العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

هام حقيقة الخلاف المذهبي في مدونة الإمام مالك وأهم أسبابه : د. عبد الكريم بناني

إنضم
22 يونيو 2011
المشاركات
15
الكنية
bennanikarim
التخصص
الأصول والمقاصد
المدينة
فاس
المذهب الفقهي
المالكي
ليس في المذهب المالكي كتاب نال من الاهتمام والتقدير ما نالته مدونة الإمام مالك ـ أو المدونة برواية سحنون ـ سواء على ألسنة المتقدمين أو المتأخرين فهي أصل علم المالكية ـ بعد الموطأ ـ، فقد ضمت بين دفتيها أفكار أربعة مجتهدين أسٌسوا عليها قواعد المذهب ولم يبخلوا عليها بما أتاهم الله من علم وفهم للنصوص وهم مالك (ت 179 هـ) وسحنون (ت 240 هـ) وابن القاسم (191 هـ ) وأسد ابن الفراث ( ت 213 هـ)(1)​
وكانت آراءهم الاجتهادية مدعاة لحصول الاختلاف مع إمامهم أو فيما بينهم وقد شكل هذا الخلاف الذي حوته المدونة ـ باعتبارها مستودع الروايات والأقوال في المذهب ـ أهمٌ نقطة ركز عليها المعارضون لنشرها وتدريسها على مر التاريخ. من أجل ذلك سأحاول بسط بعض أسباب هذا الخلاف من خلال الحديث عن نقطتين : حقيقة الخلاف المذهبي في المدونة ونماذج عملية لهذا الخلاف .​
1ـ حقيقة الخلاف المذهبي في المدونة :
إن المطلع على تاريخ المدونة والأطوار التي مرت بها ليعي كل الوعي ما تعرض له هذا الكتاب النفيس من عبث ومضايقة من قبل بعض المتعصٌبين الذين عمدوا إلى إنكار تلك الأقوال المختلف فيها بدعوى أنها متضاربة فهذا صاحب المعجب يحكي لنا ما عايشه من تسلط يعقوب المنصور الموحدي (ت 595 هـ) وغيره ،على بعض كتب المذهب ومنها المدونة، حيث عمد إلى إحراقها يقول :" وفي أيامه انقطع علم الفروع وخافه الفقهاء وأمر بإحراق كتب المذهب ...فأحرق منها جملة في سائر البلاد كمدونة سحنون وكتاب ابن يونس ونوادر ابن أبي زيد ..."(2). وما حكاه صاحب المعجب ليس بالغريب إذا علمنا أن بعض​
معاصري مؤلفي المدونة كان يقلل من شأنها كما هو الحال بالنسبة إلى سعيد بن حداد بل إن​


clip_image001.gif

(1) ـفضلا عن آراء صاحبي مالك : أبي عمرو أشهب (ت 204 هـ) وعبد الله بن وهب (ت 197 هـ ) .​
(2) ـ المعجب في تاريخ المغرب ،عبد الواحد المراكشي ص 400 ـ 401 ط. دار الكتاب 1978 م​
عباس الفارسي[FONT=&quot](3)[/FONT] تجاوز ذلك إلى درجة الإقدام على حرقها مع غيرها من كتب المدنيين(4)​
ومثل هذه الأمور كثيرة تعرض لها صاحب المدارك وغيره، وقد بناها هؤلاء على ما وجدوا من اختلاف في الأقوال بين مالك وتلامذته، يدلنا على ذلك ما وقع بين الحافظ أبي بكر بن الجد (ت 451 هـ) وبين الخليفة أبي يعقوب يوسف بن عبد المومن الموحدي (ت 580هـ) حينما تحدث معه بخصوص الآراء المتشعبة في كتاب ابن يونس وفيه إشارة إلى باقي كتب المذهب ومنها المدونة وكيف أنه فهم تلك الآراء فهما خاطئا ، معتبرا إياها تشعبات مذهبية تشوش على المقلد وتسد أمامه الطريق(5) . لذلك أقول : إن اختلاف فقهاء المذهب سواء فيما بينهم أو مع إمامهم هو اختلاف شرعي لا ضير فيه، يستمد شرعيته من الكتاب والسنة والمعقول ، وينبع من أسباب ودواعي اجتهادية لا دخل لها بالهوى والتعصب ، فقد كانت رعاية مصالح الناس والصدق في التبليغ واستقراء الدليل بكيفية صحيحة هي الهدف المنشود . وهذا ما سيتبين من خلال تحليل بعض هذه الأسباب .​
2ـ نماذج عملية للخلف المذهبي في المدونة :
سأعرض هنا بعض النماذج التي تبدو أسبابا حقيقية للخلاف المذهبي محاولا تحليلها من جميع الجوانب المحيطة بها فأقول وبالله التوفيق .​
(1)ــ اختلاف أقوال مالك بين متقدم ومتأخر :
معلوم أن المدونة هي مستودع الروايات والأقوال وبعبارة أخرى هي مجّمع الفقه المالكي لأن فيها ملتقى مسائله ،وهذه المسائل منها ما قاله مالك في القديم ثم رجع عنه ومنها ما يبقيه على ما قاله في الأول عندما يعاد عليه السؤال، أو ينكره أحيانا، ومثل ذلك ما جاء في كتاب بيع الغرر (من اشترى عدلا زطيَِِّا على صنف برنامج وفي العدل خمسون ثوبا فأصاب فيه أحدا وخمسين ثوبا فقال ابن القاسم ـ كاشفا عن جواب مالك ـ قال لي مالك منذ حين أرى أن يرد​
clip_image002.gif
(3) ـوعباس هذا محدّث يبغض أهل الفقه والرأي ويقع في أسد وابن القاسم وقد ضربه أسد ابن الفراث لكل ذلك ـانظر ترتيب المدارك للقاضي عياض ج 2/473 المطبعة الملكية بالرباط ، بدون تاريخ .​
(4) ـأسنى المسالك ، بدارة التندغي الموريتاني ً 96 دار الفكر ط 1408 هـ .​
5) ـالمعجب ص 401 ، مرجع سابق .​
جزءا من واحد وخمسين جزءا ثم أعدته عليه فسألته .....فقال يرد ثوبا كأنه عيب وجده فيه فيرده به فقلت لمالك أفلا تقسمها على الأجزاء ؟ قال لا وانتهرني، ثم قال إنما يرد ثوبا كأنه عيب ..... "(6) فهاهو ذا مالك ينهر ابن القاسم وفيه دليل على تخليه عن قوله الأول إما اجتهادا منه وإما لطارئ كالسهو أو النسيان . قال ابن حزم الأندلسي (ت 456هـ ) : "وذلك أن مالكا وغيره بشر ينسى كما ينسى سائر الناس" (7), لكن هل يعتبر القول المتأخر من قول الإمام أم القول الأول ؟ والجواب أنه إذا تعارض نصان للإمام مالك رحمه الله بأن كان له في المسألة قولان أو أكثر , فالذي جاء في أجوبة المعيار أن ينظر إلى التاريخ فيعمل بما تأخر , فإذا التبس التاريخ فالأمر يختلف بحسب حال الناظر إن كان أهلا للفتيا أو لا(8) ,إلا أن رأي الأصوليين في المسألة أنه إذا علم المتأخر من قولي أو أقوال الإمام ,فلا ينبغي الاعتقاد أنها كأقوال الشارع بحيث يلغي الثاني الأول البتة ,لأن الشارع واضع ورافع وأما الإمام فصاحب أقوال تتابع . ولهذا ، فإن تعدد أقوال الإمام مالك في المدونة ترجع إلى كونه عالما ينشد الحق ويتبعه متى لاح له دليله في القرآن أو السنة أو العرف أو غير ذلك من المصادر .​
(2)ـ مخالفة تلامذة الإمام مالك في اجتهاداتهم له :
الأصل في تلقين العلم أن الشيخ أو الإمام إذا علت مكانة علمه فإن ذلك مظنة لعلو ورفعة تلامذته ،ولعل هذا القول يصدق على الإمام مالك، فما إن تفقه أصحابه واغترفوا من علمه حتى انبرى بعضهم ـ أحيانا ـ إلى مخالفته في رأيه بل وتجاسروا على نقده وتخطيئه مستخدمين في ذلك اجتهادهم الخاص ، وخير ما نمثل به للمسألة ما جاء في كتاب بيع الخيار من مخالفة ابن القاسم له : فقد جاء في مسألة ‌" في الرجل يشتري من الرجل من حائطه ثمر أربع نخلات يختارها أو من ثيابه ثوبا أو من غنمه شاة يختارها " فقد حكى ابن القاسم عن مالك "أن البائع إذا اشترط أن يكون له الخيار فذلك جائز " ثم عقب بقوله:​
(6) ـالمدونة ج 4/211
clip_image003.gif
كتاب بيع الغرر ، مسألة في البيع على البرنامج ،دار صادر بيروت ط 1323هـ .​
(7) ـالإحكام في أصول الأحكام ج 2/125 ط1 1345 هـ مطبعة السعادة مصر .​
(8) ـالمعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى أهل افريقية والأندلس والمغرب لأبي المعيار الونشريسي ج10/45 ط وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية .​
" وما رأيت أحدا من أهل العلم يعجبه قول مالك في ذلك ولا يعجبني أيضا الذي قال مالك​
في ذلك في كتبه ، النخل يختارها البائع ، وما رأيت حين كلمته في ذلك عنده حجة ولقد أوقفني فيها نحو من أربعين ليلة ينظر فيها ثم قال : و ما أراها ـ يعني الثمار ـ إلا مثل الغنم يبيعها الرجل على أن يختار منها عشرة شياه ، فلم يعجبني ، لأن الغنم بعضها ببعض لا بأس به متفاضلا ، والثمر بالثمر متفاضلا لا خير فيه" (9)​
والذي يظهر منه أن ابن القاسم لم يوافق مالكا في قياسه الذي أجراه بل اجتهد برأيه فجاء بما خالف به مالكا في المسألة ، وهذا إن دل على شئ فإنما يدل على عدم جمود تلامذة الإمام على ما ورثوه عن إمامهم بل يجتهدون فيه ويدفعون الحجة بالحجة .​
(3) ـ الاختلاف بسبب تعارض الأدلة :
من البديهي أن نجد مثل هذا الاختلاف في المدونة ، ذلك أن مالكا أخد ببعض الأصول في الاستنباط في حين نجد من تلامذته من يخالفه فيها ، ويقدّم إحداها على الأخرى ، مثال ذلك ما جاء في كتاب بيع الغرر مسألة (في بيع الغرر والملامسة والمنابذة والعمل في ذلك واشتراء الغائب )، " ...قلت ـ يعني سحنون ـ أرايت إن اشتريت سلعة وقد كنت رأيتها قبل أن اشتريها بشهر أو بشهرين أيجوز هذا البيع في قول مالك أم لا قال : نعم ، إذا كانت من السلع التي لا تتغير من الوقت الذي رآها إلى يوم اشتراها ، قلت وإذا نظرت إلى السلعة بعدما اشتريتها فقلـت قد تغيرت عن حالها وليس مثل يوم رأيتها وقال البائع ، بل هي بحالها يوم رأيتها ، قال : القول قول البائع والمشتري مدع وقال أشهب بل البائع مدع .... "(10)​
فمن هذا المثال يتبين لنا الخلاف الواضح بين الإمام مالك وتلميذه أشهب ، فالأول منح حق الادعاء إلى المشتري واعتبره صاحب حق فاقتضى بذلك أن يكون اليمين على البائع​
فقط ، في حين منح أشهب الادعاء إلى البائع وهذا يقتضي العكس ، وبالرجوع إلى هامش المسألة بالمدونة يتضح لنا الأمر فقد جاء فيه ما يلي : (قال أبو إسحاق وكأنه عند مالك لما​

clip_image002.gif
(9) ـالمدونة ج4/203 مصدر سابق .​
(10) ـالمدونة ج4/205 .​
أقر بأن البيع وقع على عين هذه السلعة فقد انعقد البيع في الظاهر فيها والمشتري يريد نقض الشراء بدعواه فلا يصدق كما لو وجد عيبا مشكوكا فيه )(11)​
فالإمام مالك يرى أن البيع قد انعقد بتمامه حين اختار المشتري السلعة فصارت ملكا له ، وهذا في الحقيقة مبني على أن المتبايعان يثبت لهما الخيار ما لم يبرما العقد ويمضياه فمتى أمضياه فقد افترقا ، وهذا كذلك مبني على الحديث الذي يثبت الخيار وكيف فهمه الإمام مالك وتعامل معه ، فعن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ـ يفترقا ـ أو يقل أحدهما لصاحبه ، اختر " وربما قال : أو يكون بيع خيار "(12)، فهذا الحديث يثبت الخيار بين المتبايعان ـ كما هو واضح ـ بالأبدان لأن الأصل في الكلام الحقيقة ، غير أننا نجد في هذه المسألة أن الإمام مالك يقدم عمل أهل المدينة ـ الذي يقتضي عدم الخيار ـ على هذا الحديث ، فيحمل لفظ المتبايعان على المجاز أي المتساومــان والتفرق علــى تفرق الأقوال لا الأبدان ، يقول صاحب القوانين الفقـهية :"خيار المجلس باطل عند مالك والفقهاء السبعة بالمدينة وأبي حنيفة فالبيع عندهم يتم بالقول وإن لم يفترقا من المجلس " (13) ، لذلك رأى مالك أن القول قول البائع وأن على المشتري الإدلاء ببينته لكونه صاحب الادعاء ،بينما خالفه أشهب لما تبين له من الأخذ بالحديث على حقيقة لفظه . قال ابن حزم في الرد على قول مالك : " قال مالك : البيع يتم بالكلام وإن لم يتفرقا بأبدانهما ولا خيٌر أحدهما الآخر ،وخالف السنن الثابتة والصحابة "(14)​
وأشير هنا إلى فائدة جليلة جاءت في هامش المسألة ،( فقد نص ابن المواز أن قول مالك​
وابن القاسم في هذا أبين وأصوب )(15) ومعلوم أنه من المرجحات في المذهب المالكي أن​
ما اتفق عليه مالك وابن القاسم مقدم على غيره ، ولذلك قال ابن المواز بأرجحيته .​

clip_image001.gif
(11) ـ هامش المسألة ، نفسه .​
(12) ـالبخاري​
(13) ـابن جزي الكلبي المالكي (ت 741 هـ) ص 235 دار الفكر للطباعة والنشر .​
(14) ـالمحلى ابن حزم أبي محمد علي بن أحمد ابن سعيد (ت 456 هـ ) ج8/355 ط إدارة الطباعة المنيرية ،(د. ت ).​
ـ(4) ـ الاختلاف بسبب تأويل ألفاظ المدونة على نواح مختلفة :
وهو خلاف من نوع آخر ، يكمل في أن" الاختلاط" الوارد في المدونة ناشئ بدوره عن اختلاف رواتها في ضبط ألفاظها ، وبالتالي تردد العلماء في وجوه تأويلها ، وهذا ما حدا بالقاضي عياض في كتابه القيم " التنبيهات المستنبطة من الكتب المدونة والمختلطة " "أن يتناول مجموعة من المسائل الفقهية الغامضة بسبب ذلك فجعلها من مسائل الخلاف ، ومنها يستنبط فروقا دقيقة في النصوص التشريعية مثاله مسألة (هل يتخذ القاضي مجلس القضاء في المسجد أو غيره ؟ ) , جاء في المدونة " والقضاء في المسجد من الحق والأمر القديم "(16) وهذا القول تمسك بظاهره ابن الحاجب (ت 646هـ) في باب الأقضية من مختصره "جامع الأمهات " وقد استدل على قوله بما ورد في المدونة من أن المسجد يرضى فيه بالدون ...وتصل إليه المرأة والضعيف " ,ولم يقتصر ذلك على ابن الحاجب , فقد تبعه عدد من العلماء في الأخذ بظاهر القول , مثل ابن عاصم الغرناطي (ت 829هـ ) في التحفة حيث قال :​
وحيث لاق للقضاء يقعد / وفي البلاد يستحب المسجد (17)​
يقول الشيخ التسولي رحمه الله " يمكن تأويل ما في المدونة بأن القضاء في رحاب المسجد الخارجة من الأمر القديم ،فيكون وفاقا لما في المدونة "(18) وهذا عين الخلاف النابع من تأويل دلالات الألفاظ وهو على شاكلة ما يقع في سائر النصوص الشرعية من قرآن وسنة. وقال الحطاب (ت 954هـ ):"واعلم أنه قد تكون التأويلات أقوالا في المسألة واختلف شراح المدونة في فهمها على تلك الأقوال فكل فهمه على قول "(19)​
فبهذا يتبين لنا ما وقع في نفس اللفظ من المدونة ، بين من حمله على ظاهره كابن الحاجب وغيره الذي قال باتخاذ مجلس القضاء في المسجد وبين من خالفه كالشيخ التسولي وغيره، وعلل ذلك بأن المسجد قد يكون عرضة لدخول الكافر والحائض والجنب ، ولدخول بعض​


clip_image001.gif

(15) ـالمدونة ج4/205 هامش مسألة بيع الغرر والملامسة والمنابذة والعمل في ذلك .​
(16) ـالمصدر نفسه ج8/234 .​
(17) ـ المجموع الكبير من المتون ص 58 دار الفكر (د.ت) .​
(18) ـالبهجة في شرح التحفة ج1/22 المطبعة العلمية بمصر 1317 هـ .​
(19) ـ مواهب الجليل في شرح مختصر خليل ج1/34 مطبعة السعادة ط1/ 1328 هـ .​
العوام وبرجله بلل ، وغير ذلك من العلل المعقولة والمقبولة حسب رأيي (20).​
ـ(5)ـ الاختلاف الناتج عن تأثر بعض أقوال سحنون بفقه العراقيين :
معلوم أن سحنون لما عرض المدونة على ابن القاسم ، نظر فيها نظرَة ثانية ، فبوبها ( وطرح منها مسائل وأضاف الشكل إلى شكله وهذبها ورتبها بترتيب التصانيف واحتج لمسائلها بالآثار ...فعل ذلك بكتب منها ـ أي من المدونة ـ وبقيت كتب منها على حالها مختلطة مات قبل أن ينظر فيها )(21) وقد كان هذا الجزء مدعاة لتسمية المدونة بالمختلطة كما قال عياض(ت544هـ )(22) ووافقه ابن خلدون (ت 808هـ)(23) وتابعهما الحطاب (24) وغيره ،والذي نشأ عن ذلك هو تأثر هذا الجزء بأقوال أسد ابن الفراث وهي مسألة دقيقة انبنى عليها خلاف مذهبي صريح من خلال المدونة ولذلك نجد سحنون قد انفرد بأقوال شادة خالف فيها أصول المالكية وإمام المذهب أحيانا ، مثال ذلك أن الإمام أبا بكر ابن العربي(ت 543هـ ) في كتابه القبس لم يوافق سحنونا في كثيِر من مسائل الخلاف ، فحين عرض لبعضها أخد يكشف عن وجه الضعف في قول سحنون كما في مسألة تاديب تارك الوتر ،فقال ابن العربي : أنه أخدها عن أسد ابن الفراث ، وهذا الأخير متأثر بالمذهب الحنفي (25) ، ومعنى قول ابن العربي أن سحنون لما كان قد تأثر في بعض الفروع بالمذهب الحنفي وتشبع بأقوال أئمتهم عن طريق أسد ابن الفراث ، كان ولابد أن يخالفه إخوانه في المذهب في تلك المسائل ، وهذا أقوى حجة على ما عنونت به المسألة .​


clip_image001.gif


(20) ـيحسن بمن أراد التوسع الرجوع إلى كتاب نور البصر ففيه مزيد تفصيل ، وقد أورد بيتين مفيدين :​
فالخلف بين شارحي المدونة / ليس بقول عند من دونه . لأنه يرجع للتصور / فعده قولا من التهور​
(21)ـمواهب الجليل ج 1/34 .​
(22) ـ التنبيهات للقاضي عياض ، مخطوط مركون بالخزانة العامة بالرباط رقم د : 3908 .​
(23)ـ مقدمة ابن خلدون ص 369 ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ط 2/1408 ـ1988 .​
(24)ـ مواهب الجليل } 1/ 34 .​
(25)ـ القبس ص 165 ،دراسة وتحقيق :محمد عبد الله ولد كريم ،دار الغرب الإسلامي ط1/1992 ، وانظر مدخل إلى أصول الفقه المالكي ، د. المختار ولد باه ص 142 ومابعدها ، الدار العربية للكتاب ط 1987 .​
وهكذا يتضح لنا بجلاء أن الخلاف المذهبي الذي أسس له أهم كتاب في المذهب المالكي ـ المدونة ـ لم يكن نابعا عن الهوى ، ولم يكن مصدره التعصب الفكري أو حتى المكاني ، بل جاء بصفة عامة نتيجة طبيعية لمشروعية الاجتهاد الذي اتضحت معالمه في القرآن الكريم والسنة النبوية كما أنه يرجع بصفة خاصة لأسباب أخرى لايمكن إغفالها ، منها ما يرجع إلى تنوع أصول المذهب الذي هو حسنة من حسناته ، لأنها فسحت المجال أمام الفقهاء لتخريج الأحكام على تلك الأصول المتنوعة ، ومنها ما يرجع إلى تعدد الروايات المنقولة عن إمام المذهب والتي تعرض له باجتهاد أو بطارئ كالسهو والنسيان ...ولذلك وجب معرفة المتأخر للعمل به ، ومنها ما يرجع إلى وجوه تفسير وتأويل ألفاظ المدونة لاختلاف مدارك الفهم ، ومنها ما يرجع إلى تأثر راوي المدونة ببعض أقوال أهل العراق نتيجة بقاء بعض الأجزاء من الكتاب دون تهذيب أو تنقيح .​
وهذه الأسباب وغيرها كان لها تأثير عميق على الفقه المالكي بعد ذلك ، وإن الدارس لهذه الكتب يستشعر هذا المعنى ، ويتلمس ما بني على ذلك من وضع الفقهاء المتأخرين لضوابط تحكم المذهب ( كالراجح والمشهور وما جرى به العمل ...) حتى لا يكون المذهب عرضة للفوضى ، وهي ضوابط تخدم المقلد أكثر مما تساعد المجتهد الذي يجد حرية اجتهاده مقيدة بتلك الضوابط .​
والحمد لله رب العالمين
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,140
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
رد: حقيقة الخلاف المذهبي في مدونة الإمام مالك وأهم أسبابه : د. عبد الكريم بناني

شكر الله لكم، وأحسن إليكم دكتور عبدالكريم.
ونرتقب المزيد؛ لإثراء فقه المالكية.
 

عبد الرحمن بكر محمد

:: قيم الملتقى المالكي ::
إنضم
13 يونيو 2011
المشاركات
373
الإقامة
مصر المحروسة - مكة المكرمة شرفها الله
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أنس
التخصص
الشريعة والقانوزن
الدولة
مصر
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
المالكي
رد: حقيقة الخلاف المذهبي في مدونة الإمام مالك وأهم أسبابه : د. عبد الكريم بناني

أستاذنا الفاضل: هذه فعلًا مشاركة مهمة، وأنا أزيد بعض ما جئت به، فأقول:
إن ابن القاسم قد كفانا في بعض مواضع من المدونة مؤنة البحث عن المتقدم من قول مالك عن المتأخر، فيقول في موضع من كتاب الصلاة، في باب النجاسات: = كان مالك يقول: دهره في الرجل يطأ بخفه على أرواث الدواب ثم يأتي المسجد: إنه يغسله ولا يصلي فيه قبل أن يغسله، ثم كان آخر ما فارقناه عليه أن قال: أرجو أن يكون واسعًا، قال: وما كان الناس يتحفظون هذا التحفظ.
ومثله أيضًا ما جاء في باب النفساء أيضًا: كان مالك يقول في النفساء: أقصى ما يمسكها الدم ستون يوما ثم رجع عن ذلك آخر ما لقيناه، فقال: أرى أن يسأل عن ذلك النساء وأهل المعرفة فتجلس بعد ذلك.
ومثله أيضًا في باب النفساء: وقال مالك في النفساء: متى ما رأت الطهر بعد الولادة وإن قرب فإنها تغتسل وتصلي فإن رأت بعد ذلك بيوم أو يومين أو ثلاثة أو نحو ذلك دما مما هو قريب من دم النفاس كان مضافا إلى دم النفاس وألغت ما بين ذلك من الأيام التي لم تر فيها دما، فإن تباعد ما بين الدمين كان الدم المستقبل حيضا وإن كانت رأت الدم قرب دم النفاس كانت نفساء، فإن تمادى بها الدم أقصى ما تقول النساء إنه دم نفاس وأهل المعرفة بذلك كانت إلى ذلك نفساء وإن زادت على ذلك كانت مستحاضة. قال ابن القاسم: وقد كان حد لنا قبل اليوم في النفساء ستين يوما ثم رجع عن ذلك آخر ما لقيناه فقال: أكره أن أحد فيه حدا ولكن يسأل عن ذلك أهل المعرفة فتحمل على ذلك. قال ابن وهب قال: سألنا مالكا عن النفساء كم تمكث في نفاسها إذا طال بها الدم حتى تغتسل وتصلي؟ قال: ما أحد في ذلك حدا وقد كنت أقول في المستحاضة قولا، وقد كان يقال لي: إن المرأة لا تقيم حائضا أكثر من خمسة عشر يوما ثم نظرت في ذلك فرأيت أن أحتاط لها فتصلي، وليس ذلك عليها أحب إلي من أن تترك الصلاة وهي عليها فرأيت أن تستظهر بثلاث فهذه المستحاضة أرى اجتهاد العالم لها في ذلك سعة.
ومثال أخير في كتاب الصلاة الأول: قال: وكان مالك يقول زمانا في رجل ترك القراءة في ركعة في الفريضة: إنه يلغي تلك الركعة بسجدتيها ولا يعتد بها ثم كان آخر قوله أن قال: يسجد لسهوه إذا ترك القراءة في ركعة وأرجو أن تكون مجزئة عنه وما هو عندي بالبين، قال: وإن قرأ في ركعتين وترك في ركعتين أعاد الصلاة أيضا. قال: وسألت مالكا غير مرة عمن نسي أم القرآن في ركعة؟ قال: أحب إلي أن يلغي تلك الركعة ويعيدها، وقال لي: حديث جابر هو الذي آخذ به أنه قال: كل ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم تصلها إلا وراء أمام، قال: فأنا آخذ بهذا الحديث قال: ثم سمعته آخر ما فارقته عليه يقول: لو سجد سجدتين قبل السلام هذا الذي ترك أم القرآن يقرأ بها في ركعة لرجوت أن تجزئ عنه ركعته التي ترك القراءة فيها على تكره منه وما هو عندي بالبين. قال: وفيما رأيت منه أن القول الأول هو أعجب إليه، قال ابن القاسم وهو رأيي.
والأمر في هذا يطول، ويصلح أن يكون رسالة علمية لنيل درجة علمية في بحث المرجح من قول مالك، بترجيح ابن القاسم، أو معرفة الناسخ والمنسوخ من قول مالك.
كما أن الموضوع الذي طرحته فضيلة الدكتور يحتاج توسعًا كمن أعطى لظمآن قطرات يتقوى بها، ولكنها لا تطفئ ظمأه.
وصلى الله على معلم الأمة محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه أجمعين.
 
إنضم
2 أبريل 2011
المشاركات
13
الكنية
أبو محمد
التخصص
العقيدة
المدينة
ايت بها
المذهب الفقهي
مالكي
رد: حقيقة الخلاف المذهبي في مدونة الإمام مالك وأهم أسبابه : د. عبد الكريم بناني

شكرا للدكتور عبد الكريم على هذا الموضوع ،واهتمامه بالفقه المالكي ،وهذا ملف بي دي ف لكتاب ابن عبد البر يذكر فيه بعض مسائل اختلاف مالك وأصحابه، تحميل من المرفقاتمشاهدة المرفق اختلاف أقوال ما&#1.pdfمشاهدة المرفق اختلاف أقوال ما&#1.pdf
 
إنضم
3 يونيو 2011
المشاركات
2
الكنية
أبو راشد
التخصص
النحو العربي
المدينة
بورتسودان
المذهب الفقهي
سني
رد: حقيقة الخلاف المذهبي في مدونة الإمام مالك وأهم أسبابه : د. عبد الكريم بناني

بارك الله فيك ونفع بك ووفقك
 

نضال علي امين

بانتظار تفعيل البريد الإلكتروني
إنضم
17 مايو 2011
المشاركات
4
الكنية
قطناني
التخصص
جغرافيا
المدينة
اربد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: حقيقة الخلاف المذهبي في مدونة الإمام مالك وأهم أسبابه : د. عبد الكريم بناني

جزاكم الله خيرا وامدكم الله من علمه
 

جود

:: متابع ::
إنضم
11 أبريل 2011
المشاركات
32
التخصص
العقيدة
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: حقيقة الخلاف المذهبي في مدونة الإمام مالك وأهم أسبابه : د. عبد الكريم بناني

جزاكم الله خيرا وبارك فيكم.
هل اطلعتم على "المغرب" وقيل "المقرب" في اختصار المدونة للإمام ابن أبي زمنين
أو هل لديكم أي معلومة عنه؟
أثبتوها مشكورين.
 
إنضم
1 أكتوبر 2009
المشاركات
64
الجنس
ذكر
الكنية
أبو البراء
التخصص
اصول الدين
الدولة
مصر
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
مالكي
رد: حقيقة الخلاف المذهبي في مدونة الإمام مالك وأهم أسبابه : د. عبد الكريم بناني

قال ابن السالك (1398هـ): "وأما المنتخب فهو لابن أبي زمنين ... ومن تآليفه أيضاً (المغرب = المقرب) لكني لم أره، ولا أظنه موجوداً"

[عون المحتسب فيما يعتمد من كتب المذهب، ص: 63]
 

سيدي محمد ولد محمد المصطفى ولد أحمد

:: قيم الملتقى المالكي ::
إنضم
2 أكتوبر 2010
المشاركات
2,243
التخصص
الفقه المقارن
المدينة
كرو
المذهب الفقهي
مالكي
رد: حقيقة الخلاف المذهبي في مدونة الإمام مالك وأهم أسبابه : د. عبد الكريم بناني

جزاكم الله خيرا وبارك فيكم.
هل اطلعتم على "المغرب" وقيل "المقرب" في اختصار المدونة للإمام ابن أبي زمنين
أو هل لديكم أي معلومة عنه؟
أثبتوها مشكورين.

هو من مصادر ابن عاصم في تحفته حيث قال :
فضمنه المفيد والمقربُ == والمقصد المحمود والمنتخبُ
1- المفيد لابن هشام
2- المنتخب لابن أبي زمنين
3- المقرب له أيضا
4- المقصد المحمود للجزيري
والله أعلم
 
إنضم
22 يونيو 2011
المشاركات
15
الكنية
bennanikarim
التخصص
الأصول والمقاصد
المدينة
فاس
المذهب الفقهي
المالكي
رد: حقيقة الخلاف المذهبي في مدونة الإمام مالك وأهم أسبابه : د. عبد الكريم بناني

شكرا للإخوة الأفاضل والله اثلجتم صدري
فقد أبنتم عن اهتمام وتقدير وللإشارة فهذه الدراسة قمت بها في زمن الطلب وقد شكلت مادتها العلمية مفتاحا للمناقشة في الأقوال المتضاربة للمذهب دامت أكثر من أسبوعين بين الطلبة ، فلا عجب إذن أن تفتح هذا الباب ، وهو تأكيد مرة أخرى على أن للسادة المالكية درر ينبغي الانتباه إليها ، وقد ىاسعفكم قريبا بتحقيق منهج الإمام مالك الأصولي ،،، إن شاء الله عزوجل
د.عبد الكريم بناني المغرب
 

جود

:: متابع ::
إنضم
11 أبريل 2011
المشاركات
32
التخصص
العقيدة
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: حقيقة الخلاف المذهبي في مدونة الإمام مالك وأهم أسبابه : د. عبد الكريم بناني

قال ابن السالك (1398هـ): "وأما المنتخب فهو لابن أبي زمنين ... ومن تآليفه أيضاً (المغرب = المقرب) لكني لم أره، ولا أظنه موجوداً"
[عون المحتسب فيما يعتمد من كتب المذهب، ص: 63]

بارك الله فيك، جاء في فهرس مؤسسة علال الفاسي مايؤكد وجود مخطوط المغرب لابن أبي زمنين وتفاصيله كالتالي:
"اسمه: المغرب في المدونة أو حل مشكلها،
عدد صفحاته: 603، مقاس 15*21

عدد الأسطر: 25
الخط: مغربي"
فهل لمستطيع له سبيلا أن يؤكد لنا وجوده، ويسعى في تحقيقه فقد أثنى عليه العلماء بأنه أفضل مختصرات المدونة.

ولكم جزيل الشكر.
 

جود

:: متابع ::
إنضم
11 أبريل 2011
المشاركات
32
التخصص
العقيدة
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: حقيقة الخلاف المذهبي في مدونة الإمام مالك وأهم أسبابه : د. عبد الكريم بناني

هو من مصادر ابن عاصم في تحفته حيث قال :
فضمنه المفيد والمقربُ == والمقصد المحمود والمنتخبُ
1- المفيد لابن هشام
2- المنتخب لابن أبي زمنين
3- المقرب له أيضا
4- المقصد المحمود للجزيري
والله أعلم
أريد مصدر الأبيات وشرحها الذي كتبتَ، فأنا بحاجة له، وشكر الله لك.
 

سيدي محمد ولد محمد المصطفى ولد أحمد

:: قيم الملتقى المالكي ::
إنضم
2 أكتوبر 2010
المشاركات
2,243
التخصص
الفقه المقارن
المدينة
كرو
المذهب الفقهي
مالكي
رد: حقيقة الخلاف المذهبي في مدونة الإمام مالك وأهم أسبابه : د. عبد الكريم بناني

أريد مصدر الأبيات وشرحها الذي كتبتَ، فأنا بحاجة له، وشكر الله لك.
الأبيات من تحفة الحكام لابن عاصم في مقدمتها وشروحها كثيرة وأفضلها شرحا ميارة ( الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام ) والتسولي( البهجة شرح التحفة) وكلاهما مطبوع متداول بكثرة ولله الحمد
وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه
 
أعلى