العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

علم المقاصد الشرعية ما له وما عليه

إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,277
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أبتدء فأقول : قد تَرَدَدْتُ كثيراً قبل إفراد هذا الكلام بموضوع يخصه ، حيث كانت لي نية في جعله مداخلات مع بعض مشائخنا الأفاضل في الملتقى ، لكني رأيت في جعله مداخلات إخراج لدروسه عن مقصودها ، لطول هذه المداخلات جداً كما سترى بحيث يحتاج الشيخ الفاضل إلى تخصيص وقتٍ لها وأن يستبق ما سيأتي من الدروس أثناء رده ، وسيشتت هذا دهن القارئ بحيث لا تكون تلك الدروس مرتبطة ببعضها في ذهنه.
فأقول : قد كان يدور في خلدي منذ فترة أن علم المقاصد المستحدث اليوم شبيه بعلم المنطق من جهة عدم الحاجة إليه إلا لفهم كلام المقاصديين أنفسهم ، فقد يدرس الدارس علم المنطق مثلاً لا لاعتقاده بجدواه وفائدته ، بل ليفهم كلام المنطقيين عند ترتيبهم للبراهين على الوضع المنطقي. فهو في ظني علم لا يحتاج إليه الفقيه ولا ينتفع به المقلد ، على نحو ما قالوا في المنطق (علم لا يحتاج إليه النبيه ولا ينتفع به البليد).
وقبل أن يقفز القارئ إلى الحكم عليَّ أقول : أنا لا أشك بأن الفقيه يحتاج إلى معرفة المقاصد الشرعية للأحكام الفرعية واستقرائها لما فيه من تمكينه من معرفة معاني النصوص وبخاصة عند تعارضها ، لكن معرفة المقصد الشرعي شيء وعلم المقاصد المستحدث اليوم شيء آخر تماماً كما سيأتي معك.
لم أكن قرأت كتاباً مفرداً في المقاصد إلا ما جاء في كتب المتقدمين نحو ما تضمنه كتاب (الموافقات) للشاطبي و(إعلام الموقعيين) لابن القيم و(القواعد الكبرى) لابن عبد السلام وكتابات شيخ الإسلام ابن تيمية بشكل عام ، وكنت زاهداً كل الزهد في كتابات المعاصرين ، لكني كغيري سمعت منهم دعاوى كثيرة حول وجوب النظر في المقاصد الشرعية قبل الحكم على المسائل الجزئية وإعطائها أحكامها الشرعية ، وهي دعوى لا اعتراض عليها أصلاً ، لكن وجه الاعتراض أنهم يقصدون بالمقاصد التي يجب على الفقيه مراعاتها ما استحدثوه وسموه (علم مقاصد الشريعة) ومقصودي مراعاة المقاصد بمفهومه اللغوي والشرعي فقط ، فالمقصود الغاية التي من أجلها شرع الشارع الأحكام الشرعية والوضعية ، الكلية منها والجزئية ، وسيأتي عند الكلام على حد المقصد الشرعي .
وكنت ، ولا زلت ، أظن أن كتب أصول الفقه و الأشباه والنظائر والقواعد الفقهية مغنية عما استحدثه المقاصديون ، بل كتاباتهم في ظني شبيهة بالقص واللصق ، فيأخذون ما في علم الأصول في أبواب الخطاب الشرعي ودلالة الألفاظ ومسالك العلة والاستدلال وغيرها وما في كتب القواعد والأشباه والنظائر من العلل والضوابط المشتركة للمسائل التي يستقرئها المصنف ويجمعونها زاعمين أن هذا اللصق والترقيع علم مفرد مستحدث لا يستغني عنه الفقيه .
وظني أن هذا ممكن بشرط أن لا يُجْعَلَ علماً مفرداً بل إفراد علم ، للتيسير على الطالب المتفقه للوصول إلى المقاصد بأقرب طريق ، كما قد يُفْرَدُ باب القياس بتصنيف أو باب الإجماع أو باب الحديث أو باب التعليل أو باب الاستدلال أو الكلام في المرسل وغير ذلك من غير أن يخرجها ذلك عن كونها أجزاء من علم الأصول أو علم الحديث.
ثم عن لي أن أقطع الظن باليقين فبحثت عن كتب بعض المقاصديين ووجدت كتاب (مقاصد الشريعة) لابن عاشور رحمه الله فاقتنيته ونظرت فيه ، فإذا الأمر كما ظننت أولاً ، كما قمت بتحميل كتب المقاصد من الشبكة والنظر فيها ، فازددت وثوقاً بظني .
وقد رأيت أن المهتمين بهذا الشأن لم يدركوا جهات كلام الأصوليين على المقاصد ، لذا ظن عامتهم أن الأصوليون لم يتكلموا في هذا الباب إلا بكلمات مجملة وعبارات متفرقة ، والحق أنهم فصلوا فيها التفصيل الذي يحتاج إليه ، وما أورده المعاصرون ـ وليعذرني الأخوة ـ هو من باب التنطع والتزيد ، فبدلاً مثلاً من تعريف المقاصد الشرعية بالعلل أو الحكم الغائية التي راعها الشارع أو قصدها بتشريع الأحكام ، يمطون الكلام إلى الغاية ، ويزعمون أن هذا التعريف قد يدخل فيه المقاصد الكلية لا الجزئية الفرعية ، وفي حقيقة الأمر كل ما خرج عن هذا الحد فليس بمقصد أصلاً ، لا كلي ولا جزئي فرعي .
فليكن أول ما نتكلم فيه حد (المقاصد الشرعية) فأقول :
إذا نظرنا في موضوع هذا العلم علمنا أنهم لا يريدون نفس الحكم ولا دليله ولا طرق استنباط الحكم من ذلك الدليل ، أما الحكم فلأنهم يصرحون بتعليله بالمقاصد الشرعية ، ولا يجوز أن يكون الشيء هو علة نفسه.
أما دليله ، فلأن مقصودي به الجزئي الفرعي كالنصوص والإجماعات والقياسات الجزئية ، وهي نفس القرآن والسنة بالنسبة إلى حكم حكم من المسائل الفقهية ، والدليل على المسألة ليس هو مقصودها ، فمثلاً الدليل على وجوب القصاص قوله جل وعلا : (ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى) وليس المقصود من القصاص الشرعي هو نفس قوله جل وعلا (كتب عليكم القصاص) الذي هو دليلها الجزئي ، بل المقصود به الحفاظ على الأنفس مثلاً .
وأما طرق استنباطه ، فلأنها إما نفس الأدلة الكلية أو طرق استعمالها أو المجموع وكل ذلك لا يسمى مقصداً من الحكم الشرعي أو مقصداً شرعياً ، فليس مقصود الشارع من تشريع خيار المجلس السنة النبوية ، بل دفع الندامة ، ولا مقصوده من الأمر بالطاعة وعدم الخروج الإجماع والسنة بل الحفاظ على النفس ، وليس مقصوده بتشريع اعتداد الأمة منصفاً القياس على تنصيف الحد ، بل مجرد براءة الرحم الحاصل بالعدة منصفة أو غير ذلك وهكذا.
وهذا الذي أذكره هنا جلي جداً ، لكني نبهت عليه لِمَا رأيته من ظن بعضهم أن ذكر هذه الأشياء في التعريف يجعلها نفس المعرف أو أجزاء منه ، وهذا خطأ ، فلا يلزم من ذكرها في الحد كونها نفس المحدود بل ولا جزءً من المحدود ، إلا متى كان ذاتياً أو عرضياً له فقط ، وقد يذكر الشيء في طريق ما هو ولا يذكر في جوابه ، فلا يكون جزءً من المسأول عن ماهيته ، كما لو قلت : الذاتي هو الذي يسبق تصوره تصور ما هو ذاتي له ؛ فإن التصور ليس من أجزاء الذاتي ، ولا سبق التصور ولا ما هو ذاتي له ، فكل أجزاء التعريف هنا ليست جزءً من الذاتي أصلاً.
كما ظن بعضهم أنه لما كان المقاصدي ينظر في الأحكام الشرعية أن الأحكام الشرعية من أجزاء المقاصد الشرعية أيضاً فظن أنها إما مقاصدَ شرعية أو أجزاء لماهيتها.
وفيه نظر من جهة أن المقاصدي ينظر للأحكام الشرعية باعتبارين ، الأول لتحصيلها بما عرفه من المقاصد الشرعية ، فهذا ينظر لها باعتبارها نتيجة العلم بالمقصد لا جزءً منه .
الثاني أن ينظر في الأحكام الشرعية المعلومة له مسبقاً لتحصيل المقصد الشرعي كما يفعله صاحب (الأشباه والنظائر) وصاحب (القواعد الفقهية) فيستخرج الجامع لها ، وكثيراً ما يكون علة غائية أو مقصداً شرعياً ، فيجعله ضابطاً لتلك المسائل ، يضم إليها ما لم يعرف حكمه، فالناظر في الحكم هنا ينظر إليه باعتباره دليل المقصد لا جزءً منه.

فما هو المقصد إذاً ؟
المراد بها الحكمة الغائية من الفعل .
والمقصد الشرعي ، هو الحكمة الغائية من وضع الشارع للحكم الشرعي.
وقد جمع الدكتورالخادمي في كتابه (علم المقاصد الشرعية) ص16-17 جملة منها ، ولا غرض لي في استقصائها.
فما معنى الحكمة ؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : "الحكمة ما في خلقه وفعله من العواقب المحمودة والغايات المحبوبة"
وقال ابن الوزير : "نوع مخصوص من علم الله تعالى بالمنافع الخفية والعواقب الحميدة والمصالح الراجحة"
فجعل شيخ الإسلام الحكمة نفس العواقب المحمودة والغايات المحبوبة أما ابن الوزير فجعلها العلم بها أو بما فيها من حسن.
وقال السياغي : "الحكمة عند أصحابنا كل فعل حسن فيه لصاحبه غرض صحيح"
وهو تعريف حسن لكن يرد عليه أن وصفه بالحسن إنما يكون لمعنى فيه وهو بعينه ذلك الغرض الصحيح ، فلا معنى لوصفه بالحسن مع التصريح بالغرض الصحيح ، ولكنه أبداه لغموض مقصوده بالمعنى الحسن ، ولو اقتصر على قوله : "كل فعل لصاحبه فيه غرض صحيح" لكفى ، إلا أن يقال : المراد بالغرض الصحيح ما هو أعم من الحسن والقبيح ، وذلك عند من يجعل الحسن والقبح ذاتي للفعل.
لكن غرض الشارع عندهم كله صحيح وكله جارٍ على صفة الحُسْنِ فقط . والله أعلم.

وبهذا يظهر معنى المقصد الشرعي ، أي المعنى الذي من أجله حسن وضع الحكم.
ثم ذلك المعنى ما هو ؟
قد بينا معناه ، لكني أردت أن أبين افتراق الناس فيه وجناية بعض المقاصدين على من تقدم من أهل العلم بدعوى أنهم أهملوا تعريف المقاصد ، فأقول : قد تناول المتقدمون هذه المعاني تحت أسماء متعددة ، منها (تعليل الأفعال) ومنها (التحسين والتقبيح) ومنها (المصالح والمفاسد) ولم أرَ من المقاصديين من تصدى للكلام في هذه العناوي بالتفصيل الذي ذكره أهلها في كتبهم ، فلم يكن هذا مجيزاً لدعوى إهمال المقاصدين لهذه المعاني لكونهم تكلموا عليها تحت مصطلح آخر ، كما لا يجوز أن يتهم المتقدمين بإهمالهم الكلام في المقاصد لمجرد أنهم تركوا هذا الاصطلاح وتكلموا على حقيقته تحت اصطلاحات مخالفة موافقة في الحقيقة .
فتحت عنوان التحسين والتقبيح وتعليل الأفعال تكلم كثيرون وبخاصة المعتزلة عن المقاصد الشريعة فيما لا يحصى من كتب أصول الدين وأصول الفقه ، وهكذا شيخ الإسلام وابن القيم ، بل أفرد ابن القيم لها كتاباً وابن الوزير ، وهكذا عامة المعتزلة ولا زال المقبلي يرددها في عامة كتبه ، فإن إثباتها هو مذهب أهل الحديث والكرامية والمعتزلة والماتريدية ، بل وأكثر الأشاعرة المتأخرين ، بل هم موافقون عموماً فيما يتعلق بالأحكام بتعليقها بالمصالح والمفاسد . والله أعلم.
وتكلموا عن كيفية استخراج الأحكام الشرعية الخمسة منها ، كما فعل عبد الجبار في (المجموع المحيط بالتكليف) الجزء الأول مثلاً ، وكما فعله صاحب المعتمد عند كلامه على العلة المنصوصة وأبي عبدالله البصري كلام نحوه أيضاً.
وتكلموا عن كيفية استنباطها في مباحث الاستدلال ومسالك العلة وكتب القواعد الفقهية وكتب الأشباه والنظائر وكتب الفقه.
بل كل ما جعلوه دليلاً على إثبات الحكم الشرعي فهو صالح عندهم لإثبات المقصد الشرعي .
بهذا اكتفي الآن ونكمل لاحقاً إن شاء الله
والله جل وعلا أعلم وأحكم
 
إنضم
5 أغسطس 2010
المشاركات
837
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
أصول الفقه
المدينة
عين تموشنت
المذهب الفقهي
مالكي
رد: علم المقاصد الشرعية ما له وما عليه

بين يدي فيديو للشيخ جلال الجهاني يناقش فيه كتاب مقاصد الشريعة للطاهر بن عاشور نقاشا نقديا ، وأنصح به إخواني ، وبغض النظر قد يختلف بعض إخواني مع فكر الشيخ إلا أنه جدير بالمشاهدة .
جزاكم الله خيرا شيخ حمزة على هذه الإحالة..
كل ما ذكر في هذا الشريط بعيد عن مناهج النقد العلمي ، و مخالف لنظرية الإمام الطاهر..، و كأني بالدكتور يناظر علمانيا أو حداثيا..
و الحاصل أن الدكتور لم يوفق في تصور حقيقة المقاصد بله نقد مباحثها..


 
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
871
الكنية
أبو الأمين
التخصص
أصول الفقه
المدينة
باريس
المذهب الفقهي
أصول مالكية
رد: علم المقاصد الشرعية ما له وما عليه

بين يدي فيديو للشيخ جلال الجهاني يناقش فيه كتاب مقاصد الشريعة للطاهر بن عاشور نقاشا نقديا ، وأنصح به إخواني ، وبغض النظر قد يختلف بعض إخواني مع فكر الشيخ إلا أنه جدير بالمشاهدة .

http://www.youtube.com/watch?v=7AI5_G4XGdE&list=UUFRDKYTLinIT6odkskrM47g&index=26&feature=plpp_video

نظرت في بداية كلامه فإذا به يقول أن علم أصول الفقه جاء مع الشريعة و كأنه يقول أن العرب لم تكن تفهم الكلام العربي حتى نزل عليهم القرآن و الحق أن أغلب ما في علم الأصول موجود عند العرب بالفطرة من العام و الخاص و المطلق و المقيد و المشترك و غيرها من المسائل و القرآن نزل بلغتهم فلا يعقل أن يقال أن علم الأصول ما جاء إلا بمجيء الشريعة.

و الله أعلم.
 

حمزة عدنان الشركسي

:: مطـًـلع ::
إنضم
3 يونيو 2011
المشاركات
189
التخصص
اقتصاد إسلامي
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: علم المقاصد الشرعية ما له وما عليه

جزاكم الله خيرا شيخنا الأخضري ..
أذكر أني قرأت قبل مدة بحثا للدكتور حامد حسان عن مقاصد الشريعة في المعاملات المالية ، فتحدث عن بيعتين في بيعة ، ثم ذكر أنها لا تجوز نصا ولكن يمكننا أن نجوزها من باب المقاصد !!!
للأسف هكذا حال كثير من أصحاب نظريات المقاصد كالريسوني وغيره .
نعم قد تدخل مقاصد الشريعة تحت التعليل بالحكمة حيث لا نص - بناء على قول الرازي وابن الحاجب - ، أو في باب المصالح المرسلة أو الاستحسان ، لكن أن نجعلها مصادمة للدلالات الراجحة والظاهرة أو الإجماع أو الأقيسة الجلية ، فهذا بعيد عن فهم الشريعة .
ما يطرحه الريسوني الآن من أطروحة مقاصد العقيدة ، فهذه الأطروحة هي التي ستوصلنا إلى أصول مدرسة محمد عبده والأفغاني من إنكار للمعجزات والكرامات وبعض الغيبيات ، نعم أفهم أن القصد من هذه الأطروحة هي تقليل مساحة الخلاف بين المذاهب الإسلامية ، لكن باعتقادي القاصر أن هذا ليس بحل ، بل الحل هو في التزكية ، فعندما تصبح النفوس صافية بعيدة عن الكبر والشهوة والعجب ساعتئذ ستصبح مساحة الخلاف أقل بكثير ، والله تعالى أعلم .
 
إنضم
21 فبراير 2010
المشاركات
456
الإقامة
الإمارات العربية المتحدة
الجنس
ذكر
الكنية
أبو حاتم
التخصص
أصول الفقه ومقاصد الشريعة
الدولة
الإمارات العربية المتحدة
المدينة
أبوظبي
المذهب الفقهي
المذهب المالكي
رد: علم المقاصد الشرعية ما له وما عليه

جزاكم الله خيرا شيخ حمزة على هذه الإحالة..
كل ما ذكر في هذا الشريط بعيد عن مناهج النقد العلمي ، و مخالف لنظرية الإمام الطاهر..، و كأني بالدكتور يناظر علمانيا أو حداثيا..
و الحاصل أن الدكتور لم يوفق في تصور حقيقة المقاصد بله نقد مباحثها..
نعم شيخنا لاحظت ذلك أيضا، وقد شطن بالشيخ الجهاني القول في كثير من كلامه، ولم يوفق في الربط بين عناصر ما ينتقده جملة أو تفصيلا.
أما الشيخ وضاح فأقول له: إن النقد له معياران: معيار ذاتي ومعيار موضوعي، فأما الذاتي فقد فهمناه، وأما الموضوعي فنحن بانتظاره، لأنه لو كان النقد مقتصرا على المتكلمين في المقاصد فهذا أمر مقدور عليه، وإن كان يتعداهم إلى العلم نفسه، فهاهنا يقع ما ينبغي تحرير النزاع فيه.
 
إنضم
21 فبراير 2010
المشاركات
456
الإقامة
الإمارات العربية المتحدة
الجنس
ذكر
الكنية
أبو حاتم
التخصص
أصول الفقه ومقاصد الشريعة
الدولة
الإمارات العربية المتحدة
المدينة
أبوظبي
المذهب الفقهي
المذهب المالكي
رد: علم المقاصد الشرعية ما له وما عليه

جزاكم الله خيرا شيخنا الأخضري ..
أذكر أني قرأت قبل مدة بحثا للدكتور حامد حسان عن مقاصد الشريعة في المعاملات المالية ، فتحدث عن بيعتين في بيعة ، ثم ذكر أنها لا تجوز نصا ولكن يمكننا أن نجوزها من باب المقاصد !!!
للأسف هكذا حال كثير من أصحاب نظريات المقاصد كالريسوني وغيره .
نعم قد تدخل مقاصد الشريعة تحت التعليل بالحكمة حيث لا نص - بناء على قول الرازي وابن الحاجب - ، أو في باب المصالح المرسلة أو الاستحسان ، لكن أن نجعلها مصادمة للدلالات الراجحة والظاهرة أو الإجماع أو الأقيسة الجلية ، فهذا بعيد عن فهم الشريعة .
ما يطرحه الريسوني الآن من أطروحة مقاصد العقيدة ، فهذه الأطروحة هي التي ستوصلنا إلى أصول مدرسة محمد عبده والأفغاني من إنكار للمعجزات والكرامات وبعض الغيبيات ، نعم أفهم أن القصد من هذه الأطروحة هي تقليل مساحة الخلاف بين المذاهب الإسلامية ، لكن باعتقادي القاصر أن هذا ليس بحل ، بل الحل هو في التزكية ، فعندما تصبح النفوس صافية بعيدة عن الكبر والشهوة والعجب ساعتئذ ستصبح مساحة الخلاف أقل بكثير ، والله تعالى أعلم .
شيخ حمزة: من المنهج العلمي ألا يحكم على مآلات التصورات قبل وقوعها، ومن الخطأ الحكم بلا بيان لحيثياته، وأقصد بذلك أنك جزمت أن ما يذهب إليه الريسوني حفظه الله يؤول إلى تقرير المدرسة العقلية التي ما تركت بابا إلا زاحمت عليه، وهذا ينبغي منك بمقتضى المنهج العلمي والأمانة أن تأتي بكلام الريسوني وتأتي بما يماثله من كلام من ذكرت وتبني الإشكال الذي تقرر عندك بناء علميا من حيث المبادئ عند الجميع ومن حيث التصورات وما يصدق عليه المفهوم عندهم، فإن وقع الحافر على الحافر في كل ما ذكرت فقد أصبت ويقتضي منا ذلك التسليم لك فيما تقوله، وإلا فاعذرني فإني لا أقبل منك هذا، خاصة وأنك نقلت القضية من باب إلى باب دون تمهيد ولا بيان للعلاقة الموجبة للانتقال، والقواعد تقرر أن الانتقال من دعوى إلى دعوى موجب لسقوط الدعويين.
 
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,277
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
رد: علم المقاصد الشرعية ما له وما عليه

اخي وضاح
السلام عليكم وعلى جميع القراء والمشاركين
جعل الله لك من اسمك نصيب
اتمنى عليك ان تتم ما بدأت فقد والله نفعتني
جزاكم الله خيرا

السلام عليكم ورحمة الله
الفاضل أبا عبد الرحمن, أرجو أن تكتب ما طرحت هنا في رسالة خاصة أكثر انتظاما حتي تنفعنا.
والله إنها لفكرة جديرة بالاهتمام.
الأخوان الفاضلان أسعدتماني كثيراً بإعلامي أن لما كتبت فائدة ما ، إذ هو أهم مقاصد الكاتب من كتاباته.
جزاكما الله خيراً وبارك فيكما.
لكن أخي محمد فيصل ، أخوك فاشل تماماً في ترتيب المواضيع ، ووضعها على نمط الرسائل والكتب ، إنما هي أفكار تبدر من رأسي فتتلقفها يداي فأضعها على الجهاز أو الورق كما هي.

الدكتورة الفاضلة أم صفاء
فالظاهر أنكم أردتم الانتصار لعدم استقلال المقاصد عن علم أصول الفقه، وسقتم لأجل ذلك ما يستقيم سبيلا للاستدلال على ذلك.
ما ذكرتم من كون المقاصد الشرعية لا تفصل عن علم الأصول ، بعض مقصودي لا كله ، وذلك أنه في ظني لا يمكن تجريده وعدم ربطه بغيره من الأصول الفقهية وإلا صار موجوداً في الذهن فقط ، ولا وجود له في الخارج فضلاً عن تصنيفه أصلاً زائداً عن الكتاب والسنة والإجماع والقياس.

وتبسيطا لما ذكرته أقول : إن مقاصد الشارع هي مراداته أو حكمه وغاياته الموجودة في النصوص أو في الأحكام الشرعية ولو كان مأخذها الإجماع والقياس ، فإنْ نحن جردنا علم المقاصد عن النصوص والأحكام التي نستخلصه (أي المقاصد) منها ، عاد فكرة مجردة ، كما أنا لو جردنا الحيوانية عن تعلقها بما يفيدها الاختصاص والوجود لم تكن موجودة إلا في الذهن ، بمعنى أنا لو جردنا حيوانية زيد والحمار والثور لم يكن لتلك الحيوانية المجردة وجود خارج الذهن.
وأشبه ما يمكنني استحضاره بعلم المقاصد مباحث الألفاظ ، فإنا لو عممناه في كل ما يصلح له قولنا (لفظ) كما يفعله المقاصديون مع عبارة (مقاصد الشريعة) لدخل في عامة المباحث الأصولية ، فلو نظرنا إليه مجرداً عن تلك المباحث الأصولية صار عبارة عن تصورات ذهنية لا وجود لها خارج الذهن ، كالمشترك مثلاً بين قولنا : "لا رجل في الدار" "ولا عبدَ مجزء" فإن القدر المشترك مثلاً هو النفي الواقع على النكرة ، كما يشتركان في النتيجة التي هي مفهوم العموم ، فالنفي الواقع على النكرة لا وجود له خارج الذهن إلا معيناً ، وكذا العموم من غير نظر إلى نفس العام المعين في الخارج.​
وأحاول أن أبسطه أكثر فأقول: إن ما فعله المقاصديون هو أنهم نظروا في المقاصد مجردة من النصوص الدالة عليه ومجردة من الأحكام التي تتستنبط منها المقاصد ، فصارت المقاصد عبارة عن معاني مجردة كحفظ النفس وحفظ المال وحفظ النسل وحفظ العرض وحفظ العقل ، وهكذا ، فهذه المعاني وإن كان لها مفهوم ذهني ، لكنها أفكار مجردة لا نراها في تصرفات الشارع إلا مقيدة ، والأحكام لا تتعلق بالمفهوم الذهني المجرد لعلم المقاصد بل بصوره المقيدة فقط ، ومن هنا علمت أن أحداً لن يستطيع أن يأتيني بمثال يستفيد فيه حكماً شرعياً من مقصد مجرداً ، فكان السؤال الذي ناقشنا فيه الدكتور أيمن علي صالح.
وغايته أن المقاصدي إن حاول أن يستفيد حكماً سيذكر المقصد ثم الأصل الذي منه استفاد ذلك المقصد ومحاولة ربط الحادثة بذلك الأصل بالنظر إلى ذلك المقصد ، وهذا سيضطره إلى رد الاستدلال بالمقصد إلى الاستدلال بأحد الأصول الأربعة الكتاب والسنة والإجماع والقياس ، أو غيرها من الأصول المختلف فيها كقول الصحابي مثلاً.​
ولنضرب مثالاً عليه ، فإذا قلنا : رجل استعار من غيره ثوراً قيمته ثلاثة دنانير ذهباً ، ثم ألقاه من شاهق ليستمتع برؤيته يموت ، فبماذا نحكم عليه (طبعاً بالاعتماد على المقاصد الشرعية فقط) قد يأتي مقاصدي ويقول : قد بلغ الثور قيمة ما تقطع به اليد ، ومن مقاصد الشرعية في القطع حفظ المال ، وهو هنا حاصل ، فنقطع يده.
هذا مثال لعله لا يأتي مقاصدي يقوله ، ولكن نفرضه فرضاً ، والجواب خطأ بلا شك ، ومقصودي أن هذا المقاصدي الذي فرضناه لم يتمكن من اعتماد حفظ المال مجرداً عن غيره لإعطاء الحكم ، بل رد المسألة قياساً بالنظر إلى السارق الذي نص الشارع على حكمه ، فلم يستطع أن يستنبط القطع من مجرد حكمة حفظ المال ، ولم يستطع الجزم بمقدار ما تقطع فيه اليد في هذه الصورة خاصة والنظر إلى ذلك المقصد مجرداً ، وهكذا.
إلى هنا وغلب حماري وحنظلت نخلاتي فأرجو أن يكون ذلك كافياً في بيان مقصودي.​
إذاً علم المقاصد كالعلوم الناظرة في مباحث الألفاظ يمكن إفراده ليفهم ولا يمكن فصله وجعله أصلاً خامساً للكتاب والسنة والإجماع والقياس.
هذا أولاً ، أما ثانياً ، فعلم المقاصد ينظر في واحد من أهم اللبنات التي عليها تنبني نصوص الشريعة والأحكام الشرعية ، فما من نص إلا ولصاحبه مقصد وما من حكم إلا وقد وضع لغاية ، فإذا زعمنا أن النصوص والأحكام مباحث مستقلة مفردة بحيث لا يكون البحث في النص والحكم الشرعي متعلقاً بعلم المقاصد باعتبارها أحد أجزاءها وأن علم المقاصد مفرد مستقل ، فقد فرَّغنا هذه المباحث من أهم مقوماتها أو واحد من أهمها واعتقادي أن نفس البحث في الأصول الأربعة والأحكام الخمسة هو بحث في المقاصد، ومن أهمله أثناء بحثه فيها أو زعم أنه خارج عن ماهيتها فقد نظر إلى هذه المباحث نظرة مختلة، فالواجب علينا إذا أفردنا علم المقاصد هو النظر فيها مفردة مستقلة لمعرفتها ثم ردها إلى موضعها الصحيح في النص وفي الحكم لأنها إما جزء من ماهية هذه الأشياء أو لأنه أحد لوازمها.

أما سؤالكم عن مقصودي بالوصف بالتمطيط والتنطع وغيره ، فيؤسفني أن أقول : إن جوابي على خلاف ما ظننتي شامل للأغلب ، وقصر كلامي على الأغلب ليس لكون الباقين لم يفعلوه بل لأني لم أطلع على كلام الجميع فقط.
أنا أعلم أن هذه الإجابة قاسية ، لكن هذا وصف للواقع الملموس ، فلا ينفع في دفعه ذكر فضائل الكتَّاب في هذا الباب ، وقد قرأت رسائل صغيره جداً تتعلق ببعض مباحث علم المقاصد الذي يظنون أنه ليس هو جزءاً من المباحث الأصولية (في ظن المؤلف ، أو يكون أوهمه بدون قصد منه ، وإلا فهي مباحث أصولية مستقلة كمبحث الاستقراء ، ومبحث تنزيل الأحكام) فلم أرها على صغر حجمها خلت من فضول الكلام .
أما الدكتور الذي ذكرتيه رحمه الله ففي الحقيقة أنا لم أطلع على كتاباته ، وقد حاولت الحصول على بعضها عبر النت فعجزت ، وما دمتي تعريفينه وتعريفين كتبه فالحكم لكم.
وأبشع من هذا أن يدخل المصنف في المقاصد في مباحث لا يفمها هو ، ويقبل فيها مجرد الدعاوى ككلامهم في مبحث العلة عن اعتقاد الأشاعرة فيه ، كما فعله الدكتور الفاضل احميدان وزاد فتكلم عن الفلاسفة بما هم منه براء ، ولم يميز معنى العلة المختلف فيها فخلَّط .
فهذا مبحث لا تعلق له بنفس مقصود كتابه إلا بمقدار يسير ، وذلك لأن منكري العلل ومثبتيها لا يختلفون في العمل على وفقها في المباحث الشرعية.
وللفائدة فإن الأشاعرة لا يقولون بالتعليل أصلاً ، والذي يثبتونه هو صورة التعليل لا نفسه ، لذا يعبرون بعبارات نحو (العلة هي الأمارة الدالة على الحكم) ونحوها ، فهي ليست باعثة عليه أو على وضعه وتشريعه ، بل جرت العادة على أن الحكم يوجد حيث وجدت من غير أن يكون لها تأثير على إيجاده باعتبارها غرض لواضع الحكم ، بل الحاكم سبحانه عندهم بتنزه عن كونه يفعل من أجل غرض من الأغراض ولو كانت حكمة ترجع على العباد بالنفع.
فزدناكم دكتورتنا الفاضلة إلى ما تقدم من الوصف تكلم بعض المقاصديين بما لا يحسنه .
وعموماً أنا لا أشك أن مقصود كثيرين هو الحق كما أن مقصود آخرين مجرد الظهور.

والله سبحانه أعلم.
 
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,277
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
رد: علم المقاصد الشرعية ما له وما عليه

الدكتورة الفاضلة أم صفاء
اقتباس: المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام صفاء مشاهدة المشاركة
فالظاهر أنكم أردتم الانتصار لعدم استقلال المقاصد عن علم أصول الفقه، وسقتم لأجل ذلك ما يستقيم سبيلا للاستدلال على ذلك.
ما ذكرتم من كون المقاصد الشرعية لا تفصل عن علم الأصول ، بعض مقصودي لا كله ، وذلك أنه في ظني لا يمكن تجريده وعدم ربطه بغيره من الأصول الفقهية وإلا صار موجوداً في الذهن فقط ، ولا وجود له في الخارج فضلاً عن تصنيفه أصلاً زائداً عن الكتاب والسنة والإجماع والقياس.

وتبسيطا لما ذكرته أقول : إن مقاصد الشارع هي مراداته أو حكمه وغاياته الموجودة في النصوص أو في الأحكام الشرعية ولو كان مأخذها الإجماع والقياس ، فإنْ نحن جردنا علم المقاصد عن النصوص والأحكام التي نستخلصه (أي المقاصد) منها ، عاد فكرة مجردة ، كما أنا لو جردنا الحيوانية عن تعلقها بما يفيدها الاختصاص والوجود لم تكن موجودة إلا في الذهن ، بمعنى أنا لو جردنا حيوانية زيد والحمار والثور لم يكن لتلك الحيوانية المجردة وجود خارج الذهن.
وأشبه ما يمكنني استحضاره بعلم المقاصد مباحث الألفاظ ، فإنا لو عممناه في كل ما يصلح له قولنا (لفظ) كما يفعله المقاصديون مع عبارة (مقاصد الشريعة) لدخل في عامة المباحث الأصولية ، فلو نظرنا إليه مجرداً عن تلك المباحث الأصولية صار عبارة عن تصورات ذهنية لا وجود لها خارج الذهن ، كالمشترك مثلاً بين قولنا : "لا رجل في الدار" "ولا عبدَ مجزء" فإن القدر المشترك مثلاً هو النفي الواقع على النكرة ، كما يشتركان في النتيجة التي هي مفهوم العموم ، فالنفي الواقع على النكرة لا وجود له خارج الذهن إلا معيناً ، وكذا العموم من غير نظر إلى نفس العام المعين في الخارج.
وأحاول أن أبسطه أكثر فأقول: إن ما فعله المقاصديون هو أنهم نظروا في المقاصد مجردة من النصوص الدالة عليه ومجردة من الأحكام التي تتستنبط منها المقاصد ، فصارت المقاصد عبارة عن معاني مجردة كحفظ النفس وحفظ المال وحفظ النسل وحفظ العرض وحفظ العقل ، وهكذا ، فهذه المعاني وإن كان لها مفهوم ذهني ، لكنها أفكار مجردة لا نراها في تصرفات الشارع إلا مقيدة ، والأحكام لا تتعلق بالمفهوم الذهني المجرد لعلم المقاصد بل بصوره المقيدة فقط ، ومن هنا علمت أن أحداً لن يستطيع أن يأتيني بمثال يستفيد فيه حكماً شرعياً من مقصد مجرداً ، فكان السؤال الذي ناقشنا فيه الدكتور أيمن علي صالح.
وغايته أن المقاصدي إن حاول أن يستفيد حكماً سيذكر المقصد ثم الأصل الذي منه استفاد ذلك المقصد ومحاولة ربط الحادثة بذلك الأصل بالنظر إلى ذلك المقصد ، وهذا سيضطره إلى رد الاستدلال بالمقصد إلى الاستدلال بأحد الأصول الأربعة الكتاب والسنة والإجماع والقياس ، أو غيرها من الأصول المختلف فيها كقول الصحابي مثلاً.
ولنضرب مثالاً عليه ، فإذا قلنا : رجل استعار من غيره ثوراً قيمته ثلاثة دنانير ذهباً ، ثم ألقاه من شاهق ليستمتع برؤيته يموت ، فبماذا نحكم عليه (طبعاً بالاعتماد على المقاصد الشرعية فقط) قد يأتي مقاصدي ويقول : قد بلغ الثور قيمة ما تقطع به اليد ، ومن مقاصد الشرعية في القطع حفظ المال ، وهو هنا حاصل ، فنقطع يده.
هذا مثال لعله لا يأتي مقاصدي يقوله ، ولكن نفرضه فرضاً ، والجواب خطأ بلا شك ، ومقصودي أن هذا المقاصدي الذي فرضناه لم يتمكن من اعتماد حفظ المال مجرداً عن غيره لإعطاء الحكم ، بل رد المسألة قياساً بالنظر إلى السارق الذي نص الشارع على حكمه ، فلم يستطع أن يستنبط القطع من مجرد حكمة حفظ المال ، ولم يستطع الجزم بمقدار ما تقطع فيه اليد في هذه الصورة خاصة والنظر إلى ذلك المقصد مجرداً ، وهكذا.
إلى هنا وغلب حماري وحنظلت نخلاتي فأرجو أن يكون ذلك كافياً في بيان مقصودي.
إذاً علم المقاصد كالعلوم الناظرة في مباحث الألفاظ يمكن إفراده ليفهم ولا يمكن فصله وجعله أصلاً خامساً للكتاب والسنة والإجماع والقياس.
هذا أولاً ، أما ثانياً ، فعلم المقاصد ينظر في واحد من أهم اللبنات التي عليها تنبني نصوص الشريعة والأحكام الشرعية ، فما من نص إلا ولصاحبه مقصد وما من حكم إلا وقد وضع لغاية ، فإذا زعمنا أن النصوص والأحكام مباحث مستقلة مفردة بحيث لا يكون البحث في النص والحكم الشرعي متعلقاً بعلم المقاصد باعتبارها أحد أجزاءها وأن علم المقاصد مفرد مستقل ، فقد فرَّغنا هذه المباحث من أهم مقوماتها أو واحد من أهمها واعتقادي أن نفس البحث في الأصول الأربعة والأحكام الخمسة هو بحث في المقاصد، ومن أهمله أثناء بحثه فيها أو زعم أنه خارج عن ماهيتها فقد نظر إلى هذه المباحث نظرة مختلة، فالواجب علينا إذا أفردنا علم المقاصد هو النظر فيها مفردة مستقلة لمعرفتها ثم ردها إلى موضعها الصحيح في النص وفي الحكم لأنها إما جزء من ماهية هذه الأشياء أو لأنه أحد لوازمها.

أما سؤالكم عن مقصودي بالوصف بالتمطيط والتنطع وغيره ، فيؤسفني أن أقول : إن جوابي على خلاف ما ظننتي شامل للأغلب ، وقصر كلامي على الأغلب ليس لكون الباقين لم يفعلوه بل لأني لم أطلع على كلام الجميع فقط.
أنا أعلم أن هذه الإجابة قاسية ، لكن هذا وصف للواقع الملموس ، فلا ينفع في دفعه ذكر فضائل الكتَّاب في هذا الباب ، وقد قرأت رسائل صغيره جداً تتعلق ببعض مباحث علم المقاصد الذي يظنون أنه ليس هو جزءاً من المباحث الأصولية (في ظن المؤلف ، أو يكون أوهمه بدون قصد منه ، وإلا فهي مباحث أصولية مستقلة كمبحث الاستقراء ، ومبحث تنزيل الأحكام) فلم أرها على صغر حجمها خلت من فضول الكلام .
أما الدكتور الذي ذكرتيه رحمه الله ففي الحقيقة أنا لم أطلع على كتاباته ، وقد حاولت الحصول على بعضها عبر النت فعجزت ، وما دمتي تعريفينه وتعريفين كتبه فالحكم لكم.
وأبشع من هذا أن يدخل المصنف في المقاصد في مباحث لا يفمها هو ، ويقبل فيها مجرد الدعاوى ككلامهم في مبحث العلة عن اعتقاد الأشاعرة فيه ، كما فعله الدكتور الفاضل احميدان وزاد فتكلم عن الفلاسفة بما هم منه براء ، ولم يميز معنى العلة المختلف فيها فخلَّط .
فهذا مبحث لا تعلق له بنفس مقصود كتابه إلا بمقدار يسير ، وذلك لأن منكري العلل ومثبتيها لا يختلفون في العمل على وفقها في المباحث الشرعية.
وللفائدة فإن الأشاعرة لا يقولون بالتعليل أصلاً ، والذي يثبتونه هو صورة التعليل لا نفسه ، لذا يعبرون بعبارات نحو (العلة هي الأمارة الدالة على الحكم) ونحوها ، فهي ليست باعثة عليه أو على وضعه وتشريعه ، بل جرت العادة على أن الحكم يوجد حيث وجدت من غير أن يكون لها تأثير على إيجاده باعتبارها غرض لواضع الحكم ، بل الحاكم سبحانه عندهم بتنزه عن كونه يفعل من أجل غرض من الأغراض ولو كانت حكمة ترجع على العباد بالنفع.
فزدناكم دكتورتنا الفاضلة إلى ما تقدم من الوصف تكلم بعض المقاصديين بما لا يحسنه .
وعموماً أنا لا أشك أن مقصود كثيرين هو الحق كما أن مقصود آخرين مجرد الظهور.
قد بدا لي بعد التفكير أن ما ذكرته الدكتورة الفاضلة صحيح ، وهو أن عامة ما ذكرته يمكن إدراجه تحت عنوان (عدم فصل علم المقاصد عن علم الأصول.
والله أعلم
 
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,277
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
رد: علم المقاصد الشرعية ما له وما عليه

أذكر أني قرأت قبل مدة بحثا للدكتور حامد حسان عن مقاصد الشريعة في المعاملات المالية ، فتحدث عن بيعتين في بيعة ، ثم ذكر أنها لا تجوز نصا ولكن يمكننا أن نجوزها من باب المقاصد !!!
للأسف هكذا حال كثير من أصحاب نظريات المقاصد ......
نعم قد تدخل مقاصد الشريعة تحت التعليل بالحكمة حيث لا نص - بناء على قول الرازي وابن الحاجب - ، أو في باب المصالح المرسلة أو الاستحسان ، لكن أن نجعلها مصادمة للدلالات الراجحة والظاهرة أو الإجماع أو الأقيسة الجلية ، فهذا بعيد عن فهم الشريعة .
جزاك الله خيرا
ومن أجل ما ذكرتم كان ما كتبنا
 
التعديل الأخير:
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,277
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
التعديل الأخير:
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,277
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
رد: علم المقاصد الشرعية ما له وما عليه

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه . وبعد
قد كان انتهى بي الكلام إلى أن المقاصد من حيث هي بعض مباحث أصول الفقه ، والنظر فيه إما باعتبارها إحدى مدلولات النصوص الشرعية ، وهي من هذه الجهة ليست بدليل مستقل بذاته إلا عند القائلين بالمصالح المرسلة بأوسع معانيه.
وبيان عدم إمكان إقامتها دليلاً مفرداً مستقلاً أنها باعتبارها بعض مدلولات النص ليست بنص، وباعتبارها جزء من الدليل الكلي ليست بذلك الدليل الكلي. وأنها إن لم تكن نصاً ولا دليلا مستقلا صارت معنى مجرد في الذهن يحتاج إلى التعبير عنه لإيجاده أو يجاد باقي أجزائه.
فالمصلحة المعبر عنها بنص الشارع نص ، فقد عاد الكلام إلى الإستدلال بالنص ، وإن كملنا باقي أجزاء المصلحة لنقل حكمها إلى غيرها تصير قياساً فعاد الكلام إلى الدليل لكلي.
ومن هنا أظن ـ والله أعلم ـ أن اعتماد المصلحة المجردة حيث لم يرد نص مستحيل في ذاته ، وأنك لو حاولت ذلك ـ أي اعتماد على مصلحة مجردة لاستنباط حكم في واقعة لا نص فيها من غير نظر إلى دليل آخر ـ فلن تخرج من أحد ثلاثة :
إما أن تبحث عن نظائر للواقعة تشتمل على المصلحة لترى كيف تعامل معها الشرع فتسحب ذلك الحكم الذي في النظير إلى الواقعة.
وإما أن تنظر في النص الدال على المصلحة لتستنبط الحكم من ألفاظه.
أو تتشهى فتوجد أحكاماً من عندك بغرض تحصيل المصلحة أو حفظها.
ثم تلك المصلحة إن عبر عنها الشارع صريحاً فهي دلالة لفظ يمكن البحث فيه واستنباط الأحكام.
وإن كانت المصلحة مستنبطة من تصرفات الشارع ، فلا محالة يحتاج الفقيه أن يعبر عنها ، فإن اعتمدنا نصه لبناء الحكم فقد سوينا بين نصوص الفقهاء ونصوص الشارع من حيث استنباط الشرائع والأحكام منها.
هذا والفقيه قد تقصر عبارته عن إعطاء المقصد الملحوظ في تصرفات الشارع عبارة توفيه حقه. وهو كثير في المعتركات القياسية.
فلا بد إذا من تبيين السبيل التي ينظر فيها إلى المصلحة نظرة تستنبط الأحكام حيث لا نص ولا نظير يقاس عليه.
وهو ما أزعمه متعذراً ، وقد طال الوقت على أول مطالبة لي بإمكان إثباته وحاولته بيني وبين نفسي طويلاً ، فلم أجد له مثالاً واحداً يفتح ذهني لأركان وطق الإستنباط بحيث يمكن التعبير عنها بعبارة تُعَلَّمُ للطلبة ويقال لهم : إعملوا كذا ثم اتبعوه بكذا فتصلون إلى الحكم الفلاني.
وقد نظرت في الأمثلة التي يرددها المقاصديون عموماً فرأيت عامتها وضع لأمثلة يقفز فيها المؤلف من وضع المقصد إلى إعطاء الحكم من غير ذكر للواسطة.
وربما اجتهد بعضهم في محاولة إطهار تلك الطريق ، وإذا أمعنت في كلامه تراه يتعب في بيان طرق استنباط المصلحة لا استنباط الحكم منها.

ولعله لا يوجد في الدنيا قط حكم مصلحي واحد لا خلاف فيه، في مسألة لا تعلق لها بالأدلة الشرعية المقررة في كتب الأصول .
وهذا في علم كان من أهم مقاصد أصحابه رفع الخلاف.
(وعلى المثبت الدليل)

ولازلت أقرأ في هذا الملتقى المبارك وفي غيره ، مطالبات بالنظر في الحكم الفلاني نظرة مقاصدية ، ومسائلات عن (ما هية النظرة المقاصدية) للمسألة العلانية ، لأرى بعدها خطب إنشائية ليس فيها جديد ، مذكرة لي بقول القائل :
وإذا أتاه سائلٌ في حاجة *** رد الجواب له بغير جواب

ولست أفهم ما مطلوب السائل عن ذلك أو الطالب لما هنالك .

أتراه يظن أن من تكلم من الفقهاء فيها لم ينظر إلى المصالح ؟
أو ظن أن هذا العلم بِدْعٌ لم يعرفه السلف الصالح؟

وأشكر الأستاذة الفاضلة جميلة تلوت مؤلفة كتاب (فقه التنزيل عند الإمام ابن تيمية) وهو كتاب رائع بحق ، وإن اختلفتُ معها.
وقد مكنت في نفسي أهمية النظر في المصلحة وقوة مكانة (تحقيق المناط وتنقيحه وتخريجه) وتأثير المصلحة على النص وغير ذلك كثير على صغر حجمه ، ثقله الله لها في الميزان.

والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم
 
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
871
الكنية
أبو الأمين
التخصص
أصول الفقه
المدينة
باريس
المذهب الفقهي
أصول مالكية
رد: علم المقاصد الشرعية ما له وما عليه

بارك الله فيك شيخنا الفاضل وضاح.

لست من المختصين في علم المقاصد لكن الذي يظهر لي من خلال كلامك أن المشكلة الأساسية المطروحة هنا ليست مشكلة فائدة علم المقاصد من عدمها إنما هي حول كيفية ضبط هذا العلم، فعلم المقاصد يحتاج ضبطا ذلك أنه لم يستقر ليومنا هذا، فما نفض الغبار عليه إلا من قرن فقط بعد أن نسي كتاب الإمام الشاطبي لقرون.

والمتأمل في حال المعاصرين اليوم في علم المقاصد يجد هذا المشكل ظاهرا عندهم، إذ أغلب مؤلفاتهم كلام إنشائي لا على غرار كتاب الإمام الشاطبي الذي حاول فيه وضع قواعد وأسس مضبوطة لهذا العلم على غرار ضبط علماء الأصول علم الأصول.

والمقصود بالضوابط هنا الضوابط الجامعة المانعة لا الضوابط الإنشائية التي تبنى على ذوق المتكلم فلعل هذا هو السبب الأساسي للمشكل الذي طرحته.

نجد الكثير من الكتب المقاصدية اليوم تتكلم على ضوابط في تحديد المصلحة و المفسدة ، وفي الترجيح بينها، والتخصيص بالمصالح و المفاسد، لكن المشكل الأساسي أنها تسمي كلامها ضوابطا و ما هي بضوابط إذ يبقى الكلام عاما خاضعا لهوى الفقيه ولا يمكن رده لقواعد قابلة للتكميم عند التطبيق فلعل هذا هو معنى قولك " فلم أجد له مثالاً واحداً يفتح ذهني لأركان وطق الإستنباط بحيث يمكن التعبير عنها بعبارة تُعَلَّمُ للطلبة ويقال لهم : إعملوا كذا ثم اتبعوه بكذا فتصلون إلى الحكم الفلاني."

إن لم تكن هناك ضوابط لهذا العلم غير قابلة للخلاف في كيفية التطبيق فمن الصعب محاكمة المستدلين بها على ضوئها و من الصعب تعليمها لطلبة العلم ولعل هذا الذي جعل المنتسبين اليوم لعلم المقاصد يردون الكثير من نصوص الشرع بدعوى المصلحة.

كل علم يحتاج لقواعد مميزة غير خاضعة لهوي المستدل عند التطبيق فالمشكل الأساسي هو فصل القواعد المقاصدية عن ذوق المتكلم فمتى فصلت عنه نتج عن ذلك أنه مهما تغير المطبق لهذه القواعد وصل لنفس النتيجة بالتطبيق السليم لها و الله أعلم.
 
التعديل الأخير:
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,277
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
رد: علم المقاصد الشرعية ما له وما عليه

وفيك بارك الله شيخنا المبارك
في كلامكم أمر مهم سأتطرق له لاحقاً .
لكن فيما يتعلق بموضع الإستشكال ، فالذي أردته بمشاركتي الأخيرة أبعد مما ذكرتم فالذي يظهر لي أن الإعتماد على حكمة أو مصلحة حتى لو نص عليها الشارع لإعطاء حكم في حادثة مجردة عن الدلالات سوى المصلحة ، مستحيل حتى لو حاوله الفقيه .
وإلا فليأتوا بمثال متفق عليه يدل على الإمكان ويدفع الإستحالة.
ولكن إن قلنا إن المصلحة أحد أركان القياس ، وبعض دلالات النصوص ، وأن الدليل هو ذلك القياس الذي مصلحته جزءٌ منه أو ذلك النص الذي مصلحته بعض مدلولاته ، أمكن بيسر إعمال المصلحة لا حيث لم يوجد نص فقط ، بل وحيث يوجد بأن تقيد دلالة النص أو تخصصه ، بل حتى تلغيه في صور دون أخرى.
أما ما نبه عليه كلامك وأشرت إليه أولاً فهو أن بعض الأفاضل الأماثل يستنبط بمحض رأيه مصالح مشكوك فيها ، إما من حيث هي ، بمعنى أن مخالفه قد لا يراها مصلحة ، أو يخالفه في تحققها في الواقعة المعينة ، أو في كونها مؤثرة ، أو في وجود المعارض لها من المفاسد مثلاً أو مصالح أخرى في الواقعة تقتضي خلاف ما في المصلحة المُدَّعاة ، أو نحو ذلك ويبني عليها حكماً مخالفاً لنصوص في نفس الواقعة أو نظائرها.
فإذا نبهته على ذلك تجلد كل التجلد إلى رد ذلك النص إما بكونه آحاداً أو واقعة عين أو عاماً ظنياً أو مطلقاً يمكن تقييده ، ولا يراعي أن كل ذلك لا يمنع من الإستدلال بالنص كشأن عامة المسائل المتفق عليها فضلاً عن غيرها ، لما هو متقرر من أنه ليس من شرط الدليل الفروعي أن يكون قطعي الثبوت قطعي الدلالة.
وأن تلك الأعذار يمكن القدح بها عند وجود المعارض الأقوى في ثبوته ودلالته.
وينظر إلى المصلحة التي استنبطها بمحض رأيه باعتبارها أقوى من ذلك النص ويجوز له أن يعارض النص معتمداً عليها.
والسبب أنه بعد استنباط المصلحة بمحض رأيه لا يتفكر لحظة في كونها اجتهاد نفسه ، وربما تخرصات عقله ، ولا يبقى في ذهنه إلا النظر في المصلحة من حيث هي مُهْمِلاً النظر في الطريق الذي توصل بها إليها.
ثم إذا انتقدت هذا المسلك ولو على سبيل التعميم والإجمال ؛ ضج وعج وزعم أن هذا إنما هو مسلك بعض المفرطين العقلانيين ، أو المنحرفيين اليساريين ، لا الفقهاء الربانيين ، فلا يُحْكَمُ بحكم عام على هذا العلم بالنظر إلى تلك الشذوذات ، مع العلم أن المنتقد في الأغلب غير مهتم بالنظر إلى كتاب العلمانيين والشاذين والمنحرفين ونحو ذلك ، بل إنما دفعه إلى النقد هو وأمثاله من الأفاضل .

وقد صاروا هم في الأغلب مصدرَ همٍّ ، فإن العلمانيين مثلاً لا يقدرون على إقناع المسلمين على تغير حكم واحد إلا بعد كد وجهد ، منتهاه تجهيل الناس لا تغيير آرائهم ، بينما هؤلاء يصدرون تخرصاتهم بقولهم مثلاً : الحكم الشرعي كيت وكيت.
أو يكتفي السائل البسيط بأن هؤلاء يفترض بهم أنهم سدنة الشريعة وحراسها ، مع أنهم كالسوس ينخر أساسها ، فيسلم لهم الناس ظانين أنهم سلموا لله حكمه.

وعلى كل ، إنما الأمر نصح وتذكير ، نرفع به إلى ربنا المعاذير ، والله بنا وبهم خبير بصير

والله أعلم
 
التعديل الأخير:
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
871
الكنية
أبو الأمين
التخصص
أصول الفقه
المدينة
باريس
المذهب الفقهي
أصول مالكية
رد: علم المقاصد الشرعية ما له وما عليه

وفيك بارك الله شيخنا المبارك
في كلامكم أمر مهم سأتطرق له لاحقاً .
لكن فيما يتعلق بموضع الإستشكال ، فالذي أردته بمشاركتي الأخيرة أبعد مما ذكرتم فالذي يظهر لي أن الإعتماد على حكمة أو مصلحة حتى لو نص عليها الشارع لإعطاء حكم في حادثة مجردة عن الدلالات سوى المصلحة ، مستحيل حتى لو حاوله الفقيه .
وإلا فليأتوا بمثال متفق عليه يدل على الإمكان ويدفع الإستحالة.
ولكن إن قلنا إن المصلحة أحد أركان القياس ، وبعض دلالات النصوص ، وأن الدليل هو ذلك القياس الذي مصلحته جزءٌ منه أو ذلك النص الذي مصلحته بعض مدلولاته ، أمكن بيسر إعمال المصلحة لا حيث لم يوجد نص فقط ، بل وحيث يوجد بأن تقيد دلالة النص أو تخصصه ، بل حتى تلغيه في صور دون أخرى.
أما ما نبه عليه كلامك وأشرت إليه أولاً فهو أن بعض الأفاضل الأماثل يستنبط بمحض رأيه مصالح مشكوك فيها ، إما من حيث هي ، بمعنى أن مخالفه قد لا يراها مصلحة ، أو يخالفه في تحققها في الواقعة المعينة ، أو في كونها مؤثرة ، أو في وجود المعارض لها من المفاسد مثلاً أو مصالح أخرى في الواقعة تقتضي خلاف ما في المصلحة المُدَّعاة ، أو نحو ذلك ويبني عليها حكماً مخالفاً لنصوص في نفس الواقعة أو نظائرها.
فإذا نبهته على ذلك تجلد كل التجلد إلى رد ذلك النص إما بكونه آحاداً أو واقعة عين أو عاماً ظنياً أو مطلقاً يمكن تقييده ، ولا يراعي أن كل ذلك لا يمنع من الإستدلال بالنص كشأن عامة المسائل المتفق عليها فضلاً عن غيرها ، لما هو متقرر من أنه ليس من شرط الدليل الفروعي أن يكون قطعي الثبوت قطعي الدلالة.
وأن تلك الأعذار يمكن القدح بها عند وجود المعارض الأقوى في ثبوته ودلالته.
وينظر إلى المصلحة التي استنبطها بمحض رأيه باعتبارها أقوى من ذلك النص ويجوز له أن يعارض النص معتمداً عليها.
والسبب أنه بعد استنباط المصلحة بمحض رأيه لا يتفكر لحظة في كونها اجتهاد نفسه ، وربما تخرصات عقله ، ولا يبقى في ذهنه إلا النظر في المصلحة من حيث هي مُهْمِلاً النظر في الطريق الذي توصل بها إليها.
ثم إذا انتقدت هذا المسلك ولو على سبيل التعميم والإجمال ؛ ضج وعج وزعم أن هذا إنما هو مسلك بعض المفرطين العقلانيين ، أو المنحرفيين اليساريين ، لا الفقهاء الربانيين ، فلا يحكم بحكم عام على هذا العلم بالنظر إلى تلك الشذوذات ، مع العلم أن المنتقد في الأغلب غير مهتم بالنظر إلى كتاب العلمانيين والشاذين والمنحرفين ونحو ذلك ، بل إنما دفعه إلى النقد هو وأمثاله من الأفاضل .

وقد صاروا هم في الأغلب مصدرَ همٍّ ، فإن العلمانيين مثلاً لا يقدرون على إقناع المسلمين على تغير حكم واحد إلى بعد كد وجهد ، منتهاه تجهيل الناس لا تغيير آرائهم ، بينهما هؤلاء يصدرون تخرصاتهم بقولهم مثلاً : الحكم الشرعي كيت وكيت.
أو يكتفي السائل البسيط بأن هؤلاء يفترض بهم أنهم سدنة الشريعة وحراسها ، مع أنهم كالسوس ينخر أساسها ، فيسلم لهم الناس ظانيين أنهم سلموا لله حكمه.

وعلى كل ، إنما الأمر نصح وتذكير ، نرفع به إلى ربنا المعاذير ، والله بنا وبهم خبير بصير

والله أعلم

نعم هو هو المقصود هنا ، فالمقصود بالضوابط هنا هو ضوابط استنباط المصلحة و ضوابط تخصيص النص بها فلابد من قواعد تحدد طرق استنباط المصلحة و قواعد تحدد متى يجوز التخصيص بها من عدمه و لعل هذه الأخيرة هي التي لا نكاد نجد لها ضابطا عند المشتغلين بالمقاصد اليوم فالكل يرد النصوص بالمصالح سواء كانت مصالح شرعية أو لا فليس كل مصلحة شرعية يجوز تخصيص النص بها فأرى أنه لابد أن ينص الشارع على جواز التخصيص بها والمقصود بنص الشارع هنا هو الدليل الأصولي لجواز تفعيل المقاصد في هذا الموضع و بهذه المصلحة وأظن أنه يلزم لذلك شرطان أساسيان :
الأول : أن تكون المصلحة شرعية أي نص عليها الشارع بالمعنى العام أي وجد دليل أصولي على كونها شرعية
الثاني : أن ينص الشارع على جواز التخصيص بها في ذلك الموضع بالمعنى العام أي يقيم الفقيه الدليل الأصولي الذي يدل على جواز التخصيص بها في ذلك الموضع و لعل هذا يجيب على قولك " فالذي يظهر لي أن الإعتماد على حكمة أو مصلحة حتى لو نص عليها الشارع لإعطاء حكم في حادثة مجردة عن الدلالات سوى المصلحة ، مستحيل حتى لو حاوله الفقيه ."

و كمثال على ذلك تعطيل حد السرقة زمن المجاعة فمصلحة حفظ النفس مصلحة شرعية جاءت في أكثر من نص شرعي منها قوله تعالى :"إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ"
أما جواز تقديم مصلحة حفظ النفس على المال و تعطيل حد السرقة بذلك جاء بالقياس بين السرقة و الكفر فإن جاز تقديم حفظ النفس على النطق بالكفر كان تقديمها على مال الغير أولى إذ أن النطق بالكفر أعظم من السرقة فلما جاز ترك الأعلى لحفظ النفس جاز ترك الأدنى لحفظها كذلك.

لكن تبقى هذه الشروط عامة تحتاج ضوابط أدق من هذا والله أعلم.
 
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,277
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
رد: علم المقاصد الشرعية ما له وما عليه

جزاك الله خيراً وأحسن إليك شيخ عبد الحكيم
و كمثال على ذلك تعطيل حد السرقة زمن المجاعة فمصلحة حفظ النفس مصلحة شرعية جاءت في أكثر من نص شرعي منها قوله تعالى :"إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ"
أما جواز تقديم مصلحة حفظ النفس على المال و تعطيل حد السرقة بذلك جاء بالقياس بين السرقة و الكفر فإن جاز تقديم حفظ النفس على النطق بالكفر كان تقديمها على مال الغير أولى إذ أن النطق بالكفر أعظم من السرقة فلما جاز ترك الأعلى لحفظ النفس جاز ترك الأدنى لحفظها كذلك.
أنا لم أفهم تمام الفهم المقصود بإيراد المثال، هل أردتَ به التمثيل للإستدلال بالمصلحة المجردة والتدليل على أن ما زَعَمْتُهُ مستحيلاً هو ممكن؟
 
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
871
الكنية
أبو الأمين
التخصص
أصول الفقه
المدينة
باريس
المذهب الفقهي
أصول مالكية
رد: علم المقاصد الشرعية ما له وما عليه

جزاك الله خيراً وأحسن إليك شيخ عبد الحكيم

أنا لم أفهم تمام الفهم المقصود بإيراد المثال، هل أردتَ به التمثيل للإستدلال بالمصلحة المجردة والتدليل على أن ما زَعَمْتُهُ مستحيلاً هو ممكن؟

ذكرت المثال لتوضيح الضابط الثاني في علم المقاصد و الذي يهدره عادة المشتغلون في هذا العلم فلا يكفي وجود المصلحة الشرعية لتخصيص النص بها إذ يلزم مع ذلك أن يجيز الشارع ذلك التخصيص أي ينص على تقديم المصلحة في ذلك الموضع فهذا الذي أردت أن أشير إليه وجل من يرد النصوص بالمصالح لا يأتي بهذا الضابط لذلك يكون الرد عليهم بهذا سلمنا لكم أن هذه مصلحة أمر الشارع بحفظها لكن ما دليل تقديمها على النص في هذا الموضع إذ الشارع قد أمر كذلك بحفظ حرماته (و الدليل هنا لا يكون إلا أصوليا) و الله أعلم.
 
أعلى