د. أيمن علي صالح
:: متخصص ::
- إنضم
- 13 فبراير 2010
- المشاركات
- 1,023
- الكنية
- أبو علي
- التخصص
- الفقه وأصوله
- المدينة
- عمان
- المذهب الفقهي
- الشافعي - بشكل عام
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن والاه، وبعد:
فهذا بحث هدف إلى تحرير مصطلح العلة وتحقيقه وضبطه في اللغة الأصولية، وهو على جانب من الابتكار في هذا المقام على نحو لعلك، عزيزي القارئ، لم تره من قبل.
كُتب البحث منذ زمن وقد نشر العام الماضي في مجلة الأحمدية بدبي العدد الخامس والعشرون/ ذو القعدة 1431هـ/أكتوبر 2010م.
أضعه بين أيدي الإخوة في هذا الملتقى المبارك بقصد المباحثة والمدارسة، فأرجو أن لا تبخلوا علي بملاحظاتكم ومناقشاتكم مهما كانت.
لم أفلح بإرفاق البحث في الملتقى فوضعته على موقع الميديافير ـ كما تجده في أسفل المشاركة ـ بصيغ ثلاثة: وورد وبدف والشاملة، وهو في كلها موافق للمطبوع، ولكن نسخة الشاملة لا تظهر فيها الرسوم التوضيحية.
وفيما يلي مقدمة البحث وخاتمته:
فهذا بحث هدف إلى تحرير مصطلح العلة وتحقيقه وضبطه في اللغة الأصولية، وهو على جانب من الابتكار في هذا المقام على نحو لعلك، عزيزي القارئ، لم تره من قبل.
كُتب البحث منذ زمن وقد نشر العام الماضي في مجلة الأحمدية بدبي العدد الخامس والعشرون/ ذو القعدة 1431هـ/أكتوبر 2010م.
أضعه بين أيدي الإخوة في هذا الملتقى المبارك بقصد المباحثة والمدارسة، فأرجو أن لا تبخلوا علي بملاحظاتكم ومناقشاتكم مهما كانت.
لم أفلح بإرفاق البحث في الملتقى فوضعته على موقع الميديافير ـ كما تجده في أسفل المشاركة ـ بصيغ ثلاثة: وورد وبدف والشاملة، وهو في كلها موافق للمطبوع، ولكن نسخة الشاملة لا تظهر فيها الرسوم التوضيحية.
وفيما يلي مقدمة البحث وخاتمته:
مقدِّمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
فمنذ كتابتي رسالة الماجستير (( أثر تعليل النص في دلالته )) ـ وذلك قبل نحو عشر سنوات خلت ـ ومعنى العلة الأصولية مضطَّرب ينتابه الغموض في ذهني. نعم وقفت على إبداعات الإمام الغزالي في الكشف عن معاني العلة في (( شفاء الغليل )) و(( المستصفى ))، وكذا وقفت على ما سكبه الأستاذ شلبي من عصارة ذهنه على واسع جهده واستقرائه، مسطِّرا ذلك كله في كتابه (( تعليل الأحكام )) الذي يستحق بجدارة لقب (( الفتح الأصولي المعاصر )). لكنَّ هذا كلَّه لم يكن ليقشع كلَّ غيوم الغموض الملتفة حول معنى العلة لدي، ولذلك قمت في (( أثر تعليل النص في دلالته )) بعرض جانبٍ من التعريفات الأصولية للعلة، منتقدا ما أثاره الأصوليون من جدل متكلَّفٍ حول هذه التعريفات، ومبيِّنا أسباب ذلك على نحو مقتضب.
ولأن هذا لم يكن ليقنعَني ويثلج صدري، فقد شرعت بعدئذٍ في بحثٍ لتحقيق معنى العلة. وبمضي الوقت انتابني الكسل والانشغال إلى أن استجمعت طاقتي البحثية مرة أخرى أثناء كتابتي بحث الدكتوراه الذي عنونته بـ (( القرائن المحتفة بالنص وأثرها في دلالته )) ([1]) حيث احتجت إلى أن أعرِّف العلة، لأنها من أهم القرائن المؤثرة في دلالة النص. وإني وإن ارتقيت في هذه المرحلة عن درجة التقليد، إلا أني أعترف بأن دراستي لمعنى العلة إذ ذاك لم تكن ناضجةً تماما، ربما لأن العلة لم تكن موضوعا جوهريا في البحث؛ إذ كانت الرسالة مُكرَّسةً لوضعِ إطارِ نظريَّةٍ عامة في القرائن الأصولية أكثر من الانشغال بتحقيق معاني القرائن الجزئية كالعلة وغيرها.
ومنذ بداية العام (2006م)، وتفاعلاً مع الصَّخَب العلمي القائم حول علاقة المصالح بالنصوص، والاجتهاد المقاصدي، رأيت أن أشرع بتأليف كتاب أضمِّنه حصيلة أفكاري الأصولية في هذا الشأن. وحينئذٍ وجدتُّ نفسي مضطَّرا من جديد إلى أن أعود إلى خوض غمار البحث في العلة، فنظرت في مسوَّداتي مرة أخرى ولملمت أفكاري قديمها وجديدها فكان هذا البحث الذي يُعَدُّ المحاولة الثالثة لي للكلام حول معنى العلة، والتي آمُل أن تكون المحاولة النِّهائية.
لماذا العلة؟... أَوَيَحْتاج هذا المصطلح الشائع الدارج إلى تحقيق؟!
الجواب ـ بكل بساطة ـ نعم؛ وذلك لسببين:
أحدهما: الأهمية البالغة لهذا المصطلح. فأصول الفقه شطران أساسان: النص والعلة، أو قل: نظرية النص، ونظرية العلة. في نظرية النص تندرج كل مباحث الأدلة النصية كالكتاب والسنة والإجماع، مع ما يتبع ذلك من دلالات الألفاظ وأقسامها، وفي نظرية العلة تندرج كل الأدلة الاجتهادية كالقياس والاستحسان والذرائع والمصالح وغير ذلك من أنماط الاجتهاد بالرأي. وعلى هذا فتحقيق مصطلح العلة ضروريٌّ جدا لأنها الأساس الذي تُبنى عليه جُلَّ مسائل الاجتهاد بالرأي. وفي العصر الحالي اكتسبت العلةُ مزيدَ أهمية على أهميتها، وذلك بسبب شيوع البحث في المقاصد والمصالح، والنظر إلى هذا الميدان الأصولي على أنه الحل السحري الذي سَيُمكِّن حملة الشريعة من مواجهة التحدِّيات الاجتهادية والتشريعية الراهنة.
والسبب الثاني: أنَّ العلة مصطلحٌ أصولي شائك مثيرٌ للبلابل والقلاقل، بل يمكنني الزَّعم بأنه ليس ثمة مصطلحٌ أصولي أثار بسبب اضطرابه واشتراكه من المسائل الوهمية والنِّزاعات اللفظية أكثرَ مما فعله مصطلح العلة.
وفيما يلي بعض شواهد هذه الدعوى من كلام الأصوليين:
قال الغزالي بعد الكشف عن سبب الخلاف في العلة القاصرة:
(( وتبين أن منشأ هذا الخصام العظيم أنهم لم يتفقوا على حدٍّ واحدٍ للعلة معلوم، ولو وقع الاتفاق عليه لهان عرض الوصف المذكور في محل النزاع على ذلك المحك ))([2]).
وقال في مسألة تعليل الحكم الواحد بعلتين:
(( جواز إضافة الحكم الواحد عقلا إلى علتين، ينبني على درك حد العلة وحقيقتها، وما هو المراد من إطلاقها في لسان الفقهاء، فقد أطلق الفقهاء اسم العلة على ثلاثة معان متباينة، من لم يعرف تباينها اشتبه عليه معظم أحكام العلل ))([3]).
وقال في مسألة تخصيص العلة:
(( منشأ تخبُّط الناس في هذه المسألة وسَبَبُ غموضها أنهم تكلموا في تسمية مطلق التماثل علة قبل معرفة حد العلة، وأن العلة الشرعية تُسمَّى علة بأيِّ اعتبار، وقد أطلق الناس اسم العلة باعتباراتٍ مختلفة ولم يشعروا بها ثم تنازعوا... ))([4]).
وقال في نهاية تحقيقه للفرق بين العلة والشرط:
(( إنما منشأ الإشكال التَّخَاوضُ في الأمور دون التوافق على حدودٍ معلومة لمقاصد العبارات، فيُطلق المُطلِق عبارة على معنىً يقصده، والخصم يفهم منه معنى آخر يستبِدُّ هو بالتعبير عنه، فيصير به النزاع ناشباً قائماً لا ينفصل أبد الدهر ))([5]).
وقال ابن السبكي معلِّلا إفراد صاحب المنهاج العلة بفصْل مُقَدَّمٍ على باقي أركان القياس:
(( إنما أفرد بيان العلة بفصل مقدم على بيان الأصل والفرع ومتعلقاتهما:
- لكثرة تشعُّب الآراء عندها،
- وعِظَم موقعها،
- وتشتُّت المباحث فيها ))([6]).
وقال ابن حزم عندما تكلم عن مفهوم العلة مفرِّقا بينه وبين أربعة مفاهيم تختلط به في لغة الفقهاء :
(( فلمَّا كانت هذه المعاني المسمَّاة الخمسة[SUP]([SUP][7][/SUP])[/SUP] التي ذكرنا مختلفة متغايرة، كل واحد منها غير الآخر، وكانت كلها مختلفة الحدود والمراتب، وجب أن يُطلق على كل واحد منها اسمٌ غير الاسم الذي لغيره منها؛ ليقع الفهم واضحا؛ ولئلا تختلط فيُسمَّى بعضُها باسم آخر منها، فيوجِب ذلك وضعَ معنى في غير موضعه فَتَبْطُلُ الحقائق. والأصل في كل بلاءٍ وعماءٍ وتخليطٍ وفسادٍ اختلاطُ أسماء، ووقوعُ اسم واحد على معاني كثيرة؛ فيخبر المخبر بذلك الاسم، وهو يريد أحد المعاني التي تحته، فيحمله السامع على غير ذلك المعنى الذي أراد المخبر، فيقع البَلاء والإشكال. وهذا في الشريعة أضرُّ شيء وأشدُّه هلاكا لمن اعتقد الباطل إلا من وفَّقهُ الله تعالى ))([8]).
وما رمينا إليه في هذا البحث أمران:
الأول: الكشف المُسْهب عن المعاني التي ينطلق عليها لفظ العلة في البحث الفقهي والأصولي، بحيث ينجلي أمر هذا المصطلح تماما. وهذا اقتضى منا تعريف العلة بإطلاقاتها المختلفة، ثم شرح هذه التعريفات بما يُظهر خصائص كل شكل من أشكالها، ثم التعرض لجوانب هامَّة في كل شكل من الأشكال لم يفصح عنها التعريف، وأخيرا توضيح وجه الشبه والفرق بين أشكال العلة المختلفة. وهذا المقصد هو لُبُّ البحث ومعظمُه، وقد عالجناه في المبحث الأول.
والأمر الثاني: التعرُّض لمناهج الأصوليين في تعريف العلة. وهذا التعرض، وإن كان مبتكرا في طريقة عرضه إلى حدٍّ ما، إلا أنه كان موجزا بسبب وفْرة الدراسات الأصولية التي تناولت تعريف العلة بإسهاب، وقد عقدنا المبحث الثاني للوفاء بهذا المقصد.
وتأسيسا على هذين المقصدين خرجنا ببعض التوصيات الهامة للباحثين فيما يتعلق بشأن العلة. وقد خصصنا خاتمة البحث لعرض هذه التوصيات.
وعليه فقد كان هذا البحث في مقدِّمة ومبحثين وخاتمة.
المبحث الأول: تحقيق معنى العلة.
المبحث الثاني: مناهج الأصوليين في تعريف العلة.
والخاتمة: في أهمِّ نتائج البحث وتوصياته.
الدِّراسات السابقة:
لم أظفر بدراساتٍ سابقة قديمة أو حديثة كُرِّست للكشف عن معاني العلة على وجه الخصوص. وما وجدته هو فصولٌ أو مباحثُ من كتُبٍ تعرضت لقضية التعليل أو القياس بوجه عام. وخيرُ ما كُتب عن العلة الأصولية في هذا المقام كان في كتابين شهيرين: أحدهما قديم والآخر معاصر:
أمَّا القديم فكتاب (( شفاء الغليل في بيان الشَّبَه والمُخِيل ومسالك التعليل ))، للإمام الغزالي، وهو من أعمق وأدق وأوفى وأبدع ما كتبه المتقدِّمون في قضايا التعليل الأصولي.
وأما المعاصر فكتاب (( تعليل الأحكام ))، للدكتور مصطفى شلبي، وهي رسالة دكتوراه نال بها درجة الأستاذية من الأزهر الشريف في العام 1945م.
وما خلا هذين الكتابين يوجد عدد هائل من الكتب والرسائل التي تناولت مفهوم العلة الأصولية بشكل أو بآخر. وكل ما اطلعت عليه من هذه الكتب كان: إما تقليديَّاً في التعرض لمفهوم العلة بحيث يعرض تعريفات الأصوليين للعلة وما أثاروه حولها من جدل مرجِّحا في نهاية المطاف واحداً من هذه التعريفات، وإما متَّكِئاً ـ إنْ بشكلٍ مباشر أو غير مباشر ـ على استقرائَيِ الغزالي وشلبي في سبر مفاهيم العلة عند الأصوليين.
وفي بحثي هذا لا أدَّعي سَبْقا علمياً ولا فتحاً أصولياً. نعم أضفت قليلا إلى ما قاله الغزالي وشلبي كما ستراه خلال البحث، لكنَّ هذا لم يكن هدفي، إنما كان هدفي الإمعان في الكشف والبيان، لأني أعتقد بأن ما قاله الغزالي وشلبي كلاهما عن تعدُّدِ مفاهيم العلة لم يلقَ صدى كافياً عند الأقدمين والمعاصرين من الأصوليين على حدٍّ سواء، وما هذا في رأيي إلا لأنهما لم يجلِّيا الأمر جلاء تامَّاً، ولم يستثمِرا ما توصَّلا إليه بالدَّعوة إلى بناءٍ أصولي جديد في قضايا العلة والتعليل.
(( فلمَّا كانت هذه المعاني المسمَّاة الخمسة[SUP]([SUP][7][/SUP])[/SUP] التي ذكرنا مختلفة متغايرة، كل واحد منها غير الآخر، وكانت كلها مختلفة الحدود والمراتب، وجب أن يُطلق على كل واحد منها اسمٌ غير الاسم الذي لغيره منها؛ ليقع الفهم واضحا؛ ولئلا تختلط فيُسمَّى بعضُها باسم آخر منها، فيوجِب ذلك وضعَ معنى في غير موضعه فَتَبْطُلُ الحقائق. والأصل في كل بلاءٍ وعماءٍ وتخليطٍ وفسادٍ اختلاطُ أسماء، ووقوعُ اسم واحد على معاني كثيرة؛ فيخبر المخبر بذلك الاسم، وهو يريد أحد المعاني التي تحته، فيحمله السامع على غير ذلك المعنى الذي أراد المخبر، فيقع البَلاء والإشكال. وهذا في الشريعة أضرُّ شيء وأشدُّه هلاكا لمن اعتقد الباطل إلا من وفَّقهُ الله تعالى ))([8]).
وما رمينا إليه في هذا البحث أمران:
الأول: الكشف المُسْهب عن المعاني التي ينطلق عليها لفظ العلة في البحث الفقهي والأصولي، بحيث ينجلي أمر هذا المصطلح تماما. وهذا اقتضى منا تعريف العلة بإطلاقاتها المختلفة، ثم شرح هذه التعريفات بما يُظهر خصائص كل شكل من أشكالها، ثم التعرض لجوانب هامَّة في كل شكل من الأشكال لم يفصح عنها التعريف، وأخيرا توضيح وجه الشبه والفرق بين أشكال العلة المختلفة. وهذا المقصد هو لُبُّ البحث ومعظمُه، وقد عالجناه في المبحث الأول.
والأمر الثاني: التعرُّض لمناهج الأصوليين في تعريف العلة. وهذا التعرض، وإن كان مبتكرا في طريقة عرضه إلى حدٍّ ما، إلا أنه كان موجزا بسبب وفْرة الدراسات الأصولية التي تناولت تعريف العلة بإسهاب، وقد عقدنا المبحث الثاني للوفاء بهذا المقصد.
وتأسيسا على هذين المقصدين خرجنا ببعض التوصيات الهامة للباحثين فيما يتعلق بشأن العلة. وقد خصصنا خاتمة البحث لعرض هذه التوصيات.
وعليه فقد كان هذا البحث في مقدِّمة ومبحثين وخاتمة.
المبحث الأول: تحقيق معنى العلة.
المبحث الثاني: مناهج الأصوليين في تعريف العلة.
والخاتمة: في أهمِّ نتائج البحث وتوصياته.
الدِّراسات السابقة:
لم أظفر بدراساتٍ سابقة قديمة أو حديثة كُرِّست للكشف عن معاني العلة على وجه الخصوص. وما وجدته هو فصولٌ أو مباحثُ من كتُبٍ تعرضت لقضية التعليل أو القياس بوجه عام. وخيرُ ما كُتب عن العلة الأصولية في هذا المقام كان في كتابين شهيرين: أحدهما قديم والآخر معاصر:
أمَّا القديم فكتاب (( شفاء الغليل في بيان الشَّبَه والمُخِيل ومسالك التعليل ))، للإمام الغزالي، وهو من أعمق وأدق وأوفى وأبدع ما كتبه المتقدِّمون في قضايا التعليل الأصولي.
وأما المعاصر فكتاب (( تعليل الأحكام ))، للدكتور مصطفى شلبي، وهي رسالة دكتوراه نال بها درجة الأستاذية من الأزهر الشريف في العام 1945م.
وما خلا هذين الكتابين يوجد عدد هائل من الكتب والرسائل التي تناولت مفهوم العلة الأصولية بشكل أو بآخر. وكل ما اطلعت عليه من هذه الكتب كان: إما تقليديَّاً في التعرض لمفهوم العلة بحيث يعرض تعريفات الأصوليين للعلة وما أثاروه حولها من جدل مرجِّحا في نهاية المطاف واحداً من هذه التعريفات، وإما متَّكِئاً ـ إنْ بشكلٍ مباشر أو غير مباشر ـ على استقرائَيِ الغزالي وشلبي في سبر مفاهيم العلة عند الأصوليين.
وفي بحثي هذا لا أدَّعي سَبْقا علمياً ولا فتحاً أصولياً. نعم أضفت قليلا إلى ما قاله الغزالي وشلبي كما ستراه خلال البحث، لكنَّ هذا لم يكن هدفي، إنما كان هدفي الإمعان في الكشف والبيان، لأني أعتقد بأن ما قاله الغزالي وشلبي كلاهما عن تعدُّدِ مفاهيم العلة لم يلقَ صدى كافياً عند الأقدمين والمعاصرين من الأصوليين على حدٍّ سواء، وما هذا في رأيي إلا لأنهما لم يجلِّيا الأمر جلاء تامَّاً، ولم يستثمِرا ما توصَّلا إليه بالدَّعوة إلى بناءٍ أصولي جديد في قضايا العلة والتعليل.
([1]) بعد اجتيازه مرحلة التحكيم، فإن الكتاب الآن تحت الطبع ضمن منشورات المعهد العالمي للفكر الإسلامي.
([2]) شفاء الغليل، الغزالي، ص486.
([3]) المرجع السابق، ص515.
([4]) المستصفى، الغزالي، ص335.
([5]) شفاء الغليل، الغزالي، ص588 .
([6]) الإبهاج في شرح المنهاج، السبكي، ج3، ص39.
([7]) سوف نتكلم عن هذه المعاني لاحقا إن شاء الله تعالى.
([8]) الإحكام في أصول الأحكام، ابن حزم، ج8، ص564.
([2]) شفاء الغليل، الغزالي، ص486.
([3]) المرجع السابق، ص515.
([4]) المستصفى، الغزالي، ص335.
([5]) شفاء الغليل، الغزالي، ص588 .
([6]) الإبهاج في شرح المنهاج، السبكي، ج3، ص39.
([7]) سوف نتكلم عن هذه المعاني لاحقا إن شاء الله تعالى.
([8]) الإحكام في أصول الأحكام، ابن حزم، ج8، ص564.
الخاتمة
نرجو بهذا البحث أن نكون قد وضعنا حدَّاً للجدل الذي دار ويدور في شأن تعريف العلة الشرعية، ونرجو كذلك أن نكون قد جلَّينا غاية الجلاء، وكشفنا تمام الكشف، عن المعاني التي يتقمَّصُها لفظ العلة في لسان الفقهاء والأصوليين، وهي ثلاثة معان:
- أولا: السَّبَب الذي يترتَّب عليه الحكمُ في حقِّ المكلَّف. كشرب الخمر الذي يَتَرتَّب عليه حكم وجوب جلد الشارب علينا، والسَّفر في رمضان الذي يَتَرتَّب عليه حكم إباحة الفطر لنا. وقد عرَّفنا السبب بأنه: وصْفٌ يُرتِّبَ الشَّارعُ عليه حُكْماً في حقِّ المكلف.
- ثانيا: الغَرَض الذي استهدفه الشارع من تشريع الحكم. كحفظ العقل ودفع السُّكْر المستهدف من تحريم الخمر، وتحصيل الزجر المستهدف من إيجاب الحدود، ودفع المشقة المستهدف من إباحة الفطر في السفر. وقد عرَّفنا الغرض بأنه: جلبُ المصلحة أو دفعُ المفسدة المقصودُ من تشريع الحكم.
- ثالثا: الوصف الذي يشتَمِل عليه مُتَعَلَّق الحكم، بحيث يترتب على ربط الحكم به تحقيق غرض الشارع من الحكم. كالشِّدة التي يُعلَّل بها تحريم شرب الخمر، والمشقَّة التي يُعلَّل بها جعل السفر مبيحا للفطر، والثمنية التي يُعلَّل به تحريم بيع الذهب بالذهب متفاضلا. وقد عرَّفنا الوصف المتضمَّن بأنه: وَصْفٌ يشْتَمِلُ عليه مُتَعلَّقُ الحُكْم، بحيث يَتَرتَّبُ على ربط الحكم به تحقيقُ غرض الشارع من الحكم.
وفيما يلي عددٌ من التوصيات أحبُّ أن أسجِّلَها وأدعو إليها في ختام هذا البحث:
- أولا: إني وإن لم آل جهدا ولم أدَّخر سبرا وتنقيبا، وقد اشتغلت في هذا البحث على مدى سنين متطاولة إلا أن عملي هذا يظل جهدا بشريا يعتريه ما يعتري البشر من القصور والغفلة والعجلة وسوء الفهم والتقدير، ولذلك فإني أدعو الباحثين ـ لا سيَّما المختصين في أصول الفقه ـ إلى إنعام النظر في هذا البحث وسبره حقَّ السبر ثم تسديد سهام النقد والتصويب والتكميل إليه، بغية الإنهاء والانتهاء من الجدل الدائر حول مفهوم العلة الشرعية.
- ثانيا: أدعو، بأقوى ألفاظ الدعاء والاستجداء، جميع المشتغلين بتدريس أصول الفقه أو كتابة مناهجه للمتعلمين إلى ضبط اصطلاح العلة، وذلك بقصره على معنى الغرض والوصف المتضمَّن([1])، وعدم إطلاقه على السبب بتاتا، والتنبيه على هذا الأمر في موضعين: عند ابتداء الكلام في الأحكام الوضعية، وعند ابتدائه في العلة بوصفها ركنا من أركان القياس. ويلزم تبعا لهذا تشذيب كتاب القياس في أصول الفقه من كل ما يؤدي إلى الخلط بين العلة بمعنى السبب والعلة بمعنى الغرض والوصف المتضمن، لا سيَّما التمثيل بالسبب على العلة الغرضية أو الوصف المتضمن. ومن ذلك: التمثيل بالسرقة والقتل على العلة المنصوصة أو المومى إليها، والتمثيل للعلة القاصرة بالسفر والمرض المبيحين للفطر، والتمثيل للعلة المنضبطة والظاهرة بالسفر والقتل والسرقة، والتمثيل لمسألة تعليل الحكم بعلتين بنواقض الوضوء المتزامنة كقولهم: من مس وبال في وقت واحد، أو كالذي قتل وارتد، والتمثيل للعلة المركبة بالقتل العمد العدوان الموجب للقصاص، والتمثيل به كذلك للعلة المخصَّصة بمانع الأبوة.
- ثالثا: تشذيب كتاب القياس من المسائل الخلافية اللفظية التي انبنت على الخلاف في معنى العلة، كمسألة تعليل الحكم الواحد بعلتين، ومسألة العلة القاصرة، ومسألة ثبوت حكم الأصل هل هو بالعلة أو النص، وكثير من جوانب مسألة النقض أو تخصيص العلة، ومسألة التعليل بالحكمة، ومسألة القياس في الأسباب وغير ذلك من المسائل.
- رابعا: أدعو إلى ضمِّ العلة بمعنى الغرض والوصف المتضمن إلى الأحكام الوضعية لأنها حكمٌ شرعي جعلي كغيره من الأحكام، وتجنُّب ما يفعله كثير من الكاتبين من قصر الأحكام الوضعية على ثلاثة: السبب والشرط والمانع فحسب.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
([1]) أشرنا في صلب البحث إلى أن العلة بمعنى الغرض قريبة جدا من العلة بمعنى الوصف المتضمن ولا يترتب على الخلط بينهما شيء من الضرر المنهجي، وأن هاتين العلتين فقط هما اللتان يمكن القياس بهما، بخلاف السبب الذي يكون منصوصا أو مقيسا على المنصوص.
الروابط
أولا: تحقيق معنى العلة بتنسيق مايكروسوفت وورد
ثانيا: تحقيق معنى العلة بتنسيق بي دي إف
ثالثا: تحقيق معنى العلة بتنسيق بوك للمكتبة الشاملة
بانتظار إفاداتكم بارك الله فيكم
د. أيمن صالح
الروابط
أولا: تحقيق معنى العلة بتنسيق مايكروسوفت وورد
ثانيا: تحقيق معنى العلة بتنسيق بي دي إف
ثالثا: تحقيق معنى العلة بتنسيق بوك للمكتبة الشاملة
بانتظار إفاداتكم بارك الله فيكم
د. أيمن صالح