العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

سنصدع بالحق ..الشريف حاتم العوني..

إنضم
21 مارس 2009
المشاركات
97
الكنية
أبو فهر
التخصص
متفنن
المدينة
المنصورة
المذهب الفقهي
لا أتقيد بمذهب
لطرح وجهات النظر ونقد المقال بالعلم والعدل والحلم ..

سنصدع بالحق
د .حاتم بن عارف الشريف - عضو مجلس الشورى



لقد كانت قلة قليلة منا ( معشرَ المتخصصين في العلوم الشرعية ) ربما تحدّثَ بعضُنا على خجلٍ وبصوت منخفضٍ عن قضايا ملحّةٍ كثيرة (في قضايا المرأة وغيرها) ، كانت لنا فيها وجهاتُ نظرٍ مخالِفَةٍ لتوجُّهِ الإفتاء الرسمي في المملكة . وكنا نترفّقُ في عَرْضنا لاجتهاداتنا وفي اعتراضنا على فتاواهم ؛ طمعًا في قبولها والاستفادة منها . وكنا في مقابل ذلك الترفُّقِ نتقبّلُ من بعض المشايخ وطلبة العلم حُزْمةً من التصنيفات الجائرة لنا وللتُّهَمِ الجزاف التي كانت تُطلق علينا , وأرجو أن لا نترك ذالك الترفُّـقَ ولا هذا التقبُّـلَ .
ولكننا استمررنا بالتلطُّفِ في المخالفة إلى حدِّ العجز عن الإصلاح ، وإلى حد ضعف التأثير ، وكنا نبرر هذا العجز والضعف بعدة أمور ، نال كلَّ واحدٍ منا نصيبٌ منها ، وهي :
1- إما مجاملة للمشايخ والتيار المتوقّفِ عند اجتهاداتهم فقط وتطييبًا لخاطرهم على حساب الإصلاح الديني ! وهذه معصية لا يجوز أن تستمر ؛ لأن مصلحة الدين تستوجب عدم فعل ذلك .
2- وإما رضوخًا لفكرةِ أنه لا داعي للفَتِّ في عضد المؤسسة الدينية الرسمية ، وذلك من باب تقديمِ دَرْءِ مفسدةٍ أكبر بأخفّ . ولكن أثبتت الأيام أن تقدير أصحاب هذا التبرير للمفاسد والمصالح كان منكوسًا.
3- وإما من باب تحميل المؤسسة الدينية الرسمية مسؤوليةَ الإصلاح والتأثير , ولو برأيٍ فقهيٍّ مرجوحٍ صادرٍ منها (فالاجتماعُ على الرأي المرجوح خير من التفرق على الرأي الراجح) , ولو مع مبالغةٍ من المؤسسة الدينية الرسمية في استخدام قاعدة سدّ الذرائع (الصحيحة في أصلها) , ولو مع ضعف إدراك بعض أعضائها لحاجات المرحلة ,ولو... ! ولكن توالت خسائرنا الإصلاحية ؛ لأننا بذلك قد حمّلنا المؤسسةَ الدينية الرسمية فوق طاقتها , بسبب المبالغة في تقدير حجم التأثير المتوقَّعِ لها . ولذلك تجاوزها القرارُ السياسي , الذي لا يمكنه إلا أن يواكب الـحَدَثَ وأن يتعايش مع الواقع , إن أمكنه ذلك بالمؤسسة الدينية (وهذا ما يتمناه) , أو بدونها (وهذا ما لا يتمناه ) .
4- وإما أَخْذًا منا بنصائح الناصحين والمحبين , بتأخير بعض الآراء إلى وقتها المناسب . ولكننا أخطأنا في قبول تلك النصائح غير الموفَّقة , والتي لا تحدد الزمنَ المناسب أبدًا, ولا تريد أن تحدده ؛ لأنها لا تريد إلا الاستمرار في الصمت . وقد تبينَ مؤخرًا أن الوقت المناسب إن لم يكن قد تجاوَزَنا , فهذا هو أوانُه المؤكّد والحاسم .
فهل آن أوانُ الصدع بالحق , والإعلان عن اجتهاداتنا الفقهية بالصوت المرتفع , وبالصوت المرتفع وحده .
وهل آن الأوان لِنُشِيْعَ بين الناس أن الإصلاح الديني ليس محصورًا في المؤسسة الدينية الرسمية وحدها , بل قد يكون تَحَقُّقُ الإصلاح الديني في اجتهاداتٍ آتيةٍ من خارج المؤسسة الدينية الرسمية ؛ لأن تلك الاجتهادات الآتية من خارجها قد تكون هي الأرجح , أوهي الأصلح لزمننا .
لا أشك في أن هذين السؤالين التقريريين جوابهما هو : نعم , لقد آن الأوان , أو نرجو أن نستطيع إدراك أوانه الذي قد فات .
ولكي يكون هذا المقال بدايةَ الإصلاح , أودُّ ذِكْرَ بعض ملاحظاتي على المؤسسة الدينية الرسمية , ببيان بعض سياساتها المرجوحة شرعيا في اجتهادي :
أولا :المبالغة في سد الذرائع , بسبب خوفٍ على المجتمع ,وهو ما يُسمّيه البعض وصايةً عليه : بأننا لو فتحنا للمجتمع المجال تجاوَزَ الحدَّ المسموح إلى غير المسموح , ولذلك يجب (حسب اجتهادهم) وَضْعُ حدٍّ احتياطي من الممنوعات , لكي لا يصل الناس للحد الحقيقي . وهذا المنطلق الفقهي (وهو أصل سد الذرائع) ليس مطلقا بغير شروط , بل لا بد من توفر شروطٍ لصحته , ولا أجد هذه الشروط متوفرة في العديد من الفتاوى والاجتهادات .
ثانيا :مصادرة الاختلاف السائغ , والتشنيع عليه ؛ بحجة أنه غير سائغ وشاذ وبدعوى مخالفته للإجماع (دون اتضاح الرؤية لضوابط تَشْذِيذِ قول واطِّراحِه) , أو بحجة أن القائلَ به من متتبعي رُخَصِ الفقهاء (ومن تتبع رخص الفقهاء تزندق) , أو بحجة أنها قولٌ مرجوحٌ , ولا يهم أن يكون راجحًا عند فقيه آخر .
ثالثا : بعض تلك السياسات مرجعها إلى خلط التقاليد والأعراف بالدين (مثل معضلة: عباية الرأس أو الكتفين) , واتّهمْنا من يخالفُنا فيها بشتى التهم , كالتغريب أو قلة الغَيرة (الدياثة) , وغير ذلك من التهم .
ولقد كنت أذكر خلافي لذلك كله بصوت يعلو قليلا وينخفض كثيرا ؛ لا خوفًا من ضغوض التهميش , الذي لا يمكن في زمن الفضاء المفتوح والشبكة الدولية المتاحة لكل أحد . ولا وجلاً من بَغْيِ هجومٍ متوَّقع يقصد الإسقاطَ وتشويهَ السمعة بشتى الوسائل : من تجهيلٍ وتبديع , إلى غير ذلك من صنوف الفجور في الخصومة . وإنما كان الصوت ينخفض كثيرًا : مراعاةً مني للمصلحة العامة المتمثلة في الحرص على وحدة الصف , أو تسامحًا مع الرأي القائل بأن المخالفين قادرون على تدارك الأخطاء إن وقعت , وأن جبهة الممانعة قوية , فلا داعي لإضعافها من الداخل . ويبدو أنني أخطأت في ذلك كله , وأنه ما كان لصوت الإصلاح أن ينخفض , وأن السكوت كان خطيئة لا تجوز.
فمثلا : كنتُ قد كتبتُ فتوى مُطَـوَّلةً فصّلتُ فيها الكلام عن الاختلاط بين الذكور والإناث , وبينتُ أن الاختلاط منه ما هو جائز ومنه ما هو محرم , وبينت فيه أن كثيرا من الناس فيه بين إفراطٍ وتفريط . ولا أعلم طرحًا شرعيا سابقا لذلك الطرح فَصَّلَ في شأنِ الاختلاط ذلك التفصيل . ومع أن تلك الفتوى كانت من قبيل الصوت المنخفض في الإصلاح , وهي تدعو لانضباطٍ شرعي مؤصَّلٍ في موضوع الاختلاط ؛ إلا أنها لم تحظَ بقبولٍ واسع لدى المخالفين من الشرعيين , الذين ما زالوا يغالطون ( في شأن الاختلاط ) الأدلةَ الشرعية ، ويتجاهلون الحاجةَ الملحة لإعادة النظر في عاداتنا التي مزجناها بالدين . فكانت تلك الفتوى مصدرَ امتعاظٍ عند شريحة كبيرة فيما ظهر لي , وتجاهلٍ أكبر من شريحة أكبر . حتى جاء الوقتُ الحاضر , فأصبح بعضُ من كان ينكر تلك الفتوى يتبجح الآن بالتفصيل الذي مضى لي على ذكره زمان , ووجد فيها بعضُ المتجاهلين لها سابقا مخرجًا من أزمةٍ وحلاًّ لمشكلةٍ . ولو أنهم راجعوا أنفسهم قبل هذا , وأدركوا متغيرات العصر , لعرفوا أن موقفهم السابق من ذلك الرأي كان خطأ شرعيا سيؤدي إلى خطأ شرعي في الاتجاه الآخر.
وفي قضية تأنيث المحلات النسائية : كنت أصرح بدعمي لهذا المشروع بضوابط , لكن الصوت العام كان هو الرفض والممانعة ,كالعادة , دون محاولة تَفَهُّمٍ لأهمية قبوله بضوابط.
وفي قضية الطائفية : تكلمتُ بصوت مرتفع , في الفضائيات , وفي أكثر من مقال , منها مقالٌ مطول نشرتْه بعضُ المواقع الشبكية , ثم طُبع ونُشر مجانا (بدعم من بعض المحسنين الفضلاء) . فكنتُ أحذًّرُ من خطر الطائفية , وأبين أنها الورقةَ الرابحةَ بيد المتربص الخارجي , وأن الاعتدال غائبٌ في شأنها عن الساحة الشرعية من الجوانب كلها (من جانب السنة ومن جانب الشيعة أيضا وغيرهم) . وما زال الرفض والممانعة مستمرَّينِ حتى خرج تقرير لجنة حقوق الإنسان السعودية يطالب بإعطاء الشيعة حقوقهم . فأرجو أن لا تستمر الممانعة , إلى أن تقع الفتنة الطائفية , أو إلى أن تتجاوز الأقليةُ الشيعية حقوقَها إلى ما ليس من حقوقها .
وفي مجال التكفير : كنت قد نشرتُ فتوى صريحة أقـيِّمُ فيها دعوةَ الشيخ محمد بن عبد الوهاب (رحمه الله) , حسب زمنها , وبما لا أعرف طريقةً هي أقوى منها في الدفاع عنها, وأَدْعَى لبقاء أثرها الطيب ؛ لأنها الإنصاف والعدل . ولأجعل هذه الفتوى مني مدخلا لمراجعاتٍ سلفيةٍ سُنية لتراثنا البشري غير المعصوم في مسائل التكفير والتي لي ولغيري فيها اجتهاداتٌ عديدةٌ نخالف المشهور بيننا فيها اليوم , نشرتُ أحدهَا في كتابي (الولاء والبراء) وفي مقدمة (التعامل مع المبتدع) , ومازلت أصرِّحُ بفتاواي فيها لكل سائل, وأناقش كل معترض . ولا أذكر هذا ؛ إلا لكي لا أُطالبَ بالدليل على ما أقول وبأمثلة لما أدّعيه.
وقد قُوبلت تلك المراجعات بهجوم متوقَّع , لا يهمني الآن منه ؛ إلا التذكير بواجب إعادة الحسابات , والمبالغة في محاسبة النفس , فمصلحةُ الدين فوق حظوظ النفس .
فمتى سنعلم أن الإصلاح الديني الحقيقي هو الانتصار الحقيقي لمكانة المؤسسة الدينية الرسمية , وفي استمرار أثرها المبارك ؛ سواء جاء الإصلاح منها أو من خارجها ؛ لأن مكانة المؤسسة الدينية الرسمية ليس سلطانا يقوم بالقوة , وإنما تقوم مكانتها بإصلاحٍ لشؤون الدين والدنيا , ويحقق للأمة (قيادةً وشعبا) مبتغاها في سعادة الدارين وفي العز والمجد والنصر والتمكين .
ويجب أن نتذكر : أن فضيلة الصدع بالحق لا تنحصر في الصدع به أمام الحاكم , بل من الصدع بالحق أيضا الصدعُ بالحق أمام العلماء والتيار الديني السائد , بغرض الإصلاح , ومن المؤهل للإصلاح .اهـ
 
إنضم
21 مارس 2009
المشاركات
97
الكنية
أبو فهر
التخصص
متفنن
المدينة
المنصورة
المذهب الفقهي
لا أتقيد بمذهب

جواب مهم للشيخ حاتم حول أسئلة موقع إسلام أون لاين..
د.حاتم الشريف حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
نشكر لك تجاوبك ونرجو من حضرتك التداخل معنا في موضوع (مستقبل العلاقة بين السلطة السياسية والمؤسسة الدينية الرسمية في السعودية).
بعد حادثة إقالة عضو هيئة كبار العلماء د.سعد الشثري عقب تصريحه في موضوع الاختلاط داخل جامعة الملك عبدالله هل هذه الحادثة -والتي عدها بعضهم سابقة في تاريخ العلاقة بين الطرفين- تلميح للمؤسسة الدينية بتخفيف حدة الخطاب الديني أوتوجيهه للاقتصار على الأمور الشخصية والأخلاقية بعيداً عن السياسة وما يتعلق بها؟ أم أن هناك مؤشرات أخرى؟ وكيف تنظر لملامح مستقبل العلاقة بين الطرفين؟وكيف يمكن أن تكون هناك اجتهادات للدفع بعملية "إصلاح ديني" معتبرة لدى الدولة والرأي العام من خارج المؤسسة الرسمية؟

شكرأ لك على تفضلك بالإجابة عليها مسبقاً.


الجواب : إن المملكة العربية السعودية دولة قامت على الدين الإسلامي , والإسلام هو دستورها الوحيد , وهي تحتضن قبلة المسلمين والمسجد النبوي الشريف . ولذلك فلن يكون من بين ملامح المستقبل بين الحكومة والشرع إقصاء الشرع ونفيه عن المرجعية . وهذا الأمر هو ما تدل عليه كل قواعد الماضي والحاضر في تاريخ هذه الدولة , وهو ما لا يمكن حصولُ استقرارٍ لدولةٍ تتشرف بخدمة الحرمين الشريفين إلا به .
المشكلة عندي هو في فهم وجه من وجوه العلاقة الشرعية بين الحاكم والهيئة الشرعية من العلماء , ولفهم هذه العلاقة باختصار , ألخصها في نقاط محدّدة :
1- يعلم كل مُطّلِعٍ على فِقْهِ هذا الباب أن المسألة الشرعية إذا كان فيها خلاف معتبر فإنه يجوز لعوام المسلمين (فضلا عن الحكام) أن يأخذوا بأي قولٍ منها , وفق ضوابط معينة في التخيُّـرِ من بين تلك الأقوال المعتبرة . وبالتالي : لا يجوز لعالمٍ أو هيئةٍ علميةٍ أن تُلزمَ الحاكم بقولها , ما دام القول الآخر ما زال ضمن دائرة الاختلاف المعتبر ؛ إذ لا يمكن أن يكون لعوام المسلمين هذا الحق في الاختيار المنضبط , ثم لا يكون للحاكم هذا الحق .
2- أهم ما يجب على الهيئات الشرعية والعلماء أن يبينوه للحكام في مسائل الاختلاف الفقهي : أن يميزوا لهم بين الأقوال المعتبرة وغير المعتبرة , بكل انضباط علمي في هذا التصنيف , دون إخفاء حقائق مهمة , ودون تصنيفٍ بلا ضوابطَ صحيحةٍ بين هذين النوعين من الاختلاف , كما يقع كثيرا . يفعل العلماء ذلك لكي يقولوا للحاكم : هذه أقوال معتبرة يجوز لك التخيُّـرَ منها ما يحقق المصلحة , وفق ضوابط معينة لهذا التخيُّـر . ثم يُتمِّمَ العلماءُ عطاءهم للحاكم بقولهم : وهذه أقوال غير معتبرة , فلا يجوز الإقدامُ عليها ؛ إلا من باب الضرورات التي تبيح المحظورات , وعند تحقُّقِ شروط الاضطرار الشرعية , والتي تشمل صور الاضطرار السياسي المنطلقة من السياسة الشرعية .
3- على الحاكم أن يسعى إلى عدم حصول انغلاق في هيئته الشرعية على رأيٍ واحدٍ واجتهادٍ واحد ؛ لأن هذا سيضيِّـقُ عليه الاطلاعَ على أقوالِ الاختلافِ المعتبر , والتي قد يكون تحقيقُ المصلحة العامة في أحدها دون الآخر . ولذلك كان من أهم وجوه إصلاح دَور الهيئات الشرعية هو تحقيقُ هذا التنوع الفقهي المنضبط فيها , لكي تكون قادرةً على استيعاب الأقوال المعتبرة في مسائل الشرع .
4- يحق للهيئة الشرعية أن تنصح الحاكم بما تراه من الأقوال أرجحَ وأصوب (سواء كان هذا الترجيح باتفاق هذه الهيئة أو بأغلبية أعضائها) , ولكن لا بد أن يعترفوا له بوجود أقوال أخرى (إن وُجدت) هي أقوالٌ معتبرة , يحق له الاختيار منها ما يحقق المصلحة ؛ لأن الحاكم لا كغيره من عوام المسلمين في احتياجه في سياسته وإدارته لشؤون البلاد للآراء المتعدّدة التي يختار منها أصلحَها في قيادة شأن البلاد .
5- إذا اختار الحاكمُ من الأقوال المعتبرة ما يرى أنه يحقق المصلحة , فلا يحق للهيئة الشرعية أن تعترض عليه لأنه لم يأخذ بترجيحها هي (سواء كان ترجيحها باتفاق أعضائها أو بأغلبيتهم) ؛ حيث إن ترجيحها واختيارها قولا من بين الأقوال المعتبرة لا يُلزم عمومَ المسلمين , فضلا عن الحاكم . إلا إذا ثبت أن اختيار الحاكم يحقق مفسدة ظاهرة (لا مجرد متوهمة) , فيحق للعلماء نصحه بتغيير اختياره , لا من جهة أنه خالف اختيارهم , ولكن من جهة أن المصلحة التي يسعى الحاكمُ إليها لا تَـتَحقَّـقُ باختياره . وإن كان الأصل في الأقوال المعتبرة : أنها ما كانت معتبرة ؛ إلا وهي بعيدةٌ عن تحقيق مفاسدَ ظاهرةٍ غالبة .
6- أما إذا اختار الحاكم بسبب الاضطرار قولا غير معتبر , فعليه واجبُ إقناع العلماء بأنه ما اختار هذا القول أو ما اتخذ هذا القرار إلا اضطرارًا , وينبغي أن يكون إقناعه لهم بذلك إقناعا حقيقيًّا , لا إكراهًا . وإلا فليعذر الحاكمُ العلماءَ إن ساءهم ذلك , وإن رأوا أن أمانة العلم تُلزمهم ببيان ذلك علانية للناس , إذا لم يؤدّ بيانُهم إلى فتنةٍ أكبر من فتنة اتخاذ القرار غير الشرعي , وإلى خروج وفساد عريض . كما أنه إذا ظهر للعلماء أن الحاكم متأوّلٌ في اختياره المخالف للشرع , وأنه كان يظن اختياره موافقًا للشرع , فعليهم من واجب الترفّق به , كما يجب هذا الترفُّق لكل متأول (حاكما أو محكوما) , بل حق الحاكم من ذلك الرفق أكبر , حتى يقنعوه برأيهم . وهذا يبيِّنُ ضرورة أن تكون علاقة الحاكم بالعلماء علاقة قوية مبنية على الثقة والمصارحة التامة , لكي يفهم العلماءُ الحاكم , ولكي يفهم الحاكمُ العلماءَ .
هذا هو التصور الصحيح لعلاقة العلماء بالحاكم , ولعلاقته بهم .
وبعرض هذا التصور على واقع علاقة الهيئة الشرعية في المملكة بالحاكم سنجد أن هناك جوانب قصور عديدة , وهناك وقائع عديدة , قريبة وبعيدة , تدل على هذا القصور . والمسؤول عن إصلاح هذه الجوانب من القصور : هم العلماءُ والحاكمُ معًا .
وهنا أنبّه إلى أن قاعدة هذه العلاقة الصحيحة السوية بين الحاكم والهيئة الشرعية وقِوامها على أمر مهم , وهو مدار عامة هذا التأصيل : ألا وهو التفريق بين الاختلاف المعتبر وغير المعتبر , والموقف من كل واحد منهما وطريقة التعامل معه ومنهج استثماره . وهذا ما كنت قد حرصت على بيانه بكل ما استطعت من جهد : في كتابي (اختلاف المفتين) , لكي لا تبقى هذه المسألةُ ضبابيةَ المعالم (كما هو واقع غالبا) , لتعاني بسبب ذلك قدرًا كبيرًا من النِّسبيّـة وعدمَ القدرة على القطعية المطلوبة فيها , وهو الأمر الذي يُفقد هذه المسألةَ قُدرتَها على الاعتماد عليها في مثل هذا التأصيل المهم . ولذلك حرصت على بيانها في كتابي المذكور , لكي لا يبقى هناك عذر بعدم استثمارها في مثل هذا التأصيل المهم جدا .
وأحسب أني بهذا الجواب قد أعطيتك جوابا على أسئلتك كلها .

وأشترط أن ينشر هذا الكلام كاملا , شاكرا لك هذا التفاعل الحي مع الحدث .

4/11/1430هـ
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
واضح أن الشيخ يعالج جزئية معينة في هيئة كبار العلماء وهي "تسويغ الخلاف السائغ"، لا علاج المؤسسة نفسها، وهذا يفسر الحيدة الواضحة في كلام الشيخ من الاقتصار على مكونات الهيئة ، والإعراض عن الكلام عن التكوين نفسه.
هذا أمر، أمر آخر لم يوفق الشيخ في ذكر الأمثلة المناسبة، فمثلاً المثال الذي ذكره في جوابه لأبي فهر في حادثة كتاب الدبيان مناسب، ولكن اقتصار الشيخ في مقاله على ذكر الأمثلة التي خالفهم فيها أضرت أكثر مما نفعت؛ لأن قوله وقولهم كله مما يحتمله الخلاف ولا يعرف أنهم صادروا قوله.
هناك أمثلة عديدة كان أولى بالشيخ أن يتناولها لولا أنه حصر المشكلة بين شخصه وبين شخص الهيئة.
ألخص الملاحظات السابقة في ثلاث نقاط:
- علاج جزئية معينة في الهيئة وهي "تسويغ الخلاف السائغ".
- الحيدة عن العلاج الجذري للمؤسسة نفسها لتعلقاتها السياسية.
- قصر المشكلة بين شخصه وشخص الهيئة مما رتب ذكر أمثلة ضعيفة الارتباط.
 
التعديل الأخير:

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
يا ايها الفاضل ناصر العلى
بعض المقالات ينبئك عنها عنوانها وصدرها ومقالك هذا عنوانه انها الورطات
ايها الفاضل ان الفكر يُقَاوَم بفكر مثله لابالتشغيب والاتهامات
وانا لاادرى هل من ينتقد الدكتور ويتهمه بأنه اتى بجديد لايعرف من اتى قبله بهذا
الا اننى لم أرى سوى الدكتور من المختصين فى العلم الشرعى صدع بهذا الصدع الظاهر
لكنى وجدت مشايخ اسكندرية تكلموا بكلام منثور فى موادهم والشيخ احمد القاضى تكلم فى مقال له
ومن اعرفهم من سواهم فهم مفكرون مشهود لهم بالعالمية وبأنهم من مرجعيات الدينفى هذا العصر وفى عصرهم لمن مات منهم
فلماذا من يرد يحيد ويغمذ عينه عن الباقي {ان كان يعرف} وان لك يكن عنده علم بمن تكلم فلماذا ينتقد قبل أن يتثبت ؟

لو تتوقف عن الكتابة -أخي الحبيب- ليكتب الناس .. فأنت تصد كل مخالف لك عن أن يكتب رأيه لعلمه أنك ستعقب بتشويش

أزعجتنا كثرة مشاركاتك
فتوقف -فضلا- فقد قرأنا رأيك .. وعرفناه .. وهذا يكفيك
 
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
871
الكنية
أبو الأمين
التخصص
أصول الفقه
المدينة
باريس
المذهب الفقهي
أصول مالكية
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته

بعد أن قرأت ما كتبه الشيخ و الإخوة الأفاضل تبين لي أن كلام الشيخ حق في مضمونه إلا أنه أخطأ طريقة العرض و ذلك لأن الشريعة مؤصلة لا تبنى وجهات النظر فيها على العواطف و إنما على الأدلة الشرعية أما كلام الشيخ فظاهر أنه نابع من قلبه و هذا ليس عيبا إنما العيب أن لا يوضح وجهة نظرة بالدليل الشرعي فهذا هو المطلوب.

كون المؤسسة الدينية في المملكة صادرت حق الخلاف المستساغ ليس جديدا لكن ليكن لنا عبرة في شيوخنا الكبار كالشيخ الألباني رحمه الله الذي حطم هذه المصادرة بقوة الحجة و الدليل في العديد من كتبه فالإحتجاج بسد الذرائع لكسر الخلاف لا يصمد أمام وضوح الدليل.

كان ابن عباس رضي الله عنهما يقول للناس : توشك أن تسقط عليكم حجارة من السماء ، أقول لكم : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتقولون : قال أبو بكر وعمر !

إذن المطلوب اليوم التأصيل الشرعي و مقارعة الحجة بالحجة فالمسألة ليست مسألة رجال و إنما مسألة أدلة شرعية.

لذلك لا بد أن يجتهد العلماء في إبراز الأدلة الشرعية في المسائل الخلافية و هذا لا يكون إلا بإعادة إسترجاع علوم جميع المذاهب و إحياء ثراتهم , الهدف ليس التقليد المذهبي إنما إبراز هذا الثرات ففيه من الأدلة القوية ما ينسف قول كل من صادر المسائل الخلافية فإذا إنتشرت كتب المتقدمين و أعيد الإعتبار لعلمهم ظهر الخلاف الفقهي البناء.

لأن أغلب الشباب اليوم يطلع على قول
واحد في المسألة فيظن أنه الحق و من جهل شيئا عاداه و ما هذا إلا لإجترار نفس الأدلة في المسائل دون البحث ظنا منهم أن المسألة لا تدور إلا عليها فيصادرون المذهب المخالف بجهلهم لأدلته و قوتها بل يتلقون أدلة المذهب المخالف من نفس الشيخ و هل يصلح أن يكون القاضي و المدعي واحدا ؟ لابد من طلب أدلة كل مذهب من كتبه و فهمها على وجهها الصحيح .

لا بد من تعويد الجيل الجديد على التأصيل الفقهي و فقه الدليل و لا يكون ذلك إلا بدراسة الفقه المقارن و تعويد الطلاب على النظر في كتب السلف و على نقد فتاوي شيوخهم فليس كل تصور شيخ في فهم دليل هو الحق, قال بن حزم في الإحكام في أصول الأحكام في إبطال التقليد عن قتادة قال: من لم يعرف الاختلاف لم يشم الفقه بأنفه. اهــ

فما يوجد على الساحة اليوم تقليد مذهبي معاصر.

وقال ابن حزم رحمه الله: (فنحن نسألهم أن يعطونا في الأعصار الثلاثة المحمودة رجلاً واحداً قلَّد عالماً كان قبله فأخذ بقوله كله ولم يخالفه في شيء، فإن وجدوه -ء ولن يجدوه والله أبداً لأنه لم يكن قط فيهم - فلهم متعلَّق على سبيل المسامحة، وإن لم يجدوه فليوقنوا أنهم أحدثوا بدعة في دين الله تعالى لم يسبقهم إليها أحد - إلى أن قال - نسأل الله أن يثبتنا عليه - أي الأمر الأول الذي كان عليه السلف - وأن لا يعدل بنا عنه، وأن يتوب على من تورط في هذه الكبيرة من إخواننا المسلمين، وأن يفيء بهم إلى منهاج سلفهم الصالح).

و قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (من نصب إماماً فأوجب طاعته مطلقاً اعتقاداً أو حالاً فقد ضل في ذلك ......... وكذلك من دعا إلى اتباع إمام من أئمة العلم في كل ما قاله وأمر به ونهى عنه مطلقا).

وقال ابن القيم رحمه الله: (وأما هدي الصحابة رضي الله عنهم فمن المعلوم بالضرورة أنه لم يكن فيهم شخص واحد يقلد رجلاً واحداً في جميع أقواله ويخالف من عداه من الصحابة بحيث لايرد من أقواله شيئاً، ولا يقبل من أقوالهم شيئاً، وهذا من أعظم البدع وأقبح الحوادث)

ما الفائدة من الخروج من تقليد الائمة الاربعة لتقليد غيرهم ! لو كان الامر بالرجال لكان تقليد الاعلم أفضل و لا اعلم اعلم ممن وصلنا فقهه من الائمة الاربعة رحمهم الله لكن الامر بالدليل و الحق يقال أنه لو كان هناك نص يحسم الخلاف لما اختلف فيه السلف و الخلف بل و عجبي ممن يدعي الخلاف منته بقول في مسألة قد قال بخلافه جمهور علماء المسلمين عامة و جمهور السلف خاصة. فليس كل قول اشتهر بالصحيح ما لم يكن إجماعا.

الخلاف الفقهي المستساغ لا يحدده اجتهاد شخص واحد أو مدرسة واحدة و إنما تحدده الأدلة الشرعية فمتى أصلنا المسائل و ذكرنا الأدلة فالأدلة تنطق بنفسها و طالب العلم المتمرن يفرق بين الخلاف المستساغ و الغير مستساغ بمجرد النظر في هذه الأدلة إلا أن المشكلة هي في جمع
ها و دراستها بالتصور الصحيح لا سماع بعضها من أصحاب مذهب واحد و التسليم بتصورهم كأنه زبدة الخلاف فيها فكل قول يعرض على كتاب الله و سنة نبيه عليه الصلاة و السلام قال تعالى : فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول. اهــ و فهم الدليل يحتاج دليلا فيرد ما اختلف فيه من فهم الأدلة إلى ما أجتمع عليه العلماء في غيرها حتى نحاكم مجمل النصوص إلى مفسرها.

و أختم الكلام بهذه القصة المعبرة :

قال محمد بن الحسن الحجوي رحم الله في كتابه الفكر السامي : وعن عبد الوارث بن سعد قال‏:‏ قدمت مكة فوجدت فيها أبا حنيفة وابن أبي ليلى وابن شبرمة فسألت أبا حنيفة قلت‏:‏ ما تقول في رجل باع بيعاً وشرط شرطاً‏؟‏ قال‏:‏ البيع باطل والشرط باطل‏.‏

ثم أتيت ابن أبي ليلى فسألته‏؟‏ فقال‏:‏ البيع جائز والشرط باطل‏.‏

ثم أتيت ابن شبرمة فسألته‏؟‏ فقال‏:‏ البيع جائز والشرط جائز‏.‏

فقلت‏:‏ يا سبحان الله ثلاثة من فقهاء العراق اختلفوا علي في مسألة واحدة فأتيت أبا حنيفة فأخبرته فقال‏:‏ لا أدري ما قالا حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط البيع باطل والشرط باطل‏.‏

ثم أتيت ابن أبي ليلى فأخبرته فقال‏:‏ لا أدري ما قالا حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت‏:‏ أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أشتري بريرة فأعتقها البيع جائز والشرط باطل‏.‏

ثم أتيت ابن شبرمة فأخبرته فقال‏:‏ لا أدري ما قالا حدثني مسعر بن كدام عن محارب بن دثار عن جابر بن عبد الله قال‏:‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة وشرط حملنا إلى المدينة‏.‏ البيع جائز والشرط جائز‏.‏

أما مالك فقد عرف الأحاديث كلها و عمل بجميعها و قسم البيع و الشرط إلى أقسام ثلاثة : شرط يناقض المقصود كشرط العتق فيحذف.
و شرط لا تأثير له كرهن أو حميل فيجوز. و شرط حرام كبيع جارية بشرط أنها مغنية فيبطل البيع كل، و غيره لم يمعن النظر و لا حرر المناط.اهــ

أسأل الله أن يرزقنا فهم السلف و
الله أعلم
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
بارك الله في الإخوة جميعاً.
نعم، نريد التعليقات الهادفة، فنحن هنا لنتعلم ولنصلح، وهذه مناسبة طيبة، لكن في حدود الموضوع حتى نستطيع الخروج بنتائج إيجابية، وبدأنا بحمد الله الوصول إلى نتائج واضحة، ولعل الشيخ يطلع عليها، ويحصل المقصود.
 

خالد محمد المرسي

:: مطـًـلع ::
إنضم
16 ديسمبر 2007
المشاركات
101
التخصص
لم يحن وقته
المدينة
الاسكندرية
المذهب الفقهي
حيث مادار الدليل بفهم المتنورين
لو تتوقف عن الكتابة -أخي الحبيب- ليكتب الناس .. فأنت تصد كل مخالف لك عن أن يكتب رأيه لعلمه أنك ستعقب بتشويش

أزعجتنا كثرة مشاركاتك
فتوقف -فضلا- فقد قرأنا رأيك .. وعرفناه .. وهذا يكفيك
أليس هذا هو عين ما ينتقده الدكتور عليكم
مصادرة أراء الأخرين والاستعجال بتصنيفهم مع انه الحق قد يكون معهم وظنكم أنه مبطل قد يكون نابع من عدم علم تام بالموضوع ؟
وأنا لم أشوش على أحد كل كلامى هو هو كلام اهل العلم ونقلت لكم مصادره
 
إنضم
20 أبريل 2008
المشاركات
122
التخصص
الشريعة..
المدينة
أم القرى
المذهب الفقهي
............

[أجوبة أخرى من الشيخ واضحة في بيان مراده لكل منصف]

يقول الشبخ: جاء في صفحتي في الفيس بوك هذا النقد :


فضيلة الشيخ د. حاتم:ألحظ أنك ذكرت هنا أموراً سميتها معاصي! مستفيداً من قاعدة سد الذرائع وبعض القواعد الفقهية التي أوصلتك إلى الحكم بأن هذه الأعمال هي معاصي!!
ثم أيضاً : قررت أن الصدع واجب شرعي يجب علينا القيام به مستفيداً من عدة قواعد شرعية أوصلتك إلى ما تريد القول به!!...
ولا أعني مخالفتك في إصدار الحكم ؛ إلا أني أقول: ألا تعذر الذين كانوا يرون آراء لم ترق لك بأنهم استخدموا أدوات التوصل إلى الأحكام نفسها التي استخدمتها بل وبطرق أوضح وأقرب إلى الدليل والمقاصد الشرعية مما تبدي أنت!! ـ من وجهة نظر شخصية على الأقل ـ
يا دكتور حاتم :لا أحد يمانع أو يتضايق من أن تبدي رأيك الفقهي والسياسي والشرعي والاقتصادي أيضاً طالما أنك ترى أنك تملك أدوات الاجتهاد .. وأنا أرى أنك كذلك .. لكن لماذا تشوش على كثير من طرحك المفيد بتلك المقدمات العنيفة التي أرى أنها تفسد أكثر مما تصلح!!
خصوصاً أن الوضع الآن قد تغير وأصبح كل من له رأي يستطيع أن يبوح به دون الحاجة إلى هذه التعبئة التي نراها.. فما كان لمقدمتك داعٍ خصوصاً أن الوضع أصبح يتيح لك حرية إبداء الرأي ويعطيك الأولوية طالما أنك مجتهد وتملك أدوات الاجتهاد كما أوضحت!! (فما وجه الصدع بعد أن سهل القول!!) ..
أضف لهذا أن ما تقوله أنت في هذا المقال لا ألاحظ فيه قضية إبداء رأي شرعي ؛ بقدر ما فيها نوع من القسوة في غير محلها!!
دكتور حاتم: أقترح عليك مستقبلاً أن تكون أبعد عن الحساسية في الطرح واستباق الظن أن الناس كلهم سيقفون في وجهك وأنك لن تبالي بهم فقد تعودت منهم على الإساءة!

أحيانا أشعر وأنا أقرا بعض مقالاتك الثائرة أنك أنت الوحيد الذي سينقذ العالم والآخرين لا يمكن أن يكون لهم دور في إنقاذ المجتمع من زلاته!!
كثيرون هم من يمارسون النقد والتصحيح وربما مخالفة المشهور والذائع لكنهم لم يستخدموا هذا الأسلوب الاستعلائي لنسف الآخرين وإحلال النفس محلهم!!
ما أقوله ليس اعتراضاً على مشاركتك في موجة التغيير وليس انتقاداً لرأي فقهي وليس مصاردة لرأي أيضاً ! ففقد خاض هذا المجال من هو أهل وقدم ما لديه من الدليل الشرعي وحاوره من هم أهل بدليلهم الشرعي مع حفاظهم على جو الود والتعاون للوصول إلى الحق ؛ ما أنتقده هنا هو الأسلوب في طرح هذه المقدمة!!
شيخنا وفقك الله تقول أن المستفيدين من تخلف المصلحين عن موجة التغيير هم المفسدين وهي أكبر هدية لهم ؛ فهل ترى هذه القسوة في الطرح وهذه المقدمة لنسف المؤسسة الدينية وتهميشها ومحاولة إبعادها : ستخدم المصلحين أم هي تصب في مصلحة المفسدين.؟!

الجواب

الحق أنك لم تلحظ مقصودي , ولذلك أحلتك للحوار , فأنت تقول مثلا : (يا دكتور حاتم :لا أحد يمانع أو يتضايق من أن تبدي رأيك الفقهي والسياسي والشرعي والاقتصادي أيضاً طالما أنك ترى أنك تملك أدوات الاجتهاد...) , هذا نفس الكلام الذي بينت أنه ليس هو المطلوب ولا المقصود من المقال . حيث إن المقصود هو بيان أن الهيئة لا يحق لها أن تلغي الاجتهاد السائغ لمجرد أنها لم توافق عليه , ولا أن تشوش عليه عند الناس , فيظنون أن هذا الاجتهاد لا يجوز اتباعه . لأن هذا الأمر لن يجعل لهذا الاجتهاد المعتبر استقراره الديني الذي تنشده الدولة , والذي هو أحد دواعي الاستقرار الأمني والنفسي والفكري لدى الناس .
هذا ما كانت تمارسه الهيئة , كما في أقرب مثال من ذلك : قضية المسعى , والتي خالف فيها بعض أعضاء الهيئة , وهي قضية يسوغ فيها الاختلاف (بلا شك) , ومع ذلك رأينا جميعا ماذا حدث من بلبلة وتأزّم نفسي , وما زال حتى اليوم الحرج عند الناس من السعي في توسعة المسعى .
وتخيل لو أن الدولة أخذت بقول معتبر متعلق بجواز كشف المرأة وجهها (ولا ننسى أن موضوع المرأة والاختلاط هو سبب المشكلة الأخيرة , ولذلك أضرب به المثل) , وهو قول جماهير أهل العلم , حتى بعض كبار أئمة الحنابلة , وأخذت به الدولة على أنه حل إسلامي . ماذا تتوقع من الهيئة وطلبة العلم المقلدين لهم والخطباء والدعاة سيفعلون ؟ هل سيعترفون أنه حل إسلامي ؟ مع أن كونه قولا معتبرا يجعله حلا إسلاميا راجحا أو مرجوحا , ولا يصح تصويره على أنه خرق لتعاليم الإسلام . مما سيؤدي إلى التأزم وعدم الاستقرار الديني لذلك الرأي .
وإذا تكرر ذلك من العلماء , وهو ما حصل فعلا , فستضطر الدولة لتحقيق ما ترى فيه المصلحة , متأولة أن تحقيق المصلحة العامة هو الدين , دون أن تضطر إلى الاستفادة من ضوابط شرعية تحقق المصلحة العامة التي تريدها ولا توقع في المفسدة الشرعية التي ستُحقق مفسدةً عامة أيضا .
وها نحن بالأمس قرأنا كلنا كلام الشيخ القرضاوي في عدد من الصحف السعودية حول الاختلاط , فهذه محاولة لإحداث الاستقرار الديني , والذي نتمنى أن يكون مضبوطا بالشرع , لا مطلقا , سواء وافقت عليه هيئة كبار العلماء أو لم توافق .
فالمطلوب : ليس هو أن تسمح لي الهيئة بطرح اجتهاداتي أو اجتهاد غيري , لكن أن تتعامل معه على أنه حل إسلامي ولو كان عندها رأيا مرجوحا , ما دام رأيا معتبرا , وعليها أن تقرر ذلك للناس , لكي يكون له لاستقرار الديني المطلوب .
وأما مقدمتي الحماسية (كما عبر البعض) فهي لا بد أن تكون كذلك , لأن الموضوع حماسي ؛ يريد أن يصحح وضعا للهيئة مر الزمن وهي عليه . وليس من الممكن أن تطالب المجاهد أن يبتسم , إلا في صورة شعرية خيالية من نمط قول عنترة:
فوددت تقبيل السيوف لأنها *** لمعت كبارق ثغرك المتبسم .
ولو فعلت ذلك لما غـيّـر المقال شيئا , ولما حصل معه هذا التفاعل , الذي هو جزء من الحل فيما أرجو , ولا يلزم أن يكون هذا التفاعل علامةً على أنه جزء من المشكلة . إلى أن تستقر الأمور بالإصلاح الذي ينشده كل مسلم .
ثم تقول يا أخي : (الطرح وهذه المقدمة لنسف المؤسسة الدينية وتهميشها ومحاولة إبعادها : ستخدم المصلحين أم هي تصب في مصلحة المفسدين.؟!) , هذا أكبر دليل أنك مازلت محتاجا لإعادة قراءة المقال والحوار : نسف!! سبحانك اللهم .


وجاء في صفحتي في الفيس بوك هذا النقد أيضا :
يا شيخنا! ربما كان السبب أن لهجة المقال كان فيها ما يشبه التعالي, ولأن الكلمات المذكورة ليست جديدة, بل هي مسبوقة! وكذلك يا شيخنا الوقت الذي نزل فيه المقال, قد جاء وكثير من الأنفس مشحونة بقضايا الجامعة.
حفظكم الله ونفع بكم .

والجواب

ليس من التعالي أن تذكّر بنصائحك المعلنة التي لم يأخذوا بها , فأدت إلى خسائر إصلاحية. لتستدل بنصائحك تلك على خطأ منهج غيرك .
كما أنه ليس من حقي أن أضرب أمثلة من كلام غيري ونصائحه , ممن قد لا يقبل أن أزج به في هذه المعركة معي , لأنه يخاف الأذى منها .
وليس من أغراض المقال إثبات السبق العلمي كما تظن , وإن كان هذا حقا مشروعا , كقول سعد بن أبي وقاص : (إني لأول رجل رمى بسهم في سبيل الله) (متفق عليه) , خاصة عند وقوع دواعي ذكره . وإنما التذكير بها كان من قبيل قول مؤمن آل فرعون : (فستذكرون ما أقول لكم) .
فلئن كانت عبارة مؤمن آل فرعون , وعبارة سعد بن أبي وقاص = نرجسية , فهي نرجسية محمودة , ما دام الغرض منها الإصلاح , لا تعظيم الذات .
وبالمناسبة : ففي الصحيحين أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : ((ما أُنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أُنزلت , ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيما نزلت , ولو كنت أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه )) , يفول هذا وكان في زمنه أمثال عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وابن عباس وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين ....
وإذا كانت المطالبة بعدم إلغاء الخلاف المعتبر (التي طالبتُ بها الهيئة) نرجسية وتعالي , فماذا نقول عمن يريد أن يلغي الاختلاف المعتبر ؟!! وليس المهم ماذا سنقول عنه , ولكن المهم ماذا سيكون أثره في تخسير الإصلاح وتأخيره .


 

خالد محمد المرسي

:: مطـًـلع ::
إنضم
16 ديسمبر 2007
المشاركات
101
التخصص
لم يحن وقته
المدينة
الاسكندرية
المذهب الفقهي
حيث مادار الدليل بفهم المتنورين
لله در هذا الرجل العظيم
وددت لو أن أقبل قدميه
ليتك تحضر لى رابط صفحته على الفيس بوك ؟
 
إنضم
22 يونيو 2008
المشاركات
1,566
التخصص
الحديث وعلومه
المدينة
أبوظبي
المذهب الفقهي
الحنبلي ابتداءا

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,137
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
أصل الطرح من الشيخ حاتم -من وجهة نظري- صحيح، لَكِنْ يتخلله كبوات فصيح ...!!.
ولو أن الشيخ طرح مشروعاً إصلاحياً واضح المعالم لكان أحسن وأبين وأنفع.

فلو اقترح مشروعاً عملياً، كأن يلجأ إلى الإلماح إلى ضرورة إنشاء مركز بحثي في الهيئة يتألف من متخصصين في سائر الشؤون الحياتية؛ لرصد الظواهر المحلية، وإعطاء النتائج التفصيلية التي تتجلى من خلالها حقيقة الواقع، والنظر في المآلات عن قرب.

فمثلاً عند الحديث عن تأنيث محلات بيع الملابس النسائية:
فلا أنا مع الأسواق النسائية المغلقة!!، ولا الأسواق المفتوحة بلا نوافذ نسائية!!.
ومن نقب عن كثب ساء له الوضع في الحالتين!!
والله المستعان.

فلو جُعل استبيان يقيس كامل الأبعاد عن تعامل الباعة والنساء في هذه المحلات مع بعضهم؛ وبالإمكان توزيعه عن طريق هيئات الأمر بالمعروف مثلاً في كبريات المراكز والأسواق بأكثر مدن المملكة.
لكانت نتيجة الاستبيان دقيقة واضحة المعالم؛ وستؤثر حتماً في اتخاذ القرار حال عرضها على هيئة كبار العلماء ولا شك.
لأن الصالح العام، والواقع أكبر مقياس توزن به مآلات الأقوال التي ستتخذ.
وتبقى بعدها مثلاً بعض أمور حال إقرار تأنيث المحلات الخاصة:
- هل تكون مغلقة.
- أم مفتوحة.
؛ لأن بروز هذه الملابس أمام الناظرين؛ وعرضها بطرائق تشوبها الإغراء؛ تخدش الحياء، وتزيل الهيبة، وتجرؤ السفهاء ...
والله يأخذ بنا لصالح بلدنا ...
والشيخ يرجى له الخير؛ فهو يتقلب بين الأجر والأجرين ...

تنبيه: أرجو من الإخوة التزام الحوار الهادئ الهادف، ولم الموضوع في سياقه أولى من تشتيته!.
 
إنضم
20 أبريل 2008
المشاركات
122
التخصص
الشريعة..
المدينة
أم القرى
المذهب الفقهي
............
جواب الشيح/ حاتم على سائل في "الفيس بوك" أورد عليه ردا من الدكتور محمد التركي

شيخنا الفاضل يشكر لكم سعة صدركم وتقبلكم الكريم للنقد الهادف ومحاولة الاستفادة منه ..
ويشكر لكم أيضاً هذا التواصل والحوار والتوضيح...أنقل لكم رداً لأحد المحبين ..أتمنى الاطلاع عليه ، والإجابة على التساؤل الأهم الذي في آخر الرد.
ولكم جزيل الشكر ، ومن الله عظيم الأجـــــــــر
أحب أن أعلق على مقال فضيلة الشيخ الدكتور / حاتم الشريف العوني ، والذي عنونه بـ ( سنصدع بالحق ) ، وسيكون ذلك على شكل نقاط . والحقيقة ما كنت لأرد على فضيلته لولا أنه توقع الرد والنقد ؛ وكذلك لأنه نقد منهجاً لبعض العلماء ففتح للآخرين أن ينتقدوا ما لا يرونه في منهجه .
الأولى : ذكر في معظم مقاله ما يوحي بعظمة الأنا عنده ، وأنا والله أنزهه عن هذه كونه من العلماء الأفذاذ الذين يُرجى لهم قبول واسع بين شرائح المجتمع . إلا أن مثل هذه اللغة لا يستسيغها قارئ عادي فضلاً عن مخالف أو محايد ؛ ولذا كان الأجدر به أن يتكلم متحدثاً بالأصالة عن نفسه بلا نيابة عن غيره ؛ لأنه _ لو فرضنا وجود مجموعة معه يؤيدونه في توجهه _ لما ساغ أن يكتب اسمه فحسب ، ولكان الأولى به أن يكون هذا المقال بياناً يوقع عليه مجموعة من العلماء الذين يرون رأيه ويتوجهون توجهه الجديد ؛ كما هو معمول به في كثير من البيانات التي لا يصدر من هيئة كبار العلماء في بعض الأمور بيان ولا فتوى فيقوم علماء بإصدار بيان بذلك .
الثانية : ذكر فضيلته _ وفقه الله _ أن الإصلاح الديني ليس حِكراً على أحد وليس منوطاً بهيئة كبار العلماء التي ربما يفوق هذا الإصلاح قدراتها أو لا ترغب به حالياً ! ، وقرر هو أن يقوم بهذا الإصلاح مع مجموعة من مؤيديه بعد تردد طويل وتأخُّرٍ ندم عليه ! . وأقول له : هل ترى أن الإصلاح الديني والأمور المجتمعية يستطيع أو يَحسُن أن يقوم بها أفراد أو مجموعات صغيرة ؟ أم لا بد من أن يقوم بهذا الأمر من يملك الزمام وعنده القدرة السياسية والشرعية للقيام بذلك ولو تأخر ؟! ثم ألا تعتقد أن ما تحدثت عنه من عمل المرأة وموضوع سد الذرائع وغيرها هو مختص بالسياسة الشرعية التي لها أهلها الذين يملكون حلها وعقدها ؟! إذا كان ذلك كذلك فلا أقل من أن تقوم بإبداء النصح لهم وإعطائهم المشورة ، فإن هم قبلوا فالحمد لله ، وإن لم يقبلوا _ كحالك معهم _ صار الأولى أن تمارس ذلك بنفسك وتفتي به من ترى حتى لو تعرضت لمضايقات وضغوطات كما وصفت ، لا أن تصرّح بأنك ستفعل ذلك وستقوم بذاك ! . صاحبك الذي تعمل بجواره ( سلمان العودة ) ينهج أقوى من النهج الذي ( سوف ) تبدأ به وتعرّض لما لم تتعرض له ووجد أتباعاً كثيرون وألفى قبولاً واسعاً مع شدة المعارضين وقوة الواشين ، ولكن لا يزال مشروعه مقبولاً ؛ لأنه لم يقل ( سوف ) و ( سـ ) بل بدأ وأثمر .
فضيلة الشيخ : مقالك لغته يَفهَم منها أي واحد أنك ستبدأ المواجهة ؛ وذلك حينما ذكرتَ في مقدمته خلفيات ومبررات مشروعك ؛ مما يثير عدم الاطمئنان والتردد والارتباك وعدم الفاعلية ، لماذا ؟ لأنهم يرونك تهاجم هيئة كبار العلماء وتعارضها وتصرّح بذلك علانية ، وهذا لا يخفى على مثلك أمر مهول ودونه مشكلة ومعضلة ؛ حيث المجتمع بأسره سيقف بوجهك وسيتوجس منك على الأقل لقيمة الهيئة عندهم ولو سَدّتْ عليهم الذرائع ولو فعلتْ ما فلعتْ ! التصريح بالمخالفة أو بأنك ستخالفهم أمر غير سائغ وعلامة على فشل المشروع ؛ لأن غيرك خالفهم صراحة ولم يتعرض لانتقادات ومنهم من هو في هيئة كبار العلماء وكثير خارجها ، ولم يقل أحد عنهم شيئاً ، والأمثلة كثيرة على ذلك ؛ واختلاف الآراء الفقهية واضح بين كثير من العلماء داخل الهيئة وخارجها ( القصر في السفر ، طلاق الغضبان ، الرمي قبل الزوال ، الحجاب ، النقاب ، السفر بلا محرم ... إلخ ) .

الثالثة : لو أنك لم تُدرج في مقالك موضوع الإمام محمد بن عبدالوهاب لكان أقوى وأبلغ ، أما وقد وضعت ذلك وكتبته فإنك تعلم حساسية هذا الأمر ، وكان الأجدر بفضيلتكم حفظ هذا الموضوع حتى يكون هناك انفتاح شعبي كبير عليه ؛ لأنه لا داعي ولا مسوّغ لذكره أبداً ، وليس يصب في شأن الإصلاح الديني أبداً ، ولا أعتقد أنه سيقف في وجه الإصلاح الديني . وأكرر ما قلته سابقاً بأن اللغة ربما تحول دون القبول ؛ فالناس كلهم عن بكرة أبيهم يقدسون ذاك الرجل مع علمهم بأنه بشر يخطئ لكنهم لا يقبلون أن يتحدث شيخ بمعرِض الافتخار والتمثيل قائلاً : (نشرتُ فتوى صريحة أقـيِّمُ فيها دعوةَ الشيخ محمد بن عبد الوهاب (رحمه الله ) ) !
الرابعة : فضيلة ُالصدع بالحق أمام الحاكم لم نرَ مثالاً لها طيلة حياة شهرتك ، وأما فضيلة الصدع أمام هيئة كبار العلماء فقد رأينا لها أمثلة كثيرة ولعل هذا لن يكون آخرها ! ، فهل لمكانتكم الوظيفية دخل بذلك ؟! أم أنه حصل شيء منه لكنه تمّ سراً ولم يُفصح عنه اتباعاً لمنهج السلف ؟!
أسأل الله أن ينفعنا بما علّمنا وأن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه ، وأن يجمع قلوبنا على الحق ، وأن يوحد صفنا ، ويجعل كلامنا في رضاه ، وأن يصلح الراعي والرعية .

محمد التركي ـ بريدة

والجواب
أنا أتمنى منك أو من الدكتور محمد التركي أن تخبراني (ولو سرا) : ما هي الطريقة التي ترون أنها ستحقق الإصلاح من الصدع بالحق أمام الدولة , لكي أقوم بها ؟
(وهذا السؤال هو من جنس سؤاله , ولا أرتضي أسلوبه , ولكنه سؤال على سؤال ! وإلا فالجواب المنصف هو أن أقول) :
عليك أن لا تقودك التصورات الخاطئة إلى أن تنسى حقيقة ثابتة , وهي : أن الصدع بالحق ليس هو المقصود بحد ذاته ؛ لأن الصدع وسيلة وليس غاية , وإنما المقصود هو تحقيق الإصلاح . وهذا هو الذي كنت قد مارسته مع هيئة كبار العلماء , فالغرض الإصلاح ؛ وإلا فإن ما يمكن الصدع به في نقدها أكثر من هذا المقال المختصر . لكن لما كان الغرض هو الإعلان عن رفض بعض الأخطاء المنهجية لديهم , التي عوّقت الإصلاح ؛ لأن هذا الإعلان بحد ذاته هو بوابة المشروع الإصلاحي = فقد اكتفيت بهذا النقد . ولم يكن الغرض التشهير ولا الإسقاط ؛ إلا عن منزلة العصمة , التي كانت تجعل كل اجتهاد خارج من غير الهيئة اجتهادا مرفوضا ولا يمثل حلا إسلاميا .
ومع ذلك : فنقد الحكومة وبيان أخطائها وأخطاء أجهزتها , بغرض التصحيح , فهذا ما لأجله وضعتني الدولة في مجلس الشورى , وأنا أمارسه . وتنشر الصحف بعضه , من حين لآخر . لكن لأن الحكومة غير مقدسة , ولا يغضب لعدم وصفها بالتقديس أحد , لا يُنتبه لذلك . أما هيئة كبار العلماء , فلا يجوز أن نصرح بنقدها ؛ لأنها فوق النقد .
فالذي مارسته مع الهيئة , هو ما مارسته مع الدولة : وهو النقد الذي يُصلح ولا يفسد , والسعي في الإصلاح الممكن , وترك الإصلاح الذي لا يمكن , إلى أن يصبح ممكنا (بإذن الله) . ولست ثائرا بلا مشروع إصلاحي ممكن , كما يريد بعض الثائرين بينهم وبين أنفسهم فقط من الجبناء الذين لا مشروع لهم ؛ إلا مشروعا يعجزون عن التصريح به فضلا عن السعي إلى تحقيقه , كما أنني لست ثائرا غرضه الثورة فقط باسم الصدع بالحق لكي يُفسد ويثير الفتن.
ولو افترضنا أني عجزت عن الصدع بالحق أمام الدولة للإصلاح , لكني كنت قادرا على الإصلاح بالصدع أمام الهيئة , على ما سينالني جراءه من أذى وعداوة واتهامات باطلة (كما وقعت بواكيره حتى الآن) : فهل ستكون الحكمة في ترك الإصلاحَين .
وأذكّرك بأن هذا المنهج هو نفسه الذي تقوم هيئة كبار العلماء , من النصيحة لولي الأمر (على منهج السلف) , ومن السعي للإصلاح الذي تقدر عليه , وترك ما لا تقدر عليه من الصدع بالحق الذي تريده مني ومنها . وهذا من الصواب الكثير الذي لدى الهيئة ؛ لأنه الحكمة والعقل ؛ لأن الذي تَـرَكَ ما يقدر عليه إلى ما لا يقدر عليه : فقد ترك كل شي , وفشل في أداء كل شي .
وأذكّرك أيضا بأن وجود ذلك الجمهور الواسع من المتدينين الذي لن يفهم موقفي (وأنت والدكتور حتى الآن منهم) , والذين أشار الدكتور إليهم أيضا , يجعل في الصدع بالحق أمام الهيئة أيضا أمرا صعبا جدا , يجبن عنه كثير من المصلحين . قد يكون أصعب من الصدع أمام الحاكم ؛ فلأن يُسجن المرء أو يُؤذى في جسده في بعض الأحيان أحب له من يُؤذى في اتهامه في ديانته , ومن أن يكون مؤذوه من أهل الدين المتأولين . ومع ذلك فما قررت هذا الموقف الذي يجبن دونه كثيرون , إلا لظني أن العاقبة ستكون لمن أراد الإصلاح , وما توفيقي إلا بالله , عليه توكلت وإليه أنيب.
وأرجو أخيرا : أن تعيد قراءة مقالي والأجوبة للعديد من الحوارات التي دارت حوله , لتجد فيها الجواب عن كل ما لم يتضح لك ولا للدكتور وفقكما الله .
 

خالد محمد المرسي

:: مطـًـلع ::
إنضم
16 ديسمبر 2007
المشاركات
101
التخصص
لم يحن وقته
المدينة
الاسكندرية
المذهب الفقهي
حيث مادار الدليل بفهم المتنورين

رأيت كثيرا ممن ردوا على شيخنا الدكتور يؤكد انتقاده للدكتور فى أنه لم يوجه نقده لليبراليين أو باقى المنحرفين ووجه نقده للتيار الدينى السائد . وكأن الدكتور ينظر ويقول لايجوز الرد على هؤلاء وكأن لاتوجد ردود عليهم . وهذا والله خلل منهجى عند هؤلاء ودليل أنهم تعلموا العلم غير النافع وفشلوا فى تحديد الاولويات
وليس بعيب أن يُصاب الانسان بخلل منهجى ولكن العيب أن يصر على جهله باصابته بخلل منهجى . وهذا الخلل يحتاج لمعالجته شئ من العمق والدراسة لكن سريعا أنقل لكم الان كلاما مهما قرأته الان للدكتور عبد الحليم عويس فى مقاله {الأسس المشتركة بين الاعلامين الانسانى والاسلامى عدد مجلة الازهر رمضان 1430
قال
ومن المعروف أن كثيرا من أنصار الانسانية والمصلحين الأخلاقيين الذين أرادوا تقديم أسس ومفاهيم -فى المجالات الاعلامية والثقافية والدعوية -قد اتجهوا- فى معظم توجهاتهم - الى التبصير بحركات الهدم للانسانية وبمخططات الأعداء الماكرة وبالغزو الفكرى والاعلامى والثقافى الذى يلبس أثوابا خادعة كالحرية والعولمة .. منفقين كثيرا من الوقت والجهد فى هذا المجال . متناسين أن الأصل هو فى الاتجاه الى البناء الذاتى للانسان والانسانية وتكوين المجتمعات الانسانية وتعميق مفاهيمها .. حتى لانكون مثل ذلك الذى يبدأ فى بناء البيت ببناء الأسوار وذلك لتحصين بيت لم يوجد أصلا لكن الشئ الطبيعى الذى تفرضه قوانين الحياة والعمل أن تنفق الانسانية الجهد والوقت فى بناء الأساس المتين لحياة انسانية عادلة رحيمة أخلاقية .. ولايجوز أن نبنى الأسوار قبل أن نبنى البيت فالانسانية فى حاجة ماسة الى بناء عالم جديد يقوم على التراحم والعدل والأخلاق واحترام الدين والحقوق الانسانية
ثم تكلم بعد ذلك واستدل بمسلك النبى {صلى الله عليه وسلم } فى بداية دعوته على ذلك التأصيل
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,137
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
وهذا والله خلل منهجى عند هؤلاء ...
وليس بعيب أن يُصاب الانسان بخلل منهجى ولكن العيب أن يصر على جهله باصابته بخلل منهجى .
يا أخي خالد أوردتها لغيرك؛ فأوقعت نفسك في حيرتها.
رحم الله امرءاً عرف قدر نفسه!.

ودليل أنهم تعلموا العلم غير النافع وفشلوا فى تحديد الاولويات
وهذا الخلل يحتاج لمعالجته شئ من العمق والدراسة
وادِّعاء التأصيل والعمق من السهولة بمكان!.
غير أن الحقيقة بيِّنة لكل ناقد!.
وأنت تبدي صفحتك للناس فرويداً رويداً بنفسك!.

س: وهل نقدت المنهجية التي تسير عليها في طريقة تناولك لهذه القضية؟!.
قد أبديت وجهة نظرك؛ فافسح المجال لغيرك بخصوص هذه الحادثة.
هذه حادثة؛ وهي صورة لها ملابساتها وظروفها، ونرغب في دراستها من هذه الناحية فقط.
طريقتك -التي انتهجتها، وتلح بانتهاجها، وتعيب على اختصاصها- ستخرج الموضوع عن مساره الحي.
فإن أردت إلا معالجة قضية عالمية ترى أن هذه الحادثة أحد فروعها؛ فافتح لها موضوعاً وناقشه كما تحب!.

آملاً أن تكون سياسة ملتقانا حاضرة لديك في تناول القضايا، وطرق الموضوعات، وإدارة الحوارت.

وشكراً لحضورك ومتابعتك.
 

خالد محمد المرسي

:: مطـًـلع ::
إنضم
16 ديسمبر 2007
المشاركات
101
التخصص
لم يحن وقته
المدينة
الاسكندرية
المذهب الفقهي
حيث مادار الدليل بفهم المتنورين
أولا هل فضيلتك سيقبل المناقشة كما كان هو هدى النبى وبذلك ينصح بن باز أهل الحق أن يناقشوا المخالفين ؟
ثانيا أى منهج هذا الذى انتهجه ؟ ثم هو ليس بصواب ولماذا ؟
ثالثا أنا ليس لى مكان ووضع يسمح بابداء وجهة نظرى ولكنى أتبع العلماء فاذا عارضت وجهة نظرى وجهة نظر العلماء ضربت بوجهة نظرى عرض الحائط ويترتب على ذلك أنه يجب على كل من يقرأ كلامى الموثق لأهل العلم أن يتبعه لأن الدليل أوجب علينا طاعة العلماء
رابعا وأنا على هذى السلف وهو كلما ازداد علمى زداد معه نقدى لنفسى وأنا مثل السلف أيضا فى تمنيهم أن لو يعثروا على من ينتقدهم بحق فيهديهم عيوبهم
وكل هذا الذى سبق عليه اجماع اهل العلم علىأنه منهج السلف وما خالفه ضلالة وغى وكفر بالعقل
 

خالد محمد المرسي

:: مطـًـلع ::
إنضم
16 ديسمبر 2007
المشاركات
101
التخصص
لم يحن وقته
المدينة
الاسكندرية
المذهب الفقهي
حيث مادار الدليل بفهم المتنورين


وادِّعاء التأصيل والعمق من السهولة بمكان!.
غير أن الحقيقة بيِّنة لكل ناقد!.
وأنت تبدي صفحتك للناس فرويداً رويداً بنفسك!.
.
هذا كلام صحيح ولاشك
وبخصوص ابداء صفحتى فأنا لاأفهم مقصود فضيلتك بالضبط منها
لكن أقول أن ابداء ما أعلمه من حق رويدا رويدا بحسب احتياجات الناس أو بحسب وقت اكتمال العدة هذا شئ أُمدح عليه وواجب على كل مسلم
وانا عندى مدونة فيها مقالات لعلماء اخترتها قصدا واختيارى لها فيه دلالة على ما أقصده ومقالات أخرى كتبتها لكن لم أعرض شيئا منها هنا وعرضتها فى منتديات أخرى
 
أعلى