الآيات أبداً لم يتغير ولم يتحول، وهو يدور حول شيء واحد وهو تعنت اليهود وكفرهم وتحريفهم كتاب ربهم وتكذيب وقتل فريق من أنبيائهم، فتحذر المؤمنين من خطر السقوط في مكائدهم، وتحيطهم،الآيات104 و105، علماً أن اليهود سيعادون هذه الدعوة وسيعلنون محاربتها، إذ لما تبين لهم أنه ليس في مقدورهم أن يحولوا بين الوحي وبين النبي المختار ولا أن يقرروا فيمن يختص الله بفضله ورحمته، بدؤوا يظهرون العداوة للدعوة وذلك عن طريق الوقوف بين الرسول الكريم وبين المؤمنين من حوله بالتشكيك بدعوته والافتراء على الله وعليه، إذ يقولون أنماعندهم أفضل أو أن الرسول عليه السلام استنسخها من كتبهم وبدل أشياء وزاد عليها أشياء، فأجابهم سبحانه وتعالى بأنه قادر على كل شيء، فهو سبحانه كما أنه أرجع نفس الألواح التي كسرت فهو قادرعلى أن يرجع التوراة التي ضيعت وقادر على أن ينزل مثلها بل وأحسن منها أيضا، ألم تعلموا بعد أن الله على كل شيء قدير. لقد ظهرأن سياق الحديث على طول عشرات الآيات المتتاليات لم يتغير بل جاء دائماً على وتيرة واحدة بنفس المعنى وبنفس الحدة، ومن ضمن تلك الآيات الآية 106، فيكون معنى هذه الآية هو أنه سبحانه إذا ما استنسخ ، بمعنى نقل، من التوراة آية أوآيات مثل قصص الأنبياء يوسف وإبراهيم ونوح عليهم السلام أو أعاد ما ضاع منها من الآيات أ وأبقاها في عالم النسيان فإنه على أن يأتي بمثلها وأحسن منها، كتغيير اتجاه القبلة والصيام في رمضان وإحلال الغنائم وتشريع جديد لنظام المواريث وغير ذلك، إذايشاء قدير.
 
إنضم
14 أبريل 2009
المشاركات
97
التخصص
الهندسة
المدينة
هامبورغ
المذهب الفقهي
الشافعي
يُتايع..

إن القول بأن المراد من قوله تعالى ( ما ننسخ من آية ) هو رفع التلاوة، أي إبطال آيات كانت تتلى، فإن ذلك يعني القول بأنه كانت هناك آيات نزلت بالوحي على الرسول الكريم ثم تلاها الرسول الكريم على الناس ثم جمع كتبة الوحي ليكتبوها فكتبوها على الصحف بين يديه صلى الله عليه وسلم وشهد على ذلك الشهود ثم بعد هذا كله أبطلت!، هو قول لم يُبذل له جهد، فلم ترد ولا حتى رواية واحدة فيها أمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحريق أو تمزيق صحف، أما تفسير قوله تعالى ( أو ننسها ) بأنه رفع الحكم من غير بدل فإنه لا يتفق مع المعنى اللغوي للكلمة كما أنه ليس هناك ما يدل على أنها كلمة اصطلاحية.

إن الاستدلال على النسخ بالقرآن عن طريق تفسير النسخ في الآية بأنه إبطال آيات من كتاب الله أو إبطال أحكام آيات قد أعطى لهذا الموضوع ثقلاً عظيماً ووزناً كبيراً وعلى شأنه حتى جُعل علماً!، فلم يعد موضوع النسخ ينحصر بالرد على ادعاءات اليهود بقولهم أن الرسول الكريم يغير في أحكام الإسلام ولكن تعداه ليشمل كل الآيات والأحاديث التي يظهر فيها أية شبهة تعارض، فمع اتساع المعنى تراجع الإبداع وانحسر الجد عن البحث والحماس للاجتهاد وصارت الآيات والأحاديث تُحول إلى قسم النسخ لأقل تعارض بينها. حتى كانت النتيجة أن نُسخ القرآن جلَه!. فتأمل وما قيل، آية السيف نسخت مائة وأربع عشرة آية!، وآية القتال نسخت تسع آيات، وأن آخر هذه الآية نسخت أولها،وهذا مما لا يُحتمل في كتابٍ ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد )، فصلت آية 42.
 
إنضم
28 ديسمبر 2007
المشاركات
677
التخصص
التفسير وعلوم القرآن
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
حنبلي
لا بدّ من عودة مفصلة لنقاش جزئيات مذكورة في بحث فضيلتكم الثمين، إلا أنني أعجل ببعض الملاحظات :

- أن معالجتك للموضوع غير تامة من وجهين :

الأول : أنها لم تستوعب من الأمثلة ما هو أقوى في الدلالة على النسخ مما ذكرته، من أمثال ما ذكرتُه في بعض مداخلاتي السابقة في الموضوع وما ذكر في غيرها، فليرجع إليها .

الثاني : أن مناقشة بعض الأمثلة، ونقض كونها من باب الناسخ والمنسوخ لا يبطل ما جاءت به الأحاديث الصحيحة، والإحالة في مطالعتها وتخريجها الحديثي على المظان .

- أنني أرى التضييق في النسخ طالما كان ثمة سعة في الجمع بين النصوص، ثم إنه لا يسوغ القول به إلا بقيام الأدلة اليقينية على وقوعه - كما أشرت قبل في مداخلاتي السابقة - هذا فيما يتعلق بنسخ الحكم دون التلاوة .

أما نسخ التلاوة؛ فإنه إذا ما صحّ الخبر فيه؛ فإنني أسلّم فيه، ولا أنازع، وإنما النزاع في هذا النوع فيما إذا لم يثبت الدليل فيه، إذ لا وجه حينئذ للقول به، ولا شكّ على أنه خلاف الأصل، فلا يُصار إليه إلّا بقيام الحجة .

منبهاً على أن الروايات التي تدلّ بمجموعها على وجود ما يسمّى بـ "منسوخ التلاوة" كثيرة، ولا أرى حَيد من جعلها من المتواتر المعنويّ عن الحق .

- الملاحظة الأهم : وهي أنه مهما كان ما تختاره في المسألة، خصوصاً إن كنت ممن أنكر ما عليه الجهابذة من العلماء الأعلام فإنه لا يسوغ بحال تسفيه رأيهم، وجعله في محل العجب، إذ هو بقول من خالف رأيهم أليق .

وفقنا الله وإياكم، والله أسأل أن يهدينا لما اختُلف فيه من الحق بإذنه، إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .
 
إنضم
14 أبريل 2009
المشاركات
97
التخصص
الهندسة
المدينة
هامبورغ
المذهب الفقهي
الشافعي
جزاكم الله خيراً،

وبعد،

فإن موضوع البحث يدور حول ما يلي:
هل النسخ بمعنى الناسخ والمنسوخ ورد ذكره في القرآن الكريم؟ وإن ورد فهل يقتصر الأمر على النسخ للحكم أم يتعداه للنسخ في التلاوة؟

وقد استدل من قال بالنسخ بالآية 106 من سورة البقرة ( ما ننسخ من آية) الآية، وبالآية 101 من سورة النحل ( وإذا بدلنا آية مكان آية ) الآية،وبالآية 39 من سورة الرعد ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب).
وهنا لا بد من القول أن أمر النسخ ما كان ليفطن له من الآيات الواردة في سورتي النحل والرعد لولا الآية في سورة البقرة، فالآية في سورة البقرة هي سبب الأمر وعليها تأسس هذا الموضوع، ثم سيقت له الآيات الأخرى استئناساً، ولهذا كان يكفي لدحض حجج القائلين بالنسخ في القرآن الكريم، معالجة الآية 106 من سورة البقرة، وذُكر ذلك في مداخلتي السابقة.
وفي هذا السياق فإنه تجدر الإشارة إلى أن موضوع الناسخ والمنسوخ أبرز بشكل كبير أهمية القاعدة، الذهبية وفوق المذهبية، " إعمال الأدلة أولى من إهمال أحدها" ومفهوم العمل بها، وهو أن من وجد ضالته عند غيره، ولو كان على غير مذهبه، فهو أحق بها، وصار لزاماً عليه الأخذ بها، وهكذا، فإن وجد الأول مخرجاً شرعياً بين متعارضين، بينما لم يتمكن الثاني من ذلك إلا أن يقول بالنسخ وتعطيل الأحكام، لزم الثاني الأخذ برأي الأول، وأن يطبق على نفسه أيضاً قول الله تعالى " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"، وأن يترك العض على رأيه، والامتناع عن نعت رأي الآخر بالشاذ والمنكر والجحود والضلال حيناً وأحيانا، سيما وأن معتمد الثاني من الأدلة ليست يقينية في دلالتها أصلاً. إن عدم تطبيق هذه القاعدة ونعت قول المجتهدين بعدم النسخ بالشذوذ، سبّب في خفوت الاجتهاد واضمحلال الإبداع، فتعطلت أكثر من مائتين آية ذوات الأحكام العملية- يذكر أن عدد الآيات التي تحمل أحكاماً عملية في القرآن الكريم هي خمسمائة آية ونيف- أي أن نصف آيات الأحكام العملية تم تعطيلها، ومع ذلك ظل يوصف القول بعدم النسخ بأنه شاذ، ها قد بدأ أمر النسخ بمائتي آية، ثم تناقص العدد إلى أن أصبح اليوم، حتى عند من يقول بالنسخ، لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، فيا ترى من هو منذ البداية صاحب الرأي الشاذ.

أما بالنسبة للرأي القائل بنسخ التلاوة، فأقول، أن الرسول الكريم كان دائم الحرص على حفظ القرآن الكريم وصونه، حتى أنه عليه الصلاة والسلام طلب من الصحابة الكرام عدم تدوين الحديث مخافة أن يختلط عليهم بالقرآن، ثم بعد ذلك كله يُقال نُسّيت آيات أو رُُفعت آيات، دون أي ذكر لقولٍ أو فعل أو تقرير من صاحب الشأن الأول رسول الله صلى الله عليه وسلم، أكان مثل هذا الأمر العظيم يمضي دون إقرارٍ منه عليه السلام، مثل أن يتلو أحد القرآن أمامه فيرد عليه الرسول الكريم مثلاً أو ما علمت أن هذه الآيات نسخت أو رفعت، أقول لأصحاب هذا الرأي هل من رواية واحدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل من رواية واحدة أنه صلى الله عليه وسلم أحرق أو مزق صحف مخافة أن يختلط الأمر على الناس بين ما هو منسوخ وما هو مثبت.
وأخيراً، فإنه عند إدراج مصطلح التواتر في البحث، فإنه تجدر أن تذكر معه قوة ثبوته، وذلك حتى لا يتوهم السامع فيظنه المتواتر المرفوع بينما المتواتر المستدل عليه على ثبوت نسخ التلاوة في هذا البحث هو متواتر موقوف، وشتانا ما بين هذا وذاك، فالمتواتر المرفوع، وهو المتواتر المتبادر إلى الذهن عند إطلاق كلمة تواتر، هو الذي رواه جماعة من تابعي التابعين عن جماعة من التابعين عن الصحابة الكرام عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعاً، وهو أقوى أنواع الأحاديث ثبوتاً وأعلاها درجة ويفيد العلم بالقطع، بينما المتواتر الموقوف، فهو ما رواه جماعة من تابعي التابعين عن جماعة من التابعين عن أفراد من الصحابة الكرام موقوفاً، وهو ليس بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من حيث الدرجة يعد أقل من حديث آحاد، حتى لو كانت قوة ثبوته حسن لغيره، كذلك فإنه لا يعبر عن إجماع للصحابة، بل إنه يبقى في دائرة التعبير عن رأي صاحبه الموقوف عليه واجتهاده، ولهذا لا يصح الاستدلال به كأنه حديث مرفوع.

وأسأل الله التوفيق
 
إنضم
14 نوفمبر 2009
المشاركات
350
التخصص
الفقه والأصول والبحث القرآني
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
الحنفي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين وبعد..

فقد كنت حصلت على تلك الصفحة منذ أسبوع تقريبا لأهمية موضوعها؛ حيث التعلق المباشر بكتاب الله تعالى، وحملتها إلى مكتبي لأتأمل ما قيل فيها، حيث من الصعوبة في تلك الفترة الحصول على وقت متوسط على شبكة الإنترنت
ولي تعليقات أطرحها كتعليقات، على كلام الدكتور القرضاوي وكلام بعض المشايخ الفضلاء ممن علقوا، وأطرحها فقط للتأمل والمناقشة، دونما الجزم بشيء ودونما تحمل لعهدة قول، فالأصل في براءة الذمة مستصحب إن شاء الله. والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

التعليق الأول/ وهو يتعلق بالدكتور القرضاوي حفظه الله وأطال عمره في الخير، حيث لا يصح أن نتناول كلام المتكلمين في خارج إطاره الفكري والنفسي للمتكلم. ولا يخفى على أي مهتم - ولا أقول حتى مبتدئ - أن اللفظ الواحد يستعمل بصورة اصطلاحية متعددة، بل لا يزال باب استعارة اللفظ والاصطلاح به مفتوحا. والكلمة الواحدة قد تعني أكثر من معنى في سياقات مختلفة ومن خلال قائلين مختلفين.

ومن هنا، فلا ينبغي أن نفسر كلام الدكتور القرضاوي خارج إطار الدكتور القرضاوي.. أي لا يمكننا أن نستل كلامه خارج شخصيته لنفسره تفسيرا بعيدا عن هذه الشخصية وسياقها العام.

ومن هنا أستطيع أن أفهم - ولو إجمالا - ذلك التوجه الأصولي من الدكتور القرضاوي حفظه الله، في قوله بعدم النسخ.

أ - ابتداء.. لا نعلم اهتماما للدكتور القرضاوي بقضايا أصول الفقه كقضايا مجردة أو كعلم آلة. حتى لو كان على دراية به، فهذه قضية أخرى، ولكننا لا نعلم اهتماما له به كمسائل، كما نهتم نحن به مثلا هنا، ونطرح مسائله للتداول.. فابتداء.. كلامه في مسألة أصولية بعينها، وهو ليس من المهتمين بالطرح الأصولي عينا، يدفعنا لوضع علامة صغيرة على كلامه، بحيث يمكننا العودة إليها مرة أخرى في خلال بحثنا.

ب - الدكتور القرضاوي مشهور جدا خلافه مع عموم الفقهاء في قضية الجهاد، وجهاد الدفع والطلب، ومعروف أن مذهبه - وبكل وضوح - هو مذهب شخصي له، مميّع ومضيّع لتلك الشعيرة*، ولا يمثل المسلمين بحال. وقد شكّل الدكتور القرضاوي حفظه الله قوله في صورة خلاف مع سيد قطب رحمه الله من خلال ما أورده الأخير حول الجهاد في (الظلال) و (المعالم) .. فنجح الدكتور القرضاوي في أن يظهر الخلاف على أنه بينه وبين سيد قطب، وأن سيد قطب متشدد الفكر، مكفّر للمجتمعات.. إلخ ولكنه لم يذكر أن ما أورده سيد قطب لم يكن من عند رأسه، بل ما ذكر أن سيد قطب قد نقل في كتابه الشهير (معالم في الطريق) توصيفا كاملا لمراحل تشريع عن (زاد المعاد) لابن القيم، والذي صرح - كغيره من الأئمة - بنسخ آيات المسالمة. ولكن بطبيعة الحال مصادمة سيد قطب هي أيسر - إعلاميا - من مصادمة ابن القيم، لما يحاط به الأول من اتهامات تسهل عملية غسيل الفكرة الجهادية، فتنسب برمتها إلى سيد قطب، وهو لم يأت فيها إلا بما هو ثابت إسلاميا.

بل ما زاد عن أن دار في فلك كلام ابن القيم، واعظا الأمة به.
ولا يخفى أي طالب مبتدئ العلاقة المباشرة بين قضية النسخ التي تناولها الدكتور القرضاوي حفظه الله وبين قضية الجهاد التي يتخذ فيها الدكتور مذهبا شخصيا غير مرضي إسلاميا.

ومن هنا، فالذي قد أميل إليه ، أن الدكتور القرضاوي متأثر في ذلك بمنهج فكري خاص به، قبل أن يكون منطلقا من المقررات الإسلامية. ويشهد لذلك أننا لا نجد كلامه محققا ولا عميقا في هذه الأطروحات التي ينطلق فيها من فكره قبل المقررات الإسلامية الفقهية.

التعليق الثاني/ يمكن القول إن الدكتور القرضاوي حفظه الله قد نفى النسخ في القرآن، وذلك من خلال قوله (وأنا لا أكاد أرى نسخًا في القرآن الكريم حقيقة..) والأمر ظني، والله تعالى أعلم.
التعليق الثالث/ هو على كلام الشيخ المجبل رأفت المصري حول ما ذكره من معارضة القطعي للظني، وأن اليقين لا يزول بالشك. فأقول:

إن التقعيد صحيح، ولكنه ليس موضعه؛ لأن الاختلاف الواقع في نسخ آية أو عدم نسخها لا يعد شبهة؛ بل محل الشبهة هي المثبت لهذا النسخ، أما أن يثبت - بلا شبهة - هذا المثبت للنسخ عند قوم، فهم هنا لم يرفعوا برافع فيه شبهة، فلا تنسحب عليهم القاعدة.

وهذا مثل ما يعمله الفقهاء حين يقررون على محل الشبهة المعتبرة في الإسقاط، حيث لا يعدون خلاف غيرهم شبهة مسقطة، لأنه خلاف في وجود الدليل، فلو ثبت عند قوم قالوا به، ولا يكون خلافا في دلالة الدليل.

ومثله ما يعمله الأصوليون من أن الشبهة تكون في السبب لا في دليل ثبوت الحد الذي هو من حقوق الله أصلا.
تأمل.

أما ما تناوله الشيخ الكريم حول الثبوت القطعي للقرآن، فقد أجمل الكلام فيه، وأصاب في عزوها، ولكن تطبيقها على قضيتنا فيها تفصيل، فالقطعية تتناول الثبوت والدلالة، وهما نوعان من القطع، وفقد الاولى لا يتصور في القرآن، أما فقد الثانية فمتصور، ومنه يقع الخلاف في مدلول الآية.

ومن هنا فلابد من تقرير أي النوعين يكون مؤثرا، أما قطعية الثبوت فهذا متحقق في القرآن ولا يرتفع عنه، ولكنه مع ذلك غير مؤثر في النسخ، لأن النسخ لا يساوي تكذيب الخبر، وإنما هو رفه حكمه، أو رفع تلاوته. وهو رفع الحكم فيما يتناوله الدكتور القرضاوي، فيكون مرفوعا حكمه، ثابتا في المصاحف متعبدا بتلاوته.

أما قطعية الدلالة، فهو المتصور انتفاؤه. وسواء انتفى أو لم ينتف فهو غير مؤثر - كذلك - في النسخ؛ لأن النسخ يرفع حكما ثابتا ، ولا يكذبه، سواء كان الثبوت بدلالة قطعية أو ظنية.

هذا فيما يتعلق بالمسلك الأصولي الأول.

أما ما يتعلق بالمسلك الأصولي الثاني، فأقول:

جزاكم الله تعالى خيرا، وقد أحسنتم بعرضكم تلك الحقيقة. وينبغي الوقوف كثيرا على مسالك المغرقين في فن من الفنون، إذا كان لهذا الفن مسلكا بفن آخر، فإن الإغراق في فنهم يظهر أثره غير التحقيقي على الفن الآخر المتصل به. يظهر هذا لمن يقرأ مرور الفقهاء أو الأصوليين في كتبهم على مسائل علم الحديث، وأو مرور المحدثين على مسائل علم الأصول.

وأقول في هذا المقام:

خذ كل علم من أهله، فتجد من الرصانة لديهم ما لا تجده عند غيرهم ممن يتناول مسائل هذا العلم. واعلم أن الفن يؤثر في الكاتبين ولو كتبوا في فن واحد؛ فالمتكلمون لما تكلموا في أصول الفقه حشي علم الأصول بمباحث الكلام منذ عهد الباقلاني وحتى الجويني، والمحدثون إذا شرحوا الحديث تجد من الإعمالات الحديثية ما هو أكثر من فقه الحديث! وهكذا.. فمعرفة المتكلم وما يغرق فيه هي أمر ضروري للقارئ الواعي.

جزاكم الله خيرا المشايخ الكرام، وللأسف فلم أقم بتحميل سوى الصفحة الأولى من الموضوع، وقد وافق زمانيا اهتماما عندي، فلعل ذلك تيسير من الله تعالى للتواصل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* يلزمني التنبيه على أنني أفرق تفريقا واضحا بين نقد المفكّر ونقد الفكرة، حيث لا يلزم من نقد أحدهما نقد الآخر، وقد جرت عادتي ألا أنقد الأفراد، وإنما أنقد أفكارهم، فما قد يبدو في بعض النقد من شدة أو حدة، فإنما هو منصب على الفكرة ويتناسب معها طردا، ولا يعنيني المفكر في عملية النقد غالبا. فإذا كانت الفكرة متهافتة أو مفسدة نقدتها بشدة، وقصدتها دون صاحبها. ولا يعني ذل رفض نقد الأشخاص، وإنما أذكر الأصل المستصحب في كتاباتي.
 
أعلى