رد: نازلة تحتاج نظركم... الجمع بين الصلاتين للمشقة الحاصلىة بسبب الغبار الكثيف والعواصف الرملية.
حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وهو في صحيح البخاري وصحيح مسلم وغيرهما، وقد جمع ابن الأثير في جامع الأصول هذا الحديث وما في معناه فقال:
[(خ م ط د س) ابن عمر -رضي الله عنه-: «أنه نادى للصلاة في ليلة ذات بَرْد وريح ومطر، وقال في آخر ندائه: ألا صلُّوا في رحالكم، ألا صلُّوا في الرِّحال، ثم قال : إن رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- كان يأمر المؤذِّنَ إذا كانت ليلة بارد أو ذاتُ مطر في السَّفر أن يقول : ألا صلُّوا في رحالكم».
وفي رواية أذَّن ابنُ عمر في ليلة بارد، ونحن ﺑضَجْنَان، ثم قال: « ألا صلُّوا في رِحالكم، وأخبر أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كان يأمر مؤذِّنا يؤذِّن، ثم يقول على إثره: ألا صلُّوا في الرِّحال، في الليلة الباردة، أو المطيرة في السفر». أخرجه البخاري ومسلم والموطأ وأبو داود.
ولأبي داود أيضا: «أن ابن عمر نزل ﺑضَجْنَانَ في ليلة باردة، فأمر المنادي، فنادى: إن الصلاة في الرِّحال».
وحدَّث نافع عن ابن عمر: «أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كان إذا كانت ليلة باردة أو مطيرة، أمر المنادي فنادى: إن الصلاة في الرِّحال».
وله في أخرى: قال: «نادى منادي النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بذلك في المدينة في الليلة المطيرة، والغداةِ القارَّة».
وفي رواية النسائى: «أن ابنَ عمر أذَّن بالصلاة في ليلة ذات بردِ وريح ، فقال: ألا صلُّوا في الرِّحال، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يأمر المؤذِّن إذا كانت ليلة باردة ذاتُ مطر يقول: ألا صلُّوا في الرِّحال».
(س) رجل من ثقيف «أنه سمع مناديَ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: حيَّ على الصلاة، حيَّ علي الصلاة، صلُّوا في رحالكم» أخرجه النسائي.
(م ت د) جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما-: قال: «خرَجنَا مع رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- في سفَر فمطِرْنا، فقال: ليُصَلِّ من شاءَ منكم في رَحْلِهِ» أخرجه مسلم والترمذي وأبو داود.
(س) أبو المليح بن أسامة: عن أبيه قال: «كنا معَ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- بحُنين، فأصابنا مطَر، فنادى منادي رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- : أن صَلُّوا في رِحالكمْ» أخرجه النسائي] انتهى المراد مما في جامع الأصول، على أنه لم يستقص جميع روايات هذه الأحاديث، بل جمع ما اشترطه كما هو معروف من منهجه.
بعد النظر في ألفاظ الأحاديث نتوقف عند أمرين:
الأحاديث دالة على السفر، كقوله أولاً: (رِحالكم، الرحال)، ورحال جمع رحل، وهو كل ما يُعَدُّ للرحيل.
وكقوله في بعض الروايات: (في السفَر) كما في صحيح البخاري ومسلم.
وكقوله: (ضَجْنَان)، وهو جبل بين مكة والمدينة، وقوله: (حُنين).
فدلت الأحاديث على أن هذه الحادثة في السفر، والسفر يجوز فيه الجمع باعتبار سفرهم، لا بسبب الريح.
أما الرواية التي نُصَّ فيها على أنها في المدينة فقد اقترنت بكونها ممطرة.
فاجتمع في هذه الرويات إما السفر والريح، وإما المطر والريح، وكلٌّ من السفر والمطر مبيحٌ للجمع، لا أن العلة هي الريح.
لم أَرَ في هذهِ الأحاديثِ ذِكْرَ الجَمْعِ!، وكل ما رأيته أو فهمته منها إنما هو جواز الصلاة في الرحل أو البيت، لا جمع الصلاتين.
بل نص العلماء أنه لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم جَمَعَ بسبب الريح.
أما مسألة الغبار فجواز الجمع لأجلها بعيدٌ جدا؛ لعدم ثبوت الجمع للريح أصلا.
والذي أراه أنّ الفقهاء بنوا هذه الأبواب على ما ورد من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم على أن الحاجة تقدر بقدرها، فمن هنا:
رأوا أن شدة الحر وقت الظهر لا تُسقِط الجماعة، ولا تُجوِّز الجمع، بل إِن صار للحيطان ظل قضي على المشكلة، ورقم فتق الحاجة، فلذلك سنوا الإبراد بفعلها، والانتظار إلى أن يصير للحيطان ظل.
ورأوا أن القادم إلى الصلاة وقت المطر تتأذى هيئته، وأن المطرَ غالبًا لا يزول وقت حضور أختها؛ فلذلك جوزوا الجمع بينهما، ولم يجوزوا ترك الجماعة؛ لأن حضور المسجد لا يؤدي إلى ضررٍ في ذاتِ المصلي، بل في ملابسه وهيئته.
ولأنّ الريح والبرد الشديدين يُلحِقان الضررَ في المصلي ذاته: جوّزوا له الصلاة في الرحل والبيت، ولم يجوزوا الجمع، ولذلك يقال للمصلين إن كانوا سفرا: (ألا صلوا في رحالكم)، وإن كانوا حضّرا -كما في حديث ابن عباس-: (ألا صلوا في بيوتكم)، وربما زال هذه الضرر وقت الصلاة الثانية؛ فلذا لم يجوزوا الجمع؛ بخلاف المطر؛ فإن الأرضَ لا تَجِفُّ غالبا، فالعلة شبه باقية.
وإن قلت: إن الغبار إذا كان مما يتأذى منه الإنسان في ذاته فلا يبعد قياسه على الريح، وأن يؤمر بالصلاة في بيته أو رحله فهو أمر محتمل، لا أن يجمع الصلاتين