العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

تبسيط علوم السلف أسباب الإختلاف بين المسلمين

إنضم
10 مايو 2015
المشاركات
219
الجنس
ذكر
الكنية
د. كامل محمد
التخصص
دراسات طبية "علاج الاضطرابات السلوكية"
الدولة
مصر
المدينة
الالف مسكن عين شمس
المذهب الفقهي
ظاهري
تبسيط علوم السلف
أسباب الإختلاف بين المسلمين


إعداد

دكتور كامل محمد عامر

(مقتبس بتصرف من كتاب)

الإنصاف في التنبيه على المعاني والأسباب التيأوجبت الاختلاف بين المسلمين
المؤلف
أبو محمد عبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي
(المتوفى: 521هـ)

الْأَسْبَاب الْمُوجبَة للْخلاف



الْبَاب الأول
اشْتِرَاك الْأَلْفَاظ واحتمالها للتأويلات الْكَثِيرَة

(1)الِاشْتِرَاك فِي اللَّفْظَة المفردة
(أ)اشْتِرَاك يجمع مَعَاني مُخْتَلفَة متضادة
الق
َرْءُ ذهب الحجازيون الى أَنه الطُّهْر وَذهب الْعِرَاقِيُّونَ الى أَنه الْحيض ؛ ففى اللغة أَقرَأت الْمَرْأَة اذا طهرت وأقرأت اذا حَاضَت وَذَلِكَ أَن الْقُرْء فِي كَلَام الْعَرَب مَعْنَاهُ الْوَقْت فَلذَلِك صلح للطهر وَالْحيض مَعًا. [والقَرْءُ، ويُضَمُّ: الحَيْضُ، والطُّهْرُ، ضدُّ، والوقْتُ، والقَافيَةُ، ج: أقْراءٌ وقُروءٌ وأقْرُؤٌ، أو جَمْعُ الطُّهْرِ: قُروءٌ، وجَمْعُ الحَيْضِ: أقْراءٌ.وأقْرَأَتْ: حاضَتْ، وطَهُرَتْ:القاموس المحيط]
قَال تَعَالَى : { فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ
(20)}[SUB][القلم: 20][/SUB][SUB][[/SUB][SUB]الصَّريمِ، والأرضُ المَحْصُودُ زَرْعُها،والصَّريمُ: الصُّبْحُ، واللَّيْلُ، ضِدٌّ، ،القاموس المحيط][/SUB]قَالَ بعض الْمُفَسّرين مَعْنَاهُ كالنهار المضيء بَيْضَاء لَا شَيْء فِيهَا وَقَالَ آخَرُونَ كالليل المظلم سَوْدَاء لَا شَيْء فِيهَا وكلا الْقَوْلَيْنِ مَوْجُود فِي اللُّغَة.
(ب)اشتراك يجمع مَعَاني مُخْتَلفَة غير متضادة
قال تَعَالَى:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)}[SUB][المائدة: 33][/SUB]الى آخر الْآيَة ذهب قوم الى أَن (أَو)هَهُنَا للتَّخْيِير فالسُّلْطَان مُخَيّر فِي هَذِه الْعُقُوبَات وَبِه قَالَ مَالك رَحمَه الله
وَذهب آخَرُونَ الى أَن (أَو)هَهُنَا للتفصيل والتبعيض فَمن حَارب وَقتل وَأخذ المَال صلب وَمن قتل وَلم يَأْخُذ المَال قتل وَمن أَخذ المَال وَلم يقتل قطعت يَده وَرجله من خلاف وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة رحمهمَا الله تَعَالَى
.
قال تَعَالَى:{وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135) } [SUB][البقرة: 135] [/SUB]وليس بَين الْفرق فرقة تخير بَين الْيَهُودِيَّة والنصرانية وانما الْمَعْنى أَن الْيَهُود قَالُوا كونُوا هودا والنَّصَارَى قَالُوا كونُوا نَصَارَى فَهَذَا تَفْصِيل لَا شكّ فِيهِ.
قَالَ الله تَعَالَى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73) }[SUB][القصص: 73][/SUB]فلَو جَاءَت مفصلة لقَالَ جعل لكم اللَّيْل لتسكنوا فِيهِ وَالنَّهَار لتبتغوا من فَضله.
(2)الِاشْتِرَاك بسبب اخْتِلَاف أَحْوَال الْكَلِمَة دون مَوْضُوع لَفظهَا
قال تَعَالَى:
{وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) } [SUB][البقرة: 282][/SUB]
قَالَ قوم مضارة الْكَاتِب أَن يكْتب مَا لم يمل عَلَيْهِ ومضارة الشَّهِيد أَن يشْهد بِخِلَاف الشَّهَادَة.
وَقَالَ آخَرُونَ مضارتهما أَن يمنعا من أشغالهما ويُكَلَّفا الْكِتَابَة وَالشَّهَادَة.
وإنما أوجب هَذَا الْخلاف أَن قَوْله تعالى:{وَلَا يضار}:
يحْتَمل أَن يكون تَقْدِيره وَلَا يضارَر بِفَتْح الرَّاء فَيلْزم على هَذَا أَن يكون الْكَاتِب والشهيد مَفْعُولاً بهما لم يسم فاعلهما وَهَكَذَا كَانَ يقرأ ابن مَسْعُود بِإِظْهَار التَّضْعِيف وَفتح الرَّاء
وَيحْتَمل أَن يكون تقديره وَلَا يضارِر بِكَسْر الرَّاء فَيلْزم على هَذَا أَن يكون الْكَاتِب والشهيد فاعلين وَهَكَذَا كَانَ يقْرَأ ابْن عمر باظهار التَّضْعِيف وَكسر الرَّاء

وَهَذَا النَّوْع من الضمائر كثير فِي الْكَلَام فَمِنْهُ قَوْله تعالى: { لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ } [SUB][البقرة: 233][/SUB][SUB].[/SUB]
(3)الاشتراك بسبب تركيب الكلام وبناء بعض الألفاظ على بعض
(أ)ما يدل على معان مختلفة متضادة
قال تعالى: {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ}
[SUB][النساء: 127] [/SUB]
قال قوم معناه وترغبون في نكاحهن لمالهن
وقال آخرون إنما أراد وترغبون عن نكاحهن لدمامتهن وقلة مالهن

وإنما أوجب هذا الاختلاف أن العرب تقول رغبت عن الشىء إذا زهدت فيه ورغبت في الشيء اذا حرصت عليه فلما ركب الكلام تركيبا سقط منه حرف الجر احتمل التأويلين المتضادين.

(ب)ما يدل على معان مختلفة غير متضادة
قَال تَعَالَى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [SUB][البقرة: 183][/SUB]
فَذهب قوم الى أَن التَّشْبِيه وَقع فِي عدد الْأَيَّام
وَذهب قوم آخَرُونَ الى أَن التَّشْبِيه انما وَقع فِي الْفَرْض لَا فِي عدد الْأَيَّام وَهَذَا هُوَ القَوْل الصَّحِيح وان كَانَ
الْقَوْلَانِ جائزين فِي كَلَام الْعَرَب.

الْبَاب الثَّانِي
الْحَقِيقَة وَالْمجَاز

قَال تَعَالَى: {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ}[SUB][النحل: 26] [/SUB]
ذهب قوم الى أَن الْبُنيان هَهُنَا
حَقِيقَة وَأَنه أَرَادَ الصرح الَّذِي بناه هامان لفرعون وَهُوَ الَّذِي ذكره الله تَعَالَى فِي قَوْله تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ}[SUB][غافر: 36][/SUB]
وَذهب آخَرُونَ الى أَنه كَلَام خرج مخرج التَّمْثِيل والتشبيه وَمَعْنَاهُ أَن مَا بنوه من مَكْرهمْ وراموا اثباته وتأصيله أبْطلهُ الله تَعَالَى وَصَرفه عَلَيْهِم فَكَانُوا بِمَنْزِلَة من بنى بنيانا يتحصن بِهِ من المهالك فَسقط عَلَيْهِ فَقتله وشبهوه بقوله تَعَالَى: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ }
[SUB][فاطر: 43]
[/SUB]وَالْقَوْلَان جَمِيعًا جائزان على مَذَاهِب الْعَرَب.
قَال تَعَالَى: {يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } [الأعراف: 26]
وَمَعْلُوم أَن الله تَعَالَى لم ينزل من السَّمَاء ملابس تلبس وانما تَأْوِيله وَالله أعلم أَنه أنزل الْمَطَر فنبت عَنهُ النَّبَات ثمَّ رعته الْبَهَائِم فَصَارَ صُوفًا وشعراً ووبراً على أبدانها وَنبت عَنهُ الْقطن والكتان فاتخذت من ذَلِك أَصْنَاف الملابس فَسمى الْمَطَر لباساً اذ كَانَ سَبباً لذَلِك على مَذْهَب الْعَرَب فِي تَسْمِيَة الشَّيْء باسم الشَّيْء اذا كَانَ مِنْهُ بِسَبَب وَهَذَا يسمية أَصْحَاب الْمعَانِي التدريج

وَنَحْوه قَوْلهم للمطر سَمَاء لِأَنَّهُ ينزل من السَّمَاء وللنبت ندى لِأَنَّهُ عَن الندى يكون وللشحم ندى لِأَنَّهُ عَن النبت يكون.
قَال تَعَالَى:
{فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ }[SUB][محمد: 21]
[/SUB]وَالْأَمر لَا يعزم إنما يعزم عَلَيْهِ
قَال عز وَجل: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [SUB][سبأ: 33][/SUB]
وانما المُرَاد بل مَكْرهمْ فِي اللَّيْل وَالنَّهَار.
الْبَاب الثَّالِث
الإفراد والتركيب
لقد تبين فى أصول الدين امتناع التخلف فى خبر الله تعالى وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم:
فالْآيَة الْوَاحِدَة قد تستوفى الْغَرَض الْمَقْصُود بهَا من التَّعَبُّد ولم تحوجنا إلى غَيرهَا:
كَقَوْلِه تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ }
[SUB][النساء: 1][/SUB] فهَذِه الْآيَات قَائِمَة بِنَفسِهَا مستوفية الْغَرَض المُرَاد مِنْهَا من التَّعَبُّد
وَكَذَلِكَ
الْأَحَادِيث الْوَارِدَة كَقَوْلِه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ:"سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي الْخُطْبَةِ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ الْعَارِيَةُ مُؤَدَّاةٌ وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ وَالدَّيْنُ مَقْضِيٌّ" [SUB][قَالَ أَبُو عِيسَى وَحَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ][/SUB]
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنه قال:"أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ" قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.

فإذا وردت الآية أو الحديث غير جارية على هذا الأصل وجب البحث عن الآيات الأخرى التى تكمل تلك الآيات حتى تستقيم مع هذا الأصل الكلى

كَقَوْلِه تَعَالَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ }
[SUB][الشورى: 20][/SUB] فظاهر هَذِه الْآيَة أَن من أَرَادَ حرث الدُّنْيَا أُوتِيَ مِنْهَا وَنحن نشاهد كثيرا من النَّاس يحرصون على الدُّنْيَا وَلَا يُؤْتونَ مِنْهَا شَيْئا فَهُوَ كَلَام مُحْتَاج الى بَيَان وإيضاح ثمَّ قَالَ تَعَالَى فِي آيَة أُخْرَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ}[SUB][الإسراء: 18][/SUB]فَإِذا أضيفت هَذِه الْآيَة الى الْآيَة الأولى بَان مُرَاد الله تَعَالَى وارتفع الْإِشْكَال.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}
[SUB][البقرة: 186][/SUB] وَنحن نرى الدَّاعِي يَدْعُو فَلَا يُسْتَجَاب لَهُ ثمَّ قَالَ تَعَالَى فِي آيَة أُخْرَى: {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ }[SUB][الأنعام: 41][/SUB] فَدلَّ اشْتِرَاط الْمَشِيئَة فِي هَذِه الْآيَة الثَّانِيَة على أَنه مُرَاد فِي الْآيَة الأول.
وَرُبمَا وَردت الأية مجملة ثمَّ يُفَسِّرهَا الحَدِيث كالآيات الْوَارِدَة مجملة فِي الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصِّيَام وَالْحج ثمَّ شرحت السّنة والْآثَار جَمِيع
ذَلِك
كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا}
[SUB][النساء: 15][/SUB] ثمَّ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ:"خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ"[SUB][[/SUB][SUB]مسلم:كِتَاب الْحُدُودِ,[/SUB][SUB]بَاب حَدِّ الزِّنَى].[/SUB] وَلأَجل هَذَا صَار الْفَقِيه مُضْطَرّا الى الْجمع بَين الْآيَات المفترقة وَالْأَحَادِيث المتغايرة وَبِنَاء بَعْضهَا على بعض
فرُبمَا أَخذ بعض الْفُقَهَاء بمفرد الْآيَة وبمفرد الحَدِيث وَبنى آخر على جِهَة التَّرْكِيب.
وَقد ترد الْآيَة والْحَدِيث بِلَفْظ مُشْتَرك يحْتَمل تأويلات كَثِيرَة ثمَّ ترد آيَة اخرى أَو حَدِيث آخر بتخصيص ذَلِك اللَّفْظ الْمُشْتَرك وقصره على بعض تِلْكَ الْمعَانِي دون بعض
كَقَوْلِه عزَّ من قَائِل: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى}
[SUB][الضحى: 7][/SUB] فَإِن لَفْظَة الضلال لما كَانَت مُشْتَركَة تقع على معَان كَثِيرَة توهم قوم أَنه أَرَادَ الضلال الَّذِي هُوَ ضد الْهدى وَهَذَا خطأ فَاحش لقوله عز وَجل فِي سُورَة يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام:{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}[SUB][يوسف: 3][/SUB] فَهَذَا نَص جلي فِي شرح مَا وَقع فِي تِلْكَ الْآيَة من الْإِبْهَام وَبَين أَيْضا أَنه تَعَالَى انما أَرَادَ الضلال الَّذِي هُوَ الْغَفْلَة كَمَا قَالَ تعالى فِي مَوضِع آخر: {لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى} [SUB][طه: 52][/SUB] أَي لَا يغْفل وَقَالَ تَعَالَى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى }[SUB][البقرة: 282][/SUB] أَي تغفل وتنسى.
وَمن هَذَا الْبَاب قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي سُورَة نوح عَلَيْهِ السَّلَام: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ
(3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [SUB][نوح: 3، 4][/SUB] وَالْأَجَل قد علمنَا أَنه لَا تَأْخِير فِيهِ وَقد بَين ذَلِك بقوله تعالى فِي عقب الْآيَة: {إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[SUB][نوح: 4][/SUB] وَقَالَ تعالى فِي مَوضِع آخر{فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ } [SUB][الأعراف: 34][/SUB] فَوَجَبَ أَن ينظر فِي معنى هَذَا التَّأْخِير مَا هُوَ ثمَّ وجدنَا هَذِه الْآيَة المبهمة المجملة قد شرحتها آيَة وَاضِحَة مفصلة كفتنا التَّأْوِيل وَلم تحوجنا الى طلب الدَّلِيل وَهِي قَوْله تَعَالَى فِي أول سُورَة هود عَلَيْهِ السَّلَام: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [SUB][هود: 3][/SUB] فدلت هَذِه الْآيَة على أَنه انما أَرَادَ بِتَأْخِير الْأَجَل التمتيع الْحسن لِأَن التمتيع الْحسن يجْتَمع فِيهِ الْغنى والسلامة من الْآفَات والعز وَالذكر الْحسن وَالْعرب تسمي هَذِه الْأَشْيَاء كلهَا زِيَادَة فِي الْعُمر وتسمي أضدادها وخلافها نُقْصَانا من الْعُمر.

الْبَاب الرَّابِع
الْعُمُوم وَالْخُصُوص

(أ) فِي مَوْضُوع اللَّفْظَة المفردة
فنحو الْإِنْسَان فَإِنَّهُ يسْتَعْمل عُمُوما وخصوصا

أما الْعُمُوم فكقوله تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [SUB][الانفطار: 6][/SUB]أوقوله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [SUB][العصر: 2][/SUB]
وَالْخُصُوص نَحْو قَوْلهم جَاءَنِي الانسان الَّذِي تعلم.
فِي الْقُرْآن الْعَظِيم والْحَدِيث أَشْيَاء يتَّفق الْجَمِيع على عمومها أَو على خصوصها وَأَشْيَاء يَقع فِيهَا الْخلاف
فَمن الْعُمُوم قَوْله تَعَالَى {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} [SUB][النساء: 1][/SUB]وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم "الزعيم غارِم" وَمن الْخُصُوص قَوْله تَعَالَى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ}[SUB][آل عمران: 173][/SUB]وَهَذَا القَوْل لم يقلهُ جَمِيع النَّاس وانما قَالَه رجل وَاحِد وَهُوَ نعيم بن مَسْعُود وَلَا جمع لَهُم جَمِيع النَّاس وانما جمع لَهُم جُزْء مِنْهُم
وَمِمَّا وَقع فِيهِ الْخلاف فَاحْتَاجَ الى فضل نظر قَوْله تَعَالَى: { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ } [SUB][البقرة: 284][/SUB] قَالَ قوم ان هَذِه الْآيَة نزلت عُمُوما ثمَّ خصصت بقوله صلى الله عَلَيْهِ:"إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ" [SUB][مسلم: كِتَاب الْإِيمَانِ بَاب تَجَاوُزِ اللَّهِ عَنْ حَدِيثِ النَّفْسِ وَالْخَوَاطِرِ بِالْقَلْبِ إِذَا لَمْ تَسْتَقِرَّ][/SUB]وَرُوِيَ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت هِيَ خُصُوص فِي الْكَافِر يحاسبه الله بِمَا أسر وأعلن وَالْقَوْل الأول أصح وأوضح لقَوْله تَعَالَى بإثر ذَلِك: {فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ}[SUB][البقرة: 284][/SUB]وَلَا خلاف فِي أَن الْكَافِر معذب غير مغْفُور لَهُ فَدلَّ على أَن الْخطاب وَقع عُمُوما لَا خُصُوصا ثمَّ خصص بِمَا ذَكرْنَاهُ.
قَال تَعَالَى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}
[SUB][البقرة: 256] [/SUB]قَالَ قوم هَذَا خُصُوص فِي أهل الْكتاب لَا يكْرهُونَ على الْإِسْلَام اذا أدوا الجزية وَهُوَ قَول الشّعبِيّ وَقَالَ قوم هِيَ عُمُوم ثمَّ نسخت بقوله عز وَجل: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } [SUB][التوبة: 73].[/SUB]
 
إنضم
28 سبتمبر 2014
المشاركات
56
الكنية
أبو رحمة
التخصص
اصول الفقه
المدينة
سوهاج
المذهب الفقهي
الحنفي
رد: تبسيط علوم السلف أسباب الإختلاف بين المسلمين

شكر الله لكم
 
أعلى