العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

مشاقة الرسول من بعد تبين الهدى

صلاح بن خميس الغامدي

قاضي بوزارة العدل السعودية
إنضم
27 أبريل 2008
المشاركات
103
الإقامة
الدمام - المنطقة الشرقية
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أحمد
التخصص
الفقه
الدولة
السعودية
المدينة
الدمام حرسها الله
المذهب الفقهي
الحنبلي
بسم الله الرحمن الرحيم
نحمد الله تعالى على نعمه العظيمة ، وآلائه الجسيمة ، وأعظم هذه النعم أن جعلنا له عبيداً ، وشرّفنا بالإسلام ديناً ، وهدانا للسنّة طريقةً ، ولمنهج سلف الأمة توفيقاً ، فله الحمدُ والمنّة ، والكرم والفضل الكبير .

لابد للواحد منا بين حين وآخر ، أن يتذكر فضل الله عليه ، بأنْ اختاره من بين خلقه ، فجعله مسلماً ، مؤمناً ، سائراً على منهج خير القرون ممن خصّهم النبي صلى الله عليه وسلم بالخيرية وهم سلف هذه الأمة ، وواجبٌ على المسلم أن ينظر إلى حال غيره ممن ضلّ الطريق ، وحُجب عنه التوفيق ، فلم يُسْلم وجهَهُ لله تعالى ، ولم يؤمن بمحمد رسولا ، وعلى ذلك لم يكن سائراً على سنته ولا لطريق السلف متبعاً .

لنقف هنا ونتأمل .... لنتذكر نعمة الله علينا ، فكم من ضالٍ لا زال في ضلاله ، وكم من مبتدع لا زال يخوض في بدعته وداعياً إليها ، وكم من محارب لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وقد زين له الشيطان عمله ، وظن أنه على الطريق الصحيح ، وكم من مبتعد عن المعين الصافي الصحيح النقي من الشوائب ، وكل واحد ممن سبق ذكره يختلف عن غيره من حيث البعد والقرب من ذاك المعين ، والدرجاتُ في الآخرة على ذلك ، والشُّرب من الحوض والطرد عنه على قدْر الأخذ بالسنة والتزامها والبعد عتها والتماس الخير في غيرها ، [ إنك لا تدري ما أحدثوا بعد ] ، [ قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ] الآية .

أخوتي الكرام : أترون أننا نظن أن الذي ينافح عن بدعة ، أو عن ضلالة ، أو عن طريقة ، أو أي منهج ، نظن في الغالب أنه مكابر ومعجبٌ برأيه ؟ أقول : قد يكون هذا.. كما أنه قد يكون خذلانا من الله تعالى ، وحرمانا من التوفيق ، وهذه الأخيرة مشكلة عظيمة وخطيرة ، نعوذ بالله من الخذلان ، وكلنا يعلم المقولة المأثورة عن ابن مسعود :" كم مريدٍ للخير لم يوفق إليه " في القصة المعروفة حيث دخل على أناس وهم جلوس في المسجد وكانوا متحلقين حلقات ويسبحون بالحصى ...الخ فقال لهم : " أما إنكم على ملة أهدى من ملة محمد ، أو مفتتحو باب ضلالة ، قالوا : " يا بن مسعود والله ما أردنا إلا خيرا " فأجابهم بما سبق .

أخي الكريم : هل ضلَّ من ضلْ ، وابتعد عن المنهج الصحيح ، إلا بمثل هذه الحجة وهي [ أننا لا نريد إلا الخير ] . حتى ترَكَ البعضُ أحاديثَ وقواعدَ سنّها النبي صلى الله عليه وسلم في بعض المشكلات ، لأجل هذه الحجة وهي إرادة الخير والوصول إليه بأي طريقة كانت ، وقد يكون ذلك منه عن جهل بسيط أو مركب ! ، وكان الواجب التزام السنة في معالجة المشكلات ، فلكل مشكلة ومعضلة حلٌ جاء به الشرع ، يعلم ذلك الراسخون في العلم ، ويبتغى ذلك عندهم ، ولكن قلة العلماء الراسخين وانتشار القراء والخطباء ولّد عندنا هذا الخلل الكبير في المرجعية، ومن وصايا ابن مسعود رضي الله عنه : " إنكم في زمان كثير فقهاؤه قليل خطباؤه ، قليل سؤّاله كثير معطوه ؛ العمل فيه قائد
للهوى ، وسيأتي بعدكم زمان قليل فقهاؤه ، كثير خطباؤه ، كثير سؤّاله قليل معطوه ؛ الهوى فيه قائد للعمل . اعلموا أن أحسن الهدى في آخر الزمان خيرٌ من بعض العمل " .
إن الذي ينظر في حال الكثير ممن ابتعد عن المنهج الذي رسمه النبي صلى الله عليه وسلم ، ليجد أن النتائج التي تظهر ـ بعد مدة ليست بالقصيرة ـ يجد أنها تأتي عكسية في الغالب ، إن لم تكن ضارة ، ذلك أن من رسم المنهج هو الموحى إليه صلى الله عليه وسلم ، وهو الذي حذّر من إتباع السُبُل ، ونهى عن الابتعاد عن هديه إلى هدي غيره ، لأنه مخبرٌ عن الله تعالى الذي خلق الخلق وهو أعلم بما يصلحهم ، [ ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ] ، [ أرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضلّه الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله ... ] الآية ، وقال سبحانه : [ ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نولّه ما تولى ...] الآية " نوله ما تولى " قال ابن سعدي ـ رحمه الله ـ في تفسيرها : أي نتركه وما اختاره لنفسه ، ونخذله ، فلا نوفقه للخير ، لكونه رأى الحق وعلمه وتركه ، فجزاؤه من الله عدلا ، أن يبقيه في ضلاله حائرا .." أ.هـ كلامه ( 1/408) .

لذا فإن إتباع منهجِ من قال عنهم المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود في الصحيحين:" خيرُ الناسِ قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ، فلا أدري في
الثالثة أو في الرابعة قال : ثم يَتَخَلَّفُ من بَعْدِهِم خَلًفٌ تَسْبِقُ شهادةُ أحدهم يمينَه ويمينُه شهادته " الحديث ، أقول إن إتباع منهجهم هو المرضي لهذه الأمة ، والسير على طريقتهم والفهمُ بفهمهم هو المطلوب منا حتى وإن طال الطريق ، وإنما كان لهم ذلك ؛ لقربهم من عصر النبوة ، وقد زكّاهم من جاء بهذا الدين .
لا بد أن يُعلم أنه لا بد للوصول لأي هدف شرعي أن يكون الطريق إليه صحيحا سليما من أي اعوجاج ، [ وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ، ذلكم وصاكم به ...] الآية ، فما بالنا نقتدي بغيرهم ممن هو دونهم ، ونلتمس منهجاً غير منهجهم في معالجة الأمور !!.، " لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها " .

وبعد .. فلا أطيل الكلام فلعل المعنى قد اتضح ، وقد كتبت هذه الكلمات تذكيراً لنفسي وإياكم ، لخطورة الزلل في هذا الأمر .

اللهم من أحييته منا فأحييه على الإسلام والسنة ومن توفيته منا فتوفه عليهما .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
 
أعلى