رد: إسقاط الصلاة عن صاحب الوسواس القهري.. دعوة للنقاش حول مسألة متشابكة
المجنون قد يقال أنه لا يتوجه إليه خطاب التكليف أصلاً و هو خارج محل البحث الآن .. محل البحث الآن هو في قواعد من قبيل لا واجب مع عذر ، و المشقة تجلب التيسير ، إذا ضاق الأمر اتسع .. إلخ ، ومدى وحيز تطبيقها على مريض الوسواس القهري..
الأخ المبارك محمد سعيد
سلمه الله تعالى ورعاه وزاده الله تعالى حرصاً ووفقه إلى السبيل القويم.
أظنني فهمت الإشكال الحاصل عندك، وسأحاول بتوفيق الله تعالى حلّه، وجزاك الله تعالى خيراً على إثارة مواضيع تستحث بها الهمم والعقول، فالمجيب أكثر استفادة من السائل.
موضوعك هو عن مدى إمكانية إسقاط الصلاة عن صاحب الوسواس القهري.
إذن عناصر الموضوع كالتالي:
- حكم الصلاة على المكلف؛ أعني البالغ والعاقل.
- حكم مرض الوسواس القهري.
- إمكانية إسقاط الصلاة عن صاحب هذا المرض.
إن شاء الله إلى هنا نكون على وفاق، وفقنا الله تعالى وإياكم إلى خيري الآخرة والدنيا.
نبدؤ الآن بالصلاة، ما حكمها؟
عند الفقهاء قاطبة يكفر تارك الصلاة إن كان بالغاً وعاقلاً، وحكموا بهذا الحكم للأدلة الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشديد في حكم الصلاة مثل: " بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة " و "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر " ليس ذلك فقط، بل شنع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرجال المتخلفين عن الجماعات، فلم يمنعه من تحريق بيوتهم!! إلا الأطفال والنساء فيها وهذا تشنيع شديدٌ جداً في حكم من أحكام الصلاة.
ليس هذا فقط بل كان اختلاف الفقهاء رحمهم الله تعالى حول بعد كم صلاة تترك يكفر الإنسان، ولم يتطرقوا إلى إمكانية إسقاط الصلاة عمن هو أهل لها، والأهلية كما بُيِّنَ سابقاً من الكرماء والكريمات، غفر الله تعالى لنا ولهم ورحمنا وتاب علينا جميعاً، أقول: والأهلية هي البلوغ مع العقل.
إذا فهمنا هذا واتفقنا عليه نأتي للمسألة التي ذكرتم، إمكانية تطبيق القاعدة الفقهية: لا واجب مع عذر، ولا حرمة مع الضرورة.
لكن قبل أن نتكلم فيها، لا بد لنا من التوافق كذلك على قاعدة ومبدأ مهم، ألا وهو أن الشريعة مبنية على اليسر والتخفيف.
معنى هذا أنه إذا ورد طلب بصيغة الوجوب على العبد، فلا بد له من أن يمتثله، ليس هذا فقط، بل يمتثله وفق ما طلب منه الشارع الحكيم، أي بالهيئة الشرعية.
لكن قد يكون عند العبد عذر لا يتمكن معه من امتثال أمر الشارع الحكيم كما طلبه منه، فكيف يعمل؟
كما قيل من أن الشريعة مبناها على التخفيف والتيسير، فعندئذ علمنا أن هناك طرائق تمكننا من امتثال أوامر الشارع الحكيم وفق طاقتنا، قال الله سبحانه وتعالى حكاية عن عبده المؤمن: "{ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا }" فقال جل جلاله: "{ قد فعلت }" وقال صلى الله عليه وسلم في حديث طويل: " فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم"، فبهذه الأحاديث وغيرها علمنا أن هناك تخفيف على العبد في حالة امتثاله للأوامر إن كان عنده سبب وعذر شرعي يمنعه من الامتثال وفق طلب الشارع الحكيم جل جلاله.
وهنا نرجع ونقول: هل انتبهت أخي الفاضل الحبيب؟
فهو تخفيف وليس إسقاط وهناك فرق كبير، والسبب في ذلك أننا نتكلم عن حكم تكليفي عيني لا يسقط إلا بزوال مناط التكليف وفي مسألتك التي أوردتها هو العقل، ليس غيره.
الآن بالنسبة إلى القاعدة التي ذكرتم، هي تسقط بعض المأمورات حول الواجب (إن صح التعبير هكذا) فمثلاً، صلاة المنفرد خلف الصف، هل يصليها وحده إن امتلئ الصف الذي قبله أو يجر أحداً من الصف الذي أمامه أو ينتظر قدوم شخص آخر أو أو، لكن لا تسقط فرض الصلاة عنه. ومثل إسقاط الوضوء إلى التيمم لواجد الماء لكن لعذر مانع يمنعه من استخدام المياه.
فالمحصلة النهائية لهذا الكلام الذي كتب نصل إلى التالي:
حكم الصلاة واجب وفرض عيني، للأدلة التي وردت فيها.
حتى تصير واجبة وفرضاً على إنسان ما فلا بد أن يكون بالغاً، وأن يكون عاقلاً
إذن... مناط التكليف ((العقل)) فحتى تُسقط عن شخص ما، لا بد له من أن يتأثر عقله
أما بالنسبة للمسألة الثانية، فنرجؤها لوقت آخر...