رد: فتح الباري بتعليقاتي على فتح الباري.
ـ الحمدلله: فهذه عملية استقراء جزئي لكلام الحافظ وبعض أهل العلم المحققين الهدف منها الإجابة عن إشكال مفاده: هل إذا أطلق الحافظ لفظ الظاهرية يريد الأغلب أم هذا الإطلاق على بابه؛ إذ أنّ لفظ الظاهرية حقيقة في الكلّ مجاز في البعض على القول بالمجاز ، وهل التسامح في الإطلاق وإن وجد مخالف من مسالك العلماء ، وهل هذا ينافي التحقيق العلمي الدقيق.
· ـ قال الحافظ في الفتح1/366 متعقبا ابن المنيّر حينما أطلق حكاية مذهب عن الشافعية: على أنّ في المسألة خلافا عندهم اهـ فلو لم يعب الحافظ إطلاق ابن المنير لما تعقبه فالعالم لا يتعقب بلا مستند يراه.
ـ ومن دقة الحافظ العلمية قوله في موضع من فتحه2/263: وقال جمهور الشافعية: لو حلقت أجزأها ويكره وقال القاضيان أبو الطيب وحسين لا يجوزاهـ وهذا دليل على أنّهم يرون فرقا شاسعا بين الإطلاق والتقييد في باب عزو المذاهب .
وقال في نسبة مذهب ح [2110]: وبه قال المالكية إلاّ ابن حبيب والحنفية كلّهم اهـ وقال في موضع ح [136]: وقال ابن بطّال وطائفة من المالكيّة اهـ وقال بعدها بأسطر: وقد صرّح باستحبابه جماعة من السّلف وأكثر الشافعية والحنفيّة اهـ وفي موضع آخر12/91 تجده يحكي قولا عن أبي ثور وأكثر أهل الظاهر ثمّ يقول بعدها: وخالفهم ابن حزم فوافق الجمهوراهـ ألا تراه اعتبر مخالفة ابن حزم واستثناه فعبّر بالأكثر جريا على المنهج العلميّ الدقيق في العزو.
وأصرح من ذلك قوله في موضع من فتحه ح [444] في بيان حكم تحية المسجد: واتفق أئمة الفتوى على أنّ الأمر في ذلك للندب ونقل ابن بطّال عن أهل الظاهر الوجوب قال الحافظ: والذي صرح به ابن حزم خلافه اهـ وهذا النقل ظاهر في المطلوب للمتأمّل.
ـ وقال في شرح باب الدعاء عند النداء من كتاب الأذان : وخالف الطحاوي أصحابه فوافق الجمهور.اهـ.
ـ والجزئيات في تقرير ذلك كثيرة متواترة تدل بمجموعها على قدر مشترك وهو: أنّ الجادة المسلوكة عند الحافظ وغيره من العلماء المحققين التدقيق في العزو وعدم إرسال الكلام على عواهنه وعلاّته وقولي: وغيره من العلماء المحققين إشارة إلى بعض من تتبعت جملة من نقولاتهم ومنهم صاحب عمدة القاري في مواضع ومن نقولاته قوله: وبه قال سائر الظاهرية ومنها وبه قال جميع الظاهرية ، وفي موضع طائفة من الظاهرية، جماعة من الظاهرية ، وبه قال جماعة من الظاهرية وبه قال ابن حزم.
ومن أصرح ما رأيت من كلامه ما قاله في مسألة :هل يجب الوضوء على الجنب إذا أراد النوم حيث قال ما نصّه: قلت: قد خالف ابن حزم داود في هذا الحكم .
ـ ونراهم ينبهون على اختلاف الظاهرية فيما بينهم إذا لاح لهم ذلك قال الشوكاني في نيله: واختلفت الظاهرية فمنهم من أوجب الاستيعاب ومنهم من قال يكفي البعض اهـ
وفي الإحكام لابن دقيق: وخالف في ذلك داود وبعض أصحابه الظاهرية وخالف بعض الظاهرية ووافق الجماعةاهـ ومن دقة ابن دقيق قوله: والظاهرية خالفت فيه أو بعضهم اهـ
وانظر مثلا صاحب سبل السلام كيف يعتبر مخالفة ابن حزم ويقول: وإلى قتله ذهبت الظاهرية واستمرّ عليه ابن حزم اهـ وفي موضع: فأفرط جماعة من الظاهرية منهم ابن حزم ومن تبعه اهـ
ـ وفي فتح الباري لابن رجب الحنبلي 1/ ص11: وقد ذكر محمّد بن نصر المروزي في كتابه أنّ التّصديق يتفاوت وحكاه عن الحسن والعُلماء. قال ابن رجب: وهذا يُشعِرُ بأنّه إجماع عنده.اهـ
ـ قلتُ: وهذا يُنتَزَعُ من إطلاقه لفظ العلماء فإنّ الألف واللاّم الظّاهر أنّها للاستغراق لا للعهد إلاّ لِصارف ولا يُقال يُريدُ الأغلب ، إلاّ بدليل ، قال ابن دقيق العيد في الإحكام ص34: لأنّ الألف واللاّم إذا لم يَقُم دليل على صرفها إلى المعهود المُعيّن فالظّاهر كونها للعموم. اهـ.ّ .
ـ ومن المحققين الذين سلكوا هذه الطريق الشيخ الألباني رحمه الله قال في الثمر المستطاب في موضع منه: وبه قال ابن حزم وجمهور الظاهريةاهـ
وفي موضع آخر منه قال:وذهب إلى هذا الظاهرية [يقصد وجوب تحية المسجد وحرمة الجلوس قبل صلاتها]قال: حاشا ابن حزم منهم فإنّه صرح في المحلى بأنّه سنة وهو قول الجمهوراهـ
وقال أيضا في موضع آخر منه:قال [يقصد الشوكاني]وحكى ابن بزيزة عن بعض أهل العلم وجوبه على المأموم عملا بظاهر الأمر وأوجبته الظاهرية على كل مصل اهـ قلت [القائل الألباني]:ابن حزم من أئمّتهم كما هو مشهور ولم يوجبه مطلقا بالقيد المذكور قال في المحلّى.... اهـ
قلتُ: رغم موافقة ابن حزم للظاهرية في أصل الحكم وهو الوجوب ولأنه خالفهم في قيد فإنّ الشيخ تعقب إطلاق العزو إلى الظاهرية ففي حالة مخالفة ابن حزم الظاهرية في مطلق الحكم فالتعقب أولى وأحرى أن يكون.
تنبيه: ما نقله الشوكاني عن ابن بزيزة سبقه إلى نقله عنه الحافظ في الفتح تحت ح [780]
ـ وننبّه هنا على أمر قد ينقدح في نفوس البعض فنقول:إنّ الهدف من هذه المناقشات والبحوث في هذه المسألة وغيرها من المسائل هو كشف مناهج العلماء العلمية لا مجرّد التعقب والتخطئة فليتنبه لهذا.