- الأمر بالشيء نهي عن ضده:
أ- شرح القاعدة([1]) :- الأمر بالشيء نهي عن ضده من حيث المعنى فأما الصيغة فلا فإن قوله قم غير قوله لا تقعد وإنما النظر في المعنى وهو أن طلب القيام هل هو بعينه طلب ترك القعود
فقالت المعتزلة ليس بنهي عن ضده لا بمعنى أنه عينه ولا يتضمنه ولا يلازمه إذ يتصور أن يأمر بالشيء من هو ذاهل عن ضده فكيف يكون طالبا لما هو ذاهل عنه فإن لم يكن ذاهلا عنه فلا يكون طالبا له إلا من حيث يعلم أنه لا يمكن فعل المأمور به إلا بترك ضده فيكون تركه ذريعة بحكم الضرورة لا بحكم ارتباط الطلب به حتى لو تصور مثلا الجمع بين الضدين ففعل كان ممتثلا فيكون من قبيل ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب غير مأمور به
وقال قوم فعل الضد هو عين ترك ضده الآخر فالسكون عين
ترك الحركة وشغل الجوهر حيزا عين تفريغه للحيز المتنقل عنه والبعد من المغرب هو عين القرب من المشرق وهو بالإضافة إلى المشرق قرب وإلى المغرب بعد فإذا طلب السكون بالإضافة إليه أمر وإلى الحركة نهي وفي الجملة أنا لا نعتبر في الأمر الإرادة بل المأمور ما اقتضى الأمر امتثاله والأمر يقتضي ترك الضد ضرورة أنه لا يتحقق الامتثال إلا به فيكون مأمورا به.
وبعد أن رأينا ماكتب عن المقصود بهذه القاعدة باختصار نقول :
الضدان أمران وجوديان يستحيل اجتماعهما في محل واحد، مثل القيام والقعود، القيام والقعود ضدان؛ لأنه لا يمكن أن يجتمعا في محل واحد.
"الأمر بالشيء نهى عن ضده" يعني: إذا قيل لإنسان: اسكن، هذا أمر، كما أنه أمر بالسكون نهى عن الضد وهو التحرك، وهذا عن أي طريق هذا عن طريق ما يسمى بدلالة الالتزام؛ لأنه لا يتم السكون إلا بالتخلي عن الضد الذي هو الحركة، ومنه قول الله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا ﴾([2]) فهذا أمر بالثبات ونهي عن الضد الذي هو الفرار، والدليل على أن الأمر بالثبات نهي عن الفرار قول الله تعالى في الآية الأخرى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ ﴾ ([3])
ومن هنا قال العلماء: إنه يجب على المصلي في صلاة الفريضة أن يصلي قائما مع القدرة، فلو جلس وهو قادر ما صحت صلاته؛ لأن أمره بالقيام نهى له عن الجلوس .
ب- أقوال العلماء في هذه المسألة والترجيح([4]) :
فقد اختلف العلماء في الأمر بالشيء هل هو عين النهي عن ضده أو لا؟ على ثلاثة أقوال، ومعنى ذلك أن قول الشخص لآخر قم مثلا هل هو عين النهي عن القعود أو لا؟ ولهم في ذلك ثلاثة أقوال:-
القول الأول : أن الأمر بالشيء هو عين النهي عن ضده، وقد زيف العلامة الشنقيطي هذا القول وذكر أنه مبني على قول المتكلمين الفاسد بإثبات الكلام النفسي.
القول الثاني : وهو أن الأمر بالشيء ليس هو النهي عن ضده ولا يستلزمه وهو قول المعتزلة
والقول الثالث: وهو الصواب في هذه المسألة أن الأمر بالشيء ليس هو عين النهي عن ضده، ولكنه يستلزمه لاستحالة الجمع بين الضدين، فالأمر بالقيام ليس هو عين النهي عن القعود، ولكنه يستلزمه، وهذا هو الذي رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ فقد قال ما عبارته: النَّاس اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِالْأَمْرِ وُجُودُ الْمَأْمُورِ بِهِ وَإِنْ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ عَدَمُ ضِدِّهِ، وَيَقُولُ الْفُقَهَاءُ: الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُتَنَازَعٌ فِيهِ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِطَرِيقِ اللَّازِمِ وَقَدْ يَقْصِدُهُ الْآمِرُ وَقَدْ لَا يَقْصِدُهُ.