رد: ملخـص كتـاب قـواعـد التفســير
الفصل الثالث
تفسير القرآن بأقوال الصحابة
مصادر الصحابة رضوان الله عليهم في التفسير:
1- القرآن الكريم:
أخرج البخاري تعليقا عن ابن عمر رضي الله عنه: [ النفوس زوجت ] يزوج نظيره من أهل الجنة والنار ثم قرأ: [ احشروا الذين ظلموا وأزواجهم ].
2- السنة النبوية: وله ثلاث صور:
أ- أن يفسر الآية بسنة قولية يصرح بنسبة السنة فيها إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
مثال: أخرج الشيخان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. قال أبو هريرة: إقرأوا إن شئتم: [ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ].
ب- أن يفسر الآية بما له حكم الرفع دون التصريح بذلك
مثال: عن أبي عبيدة قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن قوله تعالى: [ إنا أعطيناك الكوثر ] فقالت: هو نهر أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم شاطئاه در مجوف آنيته كعدد النجوم. أخرجه البخاري.
ج- أن يفسر الآية بسنة فعلية.
مثال: عن ابن عمر رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته تطوعاً حيثما توجهت به وهو جاءٍ من مكة إلى المدينة ، ثم قرأ ابن عمر هذه الآية: [ ولله المشرق والمغرب ] وقال ابن عمر: في هذا أنزلت هذه الآية. رواه الترمذي صحيح سنن الترمذي للألباني (2358)
3- اللغة العربية:
وأمثلة هذا النوع كثيرة جداً أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: كنت ما أدري ما قوله ( ربنا افتح بيننا وين قومنا بالحق ) حتى سمعت بنت ذي يزن تقول: تعالَ أفاتحك. يعني أقاضيك.
4- أهل الكتاب:
وهم اليهود والنصارى ، والرواية عنهم تسمى ب(الإسرائيليات) وهي ثلاثة أقسام:
ما شهد له شرعنا بالصحة فهو صحيح.
ما شهد له شرعنا بالبطلان فهو باطل.
ما سكت عنه شرعنا. ففيه خلاف ولكن لا يجوز أن نجعله تفسيرا للقرآن قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: إن اباحة التحدث عنهم فيما ليس عندنا دليل على صدقه ولا كذبه شيء ، وذكر ذلك في تفسير القرآن وجعله قولاً أو رواية في معنى الآيات أو في تعيين ما لم يعين فيها أو تفصيل ما أجمل فيها – شيء آخر ...... فأي تصديق لرواياتهم وأقاويلهم أقوى من أن نقرنها بكتاب الله ونضعها منه موضع التفسير أو البيان ؟! اللهم غفراً !!
5- الفهم والاجتهاد:
عن ابن عباس رضي الله عنه ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، سألهم عن قوله تعالى: [ إذا جاء نصر الله والفتح ] قالوا: فتح المدائن والقصور. قال: ما تقول يا ابن عباس: قال أجلٌ أو مثل ضرب لمحمد صلى الله عليه وسلم ، نعيت إليه نفسه. أخرجه البخاري.
5- أن يأخذ عن صحابي آخر:
عن يعلى بن أمية قال: قلت لعمر بن الخطاب: [ ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذي كفروا ] فقد أمِنَ الناس؟ فقال: عجبتُ مما عجبتَ منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: صدقه تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته. رواه البخاري. والشاهد منه سؤال يعلى لعمر رضي الله عنه.
6- أن يفسر بعض الآيات مما علم من الأحوال والوقائع والأحداث زمن نزول الوحي:
مثال: أخرج مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها في الآية : [ إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر ] قالت: كان ذلك يوم الخندق. ومنه ما أخرجه البخاري عن ابن عباس في قوله تعالى: [ اللات والعزى ] كان اللات رجلا بلت سويق الحاج.
حكم تفسير الصحابي:
قال أبو يعلي رحمه الله: وأما تفسير الصحابة فيجب الرجوع إليه ، وهذا ظاهر كلام أحمد رحمه الله في مواضع من كتاب ((طاعة الرسول)) ..... والرجوع فيه أنهم شاهدوا التنزيل وحضروا التأويل فعرفوا ذلك ولهذا جعلنا قولهم حجة. العدة لأبي يعلى (3/721).
ومما ينبغي أن يعلم في هذا المقام أن التفاسير المنقولة عن الصحابة ليست على درجة واحدة بل هي أنواع متعددة ، وكل نوع له حكم يناسبه ، فكلام أبي يعلى ليس على اطلاقه. وهذه الأنواع هي:
1- أن لا يقال من جهة الرأي: مثل الاخبار بالأمور الماضية والمستقبلة بشرط أن لا يكون الراوي يروي الإسرائيليات فهذا حكم الرفع.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: والحق أن ضابط ما يفسره الصحابي رضي الله عنه ، إن كان مما لا مجال للاجتهاد فيه ولا منقولاً عن لسان العرب فحكمه الرفع وإلا فلا. كالإخبار عن الأمور الماضية من بدء الخلق وقصص الأنبياء وعن الأمور الآتية كالملاحم والفتن والبعث وصفة الجنة والنار والإخبار عن عمل يحصل به ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص. فهذه الأشياء لا مجال للاجتهاد فيها فيحكم لها بالرفع. النكت عن ابن الصلاح (2/531).
2- ما رجعوا فيه إلى لغتهم:
وحكم هذا النوع القبول لأنهم أهل اللسان.
3- ما رجعوا فيه إلى اهل الكتاب:
وهذا النوع له حكم الإسرائيليات وتقدم ذلك.
4- ما اجتهدوا فيه وهو أقسام:
الأول: أن يتوافق اجتهادهم فهو حجة لأنه اجماع.
الثاني: أن يختلف اجتهادهم فيتم الترجيح بين أقوالهم بأحد المرجحات وفي هذه الحال يقول ابن تيمية وإن تنازعوا رد ما تنازعوا فيه إلى لله والرسول ولم يكن قول بعضهم حجة مع مخالفة بعضهم له باتفاق العلماء. المجموع (20/14).
الثالث: أن ينقل عن أحدهم قول ولا يعلم له مخالف وله صورتان:
أن يشتهر مع عدم وجود المخالف:
فهذا لا ريب أنه حجة بل هو معدود من الإجماع عند جماهير العلماء.
أن لا يشتهر أو لا يعلم هل اشتهر أم لا:
فهذا حجة عند الجمهور ومنهم الأئمة الأربعة. ومن الناس من يقول أن القول الجديد للشافعي عدم الاحتجاج بمثل هذه الصورة.
قاعدة1 :
قول الصحابي مقدم على قول غيره في التفسير وإن كان ظاهر السياق لا يدل عليه.
تطبيق: انظر كلام ابن جرير الطبري في تفسيره (26/10) على الآية: [ وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله ] سورة الأحقاف.
******************************
*****************
الفصل الرابع
التفسير بأقوال التابعين
مصادرهم في التفسير:
1- القرآن الكريم:
مثال: قال تعالى: [ قد أنزل الله إليكم ذكراً ] قال ابن زيد: هو القرآن وقرأ: [ إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم ] هو القرآن. وقرأ: [ إنا نحن نزلنا الذكر ] هو القرآن. وقرأ: [ إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم ] وهو القرآن.
2- السنة النبوية:
مثال: قال قتادة في الآية: [ ورفعناه مكاناً علياً ] قال حدثنا أنس بن مالك أن النبي الله قال: لما عرج بي رأيت إدريس في السماء الرابعة. رواه الترمذي وهو صحيح.
3- أقول الصحابة:
مثال: عن أبي إسحاق الشيباني قال سألت زر بن حبيش عن قول الله تعالى: [ فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى ] قال حدثنا ابن مسعود t: أنه رأى جبريل له ستمائة جناح. رواه الشيخان.
4- أن يأخذ التفسير عن تابعي آخر:
مثال: المثال السابق يصلح كتطبيق هنا.
5- اللغة:
مثال: قال تعالى: [ إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ] قال مجاهد: نستنسخ: نكتب.
6- أهل الكتاب:
وهو على نوعين:
أن يصرح بذلك. وأمثلته كثيرة.
أن لا يصرح بذلك. كما في قول مجاهد في الآية: [ اثني عشر نقيبا ] من كل سبط من بني إسرائيل رجل أرسلهم موسى إلى الجبارين .....
وتقدم الكلام على ذلك مفصلاً.
7- الفهم والاجتهاد:
مثال: قال تعالى: [ منه آيات محكمات ] قال مجاهد: الحلال والحرام.
8- ما عرفه من الوقائع والعادات التي كان عليها الناس وقت نزول الوحي:
مثال: قال تعالى: [ ما جعل الله من بحيرة ولا سائبه ولا وصيلة ولا حام ] قال سعيد بن المسيب: البحيرة التي يمتع درها للطواغيت ، يحلبها أحد من الناس ، والسائبه كانوا يسيبونها لآلهتهم فلا يحمل عليها شيء ...... الخ. رواه البخاري.
حكم تفسير التابعي:
أنواع التفسير المنقولة عن التابعين مع ذكر خكم كل نوع:
النوع الأول: ماله حكم الرفع:
وهو يشمل كل ما يقال وليس للرأي فيه مخل ، كما تقدم تفصيله في قول الصحابي. ولكن الفرق هنا أن هذا النوع يكون من قبيل المرسل فلا يقبل إلا بشروط قررها أهل العلم في موضعه. مثال: قال تعالى: [ عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ] قال مجاهد: إقعاده على العرش.
فهذا له حكم المرفوع المرسل.
النوع الثاني: ما أجمعوا عليه: ولا شك أنه حجة.
مثال: قال تعالى: [ أو تحرير رقبة ] في كفارة اليمين سورة المائدة. وقد جاء تقييدها بكونها مؤمنة عن إبراهيم النخعي والحسن البصري وعطاء. وحكى بن جرير في تفسيره (10/553) الاجماع عن التابعين على ذلك. ولا يخفى أن التقييد لم يعتبر بناء على أقوال التابعين تقيد المطلق بل بناء على الإجماع الذي حكاه ابن جرير رحمه الله.
النوع الثالث: ما رجعوا فيه إلى أهل الكتاب.
حكمه حكم الإسرائيليات ، وتقدم.
النوع الرابع: ما اختلفوا فيه.
حكمه ليس بحجة ويلجأ إلى المرجحات.
النوع الخامس: أن يرد قول عن واحد منهم ولا يعلم له مخالف.
حكمه: فيه قولان:
1- أنه حجة.وهو رواية عن أحمد وقول للشافعي.
2- أنه غير حجة. وهو ظاهر قول الشافعي في الرسالة والرواية الأخرى عن أحمد اختارها ابن عقيل من الحنابلة. قال ابن القيم في أعلام الموقعين (4/105) ومن تأمل كتب الأئمة ومن بعدهم وجدها مشحونة بالاحتجاج بتفسير التابعي.
فائدة:
المراد بقول الامام أحمد: ثلاثة علوم ليس لها أصول: المغازي والملاحم والتفسير.
ذكر العلماء عدة توجيهات لهذه المقولة:
أنه قال ذلك لكثرة الضعيف فيها إذ الغالب عليها إنعدام الأسانيد الصحيحة لكن هذا لا يعني اطراد الحكم في الجميع. وإلى هذا التوجيه مال شيخ الإسلام بن تيمية في منهاج السنة (7/435) والحافظ بن حجر في لسان الميزان (1/13).
أنه عنى كتباً معينة ومال إليه الخطيب البغدادي في كتابه الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/162).
ذكر بعض القواعد المتعلقة بتفسير السلف
قاعدة1 :
إذا اختلف السلف في تفسير آية على قولين لم يجز لمن بعدهم إحداث قول ثالث.
توضيح: إذا اختلف السلف في معنى الآية على قولين أو أكثر فإن هذا بمثابة الإجماع منهم على بطلان ما خرج عن أقوالهم. ووجه ذلك أن تجويز القول الزائد مع امكانية ترجيحه يؤدي إلى أن الأمة كلها أخطأت في معنى الآية وهذا ممتنع لأن الأمة لا تجتمع على الخطأ. وهذه قاعدة مهمة جديرة بالعناية وراجع للمزيد: المسودة (ص329) ، مجموع الفتاوي (15/95).
قاعدة 2:
فهم السلف للقرءان حجة يحتكم إليه لا عليه.
توضيح: راجع ما ذكره ابن جرير الطبري عند الآية: [ ولقد همت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه ].
قاعدة3:
غالب ما نقل عن السلف من اختلاف التفسير فهو من باب التنوع.
قال شيخ الاسلام ما خلاصته: الخلاف بين السلف في التفسير قليل ، وخلافهم في الأحكام أكثر من خلافهم في التفسير ، وغالب ما يصح عنهم من الخلاف يرجع إلى اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد. وذلك صنفان:
أن يعبر كل منهم عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه تدل على معنى في المسمى غير المعنى الآخر مع اتحاد المسمى كما قيل في اسم السيف: الصارم ، المهند. وذلك مثل أسماء الله الحسنى وأسماء رسول الله r وأسماء القرآن فإن كل اسم من أسماء الله يدل على ذاته وعلى ما في الاسم من صفاته ويدل على الصفة التي في الاسم الآخر بطريق اللزوم. وكذلك أسماءه r وأسماء القرآن. ومثال ذلك في التفسير: تفسيرهم للصراط المستقيم بالقرآن وبالاسلام أو طريق العبودية ، أو طاعة الله ورسوله ..... فهؤلاء كلهم أشاروا إلى ذات واحدة ولكن وصفها كل منهم بصفة من صفاتها.
أن يذكر كل منهم من الاسم العام بعض أنواعه على سبيل التمثيل وتبنيه المستمع على النوع لا على سبيل الحد المطابق للمحدود في عمومه وخصوصه. ومثال ذلك ما نقل عنهم في قوله تعالى: [ ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا .... ]. مقدمة في أصول التفسير ص8-14.
قاعدة 4:
قد يأتي عن بعض السلف تفسيران للآية أو أكثر مع كونهما مختلفين ويكون كل واحد منهما مخرجاً على قراءة.
مثال: قال تعالى: [ لقالوا إنما سكرت أبصارنا ] فيها قولان: سُدّت ، أو أخذت. قال قتادة من قرأ [ سكِّرت ] مشددة: يعني سدت. ومن قرأ [ سُكِرت ] مخففة يعني سُحِرت. انظر تفسير ابن جرير (13/256). وورود هذا الشيء لا يعتبر من باب الاختلاف.