ناصر صالح الوبيري
:: متابع ::
- إنضم
- 27 مارس 2011
- المشاركات
- 24
- التخصص
- فقه وأصوله
- المدينة
- كوالالمبور
- المذهب الفقهي
- حنبلي
عِبَادَةُ العقُوْلِ
إذا كانت عبادة البشر للبشر كفراً وشركاً مُخرجاً من الملَّة، فما حكمُ الإسلام في عبادة العقول للعقول؟
بأي حقٍّ يكون عقل السابق أصدق قيلاً من عقل اللاحق؟ وفي أي شرع كان مَنْ تقدّم حجةً على من تأخر؟ فهل التقدم لمحض التقدم ميزة، والتأخر لمحض التأخر معيب؟
لماذا تمرُّ على العلوم مئات السنين لا تجدُ فيها جِدّةً، وكأنَّ من كتبها رجل واحد؟ لماذا حينما تقرأ عشرات المصنفات في علم واحد كأنما تقرأ لنتاج عقل واحد؟
كم هم عُباد عقل أبي حنيفة؟ كم هم عباد عقل الشافعي؟ كم هم عباد الفخر الرازي؟ وكم هم عُبَّاد عقل ابن حزم؟ وكم هم عُبَّادُ عقل ابن تيمية؟ كم منَّا من يستدلُّ بقولةٍ لأحد هؤلاء ولسان حاله يقول:
إذا قالت حذامِ فصدقوها ،،،، فإنَّ القولَ ما قالت حذام.
لقد أسْرنا عقولنا وما أسرْها أحدٌ من العالمين، وجعلنا من أنفسنا عبيداً وجعلنا الله أحراراً، رزقنا الله العقول، فجعلنا غاية غايتها الإدراك والاستيعاب، أما النقد والتحرير والتنقيح، فتلك أمور لا يجمعنا معها لغة ولا دين.
إنَّ القول بأنك مسلم ومقلد في ذات الآن، كقولك بأنك ميت وحي في ذات الآن، فهو قول غايةٌ في الاضطراب والتناقض؛ فلو استنطقنا الآياتِ القرآنية كلَّها، واستغثنا بالسنة المحمدية جُلِّها، فلن نجد للتقليد مؤيداً ومؤزراً حتى يلج الجمل في سَمِّ الخياط ولو كان بعضنا لبعض ظهيرا.
كم هي الآيات القرآنية المقرِّعة لعقول الكافرين، المحرجة لإنسانيتهم وبشريتهم التي تقتضي تمايزاً عن سائر الحيوانات، لأجل قبولهم أفكار السالفين بدون تفكر وتأمل؟
إذاً، مَنْ سَلفُنا في هذا التقليد؟
الصحابةُ رضوان الله عليهم أجمعين لم يُسلِّموا لبعضهم، بل ناقشوا الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه، نقاش المستفهم المستشكل، وما حوارات الفاروق رضوان الله عليه عنَّا ببعيد. إذاً مَنْ سَلفُنا في عبادة الخلف للسلف، أو عبادة الأحياء للأموات؟
ليس لنا فيها سلف ولا تلف، وإنما هي بدعة ما أنزل الله بها من سلطان، ابتدعناها من عندياتنا، فجعلناها سيفاً مسلطاً على رقبة كل قلم حر، وعقبةً في كل طريق يؤدي إلى الجديد. فكلُّ من أتى بفكرة جديدة حتى وإن كانت مؤزرة بالنصوص الشرعية، قيل له: مَن سَبقك بهذا؟ هل لك فيها من سلف؟
سُبحان الله العظيم، ألا يقضي هذا السؤال على مادة الإبداع في مهدها؟ وهل كان لأبي حنيفة ومالك وأحمد وأبي يوسف والشافعي والطبري ومن بَعدهم وقبلهم في كل ما قالوا سلف؟
قال لي أحدهم مرة: إنه يؤمن إيماناً تاماً أنه لن يُرزق أحد من الخلف فهماً أفضل من أفهام السابقين!
فقلتُ له: مهما بلغ من العلم؟
قال لي: مهما بلغ من العلم.
سبحانك هذا بهتان عظيم، أين يذهب هذا بقول الله تعالى: {وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}؟. فالله تعالى يُخبرنا بأن فضله يُؤتى لمن يشاء، ولم يقل إنه مقصور على طبقة زمانيَّة أو صنف بشري !!
إذن، ماذا يُراد لنا نحن الذين أتينا لاحقين؟ هل يُراد أن يُقتصر دورنا في هذه الحياة على نقل ما قاله الأولون؟ هل يُراد لنا أن نكرّس حياتنا في فك عبارات السابقين والمقارنة بين أقوالهم؟ هال يُراد لنا أن نكون مجرّد امتداد للآخرين؟
إذن كان تجردنا من العقول خيراً وأرقى.