ا
المفكر المالكي
زائر
الحديث الثاني:
أ- روى الترمذي قال:حدثنا علي بن خشرم . أخبرنا عيسى بن يونس ، عن ابن أبي ليلى ، عن عطاء ، عن جابر بن عبد الله قال : أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد عبد الرحمن بن عوف . فانطلق به إلى ابنه إبراهيم . فوجده يجود بنفسه . فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه في حجره فبكى . فقال له عبد الرحمن : أتبكي ؟ أولم تكن نهيت عن البكاء ؟ قال لا . ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين : صوت عند مصيبة ، خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان . وفي هذا الحديث كلام أكبر من هذا .
قال أبو عيسى : هذا حديث حسن .
ب- وبلفظ أكمل منه رواه البيهقي في السنن: أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنبأ أحمد بن عبيد الصفار ثنا محمد بن الفضل بن جابر ثنا شيبان ثنا أبو عوانة عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال :
خرج النبي صلى الله عليه وسلم بعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه إلى النخل ، فإذا ابنه إبراهيم يجود بنفسه فوضعه في حجره ففاضت عيناه ، فقال عبد الرحمن بن عوف : أتبكي وأنت تنهي الناس ، قال : إني لم أنه عن البكاء ، وإنما نهيت عن النوح ، صوتين أحمقين فاجرين ، صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير شيطان ، وصوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة ، وهذا هو رحمة ، ومن لا يرحم لا يرحم ، يا إبراهيم لولا أنه أمر حق ووعد صدق وأن آخرنا سيلحق بأولنا لحزنا عليك حزناً هو أشد من هذا ، وإنا بك لمحزونون ، تبكي العين ويحزن القلب ، ولا نقول ما يسخط الرب .
قال العلامة ابن القيم: هذا الحديث من أجود ما يحتج به على تحريم الغناء كما في اللفظ الصحيح الآخر :"إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير الشيطان وصت عند مصيبة:خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان" وهو حديث حسن (انظر الكلام على مسألة السماع ص 318).
قال ابن القيم: وأصله في الصحيحين.
ج- وفي المستدرك: أخبرنا أبو عبد الله الأصبهاني ، ثنا أحمد بن مهران الأصبهاني ، ثنا عبد الله بن موسى ، أنبأ إسرائيل ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن عطاء ، عن جابر ، عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال :
أخذ النبي صلى الله عليه و سلم بيدي فانطلقت معه إلى إبراهيم ابنه و هو يجود بنفسه فأخذه النبي صلى الله عليه و سلم في حجره حتى خرجت نفسه قال : فوضعه و بكى قال فقلت : تبكي يا رسول الله صلى الله عليه و سلم و أنت تنهي عن البكاء ؟ قال : إني لم أنه عن البكاء و لكني نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين : صوت عند نغمة لهو و لعب و مزامير الشيطان ، و صوت عند مصيبة لطم وجوه و شق جيوب ، و هذه رحمة ، و من لا يرحم لا يرحم ، و لولا أنه وعد صادق ، و قول حق ، و أن يلحق أولانا بأخرانا لحزنا عليك حزناً أشد من هذا ، و إنا بك يا إبراهيم لمحزونون ، تبكي العني و يحزن القلب و لا نقول ما يسخط الرب .
د -وعند ابن أبي شيبة من طريق ابن أبي ليلى بنحوه (انظر مصنف ابن أبي شيبة (3/393)).
وجه الدلالة عند المانعين:
يستفاد من قوله "ورنة الشيطان" أن المراد به الغناء والمزامير قاله النووي في الخلاصة.
وقال:وكذا جاء مبينا في رواية البيهقي يعني قوله "صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير شيطان" ونقله في تحفة الأحوذي.
قال ابن القيم:فانظر إلى هذا النهي المؤكد بتسمية صوت الغناء صوتا أحمقا ولم يقتصر على ذلك حتى وصفه بالفجور ولم يقتصر على ذلك حتى سماه من مزامير الشيطان.
وقد أقر النبي –ص- أبا بكر الصديق على تسمية الغناء: مزمور الشيطان في الحديث الصحيح قال: فإن لم يستفد من هذا لم نستفد من نهي أبدا.
اعتراض المجيزين:
اعترض المجيزون للسماع على المانعين في هذا الحديث من جميع طرقه المذكورة عند كل من الترمذي والبيهقي والحاكم في المستدرك وابن أبي شيبة وعبد ابن حميد والطيالسي والبزار والموصلي من طريق محمد بن أبي ليلى بما يلي:
أولا: الحديث لا يصح ولا يحتج به بمرة ولا يجوز لمن يخشى الله ويخاف عقابه "بهذا اللفظ والسند" أن يخدع به العامة وغير المختصين بالصناعة.
وذلك أن مداره في طرقه المذكورة على محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى القاضي عن عطاء بن أبي رباح.
وأحاديثه من هذا الوجه باطلة لا يحتج بها ولا يجوز خداع الناس بمثلها.
قال الزيلعي فيما نقله عن النووي: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ضعيف (3/84).
و قال عمرو بن على ، عن أبى داود : سمعت شعبة يقول : ما رأيت أحدا أسوأ حفظا من ابن أبى ليلى .
و قال روح بن عبادة ، عن شعبة : أفادني ابن أبى ليلى أحاديث فإذا هي مقلوبة .
وعن يحيى بن معين قال: كان يحيى بن شعيب لا يحدث عن محمد بن أبي ليلى ما روى عن عطاء.
و قال أبو زرعة : صالح ليس بأقوى ما يكون .
و قال أبو حاتم : محله الصدق ، كان سىء الحفظ ، شغل بالقضاء فساء حفظه ، لا يتهم بشىء من الكذب إنما ينكر عليه كثرة الخطأ ، يكتب حديثه و لا يحتج به ، و ابن أبى ليلى و الحجاج بن أرطاة ما أقربهما .
عن أحمد بن حنبل : كان يحيى بن سعيد يضعف ابن أبى ليلى .
و قال عبد الله بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه : كان سىء الحفظ ، مضطرب الحديث ، كان فقه ابن أبى ليلى أحب إلينا من حديثه ، فى حديثه اضطراب .
و قال أحمد بن محمد بن حفص السعدى : ذكر أحمد بن حنبل حديث ابن أبى ليلى عن عطاء " فى الضرورة يحج عن الميت " فقال : ابن أبى ليلى ضعيف ، و فى عطاء أكثر خطأ .
وقال أحمد:إنما دخل ابن أبي ليلى على عطاء وهو مريض.
وقال إبراهيم:كان أحمد بن حنبل لا يحدث عنه.
وقال ابن المديني: كان سئ الحفظ واهي الحديث.
و قال أبو بكر بن أبى خيثمة ، عن يحيى بن معين : ليس بذاك .
وقال يحيى بن معين: ابن أبي ليلى ضعيف روايته.
و قال إبراهيم بن يعقوب الجوزجانى ، عن أحمد بن يونس : كان زائدة لا يروى عن ابن أبى ليلى ، و كان قد ترك حديثه .
و قال النسائى : ليس بالقوى .
قال الحافظ فى "تهذيب التهذيب" 9/302 :
قال ابن حبان : كان فاحش الخطأ ، ردىء الحفظ ، فكثرت المناكير فى روايته ، تركه أحمد و يحيى .
و قال الدارقطنى : كان ردىء الحفظ ، كثير الوهم .
و قال ابن جرير الطبرى : لا يحتج به .
و قال يعقوب بن سفيان : ثقة عدل ، فى حديثه بعض المقال ، لين الحديث عندهم .
و قال صالح بن أحمد عن ابن المدينى : كان سىء الحفظ ; واهى الحديث .
و قال أبو أحمد الحاكم : عامة أحاديثه مقلوبة .
و قال الساجى : كان سىء الحفظ ، لا يتعمد الكذب ، فكان يمدح فى قضائه ، فأما فى الحديث فلم يكن حجة .
و قال ابن خزيمة : ليس بالحافظ ، و إن كان فقيها عالما . اهـ .
انظر في كل ما سبق العقيلي في الضعفاء الكبير (4/98) والذهبي في السير (6/310) وفي الكاشف (3/61) وابن حجر في التهذيب (9/301) وفي اللسان (7/500) وفي التقريب (2/184).
فها أنت ترى أخي القارئ حكم العلماء في ابن أبي ليلى عامة وفي روايته عن عطاء خاصة.
قال العلامة ابن القيم (ص 318): أخرجه الترمذي عن جابر بن عبد الله وأصله في الصحيحين وسنن أبي داود والبيهقي وابن ماجة.
ملحوظة هامة جدا:
بالرغم من أن ابن القيم –رحمه الله- عزا الحديث للترمذي إلا أن هذا غير صحيح فموضع الشاهد في الحديث ليس في جامع الترمذي وإنما الذي فيه مختصر بلفظ: "نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة الشيطان وفي الحديث كلام أكثر من هذا" فانتبه!!
أقول: وقد تتبعت ما ذكره الحافظ ابن القيم في الصحيحين وغيرهما فظهر على الوجه التالي:
1-في صحيح البخاري :عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :
دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .........فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه : وأنت يا رسول الله ، فقال : ( يا ابن عوف ، إنها رحمة ) . ثم أتبعها بأخرى ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( إن العين تدمع ، وإن القلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا ، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون ) .
2- وفي صحيح مسلم عنه أيضا: ...فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: ((تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، والله! يا إبراهيم ! إنا بك لمحزونون)).
3-ورواه أبو داود بنحوه (مع العون (8/398)).
4-وفي سنن ابن ماجة عن أسماء بنت يزيد ، قالت :
لما توفي ابن رسول الله صلى الله عليه و سلم إبراهيم بكى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال له المعزي إما أبو بكر و إما عمر أنت أحق من عظم الله حقه ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : تدمع العين و يحزن القلب ، و لا نقول ما يسخط الرب ، لولا أنه وعد صادق ، و موعود جامع ، و أن الآخر تابع للأول ، لوجدنا عليك يا إبراهيم أفضل ما وجدنا ، و إنا بك لمحزونون .
وإسناده حسن.
5-وفي جامع الأصول لابن الأثير بنحوه (11/89) من طريق أنس بن مالك.
6-ورواه البيهقي في شعب الإيمان بنحوه (7/241).
أقول: بعد تتبع لفظ الحديث في البخاري ومسلم وأبي داود وابن ماجة وغيرها من الروايات الصحيحة وكذا في جامع الأصول لابن الأثير وشعب الإيمان للبيهقي فلم أجده باللفظ محل النزاع الذي روي من طريق ابن أبي ليلى وليس بالسند المذكور عن ابن أبي ليلى.
وعليه:فالبريق والتنميق في قوله من قال:أصله في الصحيحين وعند من تقدم ذكرهم يوحي بصحة الحديث على أساس ورود اللفظ المتنازع فيه ضمنه وما ذلك إلا من قبيل التشويش والمصادرة على المطلوب فاللفظ موضع الشاهد لم يرد فيه من تلك الطرق الآنفة والسند مختلف فهو في الصحيحين عن أنس.
وهذا كله لا يفيد من حاول الانتهاض براوية ابن أبي ليلى المتروكة التي أخرجها الترمذي والبيهقي والحاكم وابن أبي شيبة ومن وافقهم مثل: عبد بن حميد والطيالسي والبزار والموصلي لأن اللفظ مختلف بل لا يوجد في رواية الصحيحين وغيرهما مما صح!
هذا إلى جانب أن رواية الترمذي ليست بالنص الكامل الذي يريده ابن القيم مع جلالته ومكانته من النزاهة والتثبت.
ثم الأدهى والأمر أنه يزعم صحة الحديث من طريق ابن أبي ليلى رغم جزم الحفاظ بضعفه وتركه والحديث الضعيف لا يقوى بالصحيح إذا اختلف اللفظ والموضوع والسند.
وزعمه تصحيح الحديث مخالف تماما لما عليه حفاظ الحديث قاطبة.
وليته لم يفعل ولم يقل ذلك لما لقوله هذا من أثر وصدى على آرائه رحمه الله وفتاويه وأقواله التي ستصبح تحت المجهر بعد تجرؤه على الأصرار على ما قال في هذا الصدد.
وهو جزمه بأن حديث ابن أبي ليلى "في الصوتين الأحمقين" هو أجود ما احتج به المانعون للسماع لكونه صحيحا.
وذلك باعتبار أن أصله في الصحيحين وغيرهما.
في حين أن الحديث في الصحيحين ليس من طريق ابن أبي ليلى عن عطاء عن جابر وإنما هو من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك وفيه لم يتعرض الكلام من قريب ولا من بعيد للغناء ولا يقترب منه في شئ فكيف يحشر الكذب في الصدق ويحمل البخاري ومسلم تبعة أمر لم يتعرضا له.انتهى كلام الدكتور الثقفي على الحديث.
أ- روى الترمذي قال:حدثنا علي بن خشرم . أخبرنا عيسى بن يونس ، عن ابن أبي ليلى ، عن عطاء ، عن جابر بن عبد الله قال : أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد عبد الرحمن بن عوف . فانطلق به إلى ابنه إبراهيم . فوجده يجود بنفسه . فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه في حجره فبكى . فقال له عبد الرحمن : أتبكي ؟ أولم تكن نهيت عن البكاء ؟ قال لا . ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين : صوت عند مصيبة ، خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان . وفي هذا الحديث كلام أكبر من هذا .
قال أبو عيسى : هذا حديث حسن .
ب- وبلفظ أكمل منه رواه البيهقي في السنن: أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنبأ أحمد بن عبيد الصفار ثنا محمد بن الفضل بن جابر ثنا شيبان ثنا أبو عوانة عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال :
خرج النبي صلى الله عليه وسلم بعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه إلى النخل ، فإذا ابنه إبراهيم يجود بنفسه فوضعه في حجره ففاضت عيناه ، فقال عبد الرحمن بن عوف : أتبكي وأنت تنهي الناس ، قال : إني لم أنه عن البكاء ، وإنما نهيت عن النوح ، صوتين أحمقين فاجرين ، صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير شيطان ، وصوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة ، وهذا هو رحمة ، ومن لا يرحم لا يرحم ، يا إبراهيم لولا أنه أمر حق ووعد صدق وأن آخرنا سيلحق بأولنا لحزنا عليك حزناً هو أشد من هذا ، وإنا بك لمحزونون ، تبكي العين ويحزن القلب ، ولا نقول ما يسخط الرب .
قال العلامة ابن القيم: هذا الحديث من أجود ما يحتج به على تحريم الغناء كما في اللفظ الصحيح الآخر :"إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير الشيطان وصت عند مصيبة:خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان" وهو حديث حسن (انظر الكلام على مسألة السماع ص 318).
قال ابن القيم: وأصله في الصحيحين.
ج- وفي المستدرك: أخبرنا أبو عبد الله الأصبهاني ، ثنا أحمد بن مهران الأصبهاني ، ثنا عبد الله بن موسى ، أنبأ إسرائيل ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن عطاء ، عن جابر ، عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال :
أخذ النبي صلى الله عليه و سلم بيدي فانطلقت معه إلى إبراهيم ابنه و هو يجود بنفسه فأخذه النبي صلى الله عليه و سلم في حجره حتى خرجت نفسه قال : فوضعه و بكى قال فقلت : تبكي يا رسول الله صلى الله عليه و سلم و أنت تنهي عن البكاء ؟ قال : إني لم أنه عن البكاء و لكني نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين : صوت عند نغمة لهو و لعب و مزامير الشيطان ، و صوت عند مصيبة لطم وجوه و شق جيوب ، و هذه رحمة ، و من لا يرحم لا يرحم ، و لولا أنه وعد صادق ، و قول حق ، و أن يلحق أولانا بأخرانا لحزنا عليك حزناً أشد من هذا ، و إنا بك يا إبراهيم لمحزونون ، تبكي العني و يحزن القلب و لا نقول ما يسخط الرب .
د -وعند ابن أبي شيبة من طريق ابن أبي ليلى بنحوه (انظر مصنف ابن أبي شيبة (3/393)).
وجه الدلالة عند المانعين:
يستفاد من قوله "ورنة الشيطان" أن المراد به الغناء والمزامير قاله النووي في الخلاصة.
وقال:وكذا جاء مبينا في رواية البيهقي يعني قوله "صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير شيطان" ونقله في تحفة الأحوذي.
قال ابن القيم:فانظر إلى هذا النهي المؤكد بتسمية صوت الغناء صوتا أحمقا ولم يقتصر على ذلك حتى وصفه بالفجور ولم يقتصر على ذلك حتى سماه من مزامير الشيطان.
وقد أقر النبي –ص- أبا بكر الصديق على تسمية الغناء: مزمور الشيطان في الحديث الصحيح قال: فإن لم يستفد من هذا لم نستفد من نهي أبدا.
اعتراض المجيزين:
اعترض المجيزون للسماع على المانعين في هذا الحديث من جميع طرقه المذكورة عند كل من الترمذي والبيهقي والحاكم في المستدرك وابن أبي شيبة وعبد ابن حميد والطيالسي والبزار والموصلي من طريق محمد بن أبي ليلى بما يلي:
أولا: الحديث لا يصح ولا يحتج به بمرة ولا يجوز لمن يخشى الله ويخاف عقابه "بهذا اللفظ والسند" أن يخدع به العامة وغير المختصين بالصناعة.
وذلك أن مداره في طرقه المذكورة على محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى القاضي عن عطاء بن أبي رباح.
وأحاديثه من هذا الوجه باطلة لا يحتج بها ولا يجوز خداع الناس بمثلها.
قال الزيلعي فيما نقله عن النووي: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ضعيف (3/84).
و قال عمرو بن على ، عن أبى داود : سمعت شعبة يقول : ما رأيت أحدا أسوأ حفظا من ابن أبى ليلى .
و قال روح بن عبادة ، عن شعبة : أفادني ابن أبى ليلى أحاديث فإذا هي مقلوبة .
وعن يحيى بن معين قال: كان يحيى بن شعيب لا يحدث عن محمد بن أبي ليلى ما روى عن عطاء.
و قال أبو زرعة : صالح ليس بأقوى ما يكون .
و قال أبو حاتم : محله الصدق ، كان سىء الحفظ ، شغل بالقضاء فساء حفظه ، لا يتهم بشىء من الكذب إنما ينكر عليه كثرة الخطأ ، يكتب حديثه و لا يحتج به ، و ابن أبى ليلى و الحجاج بن أرطاة ما أقربهما .
عن أحمد بن حنبل : كان يحيى بن سعيد يضعف ابن أبى ليلى .
و قال عبد الله بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه : كان سىء الحفظ ، مضطرب الحديث ، كان فقه ابن أبى ليلى أحب إلينا من حديثه ، فى حديثه اضطراب .
و قال أحمد بن محمد بن حفص السعدى : ذكر أحمد بن حنبل حديث ابن أبى ليلى عن عطاء " فى الضرورة يحج عن الميت " فقال : ابن أبى ليلى ضعيف ، و فى عطاء أكثر خطأ .
وقال أحمد:إنما دخل ابن أبي ليلى على عطاء وهو مريض.
وقال إبراهيم:كان أحمد بن حنبل لا يحدث عنه.
وقال ابن المديني: كان سئ الحفظ واهي الحديث.
و قال أبو بكر بن أبى خيثمة ، عن يحيى بن معين : ليس بذاك .
وقال يحيى بن معين: ابن أبي ليلى ضعيف روايته.
و قال إبراهيم بن يعقوب الجوزجانى ، عن أحمد بن يونس : كان زائدة لا يروى عن ابن أبى ليلى ، و كان قد ترك حديثه .
و قال النسائى : ليس بالقوى .
قال الحافظ فى "تهذيب التهذيب" 9/302 :
قال ابن حبان : كان فاحش الخطأ ، ردىء الحفظ ، فكثرت المناكير فى روايته ، تركه أحمد و يحيى .
و قال الدارقطنى : كان ردىء الحفظ ، كثير الوهم .
و قال ابن جرير الطبرى : لا يحتج به .
و قال يعقوب بن سفيان : ثقة عدل ، فى حديثه بعض المقال ، لين الحديث عندهم .
و قال صالح بن أحمد عن ابن المدينى : كان سىء الحفظ ; واهى الحديث .
و قال أبو أحمد الحاكم : عامة أحاديثه مقلوبة .
و قال الساجى : كان سىء الحفظ ، لا يتعمد الكذب ، فكان يمدح فى قضائه ، فأما فى الحديث فلم يكن حجة .
و قال ابن خزيمة : ليس بالحافظ ، و إن كان فقيها عالما . اهـ .
انظر في كل ما سبق العقيلي في الضعفاء الكبير (4/98) والذهبي في السير (6/310) وفي الكاشف (3/61) وابن حجر في التهذيب (9/301) وفي اللسان (7/500) وفي التقريب (2/184).
فها أنت ترى أخي القارئ حكم العلماء في ابن أبي ليلى عامة وفي روايته عن عطاء خاصة.
قال العلامة ابن القيم (ص 318): أخرجه الترمذي عن جابر بن عبد الله وأصله في الصحيحين وسنن أبي داود والبيهقي وابن ماجة.
ملحوظة هامة جدا:
بالرغم من أن ابن القيم –رحمه الله- عزا الحديث للترمذي إلا أن هذا غير صحيح فموضع الشاهد في الحديث ليس في جامع الترمذي وإنما الذي فيه مختصر بلفظ: "نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة الشيطان وفي الحديث كلام أكثر من هذا" فانتبه!!
أقول: وقد تتبعت ما ذكره الحافظ ابن القيم في الصحيحين وغيرهما فظهر على الوجه التالي:
1-في صحيح البخاري :عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :
دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .........فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه : وأنت يا رسول الله ، فقال : ( يا ابن عوف ، إنها رحمة ) . ثم أتبعها بأخرى ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( إن العين تدمع ، وإن القلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا ، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون ) .
2- وفي صحيح مسلم عنه أيضا: ...فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: ((تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، والله! يا إبراهيم ! إنا بك لمحزونون)).
3-ورواه أبو داود بنحوه (مع العون (8/398)).
4-وفي سنن ابن ماجة عن أسماء بنت يزيد ، قالت :
لما توفي ابن رسول الله صلى الله عليه و سلم إبراهيم بكى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال له المعزي إما أبو بكر و إما عمر أنت أحق من عظم الله حقه ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : تدمع العين و يحزن القلب ، و لا نقول ما يسخط الرب ، لولا أنه وعد صادق ، و موعود جامع ، و أن الآخر تابع للأول ، لوجدنا عليك يا إبراهيم أفضل ما وجدنا ، و إنا بك لمحزونون .
وإسناده حسن.
5-وفي جامع الأصول لابن الأثير بنحوه (11/89) من طريق أنس بن مالك.
6-ورواه البيهقي في شعب الإيمان بنحوه (7/241).
أقول: بعد تتبع لفظ الحديث في البخاري ومسلم وأبي داود وابن ماجة وغيرها من الروايات الصحيحة وكذا في جامع الأصول لابن الأثير وشعب الإيمان للبيهقي فلم أجده باللفظ محل النزاع الذي روي من طريق ابن أبي ليلى وليس بالسند المذكور عن ابن أبي ليلى.
وعليه:فالبريق والتنميق في قوله من قال:أصله في الصحيحين وعند من تقدم ذكرهم يوحي بصحة الحديث على أساس ورود اللفظ المتنازع فيه ضمنه وما ذلك إلا من قبيل التشويش والمصادرة على المطلوب فاللفظ موضع الشاهد لم يرد فيه من تلك الطرق الآنفة والسند مختلف فهو في الصحيحين عن أنس.
وهذا كله لا يفيد من حاول الانتهاض براوية ابن أبي ليلى المتروكة التي أخرجها الترمذي والبيهقي والحاكم وابن أبي شيبة ومن وافقهم مثل: عبد بن حميد والطيالسي والبزار والموصلي لأن اللفظ مختلف بل لا يوجد في رواية الصحيحين وغيرهما مما صح!
هذا إلى جانب أن رواية الترمذي ليست بالنص الكامل الذي يريده ابن القيم مع جلالته ومكانته من النزاهة والتثبت.
ثم الأدهى والأمر أنه يزعم صحة الحديث من طريق ابن أبي ليلى رغم جزم الحفاظ بضعفه وتركه والحديث الضعيف لا يقوى بالصحيح إذا اختلف اللفظ والموضوع والسند.
وزعمه تصحيح الحديث مخالف تماما لما عليه حفاظ الحديث قاطبة.
وليته لم يفعل ولم يقل ذلك لما لقوله هذا من أثر وصدى على آرائه رحمه الله وفتاويه وأقواله التي ستصبح تحت المجهر بعد تجرؤه على الأصرار على ما قال في هذا الصدد.
وهو جزمه بأن حديث ابن أبي ليلى "في الصوتين الأحمقين" هو أجود ما احتج به المانعون للسماع لكونه صحيحا.
وذلك باعتبار أن أصله في الصحيحين وغيرهما.
في حين أن الحديث في الصحيحين ليس من طريق ابن أبي ليلى عن عطاء عن جابر وإنما هو من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك وفيه لم يتعرض الكلام من قريب ولا من بعيد للغناء ولا يقترب منه في شئ فكيف يحشر الكذب في الصدق ويحمل البخاري ومسلم تبعة أمر لم يتعرضا له.انتهى كلام الدكتور الثقفي على الحديث.
التعديل الأخير: