أبو يوسف محمد يوسف رشيد
:: متفاعل ::
- إنضم
- 14 نوفمبر 2009
- المشاركات
- 350
- التخصص
- الفقه والأصول والبحث القرآني
- المدينة
- القاهرة
- المذهب الفقهي
- الحنفي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
وبعد ..
فكم سنة مرت عليك يا طالب العلم ؟
سنة؟
سنتان؟
ثلاث سنوات؟
سنتان؟
ثلاث سنوات؟
كأنك تقول في نفسك : ها كلام يطال المبتدئ الشاب الذي يسير تحت إبط إخوانه السابقين له في العلم بسنوات والذي يدرس عليهم بعض المتون والمقدمات ويستفيد من خبراتهم.. ولا يطال أغلبنا حيث بقي لبعضنا 6 سنوات أو 10 سنوات أو 15 سنة
حسن.. نطرح سؤالا آخر : كم كتابا قرأت في هذه السنوات؟ - وأقصد بالكتاب مجلدا يبلغ مثلا 400 صفحة ، أي أنه مجلد معتبر لا بالصغير ولا بالكبير -
إنني أملك مكتبة لا بأس بها، على الأقل فيها الأصول في العلوم مما أحتاج إليه. وبعض من الزائرين من عامة الناس حينما يأتي إلى زيارتي يسألني السؤال التقليدي الجميل وعينه تبرق بالانبهار والتشكك في ذات الوقت : هل قرأت كل هذه الكتب؟
فأقول بكل اطمئنان : لا.. بل بعضها قرأته كاملا وأكثرها لم أقرأه..
فيقول مستنكرا : ولماذا اشتريتها إذا؟ لمّا ترغب في قراءتها اشترها وإلا فلا..
فأقول باطمئنان : بعض هذه هي كتب تدرس كمنهج كامل لابد من إنهائه واستيعابه وأكثرها مراجع أرجع إليها وأحتاجها وليست للقراءة كاملة على الأقل بالنسبة لي ولتوجهي..
ثم ينتهي الحديث وأنا مشفق على السائل متلطف به لما أراه من تصور ساذج جميل..
ولكن.. في بعض من المواطن توصلنا التأملات والتجارب والخبرات إلى ما توصل إليه غيرنا بأريحيته وجمال تلقائيته..
يا طلب العلم.. يا من بقيت لك سنة واحدة في طلب العلم.. سنة واحدة فقط..
كم مجلد كاملا يتألف من (400 صفحة) قرأت ؟
احسبها الآن قبل أن تكمل قراءة الموضوع.. (حاول أن تقرب العدد.. هات آخر ما تجود به الذاكرة الحالية.. لا بأس أن تضيف إلى الرقم الذي توصلت إليه 10 أو 20 مجلدا)
حاول ثم عاود...
الآن وبعد أن عرفت الرقم.. كم صفحة تقرأ يوميا؟ - وأنا أحادثك كطالب علم تختلف عن غيرك من المثقفين -
إنك لو كنت تقرأ 50 صفحة ((فقط)) باليوم فإنك ستقرأ في السنة الواحدة 45 مجلدا يتألف من 400 صفحة!
فهل قرأت 45 مجلدا؟
لنحذف من السنة المناسبات والواجبات العينية الاجتماعية والأعياد.. فهل قرأت 40 مجلدا؟ 35 مجلدا؟ 30 مجلدا؟
لنقل إن طالب العلم المبتدئ يحتاج إلى متون وفهم أكثر من القراءة.. إذا لننتقل إلى من بقي له في الطلب 10 سنوات ويفترض أنه يقرأ ويقرأ ويقرأ
هل معيار سنته - أي عامه المكون من 12 شهرت - هو 45 أو 40 مجلدا يتألف الواحد منها من 400 صفحة؟
إن الغالب على العقل البشري هو أنه يؤخذ بالإجمال وتتم سياسته بالتفصيل..
فلما يسمع طالب العلم عن أحد المشايخ أو الطلاب ممن قرأ فتح الباري - مثلا - 3 مرات، فإنه ينبهر ويشعر أنه أمام بارزة فذة. فينظر إلى الأمر جملة، ويتناسى المفعول الرهيب لأجزاء الزمن التي يمضيها في اللهو والكسل، وأن أجزاء الزمن هي الفيصل الذي يجتمع به ما ينبهر به، كما أن الجبال من الحصا. فلو عرض عليه الناتج انبهر به، وغفل عن الذي أنتجه، وهو أجزاء الزمان - أجزاء العمر - التي تسرسبت منه فما شعر بها، في حين أن مجتمع تلك الأجزاء هو ما أنتج هذا الناتج الذي أبهره.
من طالب العلم الذي لا يقرأ 50 صفحة باليوم ؟!!
إنني أعلم من طلاب العلم من يجرد المطولات وقرأ هذه الأعداد.. ولكن كم عددهم؟ وما نسبتهم في القاعدة التي يتوجه إليها هذا التنبيه والتحليل؟
إن مثل تلك التحليلات للأجزاء الزمانية التي تنتج لنا النتائج المبهرة هي التي تكشف لنا عن حقيقة الوضع لدى طلاب العلم..
50 صفحة باليوم
خلال سنة واحدة 365 يوما
تنتج لنا 18150 صفحة
فتنتج لنا 45 مجلدا بتألف من 400 صفحة
هذه 50 صفحة باليوم فقط لمن يواظب عليها..
كم تستغرف الـ 50 صفحة من وقت الطالب يوميا في كتاب يجرده لا متن يحلله؟ (لا يقال طالب العلم يدرس المتون ووضعها مختلف فالكلام على الوضع العام للطالب وهو ما يدخل فيه برنامج القراءة المطولة والغزيرة بديهة)
مثلي الآن - مثلا - متفرغ للدراسة الشرعية.. فربما راقني كتاب من مجلد يتألف من 400 صفحة فأفرغ عليه ثلاثة أو أربعة.. مع التدبر والتعليق عليه والشرود في فروعات مادته كذلك..
وإنما يقطع عليّ بركة الوقت قلة العزم وتملك الملل وتحيّن أو تصيّد فرص الانفصال عن القراءة..
فهذا الغداء الشهي أستغرق ساعة فيه خشية الرجوع للقراءة..
وهذا اتصال من أحد الإخوة أتحصن بحجة الإفادة ومذاكرة العلم..
فيضيع اليوم..
وحينما أسأل نفسي آخر اليوم السؤال الموعود الذي أخشى لحظته : ما حصيلة يومك؟ .. أسرع كمن لهبته جمرة .. مضببا على نفسي الحقيقة المرة.. بل الحارقة للقلب.. المشعلة لنار الحسرة..
فقط.. خمسون صفحة باليوم.. يقدر عليها (المثقف العادي) .. و(الكاتب) متوسط النشاط..
تنتج لك يا (طالب العلم) : 45 مجلدا معتبرا (في السنة الواحدة!)
فيا صاحب الـ 10 سنوات في الطلب.. هل قرأت 45 مجلدا؟
هل عرفنا حقيقة وضعنا وادعائنا؟ وهل عرفت يا طالب العلم أين يضيع وقتك؟
لعلها عظة للمراجعة ينفع الله بها..
التعديل الأخير بواسطة المشرف: