العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

حكم الوقوف بعرفة إلى غروب الشمس

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
حكم الوقوف بعرفة إلى غروب الشمس

اختلف الفقهاء في حكم الوقوف بعرفة إلى غروب الشمس على قولين:
القول الأول
: أنه يجب الوقوف بعرفة إلى غروب الشمس، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية، والمالكية، والحنابلة، وقولٌ للشافعية.

القول الثاني: لا يجب الوقوف بعرفة إلى غروب الشمس، وهذا مذهب الشافعية، نص عليه الشافعي في الأم والإملاء[SUP]([SUP][1][/SUP])[/SUP]، لكن استحبوا لمن نفر قبل غروب الشمس إراقة الدم خروجا من خلاف من أوجبه.

الأدلة:
أدلة الجمهور على الوجوب:
الدليل الأول: قال الله تعالى: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}.
ونوقش: بأن المراد النفر من حيث أفاض الناس من عرفة لا من مزدلفة، وقد حكى ابن جرير الإجماع على ذلك[SUP]([SUP][2][/SUP])[/SUP]، وأن المراد مخالفة طريقة الحمس من قريش ومن وافقهم، الذين كانوا لا يخرجون من الحرم، فأمرهم الله عز وجل بالخروج إلى عرفة والإفاضة معهم. فهو أمر بالإفاضة من المكان لا من الزمان، ويؤكد هذا التعبير بـ (حيث ) ؛ إذ هي ظرف مكان.
وهناك قول آخر حكاه ابن جرير عن الضحاك أن المقصود من الآية هو الإفاضة من مزدلفة؛ وذلك لأن الإفاضة من عرفات هي قبل الإفاضة من مزدلفة وهي بالتالي قبل الوقوف عند المشعر الحرام، وإنما قال الله عز وجل : {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} بعد ذكره للإفاضة من عرفات وبعد الوقوف عند المشعر الحرام، فكان معلوما أن الله إنما يأمرهم بالإفاضة من الموضع الذي لم يفيضوا منه، دون الموضع الذي أفاضوا منه، وغير جائز أن يأمر الله عز وجل بأمر لا معنى له.
وذكر ابن جرير أن هذا القول هو أولى التأويلين، وفساد ما خالفه، لولا الإجماع الذي وصفه في القول الأول، وتظاهر الأخبار بمن حكى عنهم من أهل التأويل[SUP] ([SUP][3][/SUP])[/SUP].

والشاهد: أنه ليس في الأقوال الواقعة في تفسير الآية ما يفيد وجوب النفر من عرفة بعد غروب الشمس.

الدليل الثاني
: عن جابر رضي الله عنه في حديثه الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: «فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلا، حتى غاب القرص، وأردف أسامة خلفه، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم».
وجه الدلالة: أن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم في الحج للوجوب لكونها مفصلة لمجمل الحج الواجب، مضافاً إلى قوله عليه الصلاة والسلام في حديث جابر رضي الله عنه: «لتأخذوا عني مناسككم»، ويتأيد هذا بأن النبي صلى الله عليه وسلم احتبس حتى غاب القرص، ولو كان جائزاً لدفع قبله لأنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً.
ونوقش: بأن من أفعال النبي صلى الله عليه وسلم في الحج الواجب والمستحب، بل والمباح، ويرد على من التزم الوجوب أن طائفة من أفعال النبي صلى الله عليه وسلم خلت من الصارف ولم يقل فيها أحدٌ بالوجوب.

الدليل الثالث: ما في الدفع بعد غروب الشمس من مخالفة المشركين:
ونوقش: بأن مخالفة المشركين لا تكفي للدلالة على الوجوب لأن ظهور هذا المعنى من النبي صلى الله عليه وسلم في تحقيق مخالفة المشركين في حجته أظهر منه اليوم،لقرب عهده بالشرك وأهله، نعم قد يتأكد هذا الفعل في حق الإمام، أما من آحاد الحجاج فلا يبدو الوجوب لاسيما مع تحققه من عموم الحجاج.
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم وقف في مزدلفة إلى أن تسفر الشمس ثم نفر، فهل يجب هذا الفعل لما فيه من مخالفة المشركين؟



أدلة الشافعية على الاستحباب:

الدليل الأول: قوله صلى الله عليه وسلم لعروة بن مضرس: «... وكان قد أتى عرفات أية ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجة وقضى تفثه»[SUP]([SUP][4][/SUP])[/SUP].
ونوقش: بأن ظاهر حديث عروة غير مقصود بدليل الإجماع على عدم اعتبار بعض دلالاته.
وأجيب: بأن هذه طريقة من طرق تناول الحديث، وهي تشبه بعض مسالك الطحاوي في إسقاط دلالة بعض الأحاديث، وليست هي الطريقة الفاضلة، بل إن الإجماع دالٌ على اعتبار ظاهره، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول بما محصّله: إن من صلى معه الفجر بمزدلفه وشهد موقفه هذا، وكان قد أتى عرفات قبل ذلك في أية ساعة من ليل أو نهار، فإن حجه تام، ومعلوم أن المقصود بالتمام هنا هو الإدراك[SUP]([SUP][5][/SUP])[/SUP]، فهذه صورة متفق عليها، وصاحبها مدرك للحج، وبقي عليه أن يستتم أركان الحج وواجباته.
كما أنه على التسليم بأن الإجماع قاضٍ على عدم اعتبار بعض دلالات الحديث فإن هذا لا يعني بحال عدم الاعتداد ببقية أحرف الحديث، والتي حصل فيها بين أهل العلم نزاع وخوض؛ وإلا فإن هذه الطريقة مقتضاها: الاستدلال بما لم يعتبر من الحديث على إبطال ما اعتبر منه، وحينئذ لم يبق شيء يمكن أن يستدل به من الحديث إلا أن تكون قضية إجماعية قد تم تقريرها في غير هذا الحديث، وهذا إسقاطٌ للحديث برأسه، وهذا خلاف الإجماع؛ فلم يزل أهل العلم يستدلون بحديث عروة بن مضرس على مسائل المناسك.

الدليل الثاني: أن الليل والنهار وقت لإدراك الوقوف بعرفة.

الدليل الثالث: ثبت أنه لو وقف بها ليلا دون النهار لم يلزمه دم، كذلك إذا وقف بها نهارا دون الليل لم يلزمه دم.

الترجيح:

هذه المسألة ليست هي من قبيل المسائل الباتة والتي يحسب الخطأ فيها أنه شذوذ، يجب الإنكار عليه، بل هي مما يحتمله الدليل، هذه قضية مهمة لأن هناك من يدرجها في مسائل الرخص التي هي من زلات العلماء.
ولا تردد في حث عموم الحاج إلى بقائهم في يوم عرفة إلى غروب الشمس؛ لأن هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ويتأكد هذا بما ورد في هذا اليوم من فضل عزيز، قد لا يدركه الإنسان في عمرة إلا مرة واحدة.
وإن أقوى مأخذ للاستحباب: هو عموم قوله عليه الصلاة والسلام في حديث عروة: (أية ساعة من ليل أو نهار)، وهذا العموم القولي هو أقوى في الدلالة من مجرد فعل النبي صلى الله عليه وسلم، والذي يحتمل الاستحباب، لاسيما أن من أدرك الوقوف بالليل أجزأه بلا دم عند جمهور أهل العلم، مع أن هذا الوقت ليس هو الزمن الذي وقف فيه النبي صلى الله عليه وسلم، فكان من وقف بالنهار ووافق جزءا من الزمن الذي وقف فيه النبي صلى الله عليه وسلم هو أولى بالإجزاء، وأولى أن يسقط عنه الدم.
وهذا الترجيح الذي هو الاستحباب المؤكَّد يدفع الناظر إلى دعوة عموم الحاج إلى عدم النفر من عرفة قبل غروب الشمس إلا لحاجة تعرض.
ولا حاجة ماسة إلى الترخيص في ذلك وتفويت هذا الموقف العظيم إلا أن يحصل الحرج، وفي كثير من الأحوال تكون النفرة بعد غروب الشمس أرفق بالحجاج لاسيما الراجلين (المشاة)، فإن نفرتهم في هدوء الليل أيسر لهم من النفرة تحت أشعة الشمس ولهيبها، وإن كنا نفرض هذه المناقشة بناء على القول بالاستحباب، فإنه يبقى أن لقوله عليه الصلاة: (لتأخذوا عني مناسككم) متمسَّكاً في الأفعال الواجبة والمستحبة؛ ناهيك عما في هذا اليوم من فضل عظيم مما يجعل من التسهيل في تركه مسلكاً وعراً إلا لضرورة تقع، أو حاجة تعرض؛ فإن الترخيص وقتئذ مبرَّر ومفسَّر.



([1]) الحاوي الكبير للماوردي (4/174)، شرح الوجيز (7 /363، 364).

([2]) تفسير الطبري (4 / 190، 191).

([3] ) تفسير الطبري (4 / 190، 191).

([4]) أخرجه أحمد (رقم 16208)، وأبو داود (رقم1950 )، والنسائي (رقم 3042)، والترمذي وصححه (رقم 891 )، وابن ماجه (رقم 3016 )، وابن خزيمة (رقم 2820 ، 2821 ).

([5]) شرح معاني الآثار (2/210)، تحفة الأخيار بترتيب شرح مشكل الآثار (3/303، 304).
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: حكم الوقوف بعرفة إلى غروب الشمس

من أشد ما جاء في هذه المسألة ولا أدري ما تأويله: لأن مالكاً قال في الرجل يدفع من عرفة قبل غروب الشمس: إنه إن رجع فوقف بعرفة قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج ولا هدي عليه، لأنه كالمفاوت، وإن لم يرجع يقف، حتى طلع الفجر، فاته الحج، وعليه الحج قابلاً، والهدي ينحره فيحج قابل وهو كمن فاته الحج. فإذا اشترى الهدي بعرفة فوقف به أجزأه. أهـ من التهذيب في اختصار المدونة
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: حكم الوقوف بعرفة إلى غروب الشمس

نعم، وذلك لأن الركن عند الإمام مالك رحمه الله هو الوقوف لحظة من الليل، فمن أدرك عرفة لحظة من الليل فقد أردك الحج وإلا فاته.
ولهذا عند سياق أقوال الفقهاء في حكم الوقوف بعرفة إلى غروب الشمس يكون بالتفصيل كالتالي:
الشافعية: سنة.
الحنفية والحنابلة: واجب.
المالكية: ركن.
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: حكم الوقوف بعرفة إلى غروب الشمس

نعم، وذلك لأن الركن عند الإمام مالك رحمه الله هو الوقوف لحظة من الليل، فمن أدرك عرفة لحظة من الليل فقد أردك الحج وإلا فاته.
ولهذا عند سياق أقوال الفقهاء في حكم الوقوف بعرفة إلى غروب الشمس يكون بالتفصيل كالتالي:
الشافعية: سنة.
الحنفية والحنابلة: واجب.
المالكية: ركن.
أحسنتَ، ويبقى أن الشافعية يستحبون إراقة دم في راجح المذهب.
ومن أدلة المالكية التي ينبغي إضافتها: حديث ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ( من وقف بعرفة بليل فقد أدرك الحج، ومن فاته عرفة بليل فقد فاته الحج، فليهل بعمرة وعليه حج قابل ). وهو نص صريح في المسألة إلا أنه غير صحيح.

وقد أجاب ابن قدامة عنه بما مفاده أنه إنما خص الليل لأن الفوات يتعلق به دون النهار. وبالله التوفيق
 
التعديل الأخير:
أعلى