العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

المذهب عند الشافعية د. محمد إبراهيم أحمد علي رحمه الله

إنضم
8 مارس 2011
المشاركات
122
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
...
المذهب عند الشافعية

للدكتور محمد بن إبراهيم أحمد علي رحمه الله


بحث نُشِر في مجلة جامعة الملك عبدالعزيز

العدد الثاني - جمادى الثانية 1398هـ

 

المرفقات

  • المذهب عند الشا&#1.pdf
    1.6 MB · المشاهدات: 0
إنضم
1 نوفمبر 2011
المشاركات
8
الكنية
أبو عبدالله
التخصص
فقه
المدينة
الخبراء
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: المذهب عند الشافعية د. محمد إبراهيم أحمد علي رحمه الله

كم بحثت عن هذا الكتاب، إنه وصية شيخنا عبدالله الغطيمل جزاك الله خير على هذه الفائدة.
تكرما لا أمرا إن كان هناك نسخة أوضح من هذه فياحبذا تتحفنا بها
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: المذهب عند الشافعية د. محمد إبراهيم أحمد علي رحمه الله

عجيب ما ذكره المتأخرون من تقديم أقوال النووي مطلقا حتى لو ظهر أنها مخالفة لنص الإمام.
وهذا هو المنهج نفسه الذي اختطه أرباب التقليد الصرف من تقديم أقوال أئمتهم حتى مع ظهورها مخالفة لنص الشارع.
وهذا اشتطاط في التقليد الأعمى لا ريب
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,140
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
رد: المذهب عند الشافعية د. محمد إبراهيم أحمد علي رحمه الله

عجيب ما ذكره المتأخرون من تقديم أقوال النووي مطلقا حتى لو ظهر أنها مخالفة لنص الإمام.
وهذا هو المنهج نفسه الذي اختطه أرباب التقليد الصرف من تقديم أقوال أئمتهم حتى مع ظهورها مخالفة لنص الشارع.
وهذا اشتطاط في التقليد الأعمى لا ريب
لعلكم يا شيخ أيمن تستفتحون حلقة بهذا الخصوص؛ فما ذكرتموه بحاجة لوقفات نقاش؛ ومثلكم جديرٌ بافتتاحها ومتابعتها.
نفع الله بكم، وبما تطرحون
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: المذهب عند الشافعية د. محمد إبراهيم أحمد علي رحمه الله

لعلكم يا شيخ أيمن تستفتحون حلقة بهذا الخصوص؛ فما ذكرتموه بحاجة لوقفات نقاش؛ ومثلكم جديرٌ بافتتاحها ومتابعتها.
نفع الله بكم، وبما تطرحون
وأنا أضم صوتي لصوت مشرفنا الفاضل
جزاكم الله خيرا
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: المذهب عند الشافعية د. محمد إبراهيم أحمد علي رحمه الله

لعلكم يا شيخ أيمن تستفتحون حلقة بهذا الخصوص؛ فما ذكرتموه بحاجة لوقفات نقاش؛ ومثلكم جديرٌ بافتتاحها ومتابعتها.
نفع الله بكم، وبما تطرحون
ونفع بكم وأحسن إليكم شيخنا الكريم.
ولعلنا نتعاون جميعا في ذلك إن شاء الله تعالى
يسرنا المولى إلى ما يحب ويرضى
 
إنضم
8 مارس 2011
المشاركات
122
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
...
رد: المذهب عند الشافعية د. محمد إبراهيم أحمد علي رحمه الله

جزاكم الله خيراً

وننتظر الشيخ أيمن ..
 
إنضم
13 أغسطس 2010
المشاركات
143
التخصص
شريعة وقانون
المدينة
تريم
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: المذهب عند الشافعية د. محمد إبراهيم أحمد علي رحمه الله

عجيب ما ذكره المتأخرون من تقديم أقوال النووي مطلقا حتى لو ظهر أنها مخالفة لنص الإمام.
من ذكر هذه الغاية من الشافعية؟
 
إنضم
8 مارس 2011
المشاركات
122
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
...
رد: المذهب عند الشافعية د. محمد إبراهيم أحمد علي رحمه الله

وهذا هو المنهج نفسه الذي اختطه أرباب التقليد الصرف من تقديم أقوال أئمتهم حتى مع ظهورها مخالفة لنص الشارع.

لم أفهم المقصود من العبارة
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: المذهب عند الشافعية د. محمد إبراهيم أحمد علي رحمه الله

لم أفهم المقصود من العبارة
أي قول بعض أتباع المذاهب أن الصواب هو ما قاله إمامهم حتى لو عارض حديثا ولم يدرى هل اطلع عليه أم لا
 
إنضم
13 أغسطس 2010
المشاركات
143
التخصص
شريعة وقانون
المدينة
تريم
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: المذهب عند الشافعية د. محمد إبراهيم أحمد علي رحمه الله

ما ذكر ليس من مذهب الشافعي فالرملي يقول : ((وترك الشيخين لذكر النص المذكور لكونه ضعيفا أو مفرعا على ضعيف)) فهم لم يخالفوا نص الشافعي مطلقا كما ذكرت يادكتور ، بل خالفوه نصا ضعيفا وأخذوا بنص اقوى منه ..
ولهذا يقول ابن حجر : (( لا يعترض عليهما -اي الشيخين- بكلام الأكثرين ولا بالنص ولا بغير ذلك وبينت فروعا اعترضوا فيها عليهما بالنص ثم لما أمعنت التفتيش رأيتهما استندا لنص آخر))..
ثم محل الاعتماد على قولهما ما لم يقعا في سهو أو يقعا في غلط فيرد كلامهما كما يرد كلام غيرهما ..
فكان الاولى الرجوع الى نصوص الشافعية قبل الجزم بمثل هذا أو النعت بالتقليد الاعمى..
 

د. محمد بن عمر الكاف

:: قيم الملتقى الشافعي ::
إنضم
20 مايو 2009
المشاركات
326
التخصص
فقه
المدينة
المدينة المنورة
المذهب الفقهي
شافعي
رد: المذهب عند الشافعية د. محمد إبراهيم أحمد علي رحمه الله

بسبب تعدد الروايات عن الشافعي وعدم تجمع جميع رواياته في مصنف واحد ، اشتبه مثل هذا الأمر على كثير من العلماء فظنوا مخالفة متأخري الشافعية لظاهر بعض نصوص إمامهم مخالفة لنص الإمام، وهذا لا يتصور منهم إطلاقا ، بل هم أخبر الناس بنصوص الإمام وقواعده، وقد تحدثت عن مثل هذا في رسالتي فقلت :
عدم تجمُّعِ كتبِ الشافعيِّ جميعِها لدى أحدِ تلاميذه أو تلاميذِ تلاميذِه سبباً في ظُهورِ الطريقَتَينِ العراقيَّةِ والخراسانيَّةِ واختلافِ الفقهاءِ في حكايةِ المذهَبِ، وتعدُّدِ الأقوالِ عن الشافعيِّ في المسألةِ الواحدةِ.
وهو السَّبَبُ الذي أبدى أبو شامةَ المقدِسِيُّ(ت665هـ) [SUP]([1])[/SUP] منه تعجُّبَهُ، فيقولُ عن فقهاءِ الشافعيةِ: (أنهم يختلفون كثيراً فيما ينقلون من نصوصِ الشافعيِّ رحمه الله وفيما يُصَحِّحونه منها ويختارونه ، وما ينسبونه إلى القديمِ والجديدِ ، ولا سيَّما المتأخرين منهم ، وصارت لهم طُرُقٌ مختلفةٌ عراقيَّةٌ وخراسانِيَّةٌ ، فترى هؤلاءِ ينقلون عن إمامِهم خلافَ ما ينقلُه هؤلاءِ ، والمرجِعُ في هذا كُلِّهِ إلى إمامٍ واحدٍ ، وكتُبُه مرويَّةٌ مُدَوَّنَةٌ موجودةٌ ، أفلا كانوا يرجعون إليها ، ويُنَقُّون تصانيفَهم من كثرة اختلافهم عليها .!!) [SUP] ([2])[/SUP] .
وهو نفسُه يذكُرُ أن البيهقيَّ(ت458هـ) – وهو من أوسَعِ الفقهاءِ اطِّلاعاً على نصوصِ الشافعي- لم يطَّلِع على جميع نصوصِ الشافعيِّ [SUP]([3])[/SUP].
فاللائمةُ التي يثيرُها بعض الباحثين حول مخالَفَةِ الشافعيَّةِ لنصوصِ إمامِهم التي وردت في «الأُمِّ» غيرُ وارِدَةٍ [SUP]([4])[/SUP] ، وكذلك استغرابُ بعضُ الباحثين كالدكتور معين بصري حيث يقول :
(أغربُ ما يكون في مذهبِ الشافعيِّ أنه مع وجودِ كُتُبِ الإمامِ الشافعيِّ وكثرَةِ انتشارِها في حياتِه وبعد مماتِه ، وُجِدَ اختلافٌ شديدٌ بين كُتُبِ المُتَقَدِّمين والمتأخِّرين في تقريرِ المذهب وما يُفتى به )[SUP] ([5])[/SUP].
وذلك لأن نصوصِ الشافعيِّ ليست في «الأُمِّ» فقط ، وقد يكون هناكَ نَصٌّ له في كتابٍ آخرَ مقيِّدٌ أو مُوضِّحٌ أو مُعارِضٌ له ، وهذا الأمر هو الذي أعطاه فقهاءُ الشافعيَّةِ جُلَّ اهتمامهم في مُصَنَّفاتِهم العديدةِ لتحديدِ الرَّأيِ النِّهائِيِّ للإمامِ ، واختلفوا فيه حتى حُسِمَ الاختلافُ في مرحلةِ «تحرير المذهب» .لذلك يقول الإمام النووي :
(لا يجوز لمفتٍ على مذهبِ الشافعيِّ إذا اعتمدَ النقلَ أن يكتَفِيَ بِمُصَنَّفٍ أو مُصَنَّفَينِ ونحوهما من كتبِ المتقدمين وأكثر المتأخرين لكثرة الاختلافِ بينهم في الجزمِ والترجيحِ ; لأن هذا المفتي المذكورَ إنما ينقُلُ مذهبَ الشافعيِّ , ولا يحصلُ له وثوقٌ بأن ما في الُمصَنَّفِين المذكورِين ونحوهما هو مذهبُ الشافعيِّ , أو الراجحُ منه ; لما فيهما من الاختلافِ , وهذا مما لا يتشكَّكُ فيه من له أدنى أُنسٌ بالمذهب , بل قد يجزِمُ نحوُ عشرةٍ من المُصنِّفين بشيءٍ وهو شاذٌّ بالنسبةِ إلى الراجحِ في المذهبِ , ومخالفٌ لما عليه الجمهورُ , ورُبّما خالفَ نصَّ الشافعيِّ أو نصوصاً له) ([1]).

http://www.feqhweb.com/vb/#_ftnref1([1]) النووي ، المجموع (1/81).




http://www.feqhweb.com/vb/#_ftnref1([1]) عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي الدمشقي، أبو القاسم، شهاب الدين، أبو شامة: مؤرخ، محدث، باحث.أصله من القدس، ومولده في دمشق، وبها منشأه ووفاته. ولي بها مشيخة دار الحديث الاشرفية ، له مصنفات عديدة قيمة ، ووقف كتبه ومصنفاته جميعها في الخزانة العادلية بدمشق، فأصابها حريق التهم أكثرها. ولقب أبا شامة، لشامة كبيرة كانت فوق حاجبه الايسر . ابن شاكر الكتبي ، فوات الوفيات 1/252 ، والسيوطي ، بغية الوعاة 297 .

http://www.feqhweb.com/vb/#_ftnref2([2]) أبو شامة المقدسي ، الكتاب المؤمل في الرد إلى الأمر الأول ، ص116 .

http://www.feqhweb.com/vb/#_ftnref3([3]) المصدر نفسه .

http://www.feqhweb.com/vb/#_ftnref4([4]) وهو الإشكال الذي أورده الدكتور عمر الأشقر في كتابه (فقه الكتاب والسنة) عندما تكلم على مسألة تحديد اتجاه القبلة وقرر أن رأي الشافعي مخالف لرأي الشافعية في هذه المسالة بناء على كلامه في «الأم» ، ونقله عنه تلميذه د. أكرم القواسمي مؤيدا له (ص521) مقررا أنه لا بد من الرجوع إلى (الأم) المطبوع لتوثيق أقوال الشافعي ، وهذا غير ممكن ، لما قدمته من كون (الأم) ليس المصدر الوحيد لأقوال الشافعي .

http://www.feqhweb.com/vb/#_ftnref5([5]) معين الدين بصري ، المذهب الشافعي (خصائصه ، نشأته أطواره مؤلفاته) ص536 .
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: المذهب عند الشافعية د. محمد إبراهيم أحمد علي رحمه الله

ما ذكر ليس من مذهب الشافعي فالرملي يقول : ((وترك الشيخين لذكر النص المذكور لكونه ضعيفا أو مفرعا على ضعيف)) فهم لم يخالفوا نص الشافعي مطلقا كما ذكرت يادكتور ، بل خالفوه نصا ضعيفا وأخذوا بنص اقوى منه ..
ولهذا يقول ابن حجر : (( لا يعترض عليهما -اي الشيخين- بكلام الأكثرين ولا بالنص ولا بغير ذلك وبينت فروعا اعترضوا فيها عليهما بالنص ثم لما أمعنت التفتيش رأيتهما استندا لنص آخر))..
ثم محل الاعتماد على قولهما ما لم يقعا في سهو أو يقعا في غلط فيرد كلامهما كما يرد كلام غيرهما ..
فكان الاولى الرجوع الى نصوص الشافعية قبل الجزم بمثل هذا أو النعت بالتقليد الاعمى..

بارك الله فيكم أخي مصطفى على التعقيب، وبعد:
فأوافقكم على ضرورة الرجوع إلى نصوص الشافعية، ولكن مؤلِّف البحث لم يقل ما قال جُزافا بل دعمه بنصوص ابن حجر والرملي، وأقوالهما صريحة في وجوب متابعة الشيخيين حتى لو تبدى لمن ليس في رتبتهما أنهما خالفا نص الإمام الشافعي سواء أمكن الوقوف على وجهة نظرهما في ذلك أم لا. وهو مسلك قائم على "تحسين الظن" بأنهما ما خالفا الإمام إلا لأنهما اطلعا على موجب لذلك من نص آخر أو مخالفة النص المنقول لقاعدة من قواعد المذهب مما يستدعي تأويله أو رده. وهذا المسلك هو نفسه مسلك من قدَّم نصوص أئمة المذاهب على نصوص الشارع وأن كل ما ورد بخلاف قول الأصحاب من آية أو حديث فهو مؤول أو منسوخ كما قاله الكرخي من الحنفية. وكذلك هنا كل ما صححه الشيخان فهو المعتمد وكل ما وجد من نص للإمام أو أقوال متكاثرة عن الأصحاب بخلاف هذا التصحيح فلا يعول عليه؛ لأنهما ـ النووي والرافعي ـ لا يصحِّحان شيئا إلا ولهم حجة عليه من نص آخر أو قاعدة أو تأويل...الخ علم ذلك من علمه وجهل ذلك من جهله. وهذا هو ما أنكرناه من التقليد الأعمى، وهو اتباع قول الغير لمن كان من أهل النظر حتى مع عدم الوقوف على حجته، وظهور ما يخالف قوله.

وها هو ذا ما ورد في البحث لنترك الحكم للقراء:
قال المؤلف: وقد بلغ الأمر في اعتماد المتأخرين من الشافعية على قول الشيخين "أن بعض المشايخ منهم كان لا يجيز أحدا بالإفتاء إلا شرط عليه أن لا يخرج عما صححاه فالنووي" وعزاه إلى الفوائد المدنية.
قلت ـ أيمن ـ: أليس هذا تقديما مطلقا لقول الشيخين.
وقال نقلا عن ابن حجر بواسطة الفوائد المدنية: "وقد أجمع المحققون على أن المفتى به ما ذكراه فالنووي وعلى أنه لا يعترض عليهما بنص الأم أو كلام الأكثرين أو نحو ذلك لأنهما أعلم بالنصوص وكلام الأصحاب من المعترض عليهما فلم يخالفاه إلا لموجب، علمه من علمه وجهله من جهله".
قلت ـ أيمن ـ وهذا هو ما قلناه في مشاركتنا وهو وجوب متابعتهما على من بعدهما حتى مع الوقوف على نص للإمام يخالف ما صححاه وعدم ظهور الدليل الذي بنيا عليه تصحيحهما، ومن المعلوم أن الغالب في تصحيحاتهما كونها مجردة عن ذكر المُوجِب في خصوص المسائل.
وقال المؤلف نقلا عن الرملي بواسطة الكردي: "المتبحر في المذهب كأصحاب الوجوه فله رتبة الاجتهاد المقيَّد، ومن شأن هذا أنه إذا رأى نصا خرج عن قاعدة الإمام رده إليها إن أمكن وإلا عمل بمقتضاها دونه" ومن ثم " فقد ترك الأصحاب نصوصه ـ أي الشافعي ـ الصريحة لخروجها على خلاف قاعدته وأوَّلُوها...فلا ينبغي الإنكار على الأصحاب في مخالفة النصوص، ولا يقال بأنهم لم يطلعوا عليها فإنها شهادة نفي، بل الظاهر أنهم اطلعوا عليها وصرفوها عن ظاهرها بالدليل ولا يخرجون بذلك عن متابعة الإمام الشافعي"
قلت ـ أيمن ـ هذا تغال شديد من المتأخرين قائم على التقليد المحض القائم على "تحسين الظن" وافتراض الإحاطة بالنصوص، مع أنه لم يُزعم لأمثال البيهقي مع ما هو عليه من التفتيش والجمع والاعتناء بنصوص الإمام فكيف بمن هو دونه. ثم إن النووي والرافعي كليهما ليس من أصحاب الوجوه على ما ذكره غير واحد، ولست أدري هل يعتبرهما الرملي وابن حجر من أصحاب الوجوه أم لا. قال إمام الحرمين رحمه الله تعالى في النهاية بعد أن استبعد أحد الوجوه لمخالفته النص: "والتخريج على خلاف النص يبعد إلحاقُه بالمذهب، فما الظنُّ بالإعراض عن النص بالكلية". وهذا هو الصواب لا ما قال الرملي.
أما ما تفضلت بنقله عن ابن حجر فهو مجتزأ، ولعل كامل النقل يعطي صورة أوضح عن مراده وهو لا يكاد يخالف ما قرره مؤلف البحث:
جاء في الفتاوى الفقهية الكبرى (4/ 324) عنه رحمه الله:
"(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا اخْتَلَفَ تَرْجِيحُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَالشَّيْخَيْنِ مَا الْمُعْتَمَدِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ.
(فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ لَمَّا كُنَّا مُجَاوِرِينَ سَنَةَ خَمْسِينَ بِطَيْبَةَ الْمُنَوَّرَةِ عَلَى مُشَرِّفِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ سَأَلَنَا بَعْضُ أَكَابِرِهَا وَفُضَلَائِهَا عَنْ نَحْوِ ذَلِكَ وَأَطَالَ فِي الِاحْتِجَاجِ وَالِانْتِصَارِ لِاعْتِمَادِ تَرْجِيحِ الْمُتَأَخِّرِينَ فَأَجَبْته بِجَوَابٍ مَبْسُوطٍ مُتَكَفِّلٍ لِرَدِّ جَمِيعِ أَدِلَّتِهِ وَفِي الِانْتِصَارِ لِاعْتِمَادِ تَرْجِيحِ الشَّيْخَيْنِ وَالْإِعْرَاضِ عَمَّا سِوَاهُ ثُمَّ قُرِئَ ذَلِكَ الْإِفْتَاءُ بِحَضْرَةِ فُضَلَاءِ الْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ فَلَمْ يُمْكِنْ أَحَدًا مِنْهُمْ أَنْ يُبْدِيَ فِيهِ شَيْئًا بَلْ وَافَقُوهُ وَعَلِمُوا أَنَّهُ الْحَقُّ وَقَدْ بَسَطْت الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي خُطْبَةِ شَرْحِ الْعُبَابِ وَبَيَّنْت فِيهِ أَنَّ الْحَقَّ مَا دَرَجَ عَلَيْهِ مَشَايِخُنَا وَمَشَايِخُهُمْ وَهَلُمَّ جَرًّا مِنْ اعْتِمَادِ تَرْجِيحِ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ فِي الْإِفْتَاءِ وَغَيْرِهِ وَأَنَّهُ لَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِمَا بِكَلَامِ الْأَكْثَرِينَ وَلَا بِالنَّصِّ وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ وَبَيَّنْت فُرُوعًا اعْتَرَضُوا فِيهَا عَلَيْهِمَا بِالنَّصِّ ثُمَّ لَمَّا أَمْعَنْت التَّفْتِيشَ رَأَيْتهمَا اسْتَنَدَا لِنَصٍّ آخَرَ وَفُرُوعٍ أُخْرَى وَهِيَ الْأَكْثَرُ اعْتَرَضُوا عَلَيْهِمَا فِيهَا بِكَلَامِ الْأَكْثَرِينَ، مَعَ أَنَّهُمَا صَرَّحَا فِي مَوَاضِعَ بِأَنَّهُمَا لَا يَتَقَيَّدَانِ بِكَلَامِ الْأَكْثَرِينَ بَلْ بِمَا يَتَرَجَّحُ عِنْدَهُمَا مِنْ قُوَّةِ الْمُدْرَكِ أَوْ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ فَإِنَّ مَنْ يَعْتَرِضُ بِكَلَامِ الْأَكْثَرِينَ رُبَّمَا عَدَّدَ جُمَلًا تَرْجِعُ إلَى وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ أَوْ اثْنَيْنِ مَثَلًا أَلَا تَرَى أَنَّ أَصْحَابَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ شَيْخَ الطَّرِيقَيْنِ قَدْ بَلَغُوا مِنْ الْكَثْرَةِ مَبْلَغًا عَظِيمًا. فَمَنْ رَأَى كُتُبَهُمْ وَفَتَاوِيَهُمْ مُتَّفِقَةً عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ يَظُنُّ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَيْهِ وَفِي الْحَقِيقَةِ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ رَأْيُ رَجُلٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ أَحْوَالِ الْأَصْحَابِ أَنَّ كُلَّ أَهْلِ طَرِيقَةٍ لَا يُخَالِفُونَ إمَامَ طَرِيقِهِمْ بَلْ يَكُونُونَ تَابِعِينَ لَهُ فِي تَفْرِيعِهِ وَتَأْصِيلِهِ فَتَفَطَّنْ لِهَذَا فَإِنَّهُ رَاجَ عَلَى كَثِيرِينَ اعْتَرَضُوا عَلَى الشَّيْخَيْنِ بِمُخَالَفَتِهِمَا لِكَلَامِ الْأَكْثَرِينَ وَفِي الْحَقِيقَةِ لَمْ يُخَالِفَا ذَلِكَ وَبِفَرْضِهِ وَتَسْلِيمِهِ فَقَدْ بَانَ أَنَّهُمَا لَا يَتَقَيَّدَانِ إلَّا بِقُوَّةِ الْمُدْرَكِ فَوَجَبَ اتِّبَاعُ تَرْجِيحِهِمَا لِأَنَّهُمَا اللَّذَانِ أَجْمَعَ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمَا عَلَى أَنَّهُمَا مُبَالِغَانِ فِي التَّحَرِّي وَالِاحْتِيَاطِ وَالْحِفْظِ وَالتَّحْقِيقِ وَالْوِلَايَةِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالتَّحْرِيرِ وَالتَّنْقِيرِ مَبْلَغًا لَمْ يَبْلُغْهُ أَحَدٌ مِمَّنْ جَاءَ بَعْدَهُمَا فَكَانَ اعْتِمَادُ قَوْلِهِمَا هُوَ الْأَحْرَى وَالْأَحَقُّ وَالْإِعْرَاضُ عَنْ مُخَالِفِيهِ هُوَ الْأَوْلَى بِكُلِّ شَافِعِيٍّ لَمْ يَصِلْ لِمَرْتَبَةٍ مِنْ مَرَاتِبِ الِاجْتِهَادِ وَلَقَدْ بَيَّنْتُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ رَدَّ قَوْلِهِ خِلَافًا لِلشَّيْخَيْنِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ وَأَنَّهُ إنَّمَا قَلَّدَ فِي ذَلِكَ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَأَنَّ الصَّوَابَ مَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ أَوْ أَحَدَهُمَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ عَلَيْهِمَا إنْ اتَّفَقَا وَإِلَّا فَعَلَى النَّوَوِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى مَا لَمْ يُجْمِعْ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى أَنَّهُمَا وَقَعَا فِي سَهْوٍ أَوْ غَلَطٍ فَحِينَئِذٍ يُعْرَضُ عَمَّا قَالَاهُ وَأَيْنَ تَجِدُ مَوْضِعًا اتَّفَقَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى ذَلِكَ بَلْ كُلُّ مَحَلٍّ وَجَدْتُهُ تَجِدُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ يَعْتَمِدُ مَا قَالَاهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَالِفُهُ وَمَنْ تَأَمَّلَ إطْبَاقَ أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى تَغْلِيطِهِمَا فِيمَا قَالَاهُ أَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَّا بِفَرْضِ الْقَاضِي مَبْلَغًا وَأَنْصَارُ الشَّمْسِ الْجَوْجَرِيِّ لَهُمَا فِي ذَلِكَ وَرَدَّهُ عَلَى أَكَابِرِ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلِمَ أَنَّهُ يَعِزُّ أَنْ يُوجَدَ مَحَلٌّ أَطْبَقَ الْمُتَأَخِّرُونَ كُلُّهُمْ عَلَى إلْغَاءِ تَرْجِيحِهِمَا فِيهِ فَالصَّوَابُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِمَا دُونَ غَيْرِهِمَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ."

قلت ـ أيمن ـ: ألا ترى كيف لم يجز الخروج عن قوليهما وافتراض أنه سهو أو غلط إلا بأن يجمع المتأخرون على ذلك وهو لا يكاد يوجد، والحاصل وجوب تقليدهما مطلقا سواء وقفنا على ما بموجبه خالفا النص أو كلام الأكثرين أم لم نقف؟
وقال رحمه الله تعالى في موطن آخر:
تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (1/ 39)
"الْكُتُبَ الْمُتَقَدِّمَةَ عَلَى الشَّيْخَيْنِ لَا يُعْتَمَدُ شَيْءٌ مِنْهَا إلَّا بَعْدَ مَزِيدِ الْفَحْصِ وَالتَّحَرِّي حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَلَا يُغْتَرُّ بِتَتَابُعِ كُتُبٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ هَذِهِ الْكَثْرَةَ قَدْ تَنْتَهِي إلَى وَاحِدٍ أَلَا تَرَى أَنَّ أَصْحَابَ الْقَفَّالِ أَوْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ مَعَ كَثْرَتِهِمْ لَا يُفَرِّعُونَ وَيُؤَصِّلُونَ إلَّا عَلَى طَرِيقَتِهِ غَالِبًا، وَإِنْ خَالَفَتْ سَائِرَ الْأَصْحَابِ فَتَعَيَّنَ سَبْرُ كُتُبِهِمْ هَذَا كُلُّهُ فِي حُكْمٍ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الشَّيْخَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا، وَإِلَّا فَاَلَّذِي أَطْبَقَ عَلَيْهِ مُحَقِّقُو الْمُتَأَخِّرِينَ وَلَمْ تَزَلْ مَشَايِخُنَا يُوصُونَ بِهِ وَيَنْقُلُونَهُ عَنْ مَشَايِخِهِمْ وَهُمْ عَمَّنْ قَبْلَهُمْ، وَهَكَذَا، أَنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ أَيْ مَا لَمْ يُجْمِعْ مُتَعَقِّبُو كَلَامِهِمَا عَلَى أَنَّهُ سَهْوٌ وَأَنَّى بِهِ؟! أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ كَادُوا يُجْمِعُونَ عَلَيْهِ فِي إيجَابِهِمَا النَّفَقَةَ بِفَرْضِ الْقَاضِي وَمَعَ ذَلِكَ بَالَغْت فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ كَبَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ فَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْمُصَنِّفُ فَإِنْ وُجِدَ لِلرَّافِعِيِّ تَرْجِيحٌ دُونَهُ فَهُوَ، وَقَدْ بَيَّنْت سَبَبَ إيثَارِهِمَا وَإِنْ خَالَفَا الْأَكْثَرِينَ فِي خُطْبَةِ شَرْحِ الْعُبَابِ بِمَا لَا يُسْتَغْنَى عَنْ مُرَاجَعَتِهِ"

ومن أصرح كلامه في ذلك وأشده ما جاء عنه في الفتاوى الفقهية الكبرى (4/ 141)
"وَإِذَا رَجَّحَ الشَّيْخَانِ شَيْئًا كَانَ الْمُعْتَمَدُ وَلَا نَظَرَ لِمَا يُطِيل بِهِ الْإِسْنَوِيّ وَغَيْرُهُ مِنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِمَا بِالنَّصِّ أَوْ غَيْرِهِ لَأَنَّهُمَا أَدْرِي بِأَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ وَنُصُوصِهِ مِنْ جَمِيعِ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمَا فَلَا يَعْدِلَانِ عَنْ النَّصِّ إلَّا لِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ كَنَصٍّ آخَرَ أَوْ قَاعِدَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَلَيْسَ فِي الْمُعْتَرِضِ عَلَيْهِمَا مِنْ يُدَانِي مَرْتَبَتَهُمَا عِلْمًا وَوَرَعًا وَاجْتِهَادًا فَوَجَبَ الْمَصِيرُ لِأَقْوَالِهِمَا وَالْإِعْرَاضُ عَمَّا سِوَاهُمَا، وَقَدْ بَيَّنْت فِي شَرْح الْإِرْشَادِ الرَّدَّ عَلَى مَنْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِمَا فِي بَابِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَمَا شَاكَلَهُ وَبَيَّنْت، كَجَمَاعَةٍ مِنْ مَشَايِخِي وَغَيْرَهُمْ، أَنَّ الْحَقَّ مَا قَالَاهُ فَتَمَسَّكْ أَيُّهَا السَّائِلُ وَفَّقَك اللَّهُ تَعَالَى بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ الْمُثْلَى وَلَا تَعْدِلْ عَنْهَا فَتَضِلَّ وَتُضِلَّ"؟؟!

ومن الغلو ما جاء عنه أيضا:
الفتاوى الفقهية الكبرى (4/ 91)
"وَمَا رَجَّحَهُ ـ أي النووي ـ مِنْ جِهَةِ الْمَذْهَبِ هُوَ الْحُجَّةُ عَلَى جَمِيعِ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْ رُتْبَتَهُ بِلَا مُنَازِعٍ وَلَا مُدَافِعٍ"

ومما وجدته عن الرملي في هذا الشأن ما هو قريب من كلام الهيتمي قوله في نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (8/ 41):
(وَلَوْ بَالَتْ أَوْ رَاثَتْ بِطَرِيقٍ فَتَلِفَ بِهِ نَفْسٌ أَوْ مَالٌ فَلَا ضَمَانَ) وَإِلَّا لَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ الْمُرُورِ وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ، وَهَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ كَالرَّافِعِيِّ هُنَا، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ، لَكِنَّهُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ زَعَمَ كَثِيرٌ أَنَّ نَصَّ الْأُمِّ وَالْأَصْحَابِ الضَّمَانُ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِمَا بِمُخَالَفَتِهِمَا لِمَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ"
حاشية الشبراملسي على النهاية:
"(قَوْلُهُ: بِمُخَالَفَتِهِمَا لِمَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ) لَكِنْ يُشْكِلُ بِمُخَالَفَتِهِ النَّصَّ اهـ سم عَلَى حَجّ. وَقَدْ يُقَالُ الْمُخَالِفُ يُؤَوِّلُ النَّصَّ، وَيَتَمَسَّكُ عَلَى مَا ادَّعَاهُ بِنَصٍّ آخَرَ مَثَلًا"

وتجدر الإشارة هنا أن ابن حجر لم يذهب إلى مثل ما ورد عن الرملي من تقديم قول أصحاب الوجوه عامة على قول الإمام كما ذكرناه عنه أعلاه، فقد جاء عنه في ثنايا فتوى في الصوم ما يلي:

الفتاوى الفقهية الكبرى (2/ 72)
"لَا يَجُوز لِلْمُقَلِّدِ لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يَتْرُكَ مَذْهَبَ إمَامِهِ وَيَعْمَل بِمَا قَالَهُ الْمُجْتَهِدُ الْمُقَلِّد كَذَا أَفْتَى بِهِ الْإِمَامُ الْكَازَرُونِيُّ شَيْخُ الْحَرَمِ النَّبَوِيِّ وَهُوَ أَيْضًا نَصٌّ فِي مَسْأَلَتِنَا. وَقَالَ النَّوَوِيُّ أَيْضًا لَا يَجُوزُ لِمُفْتٍ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يُفْتِيَ بِمُصَنَّفٍ أَوْ مُصَنَّفِينَ وَنَحْوِهِمَا مِنْ كُتُبِ أَصْحَابِنَا لِكَثْرَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْجَزْمِ وَالتَّرْجِيحِ وَقَدْ يَجْزِمُ نَحْوُ عَشَرَةٍ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ بِشَيْءٍ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْمَنْصُوصِ وَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُور اهـ وَهَذَا أَيْضًا مِثْلُ مَا سَبَقَ مِنْ اخْتِيَارِ ابْنِ عَبْدَانَ وَمَنْ وَافَقَهُ. وَقَالَ الْإِمَامُ الْأَزْرَقِيُّ لَوْ وَجَدَ مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّرْجِيحِ اخْتِلَافًا لِلْأَصْحَابِ فِي الْأَصَحِّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَالْوَجْهَيْنِ اعْتَمَدَ تَصْحِيحَ الْأَكْثَرِ اهـ. وَفِي مُقَدِّمَةِ الْمُهِمَّاتِ أَنَّ الرَّافِعِيَّ وَالنَّوَوِيَّ لَمْ يُخَالِفَا نَصَّ الشَّافِعِيِّ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ جِدًّا، فَأَجَابَاهُ بِمَا وَجَدَاهُ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ، إلَّا ذُهُولًا عَنْ النَّصِّ. قَالَ: وَكَثِيرًا مَا يُخَالِف الْأَصْحَابُ النَّصَّ لَا عَنْ قَصْدٍ وَلَكِنْ لِعَدَمِ اطِّلَاعِهِمْ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ اهـ. وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ الْأَصْبَحِيُّ: وَإِذَا وُجِدَ لِلشَّافِعِيِّ نَصٌّ وَالتَّصْحِيحُ بِخِلَافِهِ فَالِاعْتِمَادُ عَلَى نَصِّهِ إذْ الْفَتْوَى فِي هَذَا الزَّمَانِ إنَّمَا هِيَ عَلَى الْأَصَحِّ عَلَى طَرِيقِ التَّقْلِيدِ لَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَتَقْلِيدُهُ أَوْلَى مِنْ تَقْلِيدِ غَيْرِهِ فَقَدْ كَانَ شُيُوخُ الْمَذْهَبِ لَا يُفْتُونَ إلَّا بِهِ، وَإِنْ كَانَ عِنْدهمْ بِخِلَافِهِ فَإِنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ كَانَ كَثِيرًا مَا يَقُولُ فِي تَعْلِيقِهِ كُنْت أَذْهَبُ إلَى كَذَا وَكَذَا حَتَّى رَأَيْت نَصَّ الشَّافِعِيِّ عَلَى كَذَا وَكَذَا ثُمَّ آخُذُ بِالنَّصِّ وَأَتْرُكُ مَا كُنْت عَلَيْهِ اهـ كَلَامُ الْأَصْبَحِيِّ وَقَالَ الْإِمَامُ الْإِسْنَوِيُّ لَا اعْتِبَار مَعَ نَصِّ صَاحِبِنَا بِمُخَالَفَةِ غَيْرِهِ بَلْ يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَى النَّصِّ وَلَوْ كَانَ الْمُخَالِفُونَ لَهُ أَكْثَرَ فَإِنْ تَسَاوَوْا رَجَّحْنَا بِنَصِّ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ تَارَةً يَكُونُ بِبَيَانِ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ التَّرْجِيحَانِ مِقْدَارًا وَأَعْلَاهَا مَنَارًا وَتَارَةً بِمُوَافَقَةِ الْأَكْثَرِينَ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْأَخْذ بِهِ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ ثُمَّ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ كَيْف تُسَوِّغُ الْفَتْوَى بِمَا يُخَالِفُ نَصَّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَلَامَ الْأَكْثَرِينَ وَلَا مُعَوِّلَ عَلَى تَصْحِيحٍ يُخَالِف ذَلِكَ بَلْ هُوَ ضَعِيفٌ ثُمَّ قَالَ وَلَا شَكَّ أَنَّ صَاحِبَ الْمَذْهَبِ إذَا كَانَ لَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ نَصٌّ وَجَبَ عَلَى أَصْحَابِهِ الرُّجُوعُ إلَيْهِ فِيهَا فَإِنَّهُمْ مَعَ الشَّافِعِيِّ كَالشَّافِعِيِّ وَنَحْوِهِ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ مَعَ نُصُوصِ الشَّارِعِ وَلَا يُسَوَّغُ الِاجْتِهَادُ عِنْد الْقُدْرَةِ عَلَى النَّصِّ ثُمَّ قَالَ هُوَ وَالْأَذْرَعِيُّ: لَا عُذْرَ لِأَحَدٍ فِي مُخَالَفَةِ نَصِّ الشَّافِعِيِّ. زَادَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمَتَى وُجِدَ لِلشَّافِعِيِّ نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ طَاحَ مَا خَالَفَهُ".

قلت ـ أيمن ـ: وهذا الذي ذكره هنا، رحمه الله تعالى، عن هؤلاء العلماء من الشافعية هو الأولى بالاتباع، وإذا كان خلاف الأصحاب للنص مردودا في المذهب فمن هو دونهم كالنووي والرافعي، رحمهما الله تعالى، أولى.
ومع هذا لا ينبغي الاعتراض عليهما إلا من قبل من بلغ شأوا في الاطلاع على كتب المذهب حتى لو لم يكن في رتبتهما، ولذلك تجد كثيرا ما يعترض عليهما الإسنوي والزركشي والبلقيني وأمثال هؤلاء من الأعلام، فقول هؤلاء وأمثالهم ينبغي أن يكون مسموعا وقبوله يتوقف على قوة الموجب الذي ادعوه.
أما إذا أجمع الأصحاب على رأي في مسألة ووُجد للإمام نص بخلافه فهنا ينبغي التوقف طويلا ولا يبعد ترجيح ما أجمعوا عليه على أنه المذهب وإن أدى إلى ترك ما ظهر من نص الإمام؛ وذلك لأن إجماعهم في مسالك الظنون يُغلِّب على الظن استنادهم إلى نص عنه وإن لم يبلغ من بعدهم.
وأما ما انفرد به بعضهم أو كثيرٌ منهم ووُجد النص بخلافه، فيُنظر فيه هل لهم سند فيما ذهبوا إليه من نص آخر أو لا، فإن لم يوجد ولم يُذكر فالأولى بمقلِّد الإمام اتباع ما وقف عليه من نصه وترك ما سواه؛ لأن الحجة فيما ظهر لا فيما خفي ولم يُعلم، حتى لو كان موجودا بالفعل واندرس، عِلما بأن الدواعي متوفرة على ذكر نصوص الشافعي من قبل الأصحاب فيما لو اطلعوا على نص. أما التعلل بالقول بأنهم ربما اطلعوا على نص ولم يبلغنا فلا ينسجم مع مبدأ "قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين"، ولا مبدأ "إذا كنت ناقلا فالصحة أو مدعيا فالدليل"، ولا مبدأ "ولا تقف ما ليس لك به علم" وهي مبادئ شرعية أصيلة راسخة في المنهج الشرعي، لم يتجاوزها إلا الغلاة في التقليد السادِّين لباب الاجتهاد المقيد والمطلق.

والله أعلم.
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: المذهب عند الشافعية د. محمد إبراهيم أحمد علي رحمه الله

بسبب تعدد الروايات عن الشافعي وعدم تجمع جميع رواياته في مصنف واحد ، اشتبه مثل هذا الأمر على كثير من العلماء فظنوا مخالفة متأخري الشافعية لظاهر بعض نصوص إمامهم مخالفة لنص الإمام، وهذا لا يُتصوَّر منهم إطلاقا
هذه مغالاة، وإضفاء للعصمة على من ليس بمعصوم، بارك الله فيكم، ولا أحسبها من مثلكم إلا زلة قلم، ولا زال العلماء يستدرك بعضهم على بعض ويخطئ بعضهم بعضا في النقل والحجاج. وقد خالف كثير من الشافعية الإمام فيما اطلعوا عليه من نصوصه واختاروا لأنفسهم مذاهب أخرى فما بالك فيما يحتمل أنهم لم يطلعوا عليه، أو اطلعوا عليه ولكن حملوه على غير محمله، أو ظنوه مرجوحا وهو ليس كذلك.

وأما ما تفضَّلت به من تفسير كثرة الاختلاف في المذهب وحكايته باحتمال وقوفهم على نصوص لم تبلغنا فوجيهٌ، ولكنَّ الحجة ـ كما أسلفنا ـ لا تقوم إلا بما بلغنا ولا يكلفنا الله علم الغائب: "ولا تقف ما ليس لك به علم".
ولعل السبب الأكبر في اختلافهم في حكاية المذهب في نظري ليس هو فقدان النصوص، فإن دواعيهم على ذكرها لو كانت موجودة متوافرة، ثم هم لم يحتفلوا إلا بما نقله المزني والربيع ولم يعولوا كثيرا على من سواهما من النقلة كما ذكره الخطابي، وبذلك يقل حجم المنصوص جدا، أقول لعل السبب الأكبر في كثرة اختلافهم في حكاية المذهب ليس ما ذُكر، وإنما استجازةُ كثيرٍ منهم تخريج أقوال ونسبتها للإمام استخلاصا من فروع جزئية له، فقول الإمام عندهم أو عند كثير منهم أعمُّ من أن يكون منصوصا له أو مستقرأً من جملة فروع تدل عليه. وبهذا كثرت الأقوال المنسوبة للإمام في المسائل واختلط ما كان منها مخرجا بما كان منصوصا بعينه. ولقد كان الصواب كما قاله الشيرازي والنووي أن لا ينسب للإمام إلا ما كان منصوصا دون ما خُرِّج. والشافعية في هذا يشبهون الحنفية في تخريج الأقوال الأصولية لأبي حنيفة استنباطا من فروعه فكثر اختلافهم واضطرابهم في ذلك وتعددت مدارسهم، والله أعلم.
 
إنضم
8 مارس 2011
المشاركات
122
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
...
رد: المذهب عند الشافعية د. محمد إبراهيم أحمد علي رحمه الله

جزاكم الله خيراً على الفوائد
 

سعيد احمد حسن

:: متابع ::
إنضم
10 يناير 2010
المشاركات
18
التخصص
ادارة واقتصاد
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: المذهب عند الشافعية د. محمد إبراهيم أحمد علي رحمه الله

جزا الله الجميع على هذه المعلومات القيمة
 
إنضم
13 أغسطس 2010
المشاركات
143
التخصص
شريعة وقانون
المدينة
تريم
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: المذهب عند الشافعية د. محمد إبراهيم أحمد علي رحمه الله

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فأسأل المولى تبارك وتعالى أن يريني الحق حقا ويرزقني اتباعه، وأن يريني الباطل باطلا ويرزقني اجتنابه.
أخي العزيز أيمن..الأخوة الكرام في هذا المنتدى العزيز على قلوبنا.
يسرني أن أدارس معكم هذه المسألة المهمة..
وأبدأ مشاركتي بالتنبيه على أمر أراه مهماً جداً في المشاركات، وأظن للأخوة في هذا المنتدى عناية به..ألا وهو الابتعاد عن الكلمات التي لا تليق بنا طلاب العلم..
وهذا أصل مهم جدا فلا حجر على الفكر والرأي والاستنباط والتعقيب..لكن مع الحفاظ على الأدب مع هؤلاء العلماء الأجلاء..
فالفقير إلى الله أعتب على أخي أيمن نحو وصفه متأخري الشافعية أو أحد منهم بكونهم يقلدون تقليدا أعمى، أو يضفون العصمة لمن ليس بمعصوم..وإن كنت أكاد أن أجزم أنه لم يقصد الإنقاص من قدرهم..
فمهما ابتعدنا عن ذلك فلا بأس بالطرح العلمي والأخذ والرد وكل يؤخذ من كلامه ويرد..
وبعد ذلك يمكن تفصيل ما ذكرت وغيره مما اعتقده في هذه المسألة في أربع نقاط كما يلي:
أولاً: عندما نتكلم عن متأخري الشافعية وأنهم يقولون بكذا.. ويترتب عليهم أنه كذا..نحن لا نتكلم عن ابن حجر أو الرملي فقط..والمتأخرون بالنسبة إلينا كما لا يخفى –ونصوا عليه- من بعد الإمام النووي والرافعي..
فعندما نقول أن رأي المتأخرين كذا وننقل عن ابن حجر أو الرملي ذلك لا يكفي، بل الواجب الرجوع إلى أقوال الكثير من العلماء علنا نجزم بشيء من ذلك.. فما ذكره الشيخ ابن حجر مسالة مختلف فيها بين المتأخرين فلا يستقيم تعميم قول أخي أيمن على المتأخرين أنهم يقولون بذلك ..والشيخ ابن حجر والرملي ليس هما المتأخرين فقط..
وقد نص على ذلك الشيخ ابن حجر نفسه بقوله ((محققو المتأخرين))..قال : (( وَإِلَّا فَاَلَّذِي أَطْبَقَ عَلَيْهِ مُحَقِّقُو الْمُتَأَخِّرِينَ وَلَمْ تَزَلْ مَشَايِخُنَا يُوصُونَ بِهِ وَيَنْقُلُونَهُ عَنْ مَشَايِخِهِمْ وَهُمْ عَمَّنْ قَبْلَهُمْ، وَهَكَذَا، أَنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ أَيْ مَا لَمْ يُجْمِعْ مُتَعَقِّبُو كَلَامِهِمَا عَلَى أَنَّهُ سَهْوٌ وَأَنَّى بِهِ؟!))..
ولهذا فالنقل الذي نقله أخي أيمن في قول الإمام النووي : (وَلَوْ بَالَتْ أَوْ رَاثَتْ بِطَرِيقٍ فَتَلِفَ بِهِ نَفْسٌ أَوْ مَالٌ فَلَا ضَمَانَ) وَإِلَّا لَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ الْمُرُورِ وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ، وَهَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ كَالرَّافِعِيِّ هُنَا، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ، لَكِنَّهُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ زَعَمَ كَثِيرٌ أَنَّ نَصَّ الْأُمِّ وَالْأَصْحَابِ الضَّمَانُ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِمَا بِمُخَالَفَتِهِمَا لِمَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ")
ليس فيه دلالة على أن المتأخرين يقولون بتقديم قول الإمام النووي على نص الشافعي فقلد استشكل النص الشبراملسي وخالف قول الإمام النووي الأذرعيُّ والشيخ زكريا والخطيب الشربيني وهؤلاء من المتأخرين.
وعلى من ينقل مثل ذلك عن المتأخرين أن يستوعب كتب المتأخرين وأقوالهم في ذلك، ومن أقوال غير ابن حجر والرملي:
1. قول الإسنوي:إن الرافعي والنووي لم يخالفا نص الشافعي في مواضع كثيرة جدا فأجاباه بما وجداه لبعض الأصحاب إلا ذهولا عن النص قال وكثيرا ما يخالف الأصحاب النص لا عن قصد ولكن لعدم اطلاعهم عليه كما قاله البندنيجي في تعليقه.
2. وقوله كذلك: لا اعتبار مع نص صاحبنا بمخالفة غيره بل يجب المصير إلى النص ولو كان المخالفون له أكثر فإن تساووا رجحنا بنص صاحب المذهب؛ لأن الترجيح تارة يكون ببيان نص الشافعي فإنه أعظم الترجيحان مقدارا وأعلاها منارا وتارة بموافقة الأكثرين فإنه يجب الأخذ به كما صرح به في الروضة ثم قال في المهمات كيف تسوغ الفتوى بما يخالف نص الشافعي - رضي الله عنه - وكلام الأكثرين ولا معول على تصحيح يخالف ذلك بل هو ضعيف
ثم قال: ولا شك أن صاحب المذهب إذا كان له في المسألة نص وجب على أصحابه الرجوع إليه فيها فإنهم مع الشافعي كالشافعي ونحوه من المجتهدين مع نصوص الشارع ولا يسوغ الاجتهاد عند القدرة على النص
3. قول الإسنوي هو والأذرعي: لا عذر لأحد في مخالفة نص الشافعي. زاد الأذرعي ومتى وجد للشافعي نص في المسألة طاح ما خالفه.
4. قول الإمام الأصبحي، وإذا وجد للشافعي نص والتصحيح بخلافه فالاعتماد على نصه إذ الفتوى في هذا الزمان إنما هي على الأصح على طريق التقليد له - رضي الله عنه - وتقليده أولى من تقليد غيره فقد كان شيوخ المذهب لا يفتون إلا به، وإن كان عندهم بخلافه فإن الشيخ أبا حامد الإسفراييني كان كثيرا ما يقول في تعليقه كنت أذهب إلى كذا وكذا حتى رأيت نص الشافعي على كذا وكذا ثم آخذ بالنص وأترك ما كنت عليه .
ومما يدل على عدم امتناع مخالفة النووي والرافعي رحمهما الله لكلام الإمام الشافعي من كلام ابن جحر والرملي:
1. قول الشيخ ابن حجر: (( إن الأئمة إذا امتنعوا من مخالفة نص الشافعي وهم بلغوا درجة الاجتهاد فالامتناع لمن لم يبلغها أولى))..
2. قول الرملي يقول: ((وترك الشيخين لذكر النص المذكور لكونه ضعيفا أو مفرعا على ضعيف)) فهم لم يخالفوا نص الشافعي مطلقا، بل خالفوه نصا ضعيفا وأخذوا بنص أقوى منه ..
ثانياً: هم بشر –ولم يقل أحد إنهم معصومين- فالاعتراض عليهم وارد، بل النصوص التي أوردها أخي أيمن تدل على ذلك، ومنها:
1 ) قول ابن حجر : الْمُعْتَمَدَ عَلَيْهِمَا إنْ اتَّفَقَا وَإِلَّا فَعَلَى النَّوَوِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى مَا لَمْ يُجْمِعْ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى أَنَّهُمَا وَقَعَا فِي سَهْوٍ أَوْ غَلَطٍ فَحِينَئِذٍ يُعْرَضُ عَمَّا قَالَاهُ..
فهذا الذي قرره ابن حجر .. لكن يقول إنه بحث فلم يجد موضعا اتفقوا فقيه على التضعيف .. يقول : وأَيْنَ تَجِدُ مَوْضِعًا اتَّفَقَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى ذَلِكَ بَلْ كُلُّ مَحَلٍّ وَجَدْتُهُ تَجِدُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ يَعْتَمِدُ مَا قَالَاهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَالِفُهُ..
2) قول ابن حجر : وَمَنْ تَأَمَّلَ إطْبَاقَ أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى تَغْلِيطِهِمَا فِيمَا قَالَاهُ أَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَّا بِفَرْضِ الْقَاضِي مَبْلَغًا وَأَنْصَارُ الشَّمْسِ الْجَوْجَرِيِّ لَهُمَا فِي ذَلِكَ وَرَدَّهُ عَلَى أَكَابِرِ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلِمَ أَنَّهُ يَعِزُّ أَنْ يُوجَدَ مَحَلٌّ أَطْبَقَ الْمُتَأَخِّرُونَ كُلُّهُمْ عَلَى إلْغَاءِ تَرْجِيحِهِمَا فِيهِ فَالصَّوَابُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِمَا دُونَ غَيْرِهِمَا...
يلاحظ القاري أن الشيخ عبر بـ(( يعز)) ولم ينفي الوجود..ولهذا قرر حكما وهو أنه يعتمد على قولهما ..أي كأصل ما لم يرد ما ينافيه..
فالمتأخرون -كما رأيت- يعترضون على الإمام النووي والرافعي ، بل ويقولون أنهما وقعا في سهو أو غلط أو ما شابه ذلك، وذلك جلي من النصوص التي نقلها أخي أيمن..وليس في ذلك شيء عليهما أو عليهم لأن الحقيقة ضالة المؤمن..
ومن أبلج ما يؤيد ذلك وجود طبقة النُظَّار في ترجيح ما اختلف فيه الشيخان كالإسنوي وأضرابه، وهي الطبقة الرابعة من طبقات علماء الشافعية.
ثالثاً: أمثلة لرد كلام الشيخين أو أحدهما بسبب مخالفة نص الإمام الشافعي:
من نظر لكلام المتأخرين يجد مواضع ردوا بها كلام الشيخين لمخالفة نص الإمام الشافعي، وفي كلام النظار في كلام الشيخين شيء كثير من ذلك ..ولكني هنا اقتصر على أمثلة من كلام ابن حجر والرملي والخطيب الشربيني في الأمثلة التالية:
المثال الأول: يرى الإمامُ النووي في منهاجه أنه لا قضاء على المصلي دمي السلاح واحتاج إلى إمساكه .وتبع النوويُّ في ذلك الرافعي في المحرر فإنه قال ( إنه الأقيس ) فيفهم منه أن القياس القضاء وهو ما جزم به الرافعي في الشرحين والروضة .
وعبارة الإمام النووي (ويُلقي السلاح إذا دمى فإن عجز أمسكه ، ولا قضاء ) .وحجته القياس على المستحاضة بجامع دوام العذر .
لكن اعتمد الرملي وابن حجر والخطيب أنه يجب القضاءُ تبعا للمنقول عن الأصحاب ونص الشافعي.
وقال في المهمات ( وهو ما نص عليه الشافعي فالفتوى عليه ) فتعقب الشراح على الشيخين ـ النووي والرافعي ـ من جهة مخالفتهما لنص الإمام الشافعي حيث قال في الأم : ( إذا أصاب السيف الدم فمسحه فذهب منه لم يتقلده في الصلاة .. وجميع الحديد إذا أصابه الدم فإن صلى قبل أن يغسله بالماء أعاد الصلاة ) .
المثال الثاني: ذهب الإمام النووي إلى أن الإمساك من الألفاظ الصريحة ، أي لا يحتاج إلى نية ، وتبعه في ذلك الخطيب .
قال الإمام النووي ( والأصح أن الرد والإمساك صريحان ) .
وقال الخطيب ( والأصح أن الرد والإمساك كرددتك أو أمسكتك وفي لغة قليلة مسكتك صريحان في الرجعة أيضا لورودهما في القرآن .. والثاني أنهما كنايتان لعدم اشتهارهما في الرجعة) .
ويرى ابن حجر والرملي والخطيب من شراح المنهاج أن الإمساك من ألفاظ الكناية ، أي فيحتاج إلى نية كي تحصل به الرجعة . قال ابن حجر (والأصح أن الرد والإمساك وما اشتق منهما صريحان ؛لورودهما في القرآن والأول في السنة أيضا , ومن ثم كان أشهر من الإمساك بل صوب الإسنوي أنه كناية كما نص عليه ) . وقال الرملي (والأصح أن الرد والإمساك وما اشتق منهما صريحان لورودهما في القرآن , والأول في السنة أيضا , ومن ثم كان أشهر من الإمساك , بل صوب الإسنوي أنه كناية كما نُص عليه ) . والتعبير ب((كما )) مفيد للترجيح كما هو معلوم..
المثال الثالث: يرى الإمام النووي أنه لا قصاص في كسر السن .قال الإمام النووي (وفي قلع السن قصاص لا في كسرها ) .
وخالف ابن حجر والرملي والخطيب الإمامَ النووي فيما مر فاعتمدوا وجوب القصاص وورد نص الشافعي به قال الخطيب ( نعم إن أمكن فيها القصاص فعن النص أنه يجب ).وقال ابن حجر ( المعتمد أنه إن أمكن استيفاء مثله بلا زيادة ولا صدع في الباقي فعل ) .وقال الرملي ( وتقدم أنه متى أمكن استيفاء مثله بلا زيادة ولا صدع في الباقي فعل ) .
المثال الرابع : يرى الإمام النووي ـ رحمه الله ـ فيما لو قتل شخص آخر بالتجويع ، ثم جُوِّع القاتل مثل زمن تجويع المقتول فلم يمت أنه يزاد في تجويعه حتى الموت .
قال الإمام النووي ( ومن قتل بمحدد أو خنق أو تجويع ونحوه اقتص به ، أو بسحر فبسيف ، وكذا خمر ولواط في الأصح ، ولو جوع كتجويعه فلم يمت زيد وفي قول السيف ) .
ويرى الرملي والخطيب أنه يضرب بالسيف كما نص عليه في الأم والمختصر ، قال الخطيب (وفي قول السيف يقتل به , وهذا هو الأصح كما نص عليه في الأم والمختصر ) .قال الرملي ( وفي قول السيف وصوبه البلقيني وغيره , وهو المعتمد ) .
رابعا : مناقشة لكلام أخي أيمن:
1. أما قول أخي أيمن : (( وقال المؤلف نقلا عن الرملي بواسطة الكردي: "المتبحر في المذهب كأصحاب الوجوه فله رتبة الاجتهاد المقيَّد، ومن شأن هذا أنه إذا رأى نصا خرج عن قاعدة الإمام رده إليها إن أمكن وإلا عمل بمقتضاها دونه" ومن ثم " فقد ترك الأصحاب نصوصه ـ أي الشافعي ـ الصريحة لخروجها على خلاف قاعدته وأوَّلُوها...فلا ينبغي الإنكار على الأصحاب في مخالفة النصوص، ولا يقال بأنهم لم يطلعوا عليها فإنها شهادة نفي، بل الظاهر أنهم اطلعوا عليها وصرفوها عن ظاهرها بالدليل ولا يخرجون بذلك عن متابعة الإمام الشافعي".. قلت ـ أيمن ـ هذا تغال شديد من المتأخرين قائم على التقليد المحض القائم على "تحسين الظن")) ..
يقول الفقير إلى الله: ما ذكرتم أنه مبني على تحسين الظن يحتاج لدليل .. بل هو مبني على الظاهر ..مثلما قال الرملي نفسه فلماذا نؤل النص بالرغم من أنه صرح بذكر السبب.. والظاهر هو الاحتمال الراجح كما يذكره الأصوليون..
2. أما قول أخي أيمن : (( وهو مسلك قائم على "تحسين الظن" بأنهما ما خالفا الإمام إلا لأنهما اطلعا على موجب لذلك من نص آخر أو مخالفة النص المنقول لقاعدة من قواعد المذهب مما يستدعي تأويله أو رده. وكذلك هنا كل ما صححه الشيخان فهو المعتمد وكل ما وجد من نص للإمام أو أقوال متكاثرة عن الأصحاب بخلاف هذا التصحيح فلا يعول عليه؛ لأنهما ـ النووي والرافعي ـ لا يصحِّحان شيئا إلا ولهم حجة عليه من نص آخر أو قاعدة أو تأويل...الخ علم ذلك من علمه وجهل ذلك من جهله.
وهذا هو ما أنكرناه من التقليد الأعمى، وهو اتباع قول الغير لمن كان من أهل النظر حتى مع عدم الوقوف على حجته، وظهور ما يخالف قوله)).
يقول الفقير إلى الله : أما مسألة تحسين الظن فقد مر الكلام فيها، وأن الكلام ليس من ذلك بل من باب الظاهر..
وأما ما ذكر من العبارة السابقة من النقل هو محله في غير أهل النظر، بخلاف من له أهلية النظر ولذا نرى كثيرا من العلماء المتأخرين يعترضون على الشيخين، وهذا بنص الشيخ ابن حجر نفسه يقول الشيخ ابن حجر : ((فكان اعتماد قولهما هو الأحرى والأحق والإعراض عن مخالفيه هو الأولى بكل شافعي لم يصل لمرتبة من مراتب الاجتهاد))..ومراتب الاجتهاد في المذهب أربعة..
3. أما قول أخي أيمن : (( قال المؤلف: وقد بلغ الأمر في اعتماد المتأخرين من الشافعية على قول الشيخين "أن بعض المشايخ منهم كان لا يجيز أحدا بالإفتاء إلا شرط عليه أن لا يخرج عما صححاه فالنووي" وعزاه إلى الفوائد المدنية.قلت ـ أيمن ـ: أليس هذا تقديما مطلقا لقول الشيخين)).
يقول الفقير إلى الله: نعم لكن هذا قول البعض كما ترى في العبارة!
ومثل ذلك في النقل الآخر عن الكردي : ((وقال نقلا عن ابن حجر بواسطة الفوائد المدنية: "وقد أجمع المحققون على أن المفتى به ما ذكراه فالنووي وعلى أنه لا يعترض عليهما بنص الأم أو كلام الأكثرين أو نحو ذلك لأنهما أعلم بالنصوص وكلام الأصحاب من المعترض عليهما فلم يخالفاه إلا لموجب، علمه من علمه وجهله من جهله".))
فهو نقل إجماع المحققين برأي الشيخ ابن حجر فيستفاد من تعبيره بذلك أن ثمة من يخالف في ذلك أي في قوله : ((وعلى أنه لا يعترض عليهما بنص الأم أو كلام الأكثرين أو نحو ذلك لأنهما أعلم بالنصوص وكلام الأصحاب من المعترض عليهما فلم يخالفاه إلا لموجب، علمه من علمه وجهله من جهله))..
على أن الداعي لقول بعض المشايخ السابق ذكره هو كَثْرَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْجَزْمِ وَالتَّرْجِيحِ وَقَدْ يَجْزِمُ نَحْوُ عَشَرَةٍ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ بِشَيْءٍ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْمَنْصُوصِ ..فقد قال الإمام َ النَّوَوِيُّ : ((لَا يَجُوزُ لِمُفْتٍ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يُفْتِيَ بِمُصَنَّفٍ أَوْ مُصَنَّفِينَ وَنَحْوِهِمَا مِنْ كُتُبِ أَصْحَابِنَا لِكَثْرَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْجَزْمِ وَالتَّرْجِيحِ وَقَدْ يَجْزِمُ نَحْوُ عَشَرَةٍ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ بِشَيْءٍ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْمَنْصُوصِ وَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُور )).
ثم إن ما بين أيدينا من كتب ابن حجر ليس فيها حكاية الإجماع إلا على المسألة الأولى وهي ((وقد أجمع المحققون على أن المفتى به ما ذكراه فالنووي))
يقول ابن حجر : ((وإلا فالذي أطبق عليه محققو المتأخرين ولم تزل مشايخنا يوصون به وينقلونه عن مشايخهم وهم عمن قبلهم وهكذا أن المعتمد ما اتفقا عليه))
أما مسالة إجماعهم على الأخرى فلم أرها لكن الشيخ ابن حجر رحمه الله قال : (( وبينت فيه –أي في شرح العباب- أن الحق ما درج عليه مشايخنا ومشايخهم وهلم جرا من اعتماد ترجيح كلام الشيخين في الإفتاء وغيره وأنه لا يعترض عليهما بكلام الأكثرين ولا بالنص ولا بغير ذلك)).
فقوله ((وأنه)) تحتمل ما ذكر وتحتمل أنه مما بينه في شرح العباب فليراجع شرح العباب في ذلك ..
4. أما قول أخي أيمن : (( ومن المعلوم أن الغالب في تصحيحاتهما كونها مجردة عن ذكر المُوجِب في خصوص المسائل)).
يقول الفقير إلى الله: الذي أراه أن ذلك محل نظر ويحتاج إلى استقراء، والذي أظنه العكس فهم غالبا ما يبينون أن ذلك قول أو وجه .. أو يعبرون بالأصح أو الصحيح أو الأظهر أو المشهور أو نحو ذلك مما يفهِم الأقوال أو الأوجه.
5. أما قول أخي أيمن : (( أقوال ابن حجر والرملي صريحة في وجوب متابعة الشيخين حتى لو تبدى لمن ليس في رتبتهما أنهما خالفا نص الإمام الشافعي سواء أمكن الوقوف على وجهة نظرهما في ذلك أم لا)).
يقول الفقير إلى الله: لا أراه صحيحا مع النقول السابقة عن الشيخ ابن حجر..
6. أما قول أخي أيمن : (( وافتراض الإحاطة بالنصوص، مع أنه لم يُزعم لأمثال البيهقي مع ما هو عليه من التفتيش والجمع والاعتناء بنصوص الإمام فكيف بمن هو دونه.)) ..
يقول الفقير إلى الله: لا أرى أي دلالة على الإحاطة بنصوص الشافعي .. بل غاية ما فيها أنهم في تلك المسالة المختلف فيها الظاهر من حالهم -لأنهم لا يخالفون قول الشافعي الذي اطلع عليه إلا لدليل آخر- الاطلاع عليها.. وليس على كل نصوص الشافعي..
7. أما قول أخي أيمن : (( ثم إن النووي والرافعي كليهما ليس من أصحاب الوجوه على ما ذكره غير واحد، ولست أدري هل يعتبرهما الرملي وابن حجر من أصحاب الوجوه أم لا)).
يقول الفقير إلى الله: أظن أنهما لا يخالفان في ذلك ينظر مثلا قول ابن حجر -اعتراضا على من قال : ((لأنه الذي أطبق عليه الأصحاب ومنهم الشيخان في العزيز، والروضة، وغيرهما )) - : (( قوله ومنهم الشيخان ليس على وفق الاصطلاح أن المراد بالأصحاب المتقدمون وهم أصحاب الأوجه غالبا وضبطوا بالزمن وهم من قبل الأربع مائة ومن عداهم يسمون بالمتأخرين ولا يسمون بالمتقدمين)) الفتاوى الفقهية الكبرى (4 / 63):
8. أما قول أخي أيمن : (( قال إمام الحرمين رحمه الله تعالى في النهاية بعد أن استبعد أحد الوجوه لمخالفته النص: "والتخريج على خلاف النص يبعد إلحاقُه بالمذهب، فما الظنُّ بالإعراض عن النص بالكلية. وهذا هو الصواب لا ما قال الرملي. ))..
يقول الفقير إلى الله: لا يظهر لأخيكم تخالف..على انه لو فرض التخالف فالصيرورة إلى الجمع أولى كما قرره العلماء..
ثم ما المراد بالذهب حيث أطلق الطريقة الراجحة من الطريقين أو الطرق الشاملة للأقوال والأوجه أو ما تركب منهما..وإن كنا لا نخالف في أن مخالفة نص الشافعي توجب الرد..
9. أما قول أخي أيمن : (( أما ما تفضلت بنقله عن ابن حجر فهو مجتزأ، ولعل كامل النقل يعطي صورة أوضح عن مراده وهو لا يكاد يخالف ما قرره مؤلف البحث... الخ))..
يقول الفقير إلى الله: إنما نقلت موضع الشاهد..
10. أما قول أخي أيمن : (( قلت ـ أيمن ـ: ألا ترى كيف لم يجز الخروج عن قوليهما وافتراض أنه سهو أو غلط إلا بأن يجمع المتأخرون على ذلك وهو لا يكاد يوجد، والحاصل وجوب تقليدهما مطلقا سواء وقفنا على ما بموجبه خالفا النص أو كلام الأكثرين أم لم نقف؟ ومن أصرح كلامه في ذلك وأشده ما جاء عنه في الفتاوى الفقهية الكبرى (4/ 141)"وَإِذَا رَجَّحَ الشَّيْخَانِ شَيْئًا كَانَ الْمُعْتَمَدُ وَلَا نَظَرَ لِمَا يُطِيل بِهِ الْإِسْنَوِيّ وَغَيْرُهُ مِنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِمَا بِالنَّصِّ أَوْ غَيْرِهِ لَأَنَّهُمَا أَدْرِي بِأَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ وَنُصُوصِهِ مِنْ جَمِيعِ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمَا فَلَا يَعْدِلَانِ عَنْ النَّصِّ إلَّا لِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ كَنَصٍّ آخَرَ أَوْ قَاعِدَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَلَيْسَ فِي الْمُعْتَرِضِ عَلَيْهِمَا مِنْ يُدَانِي مَرْتَبَتَهُمَا عِلْمًا وَوَرَعًا وَاجْتِهَادًا فَوَجَبَ الْمَصِيرُ لِأَقْوَالِهِمَا وَالْإِعْرَاضُ عَمَّا سِوَاهُمَا، وَقَدْ بَيَّنْت فِي شَرْح الْإِرْشَادِ الرَّدَّ عَلَى مَنْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِمَا فِي بَابِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَمَا شَاكَلَهُ وَبَيَّنْت، كَجَمَاعَةٍ مِنْ مَشَايِخِي وَغَيْرَهُمْ، أَنَّ الْحَقَّ مَا قَالَاهُ فَتَمَسَّكْ أَيُّهَا السَّائِلُ وَفَّقَك اللَّهُ تَعَالَى بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ الْمُثْلَى وَلَا تَعْدِلْ عَنْهَا فَتَضِلَّ وَتُضِلَّ"؟؟!))..
يقول الفقير إلى الله: ليس فيما ذكر غرابة لأن الشيخ ابن حجر مثلما ذكرت في التعقيب الأول رأى أن الفروع التي اعترضت على الشيخين بأنها مخالفة النص رأى لها نصوصا أخرى من نصوص الشافعي وافقتها ولهذا يقول : (( لا يعترض عليهما بكلام الأكثرين ولا بالنص ولا بغير ذلك وبينت فروعا اعترضوا فيها عليهما بالنص ثم لما أمعنت التفتيش رأيتهما استندا لنص آخر)) الفتاوى الفقهية الكبرى (4 / 324):
11. أما قول أخي أيمن : ((قلت ـ أيمن ـ: وهذا الذي ذكره هنا، رحمه الله تعالى، عن هؤلاء العلماء من الشافعية هو الأولى بالاتباع، وإذا كان خلاف الأصحاب للنص مردودا في المذهب فمن هو دونهم كالنووي والرافعي، رحمهما الله تعالى، أولى)).
يقول الفقير إلى الله: هذا لا خلاف فيه حتى ابن حجر نفسه لا يخالف فيه .. لكن يرى أنه لم يقع حسب ما رأى في المسائل التي اعترضوا عليهما بالنص فوجد نصوصا أخرى للشافعي تؤيد ما ذهب اليه الشيخان.
12. أما قول أخي أيمن : (( أقول لعل السبب الأكبر في كثرة اختلافهم في حكاية المذهب ليس ما ذُكر، وإنما استجازةُ كثيرٍ منهم تخريج أقوال ونسبتها للإمام استخلاصا من فروع جزئية له، فقول الإمام عندهم أو عند كثير منهم أعمُّ من أن يكون منصوصا له أو مستقرأً من جملة فروع تدل عليه. وبهذا كثرت الأقوال المنسوبة للإمام في المسائل واختلط ما كان منها مخرجا بما كان منصوصا بعينه. ولقد كان الصواب كما قاله الشيرازي والنووي أن لا ينسب للإمام إلا ما كان منصوصا دون ما خُرِّج. والشافعية في هذا يشبهون الحنفية في تخريج الأقوال الأصولية لأبي حنيفة استنباطا من فروعه فكثر اختلافهم واضطرابهم في ذلك وتعددت مدارسهم، والله أعلم))..
يقول الفقير إلى الله: إن الأصح عند الشافعية ليس ذلك، فلا تنسب تلك التخريجات للإمام مطلقا، بل بقيد كونها مخرجة يقول السبكي : (( وإن لم يعرف للمجتهد قول في مسألة لكن نظيرها فهو قوله: المخرج فيها على الأصح والأصح لا ينسب إليه مطلقا بل مقيدا)) أي بأنه مخرج حتى لا يلتبس بالمنصوص كما في المحلي..
13. أما قول أخي أيمن : (( ومن الغلو ما جاء عنه أيضا: "وَمَا رَجَّحَهُ ـ أي النووي ـ مِنْ جِهَةِ الْمَذْهَبِ هُوَ الْحُجَّةُ عَلَى جَمِيعِ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْ رُتْبَتَهُ بِلَا مُنَازِعٍ وَلَا مُدَافِعٍ" ))..الفتاوى الفقهية الكبرى (4/ 91)
يقول الفقير إلى الله: لا أرى في ذلك أي غلو؛ إذ رتبة الإمام النووي هي مرتبة المرجحين في المذهب كما هو معلوم.. ومن لم يبلغ درجة الترجيح فكيف ينازع أهل الشأن في أمر لا يعلمه..
[ومع ملاحظة أن أكثر العبارات التي حصل فيها النقاش هي فتاوى وهي:
· يتوسع فيها ما لا يتوسع في غيرها .
· تؤخر من حيث الاعتماد عن المصنفات.
· إن المسؤول إنما يجيب السائل على ما يصلح له]
وأخيرا –وليس آخرا- اطرح موضوعا للتساؤل وهو هل تقتضي مخالفة نص الشافعي رحمه الله رد غيرها مطلقا؟
.. فإن كان كذلك فما حكم القول المخرج..فإن القول المخرج إنما ينشأ من مخالفة النص كما ذكر الأصوليون فهل نرد جميع الأقوال المخرجة لأنها خالفت الشافعي!!
والقول المُخَرَّج ، هو ما خُرِّج من نص الشافعي في نظير المسألة على حكم مخالف بأن ينقلَ بعضُ أصحابِهِ نصَّ كلٍّ إلى الأخرى فيجتمع في كل منصوصٌ ومُخَرَّج..
وقال الشافعية إن الراجح إما المنصوص وإما المُخَرَّج وإما تقرير النصين والفرق!!
وختاما ..فليعذرني أخي أيمن إن أفرطت في شيء من كلامي وإن كان فيما ذكرت شيئا من الحق فمن الله .. وإن كان غير ذلك فمني والله أعلم..
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: المذهب عند الشافعية د. محمد إبراهيم أحمد علي رحمه الله

وأبدأ مشاركتي بالتنبيه على أمر أراه مهماً جداً في المشاركات، وأظن للأخوة في هذا المنتدى عناية به..ألا وهو الابتعاد عن الكلمات التي لا تليق بنا طلاب العلم..
وهذا أصل مهم جدا فلا حجر على الفكر والرأي والاستنباط والتعقيب..لكن مع الحفاظ على الأدب مع هؤلاء العلماء الأجلاء..
فالفقير إلى الله أعتب على أخي أيمن نحو وصفه متأخري الشافعية أو أحد منهم بكونهم يقلدون تقليدا أعمى، أو يضفون العصمة لمن ليس بمعصوم..وإن كنت أكاد أن أجزم أنه لم يقصد الإنقاص من قدرهم..
فمهما ابتعدنا عن ذلك فلا بأس بالطرح العلمي والأخذ والرد وكل يؤخذ من كلامه ويرد..
بورك فيكم أخي مصطفى، لا خلاف بيننا في هذا إن شاء الله تعالى، ولكن يحسن هنا التنبيه على أمرين:
أحدهما: التفريق بين القول والقائل، والمنهج والناهج، والفكرة وصاحبها. وأقصد بذلك أن نقد القول أو المنهج أو الفكرة سائغ مقبول وهو لا يُعدُّ بحال نقدا لشخص القائل أو الناهج أو صاحب الفكرة. فإذا قلنا هذا القول من التقليد الأعمى فهذا لا يعني بحال أنا نصف صاحب القول بأنه مقلد أعمى، وكذا إذا قلنا بأن هذا الفعل أو القول بدعة فلا يعني أن فاعله أو القائل به مبتدع، وحتى وصف فعل ما بالكفر لا يعني تكفير فاعل هذا الفعل. والخلط بين الأمرين ـ القول والقائل ـ كثيرا ما يلتبس على بعض الناس وطلاب العلم، وليس هذا مجال الإفاضة فيه.
والأمرالثاني: ما عنيناه بالتقليد الأعمى هو تقليد من كان من أهل النظر غيرَه دون الوقوف على حجة هذا الغير أو أنه يقف عليها ثم يستبين له ضعفها قطعا أو ظنا، ولكنه مع ذلك يصر على التقليد تعويلا على أنه ربما كانت هناك حجة أخرى للشخص المقلَّد مفقودة أو لا يمكن الاطلاع عليها. وهذا ما عنيناه بالتعويل على "تحسين الظن" عند فقد الحجة.
وتأسيسا على هذا، فوصفنا لما نقله مؤلف البحث من أقوال عن ابن حجر والرملي وبعض المتأخرين بأنه من التقليد الأعمى لا يعنى شيئا سوى نقد الفكرة التي دل عليها ظاهر كلامهم بغض النظر عن شخصيهما وبغض النظر عن كونهما مارسا هذه الفكرة عمليا أم لا أو أنه توجد لهم أقوال أخرى بخلافها أو لا.
أولاً: عندما نتكلم عن متأخري الشافعية وأنهم يقولون بكذا.. ويترتب عليهم أنه كذا..نحن لا نتكلم عن ابن حجر أو الرملي فقط..والمتأخرون بالنسبة إلينا كما لا يخفى –ونصوا عليه- من بعد الإمام النووي والرافعي..
فعندما نقول أن رأي المتأخرين كذا وننقل عن ابن حجر أو الرملي ذلك لا يكفي، بل الواجب الرجوع إلى أقوال الكثير من العلماء علنا نجزم بشيء من ذلك.. فما ذكره الشيخ ابن حجر مسالة مختلف فيها بين المتأخرين فلا يستقيم تعميم قول أخي أيمن على المتأخرين أنهم يقولون بذلك ..والشيخ ابن حجر والرملي ليس هما المتأخرين فقط..
وقد نص على ذلك الشيخ ابن حجر نفسه بقوله ((محققو المتأخرين))..قال : (( وَإِلَّا فَاَلَّذِي أَطْبَقَ عَلَيْهِ مُحَقِّقُو الْمُتَأَخِّرِينَ وَلَمْ تَزَلْ مَشَايِخُنَا يُوصُونَ بِهِ وَيَنْقُلُونَهُ عَنْ مَشَايِخِهِمْ وَهُمْ عَمَّنْ قَبْلَهُمْ، وَهَكَذَا، أَنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ أَيْ مَا لَمْ يُجْمِعْ مُتَعَقِّبُو كَلَامِهِمَا عَلَى أَنَّهُ سَهْوٌ وَأَنَّى بِهِ؟!))...
نعم أخي الكريم التعميم كان خطأ غير مقصود لأن العام يُطلق ويراد به الخاص ولقد كان من الأدق أن نقول "بعض المتأخرين" أو بعبارة أدق، كثير من المتأخرين أو أكثرهم.
ومع هذا فقد صوبنا هذا الخطأ سابقا عندما سألتمونا، بارك الله فيكم، عمن قال بذلك، فأجبت بأنه نقله الهيتمي عن "محققي المتأخرين" (المشاركة رقم 10)، ثم إني رددت على ظاهر كلام ابن حجر والرملي بما نقلته عن جماعة من أعلام المتأخرين بخلافه ومن هذا يتضح أني لا أقصد التعميم.

وعلى من ينقل مثل ذلك عن المتأخرين أن يستوعب كتب المتأخرين وأقوالهم في ذلك، ومن أقوال غير ابن حجر والرملي:
1. قول الإسنوي:إن الرافعي والنووي لم يخالفا نص الشافعي في مواضع كثيرة جدا فأجاباه بما وجداه لبعض الأصحاب إلا ذهولا عن النص قال وكثيرا ما يخالف الأصحاب النص لا عن قصد ولكن لعدم اطلاعهم عليه كما قاله البندنيجي في تعليقه.
2. وقوله كذلك: لا اعتبار مع نص صاحبنا بمخالفة غيره بل يجب المصير إلى النص ولو كان المخالفون له أكثر فإن تساووا رجحنا بنص صاحب المذهب؛ لأن الترجيح تارة يكون ببيان نص الشافعي فإنه أعظم الترجيحان مقدارا وأعلاها منارا وتارة بموافقة الأكثرين فإنه يجب الأخذ به كما صرح به في الروضة ثم قال في المهمات كيف تسوغ الفتوى بما يخالف نص الشافعي - رضي الله عنه - وكلام الأكثرين ولا معول على تصحيح يخالف ذلك بل هو ضعيف
ثم قال: ولا شك أن صاحب المذهب إذا كان له في المسألة نص وجب على أصحابه الرجوع إليه فيها فإنهم مع الشافعي كالشافعي ونحوه من المجتهدين مع نصوص الشارع ولا يسوغ الاجتهاد عند القدرة على النص
3. قول الإسنوي هو والأذرعي: لا عذر لأحد في مخالفة نص الشافعي. زاد الأذرعي ومتى وجد للشافعي نص في المسألة طاح ما خالفه.
4. قول الإمام الأصبحي، وإذا وجد للشافعي نص والتصحيح بخلافه فالاعتماد على نصه إذ الفتوى في هذا الزمان إنما هي على الأصح على طريق التقليد له - رضي الله عنه - وتقليده أولى من تقليد غيره فقد كان شيوخ المذهب لا يفتون إلا به، وإن كان عندهم بخلافه فإن الشيخ أبا حامد الإسفراييني كان كثيرا ما يقول في تعليقه كنت أذهب إلى كذا وكذا حتى رأيت نص الشافعي على كذا وكذا ثم آخذ بالنص وأترك ما كنت عليه .
ومما يدل على عدم امتناع مخالفة النووي والرافعي رحمهما الله لكلام الإمام الشافعي من كلام ابن جحر والرملي:
1. قول الشيخ ابن حجر: (( إن الأئمة إذا امتنعوا من مخالفة نص الشافعي وهم بلغوا درجة الاجتهاد فالامتناع لمن لم يبلغها أولى))..
هذا بني على ما قبله، وقد أوضحته، ثم إني أوردت كل هذه النقول في مشاركتي فلا أدري ما الحاجة إلى تكرارها

أما قول أخي أيمن : (( قال المؤلف: وقد بلغ الأمر في اعتماد المتأخرين من الشافعية على قول الشيخين "أن بعض المشايخ منهم كان لا يجيز أحدا بالإفتاء إلا شرط عليه أن لا يخرج عما صححاه فالنووي" وعزاه إلى الفوائد المدنية.قلت ـ أيمن ـ: أليس هذا تقديما مطلقا لقول الشيخين)).
يقول الفقير إلى الله: نعم لكن هذا قول البعض كما ترى في العبارة!
نعم ومشاركتي واضحة في انتقاد البعض لا جميع المتأخرين، وإلا فكيف أحتج بكلام الإسنوي والأذرعي وغيرهم إذا كنت أقصد التعميم.

4. أما قول أخي أيمن : (( ومن المعلوم أن الغالب في تصحيحاتهما كونها مجردة عن ذكر المُوجِب في خصوص المسائل)).
يقول الفقير إلى الله: الذي أراه أن ذلك محل نظر ويحتاج إلى استقراء، والذي أظنه العكس فهم غالبا ما يبينون أن ذلك قول أو وجه .. أو يعبرون بالأصح أو الصحيح أو الأظهر أو المشهور أو نحو ذلك مما يفهِم الأقوال أو الأوجه.
أقصد بتجرد تصحيحاتهم عن الموجب أنهم لا يعللون تصحيحاتهم فلا يذكرون ـ في الغالب ـ المُدرك، ولا لماذا صححوا هذا الوجه وضعفوا ذاك. ولا علاقة لذلك بما تبادر إلى فهمكم، بارك الله فيكم، من التفريق بين الأوجه والأقوال ونحو ذلك.

5. أما قول أخي أيمن : (( أقوال ابن حجر والرملي صريحة في وجوب متابعة الشيخين حتى لو تبدى لمن ليس في رتبتهما أنهما خالفا نص الإمام الشافعي سواء أمكن الوقوف على وجهة نظرهما في ذلك أم لا)).
يقول الفقير إلى الله: لا أراه صحيحا مع النقول السابقة عن الشيخ ابن حجر..
وأنا أراه صريحا فيُترك الحكم للقراء، وكلام الرملي أكثر صراحة من كلام ابن حجر

6. أما قول أخي أيمن : (( وافتراض الإحاطة بالنصوص، مع أنه لم يُزعم لأمثال البيهقي مع ما هو عليه من التفتيش والجمع والاعتناء بنصوص الإمام فكيف بمن هو دونه.)) ..
يقول الفقير إلى الله: لا أرى أي دلالة على الإحاطة بنصوص الشافعي .. بل غاية ما فيها أنهم في تلك المسالة المختلف فيها الظاهر من حالهم -لأنهم لا يخالفون قول الشافعي الذي اطلع عليه إلا لدليل آخر- الاطلاع عليها.. وليس على كل نصوص الشافعي..
الدليل الآخر هل هو نص أم لا؟
إن كان نصا فقد صحت دعواي
وإن لم يكن نصا فهو ليس من المذهب إذا كان بخلاف النص لأن "المذهب نقل" كما لا يخفى.

8. أما قول أخي أيمن : (( قال إمام الحرمين رحمه الله تعالى في النهاية بعد أن استبعد أحد الوجوه لمخالفته النص: "والتخريج على خلاف النص يبعد إلحاقُه بالمذهب، فما الظنُّ بالإعراض عن النص بالكلية. وهذا هو الصواب لا ما قال الرملي. ))..
يقول الفقير إلى الله: لا يظهر لأخيكم تخالف..على انه لو فرض التخالف فالصيرورة إلى الجمع أولى كما قرره العلماء..
الصيرورة إلى الجمع أولى في كلام الشارع لأنه لا يتناقض، أما في كلام شخصين مختلفين، كما هو في هذه الحالة، أو حتى شخص واحد، فيُحمل كل قول على الظاهر. قال تعالى: "ولو كان من من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا".


9. أما قول أخي أيمن : (( أما ما تفضلت بنقله عن ابن حجر فهو مجتزأ، ولعل كامل النقل يعطي صورة أوضح عن مراده وهو لا يكاد يخالف ما قرره مؤلف البحث... الخ))..
يقول الفقير إلى الله: إنما نقلت موضع الشاهد..
لكنكم بارك الله فيكم أغفلتم في الكلام شرطا مهما لجواز الاستدراك بالخطأ والسهو على الشيخين ذكره ابن حجر، وهو وجود الإجماع من المتأخرين على ذلك، وهذا يؤثر كثيرا في معنى الشاهد الذي نقلتموه. والكلام إذا كان مقيدا بشرط فلا يحسن نقله دون شرطه لما يوهمه ذلك من الإطلاق.

11. أما قول أخي أيمن : ((قلت ـ أيمن ـ: وهذا الذي ذكره هنا، رحمه الله تعالى، عن هؤلاء العلماء من الشافعية هو الأولى بالاتباع، وإذا كان خلاف الأصحاب للنص مردودا في المذهب فمن هو دونهم كالنووي والرافعي، رحمهما الله تعالى، أولى)).
يقول الفقير إلى الله: هذا لا خلاف فيه حتى ابن حجر نفسه لا يخالف فيه .. لكن يرى أنه لم يقع حسب ما رأى في المسائل التي اعترضوا عليهما بالنص فوجد نصوصا أخرى للشافعي تؤيد ما ذهب اليه الشيخان.
لم يقع ولا يجوز أن يقع إلا ممن بلغ رتبتهما (وهو غير موجود) ولا نظر إلى ما أطال به الإسنوي وغيره في ذلك من الاعتراض. هذا هو مفاد كلام ابن حجر.


12. أما قول أخي أيمن : (( أقول لعل السبب الأكبر في كثرة اختلافهم في حكاية المذهب ليس ما ذُكر، وإنما استجازةُ كثيرٍ منهم تخريج أقوال ونسبتها للإمام استخلاصا من فروع جزئية له، فقول الإمام عندهم أو عند كثير منهم أعمُّ من أن يكون منصوصا له أو مستقرأً من جملة فروع تدل عليه. وبهذا كثرت الأقوال المنسوبة للإمام في المسائل واختلط ما كان منها مخرجا بما كان منصوصا بعينه. ولقد كان الصواب كما قاله الشيرازي والنووي أن لا ينسب للإمام إلا ما كان منصوصا دون ما خُرِّج. والشافعية في هذا يشبهون الحنفية في تخريج الأقوال الأصولية لأبي حنيفة استنباطا من فروعه فكثر اختلافهم واضطرابهم في ذلك وتعددت مدارسهم، والله أعلم))..
يقول الفقير إلى الله: إن الأصح عند الشافعية ليس ذلك، فلا تنسب تلك التخريجات للإمام مطلقا، بل بقيد كونها مخرجة يقول السبكي : (( وإن لم يعرف للمجتهد قول في مسألة لكن نظيرها فهو قوله: المخرج فيها على الأصح والأصح لا ينسب إليه مطلقا بل مقيدا)) أي بأنه مخرج حتى لا يلتبس بالمنصوص كما في المحلي..
قد أشرت إلى هذا الأصح في كلامي، ولكن هذا لا ينفي الواقع، فكثير من الأصحاب، وسار على نهجهم إمام الحرمين، كان يخرِّج الرأي من بعض المسائل ثم يعزوه قولا إلى إمام المذهب، وهذا هو ما أردتُه، ولا اعتراض بكون هذا صحيحا أو أصح؛ لأنا هنا نبحث فيما كان وَوَقَعَ من كثرة الأقوال وتعارضها قبل أن يأتي الشيرازي والنووي وغيرهم من بَعْدُ فيحددوا ما هو الصحيح وما هو الأصح. فالبحث هنا فيما كان ووقع لا فيما ينبغي أن يكون ويقع.
13. أما قول أخي أيمن : (( ومن الغلو ما جاء عنه أيضا: "وَمَا رَجَّحَهُ ـ أي النووي ـ مِنْ جِهَةِ الْمَذْهَبِ هُوَ الْحُجَّةُ عَلَى جَمِيعِ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْ رُتْبَتَهُ بِلَا مُنَازِعٍ وَلَا مُدَافِعٍ" ))..الفتاوى الفقهية الكبرى (4/ 91)
يقول الفقير إلى الله: لا أرى في ذلك أي غلو؛ إذ رتبة الإمام النووي هي مرتبة المرجحين في المذهب كما هو معلوم.. ومن لم يبلغ درجة الترجيح فكيف ينازع أهل الشأن في أمر لا يعلمه..
الإسنوي والأذرعي والبلقيني والسبكي والزركشي...الخ لم يبلغوا درجة النووي ولا الرافعي فلا نظر فيما انتقدوهما به كما صرح به ابن حجر واستقر عليه من بعده من الشافعية أخيرا؟! هذه هي محصلة كلام ابن حجر المذكور.
ومن يوم ابن حجر حتى الآن ـ وربما إلى يوم القيامة ـ لن يأتي من هو في رتبة النووي والرافعي في المذهب، والنتيجة هي التقليد المطبق لهما رضي الله عنهما. وعليه فقد كان أهل المذهب في البداية"شافعية" ثم صاروا "شافعية نووية" ثم صاروا أخيرا "شافعية نووية حجرية" أو "رملية"، ثم أُغلق بعد ذلك الباب وأُحكم إلا فيما لا نَقْلَ فيه عمَّن مضى ولو أصحاب الحواشي، ولذلك ضَعُفَ المذهب واضمحل، وتعالت الدعوات لنبذ تقليد المذاهب جملة لجمود أصحابها على المنقول وعجزهم عن مواكبة تطورات الحياة، ومسايرة الدليل.
[ومع ملاحظة أن أكثر العبارات التي حصل فيها النقاش هي فتاوى وهي:
· يتوسع فيها ما لا يتوسع في غيرها .
· تؤخر من حيث الاعتماد عن المصنفات.
· إن المسؤول إنما يجيب السائل على ما يصلح له]
هذا صحيح بارك الله فيكم، ولكن ابن حجر أورد مثله في التحفة وأحال في فتاواه على شرح العباب، وهي ليست من كتب الفتاوى، ودفاعه الشديد عن تصحيحات الشيخين حتى في مواطن إجماع المتأخرين على نقدهما والاعتراض عليهما بالنص وغيره يدل على هذا المسلك، وهو ما استقر عليه المذهب بعد ابن حجر والرملي.
وأخيرا –وليس آخرا- اطرح موضوعا للتساؤل وهو هل تقتضي مخالفة نص الشافعي رحمه الله رد غيرها مطلقا؟
.. فإن كان كذلك فما حكم القول المخرج..فإن القول المخرج إنما ينشأ من مخالفة النص كما ذكر الأصوليون فهل نرد جميع الأقوال المخرجة لأنها خالفت الشافعي!!
والقول المُخَرَّج ، هو ما خُرِّج من نص الشافعي في نظير المسألة على حكم مخالف بأن ينقلَ بعضُ أصحابِهِ نصَّ كلٍّ إلى الأخرى فيجتمع في كل منصوصٌ ومُخَرَّج..
وقال الشافعية إن الراجح إما المنصوص وإما المُخَرَّج وإما تقرير النصين والفرق!!
المخرَّج من مسائل الإمام أعم من أن يخالف المنصوص أو يوافقه، أو لا يخالفه ولا يوافقه بأن يكون حيث لا نص فيه عن الإمام.
- فإن وافقه فالقول في المسألة واحد، ولا مشكلة حينئذ
- وإن خالف المنصوص فيتعارضان كما يتعارض النص مع القياس، فيُلجأ إلى الجمع بينهما بتخصيص ونحوه، فإن انسد باب الجمع بالكلية قُدِّم المنصوص على المخرَّج فالمذهب نقل كما اتفقوا عليه.
- وإن لم يكن في المسألة منصوص وخُرِّج للشافعي من مسائله قولٌ فيها فهو المذهب على أن لا يُنسَب إليه بأن يُقال قول الشافعي بل يقال: قول مخرج في المذهب
والله أعلم.

وختاما ..فليعذرني أخي أيمن إن أفرطت في شيء من كلامي وإن كان فيما ذكرت شيئا من الحق فمن الله .. وإن كان غير ذلك فمني والله أعلم..
ما أفرطتَ أخي الكريم ولكنك أَجدتَّ وأحسنتْ، وأنا الذي لعلِّي أفرطت غفر الله لي ولك وجمعنا على الهدى والحق دائما أبدا إنه سميع مجيب .

والحاصل أخيرا هو أنَّا والحمد لله متفقان على أن مخالفة علماء المذهب نصَّ الشافعي، دون حجة يُبديها المخالف من نقل آخر، لا تُعزى إلى المذهب، بل إلى صاحبها على أنها مذهب له، كائنا من كان المخالف.
ولا يصح أن نعتبره قولا أو وجها في المذهب ما خالف فيه الصاحبُ، فمن دونَه، نصَّ الشافعي والتعلل بأنه ربما اطلع هذا المخالف على نص آخر لم يبلغنا، مع تسليمنا بوجود هذا الاحتمال، لكن الله تعالى لم يكلفنا علم الغيب.
وكون ابن حجر والرملي وغيرهم، رحمهم الله تعالى، ممن يقرون بهذا أو يخالفونه، ليس أمراً ذا بال فلا بأس أن نختلف فيه.
علما بأني لست شافعيا بالمعنى المعهود وإنما أتبع الإمام فيما لم أنظر فيه، وما أمكنني فيه النظر أقول بما أراه ـ قدر طاقتي ـ راجحا من أقوال الأئمة من الصحابة فمن دونهم من غير شذوذ، مع إقراري بأني لا أخرج في ذلك عن التقليد، ولكنَّ الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، وقد قال، صلى الله عليه وسلم: لوابصة: استفت قلبك وإن أفتوك وأفتوك وأفتوك.
 
أعلى